ملخص
عندما يتشارك الناس الأهداف والنشاطات، غالباً ما يساعدهم هذا في تكوين علاقات أقوى ومع اتجاه الأشخاص نحو إعطاء المزيد من الأولوية لأسلوب الحياة الصحي، يبحثون عن شركاء يشاطرونهم هذا الالتزام
لم تكن هايلي* بصدد البحث عن الحب عندما انضمت إلى نادي الجري في منطقتها. وتشرح السيدة البالغة من العمر 30 سنة التي تعمل مُساعِدة في مجال التسويق أن الأمر "كان مجرد نشاط ممتع أقوم به كل عطلة نهاية أسبوع". لكن بعد ذلك، التقت رجلاً- فلنسمه روب. "أصبحنا صديقين في البداية وتطورت الأمور بعد ذلك. طلب مواعدتي بعد شهرين". كان ذلك قبل ثلاثة أعوام. ولا تزال الأمور تتطور بسرعة بينهما، إذ يسكن الثنائي معاً في شمال لندن ويمارسان رياضة الجري جنباً إلى جنب في كل مكان بصورة منتظمة.
وتذكر هايلي أن الجري "كان وسيلة للتعرف إلى شخص بحرية. فهو يحررك من الضغط لأنكما تتشاركان هذا الاهتمام، وأنتما تقومان بعمل تحبانه. وكل واحد يقوم بهذا النشاط من أجل نفسه. فلا تضعان ضغوطاً كبيرة على هذا النشاط ولهذا لا يبدو لكما تصرفاً مصطنعاً".
ليس من الصعب أن يرى المرء عامل الجذب في هذا الموضوع، لا سيما بالنسبة إلى الأشخاص الذين فقدوا الأمل منذ فترة طويلة بمهزلة المواعدة عبر الإنترنت. وربما من غير المفاجئ ألا تكون هايلي الشخص الوحيد الذي التقى شريكاً من خلال نادٍ للجري. إذ تقول سارة جاين كلارك أيضاً "انسجمنا فوراً"، وهي تتحدث عن شريكها بول الذي التقت به من خلال منصات التواصل الاجتماعي التابعة لنادي الجري الذي تنتمي إليه، خلال الجائحة. "اشتقت كثيراً لنادي الجري وبسبب الإغلاق كنت أركض وحدي. انضممت وبول إلى إحدى الفعاليات الافتراضية وشجع كل منا الآخر. ثم حل سبتمبر (أيلول) 2021 وخططنا للقاء في ماراثون شيفيلد هول". تزوج الثنائي خلال الخريف الماضي.
ولا يحدث ذلك في المملكة المتحدة فقط. ما عليكم سوى إلقاء نظرة على منصات التواصل وستجدون آلاف نوادي الجري حول العالم- قدم عدد كبير منها خدمات تعارف من دون قصد. في الولايات المتحدة، لديك نادي فينيس للجري الذي يوثق قصص العلاقات الناجحة عبر تيك توك. فلنأخذ مثال جو وميرين اللذين التقيا خلال إحدى جلسات التدريب في النادي. طبعاً خلال موعدهما الأول خرجا للركض مسافة طويلة ثم حضرا حصة يوغا وتناولا بعدها السلطة. وتقول ميرين في فيديو حصد أكثر من 383 ألف مشاهدة "في البداية كنت مترددة في بدء علاقة رومانسية مع شخص من النادي لأنني انتقلت أخيراً إلى لوس أنجليس وكوّنت صداقات داخل نادي الجري، لم أرغب بالمخاطرة بتعقيدها بعلاقة رومانسية، لكنني تغلبت على ترددي وقررت المضي قدماً في العلاقة".
بالانتقال إلى النصف الجنوبي للكرة الأرضية، أصبحت تطبيقات الجري باعتبارها النسخة الجديدة عن تطبيقات المواعدة أمراً شائعاً في أستراليا. يعتبر سامي وزاك، اللذان كانا عازبين، قصة نجاح لهذه الظاهرة؛ تزوجا حديثاً بعدما التقيا في إطار مجموعة للجري مقرها سيدني. وقالت سامي لموقع News.com.au : "تطورت علاقتنا من خلال الجري. عندما تركضان جنباً إلى جنب لساعات طويلة، تستطيع التعرف حقاً على الآخر لأنك لا تشتت انتباهك بالهواتف أو وسائل التواصل الاجتماعي. كنا نتدرب على سباقات الماراثون، لذلك تعرفنا على بعضنا بعضاً أثناء الجري والدردشة".
