ملخص
هل تحديد ريشي سوناك موعد الانتخابات عبارة عن هدف في مرماه – أم أنه هدف الفوز؟
كانت إحدى الحوادث المؤسفة الأولى التي ارتكبها ريشي سوناك في مسار الانتخابات تعثره في إحدى المناسبات بالقمع المروري. كان آنذاك في نادي تشيشام يونايتد لكرة القدم في باكينغهامشاير، يشارك ببسالة في دورة تدريبية مع مجموعة من اللاعبين الشباب. كان من الواضح تماماً من محاولاته لركل الكرة في خط مستقيم أن أياً من المراقبين البارزين لكرة القدم لم يكُن مستاء للغاية من فشله في استقطاب موهبة من جيل أقدم. لكن الكفاءة أو بالأحرى الافتقار التام إليها لم تكُن هي المسألة المهمة.
جاء سوناك إلى هناك لتقديم مؤشر على شيء آخر: ألا وهو أنه شخص عادي مثلنا. كان هناك يفشل في الركض بكرة عند قدميه ليظهر للناخبين أنه، مهما كانت افتراضات الثروة والامتياز التي تلتصق به، هو مثلنا تماماً. لكن على غرار التعليق حول عدم قدرة والديه على شراء اشتراك في "سكاي تي في" عندما كان أصغر سناً، كان ما فعله عبارة عن هدف في مرماه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالنسبة إلى رجال السياسة، لا توجد طريقة أكثر فاعلية للإشارة إلى الاعتيادية من الإعلان عن فهم أهمية كرة القدم. وهذا هو السبب الذي جعل مستشاري ريشي يتأكدون من تصويره في مدرجات في نادي ساوثمبتون لكرة القدم عندما شارك النادي في المباريات الفاصلة الأخيرة في دوري البطولة الإنجليزية. لم يجلس في مدرجات المدرّبين، بل جلس بين الناس، كمشجع عادي.
لا يختلف عنه خصمه سير كير ستارمر. زعيم حزب العمال الذي يستمتع بارتداء قميص إنجلترا أثناء مشاهدة المباريات الدولية، يحب أن يُعرَف بأنه يلعب في صفوف فريق من خمسة لاعبين كل أسبوع مع مجموعة من زملائه. هذا على رغم أنه، ربما بحكمة، أقل ميلاً من رئيس الوزراء إلى دعوة الكاميرات إلى تصويره. وقبل الدعوة إلى الانتخابات مباشرة، أجرى مقابلة موسعة مع "دايلي تلغراف" ليس حول السياسة أو الفلسفة السياسية، بل حول ارتباطه مدى الحياة بنادي أرسنال لكرة القدم. لديه تذكرة موسمية إلى ملعب النادي، "ملعب الإمارات"، ويقول مازحاً إن دعم النادي هو أحد الأشياء القليلة التي يمكن أن يتفق عليها هو وسلفه جيريمي كوربين بكل إخلاص.
اختتمت المناظرة التلفزيونية الأولى للحملات الانتخابية الجارية التي أدارتها جولي إتشينغهام بسؤال حول كرة القدم: ما هي النصيحة التي سيقدمانها إلى غاريث ساوثغيت قبل بطولة أوروبا لكرة القدم؟. أراد كلا الرجلين إثبات معرفتهما باللعبة، وأراد كلاهما الإعلان عن أنهما التقيا شخصياً غاريث، كما أسمياه، مرات عدة. وحاول كلاهما ضم السؤال إلى رسالتيهما الانتخابيتين – تحدث سوناك عن حاجة مدرب المنتخب الإنجليزي هذا إلى خطة واضحة، وتحدث ستارمر عن الحاجة إلى استراتيجية مصممة للفوز.
لا يعني ما ورد أن الأمر كثيراً ما كان هكذا في العمل السياسي البريطاني. خلال ثمانينيات القرن الـ20، كانت مارغريت تاتشر تُدفَع إلى حال من الغضب الشديد إذا ذكر أي من أعضاء حكومتها عبارة كرة القدم. كانت تعتبر كرة القدم انحرافاً وندبة في المجتمع، وتعتبر أنصارها العدو في الداخل. وبالنسبة إلى محافظين بارزين، مثل ديفيد ميلور (تذكروا المسألة المتصلة بارتدائه قميص نادي تشيلسي لكرة القدم) وكين كلارك، وكلاهما كان لديه اهتمام طويل باللعبة، جعل موقف تاتشر هذا الكلام غير الرسمي صعباً. قبل اجتماعات مجلس الوزراء، اضطرا إلى قمع رغبتهما الطبيعية في ملء حديثيهما بدردشة حول كرة القدم، ثم الترتيب للقاء في مكان خاص بعد ذلك حتى يتمكنا من تبادل الثرثرة الملحّة حول اللعبة.
تغيرت الأمور في منتصف التسعينيات. بحلول ذلك الوقت، كانت الحكومات في مختلف أنحاء العالم بدأت تدرك الطفرة القوية في المزاج الوطني التي جاءت من تنظيم بطولات كرة القدم – والفوز بها. أتذكر اللحظة التي انطلقت فيها صفارة النهاية في استاد فرنسا في إشارة إلى فوز فرنسا في نصف نهائي كأس العالم عام 1998 على كرواتيا، إذ رأيت الرئيس جاك شيراك يشق طريقه بشراسة إلى حيث كانت تتمركز أقرب كاميرا تلفزيونية، في توق إلى الاستمتاع بالمجد المنعكس.
في بريطانيا، كان الخبراء الاستراتيجيون في حزب العمال الجديد حريصين على تكريس توني بلير كرجل من رجال كرة قدم. أدرك أليستر كامبل، المؤيد المتحمس لنادي بيرنلي لكرة القدم، المنفعة الانتخابية التي حققها بلير إذ قدّم نفسه كمشجع. المشكلة هي أن قاعدة مشجعي كرة القدم ليست شيئاً يمكن تزويره بسهولة، ذلك أن زعم بلير بأنه يتذكر مشاهدة نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم من مقعده في غالوغايت إند بسانت جيمس بارك كشفه على النحو الواجب أولئك الذين أشاروا إلى أن هذا الجزء الخاص من الأرض كان عندما كان بلير صغيراً عبارة عن مصطبة قائمة بذاتها.
عندما تولى غوردون براون رئاسة الوزراء، تمثّل أحد الأشياء الأولى التي فعلها في دعوة مراسلي كرة القدم إلى حضور حفلة استقبال، حيث أظهر بجرأة أنه، على عكس سلفه، كان مشجعاً حقيقياً. خرج الجميع من تلك الأمسية مندهشين من مدى حماسة رئيس الوزراء الذي يشبه الطالب الذي يذاكر كثيراً. وعلى رغم ذلك، كمشجع لنادي رايث روفرز لكرة القدم، اقتصرت معرفته إلى حد كبير على الدوريات الإسكتلندية الدنيا.
عند انتخاب ديفيد كاميرون عام 2010، كان يحب أيضاً التحدث عن ولعه باللعبة. بالنسبة إليه هو ولع وراثي: كان عمه رئيساً لنادي أستون فيلا لكرة القدم. وعلى رغم ذلك، في صورة هزلية، تمكن مرة في خطاب بطريقة ما من خلط تراثه كمشجع للفريق الذي يرتدي قمصاناً قرمزية وزرقاء من خلال إعلان حبه الذي لا يموت لنادي وست هام لكرة القدم الذي يرتدي فريقه قمصاناً مماثلة. وبصورة ملحوظة، حاول أن يكون أفضل من بلير الذي ساعد بنجاح في جلب الألعاب الأولمبية إلى لندن، من خلال السيطرة على محاولة تنظيم كأس العالم 2018 في إنجلترا. ذهب هو والمشجع الآخر لنادي أستون فيلا، الأمير ويليام، برفقة ديفيد بيكهام، خلال اليوم الأخير من عملية اتخاذ القرار في الاتحاد الدولي لكرة القدم في زيوريخ للضغط لمصلحة موطن "الأسود الثلاثة"، المنتخب الإنجليزي. لسوء الحظ، تعرضت سمعة كاميرون المأمولة على صعيد الكفاءة والإقناع لتشكيك عندما فازت روسيا بالعرض وتبين أن فريق كاميرون تمكن من إقناع مندوب واحد فقط بدعم العرض الإنجليزي.
ومع ذلك، بحلول عام 2021، استضاف بالفعل "ملعب ويمبلي" نهائي بطولة أوروبا المؤجل بسبب "كوفيد". بل أكثر من ذلك، فقد شارك منتخب إنجلترا في النهائي. أما رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون الذي انكشف فهمه للعبة إلى حد ما عندما أوقعه أرضاً، في غضون لحظات من دخوله إلى الملعب في مباراة خيرية، خصم ألماني – فوضع ترتيبات للإعلان عن عطلة وطنية احتفالاً. ولم نتمكن قط من الاستمتاع بيوم العطلة هذا: لقد خسرت إنجلترا بركلات الترجيح أمام إيطاليا.
بعد ثلاثة أعوام، مع تكريس جونسون الآن مزيداً من الوقت لكتابة مذكراته، مضى خليفة خليفته، سوناك، خطوة أخرى إلى الأمام. وأخذ زمام المبادرة من سلف غير متوقع.