منذ الجائحة، تضاعفت شعبية أندية الجري. وفقاً لتقرير صادر عن شركة نيلسن للبيانات الرياضية عام 2012، بدأ 13 في المئة من العدائين الذين شملهم استطلاع الرأي بممارسة هذه الرياضة أثناء الإغلاق، فيما قال 22 في المئة من بقية المشاركين الذين كانوا يمارسونها قبل الجائحة إنهم أخذوا بالجري أكثر أثناءها. كما يزداد استخدام تطبيقات مثل سترافا فيما يتواصل ارتفاع مبيعات شركات أحذية الجري مثل هوكا التي سجلت ارتفاعاً قياسياً في مبيعاتها السنوية في 2023 ولا يزال وضعها في تقدم مستمر.
هذا العام شهد نصف ماراثون هاكني تسجيل رقم قياسي من المشاركين، بلغ 25 ألف شخص- أتى كثير منهم من نوادٍ للجري، ومنهم هايلي وروب. ثم احتفل الثنائي بعد نهاية الماراثون مع الأصدقاء. وقالت هايلي "هذا ممتع جداً لأن السباقات تليها دائماً حفلات وفعاليات اجتماعية كثيرة".
ظاهرياً، لا شيء أقل رومنسية من الجري. فكروا في الموضوع: أنتم على الأرجح غارقون في العرق ووجهكم أحمر وتلتقطون أنفاساً لاهثة وترتدون ثياب رياضة تلتصق بجسمكم في بعض الأماكن غير المناسبة بينما هي فضفاضة في أماكن أخرى، ما لم تكن جديدة. وهذه ليست الظروف الموائمة للعثور على الحب. ومع ذلك، فانعدام الادعاء والزيف يجعلان من هذا النشاط الظرف المناسب للقاء شريك.
وتشرح كايت دايلي، متخصصة العلاقات التي شاركت في تأسيس شركة Amicable الإلكترونية الرائدة في خدمات الطلاق "إن وجود شغف مشترك يرسي أساساً للعلاقة. عندما يتشارك الناس الأهداف والنشاطات، غالباً ما يساعدهم هذا العامل في تكوين علاقات أقوى. في الوقت الحاضر، يعطي العديد من الأفراد الأولوية لأسلوب حياة صحي ويبحثون عن شركاء يشاركونهم هذا الالتزام. من هذا المنطلق، يوفر نادي الجري مساحة لالتقاء أشخاص لديهم التفكير نفسه ويثمنون اللياقة البدنية والصحة، مما يزيد من فرص انسجامهم مع بعض".
كما أن الشعور بوجود مشقة وضرورة تحملها كفيل بتشكيل روابط- فالجري ليس رياضة سهلة وحتى العدائين المخضرمين يواجهون صعوبة في الركض لمسافات طويلة. وتقول هايلي "عندما نكون في ثياب الجري، نكون هشين وسريعي التأثر، عندما تمارس الرياضة مع أحدهم، تعيش حالاً خالية من التجميل والتكلف وعندما تراهم وهم يبذلون أقصى جهدهم، تشعر بأنك أقرب إليهم".
في لندن، أحد أندية الجري الأكثر شعبية ويدعى "العداؤون اللطيفون" Your Friendly Runners، لديه 24 ألف متابع على "إنستغرام" وينظم فعاليات اجتماعية بصورة منتظمة بعد نشاط الجري الأسبوعي. ويقول مؤسس النادي مات هوروكس "رأينا شخصياً كيف يمكن للجري أن يوفر مساحة إيجابية يلتقي فيها أشخاص يتشاركون في طريقة التفكير فيتواصلون مع بعضهم بعضاً ويتقربون من بعضهم بعضاً. سواء كان انضمام أشخاص عازبين إلى النادي بهدف لقاء عازبين آخرين أم لا، يمثل هذا النشاط مساحة آمنة للترابط بلا ضغوط كبيرة ولا توقعات، وليس من المفاجئ أن يؤدي هذا الجو إلى ارتباط الأشخاص ببعضهم. يسعدنا جداً أن نقول إن بعض الأزواج السعيدين جداً التقوا أثناء الجري معنا حول هاكني".