على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصلت تصرفاته الغريبة الساعية إلى لفت النظر في مباريات كأس العالم الأخيرة إلى مستويات كوميدية، لم يكُن هارولد ويلسون خائفاً قط من استخلاص الإيجابيات كلها التي يمكنه الحصول عليها من النجاح الكروي. تولى رئاسة الوزراء للمرة الأولى في مارس (آذار) 1966، لذلك تمكن في وقت لاحق من ذلك العام من ادعاء المسؤولية عن انتصار على أرضه في كأس العالم.
قال في خطابه القيادي أمام مؤتمر حزبه في خريف عام 1966: "هل سبق لكم أن لاحظتم أن إنجلترا لا تفوز بكأس العالم إلا في ظل حكومة عمالية؟".
عام 1970، دعا إلى انتخابات عامة تزامنت مع دفاع إنجلترا عن كأسها في المكسيك. وبدا أن توقيته نموذجي لعقله السياسي. بعدما حقق أداء جيداً في الانتخابات المحلية في مايو (أيار)، تقدم حزب العمال بفارق 7.5 نقطة في استطلاعات الرأي. والأهم من ذلك، اعتقد كثير من المراقبين بأن فريق إنجلترا بقيادة ألف رامسي الذي كان يعبر المحيط الأطلسي كان أفضل تكتيكياً من فريق إنجلترا الذي رفع الكأس قبل أربعة أعوام؛ هنا برزت الفرصة مرة أخرى لعقد رابط مع انتصار دولي.
مثل توقيت ويلسون، كان توقيت سوناك متعمداً. دعا إلى هذه الانتخابات في الرابع من يوليو (تموز) المقبل، إذ من المحتمل أن تلعب إنجلترا بقيادة غاريث ساوثغيت مباراة حاسمة في دور الـ16 قبل يومين. يتلخص أمله في أن المزاج الوطني المعزز قد يساعده إذا كان هاري كين وجود بيلينغهام وزملاؤهما لا يزالون في طريقهم إلى تحقيق الانتصار النهائي. لديه وجهة نظر. عام 2010، قدر الباحثون في جامعة ستانفورد أن فوز فريق وطني قبل 10 أيام من الانتخابات منح السياسيين الحاليين 1.61 في المئة إضافية من الأصوات. وبالنسبة إلى زعيم في أزمة مثل سوناك، يشكل أي قليل عاملاً مساعداً.
لكن ربما كان على رئيس الوزراء أن يدرس كتاب التاريخ خاصته بدقة أكبر. إذا كان ويلسون اعتقد بأنه يستطيع ركوب موجة من الحماسة الوطنية من خلال الدعوة إلى إجراء انتخابات في خضم مباريات كرة القدم، فقد خاب أمله بسرعة. بعد أربعة أيام من تقدم إنجلترا بهدفين في ربع النهائي ضد ألمانيا الغربية، خسر ويلسون أمام المحافظين، بقيادة إدوارد هيث، والأخير ليس رجلاً مشهوراً بمحبته للعبة.
وبينما كان ويلسون مصراً على أنه لم يقُم بأي محاولة للاستفادة – "حكم بلد لا علاقة له بدراسة لسلسلة مباريات كرة القدم خاصته"، رأى كثيرون من النقاد صلة بين النتيجتين.
اعتبر عدد من الناخبين أن فشل إنجلترا في كأس العالم كان من أعراض أمة في حال تدهور. ونال ويلسون من اللوم ما ناله رامسي، ذلك أن توني كروسلاند الذي فقد وظيفته كوزير للبلديات في هزيمة انتخابية، كتب في مذكراته يقول إن البؤس الذي أصاب حزب العمال في صناديق الاقتراع كان بسبب "ملايين الساخطين من مباراة ذلك اليوم".
لذلك عندما يتعلق الأمر بكرة القدم، قد يكون ريشي حكيماً في قراءة الوقائع. بعد يومين من بدء الحملات الانتخابية الحالية، فاز نادي مانشستر يونايتد على نادي مانشستر سيتي في نهائي كأس الدوري الإنجليزي. واكتشف الخبير في استطلاعات الرأي الأستاذ روجر مورتيمر أن لون قميص الفريق الذي يفوز بنهائي مباريات الكأس هو مؤشر دقيق إلى من سيفوز في الانتخابات مثل أي مؤشر آخر. في 15 من أصل 20 انتخابات منذ عام 1950، إذا فاز فريق لون قمصانه أزرق بالكأس في ذلك العام، فهذا يعكس نجاح حزب المحافظين، وإذا كان الفريق الفائز يرتدي قمصاناً حمراء، فاز حزب العمال. وعام 2024، انتصر ذوو القمصان الحمراء على ذوي القمصان الزرقاء.
© The Independent