إنها مساحة آمنة للترابط بلا ضغوط كبيرة ولا توقعات، وليس من المفاجئ أن يؤدي هذا الجو إلى ارتباط الأشخاص ببعضهم
مات هوروكس، مؤسس نادي العدائين اللطيفين
يؤدي العلم دوراً في هذا المجال أيضاً. بفضل إطلاق هرمون الإندورفين (الذي يعزز مشاعر اللذة في الجسم)، تجعلنا ممارسة الرياضة نشعر بأننا في مزاج جيد، وهذا ما يخلق بيئة من الفرح تشكل المناخ المناسب لتكوين روابط ثمينة. وتضيف دايلي: "يخلق الإندورفين الذي يُطلق أثناء ممارسة الرياضة بيئة إيجابية تحسن المزاج. وقد يجعل هذا الجو الأشخاص أكثر وداً وانفتاحاً على الآخرين وعلى تكوين علاقات جديدة بما فيها علاقات عاطفية".
كما أن الجري فيه صورة خاصة من مظاهر الصدق. فأنت مضطر إلى التركيز على وضع قدم أمام الأخرى، وعليك التخلي عن غرورك. وقد يبدو ذلك غريباً، لكن عندما يقوم غريبان بهذا النشاط معاً، يمكن أن يقربهما جداً من بعضهما بعضاً، مع تعرق أو من دونه. وتقول دايلي "إن ممارسة النشاط ومشاهدة الآخرين في وضع صحي ونشط يمكن أن يزيد من احتمالات الانجذاب إليهم".
هناك عامل آخر يجعل نوادي الجري مليئة بالفرص بالنسبة إلى العازبين وهو انتظام التفاعل. فالتعامل بصورة مستمرة مع مجموعة الأشخاص نفسها يزيد فرص تشكيل روابط معهم. وتقول دايلي إن ذلك "يعني مزيداً من الفرص للتفاعل والتعرف إلى الآخرين، وهذا التفاعل المنتظم قادر على الإسهام في بناء صداقة أولاً، قد تتطور من الناحية العاطفية مع الوقت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا شيء نحتاجه جميعاً، لا سيما في حقبة هيمنة العالم الافتراضي، وفي ظل شح الأماكن التي يمكننا فيها أن نلتقي مجموعة الأشخاص نفسها، المرة تلو الأخرى، في ما خلا مكان العمل. تتوفر لنا هذه المساحة خلال طفولتنا في ساحة المدرسة، وفي الحرم الجامعي، خلال دراستنا الجامعية لكن في ما عدا ذلك، علينا باعتبارنا بالغين أن نبذل جهداً كبيراً لكي نلتقي أشخاصاً جدداً ونكون علاقات، سواء عاطفية أم غير ذلك. لا سيما بعدما اعتدنا المواعدة عبر الإنترنت، وأصبحت فكرة التقرب من الآخرين على أرض الواقع غريبة جداً.
وتقول دايلي "إن كنت نشطاً في مجال المواعدة منذ فترة، ربما تشعر بالإرهاق بسبب تكرار عملية سحب الشاشة والتراسل حتى من دون إقامة أية صلة ذات معنى. قد تشكل الحاجة المستمرة للتعريف عن نفسك ونقص التفاعل الحقيقي مصدر تعب للإنسان". وما يفاقم هذا الوضع هو طريقة عمل تطبيقات المواعدة: فهي تركز على الشكل. صحيح أن الصفحات الشخصية تحوي بعض المعلومات عن الأشخاص لكن أهم عناصر الملف هي في الغالب صورة.
وتشرح دايلي أن "تطبيقات المواعدة غالباً ما تحول التركيز إلى الشكل وليس الشخصية وهذا قد يؤدي إلى الشعور بالسطحية وبأنك شيء مجرد من الإنسانية ولا قيمة لشخصك الحقيقي. كما أن انتشار الملفات الشخصية المزورة والسلوك الخادع مثل تزييف الهوية بغرض الاحتيال يقوض الثقة بتطبيقات المواعدة ولهذا يختصر نادي الجري كل هذه الأمور".
وهذا صحيح على ما يبدو. إذ خلافاً للملف الشخصي في تطبيقات المواعدة الذي يسمح لك بالاختباء وراء فلتر الصورة وبعض المعلومات المباشرة، تفرض عليك نوادي الجري خلع كل صور الادعاء والتصرف على طبيعتك. ويقول مدرب العلاقات سام موريس "يمكنك أن تكون على سجيتك وهذه هي الطريقة الوحيدة لكي تعثر على شريكك فلا أحد يدعي بأنه أفضل نسخة عن نفسه مثلما يفعل على تطبيقات المواعدة في العالم الافتراضي لأن الذين ينضمون لنوادي الجري لا يفعلون ذلك بحثاً عمن يواعدونه بل من أجل الجري". نظراً إلى نسبة النجاحات في هذا الصدد، ربما يكون الأمر مجرد مسألة وقت حتى يتغير ذلك.
*استُبدلت الأسماء الحقيقية
© The Independent