ملخص
إدانة هانتر والقبول الذي أبداه بايدن تجاه خطيئة ابنه فيما شدد على الحب الذي يكنه وزوجته جيل له يعكسان تماماً طبيعة جو بايدن. هذه الطبيعة تشكل نقيضاً صارخاً للطريقة التي رد بها ترمب على الإدانة التي وجهت له.
في غضون ثلاثة أسابيع برزت أمام المحاكم الأميركية قضيتان استثنائيتان وغير مسبوقتين. في القضية الأولى دين رئيس سابق للولايات المتحدة بـ34 تهمة، إذ ارتكب وفق هذه الاتهامات أفعالاً جنائية عبر تسديده أموالاً لإسكات نجمة أفلام إباحية سابقة. وفي القضية الثانية وهي الأحدث دين ابن الرئيس الأميركي الحالي بتهمة شراء مسدس عندما كان لا يزال مدمناً على المخدرات، وبالتالي قام بالكذب في الاستمارة التي كان عليه تعبئتها للإفادة بأنه تخلص من الإدمان.
وعندما دين دونالد ترمب في القضية الأولى تعالت منه ومن أنصاره صيحات الغضب إزاء الظلم الواقع به، والخطأ المتمثل برفع القضية من أساسها. وزعموا أن ترمب بريء وما حدث استغلال للنظام القضائي الخاضع لـ"الفاسد جو بايدن" بغية إضعاف خصمه في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). ووصفوا النظام القضائي بالفاسد والقاضي بأنه متحيز وبأن مدعي عام المقاطعة "مدعوم من سوروس" – بالطبع لن تكتمل أية مؤامرة تستحق اسمها دون ذكر الممول اليهودي جورج سوروس بطريقة ما.
أما في القضية الثانية فقد صدر من الرئيس بيان مقتضب يتعلق باتهام ابنه المضطرب هانتر. وفيما كان يحضر قمة مجموعة السبع علق قائلاً "أنا فخور للغاية بابني هانتر. لقد تغلب على الإدمان، إنه أحد أذكى الرجال الذين أعرفهم وأكثرهم احتراماً"، قبل أن يضيف "أنا راض بهذا (الحكم) ولن أفعل أي شيء – سبق أن قلت إنني التزم بقرار هيئة المحكمة. سأفي بهذا. ولن أصدر أمراً بالعفو عنه".
هذان الموقفان يشكلان في الحقيقة نموذجاً للتناقض التام، أليس كذلك؟
لكن هل سيعني الأمر الآن أن ترمب سيسقط سلسلة شكاواه؟ هل سيقبل بمشروعية القضية المرفوعة ضده، ويتبع القانون الذي تقتضيه إدانة أصدرتها هيئة تضم 12 شخصاً من مواطنيه؟ هل سيقبل الآن ولو على مضض أن الجميع متساوون أمام القانون – ولا أحد فوق القانون – حتى لو كان الشخص رئيساً سابقاً أو ابناً لرئيس؟ هل سيقوم باختصار بوقف الهراء الذي يتفوه به ويكف عن التقويض الخطر الذي يمارسه بحق القضاء، أحد الفروع الثلاثة الرئيسة للديمقراطية الأميركية؟
أعلم، أعلم. لقد أدركتم الجواب حتى قبل إنهائي المقطع السابق. بالطبع لن يفعل. بل إن قاعدته تعيد اليوم صياغة نظريات المؤامرة كي تناسب الواقع الجديد. فهم الآن يقولون إن محاكمة هانتر بايدن جاءت لصرف الأنظار: خدعة. فهانتر مذنب بارتكاب جرائم أسوأ بكثير وجرائم ترتبط بوالده الذي يلعب دور المتآمر وحقيقة أن قيام وزارة العدل الفاسدة بإدانته بتهمة حيازة سلاح بسيطة، ليست سوى عملية تضليل. إنها عملية خفة يد ليس أكثر. لا تنخدعوا. فالأمر في الحقيقة أن هناك أجندة خفية ومستوى أعمق من التعقيد وراء المشكلات القانونية التي يواجهها هانتر بايدن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ناهيك بأن القضية المرفوعة ضد ترمب غير مرتبطة على الإطلاق بوزارة العدل في واشنطن العاصمة، إذ إنها رفعت من قبل ولاية نيويورك. وهي لم تكن قضية فيدرالية لذا فإنها ليست من اختصاص وزارة العدل، ولم تتطلب تدخل المدعي العام ميريك غارلاند وبالتأكيد ليس لها أية علاقة بجو بايدن.
وفي المقابل كانت قضية هانتر بايدن قضية فيدرالية. قضية كان بوسع مدعي عام (إدارة) جو بايدن التدخل فيها لكنه لم يفعل. ولو أراد المرء أن يكون منطقياً لقال إن هذا يظهر أن نظام العدالة يعامل الأفراد على قدم المساواة بموجب القانون، كنت ابناً لمتشرد أم ابناً للرئيس القانون سيطبق عليك دون تمييز.
ولكن هنا تكمن المفارقة. بوسع المرء بسهولة كبيرة أن يقول وبعيداً من أن يكون ترمب من تعرض لإساءة النظام القضائي، إن من أسيء إليه في الواقع هو هانتر بايدن. لقد كان غير صادق بالطبع حين ملأ الاستمارة التي توضح خلفيته قبل أن يشتري السلاح. إلا أن هذا في العادة يعد جنحة – مخالفة صغيرة عقوبتها بسيطة. وهو بدل ذلك اتهم بارتكاب جريمة جنائية خطرة جنحة يستحق فاعلها السجن. تهمة الجناية تطبق فقط لو كان استخدم لاحقاً وبصورة غير قانونية السلاح الذي اشتراه، وذاك لم يحصل. لذا من المنطق القول إن هانتر عومل بقسوة.
وهذا ما يغضب جمهور الـ"ماغا" (الـMaga أي "لنجعل أميركا عظيمة من جديد"، شعار حملة ترمب). أولاً هم يعارضون بطبيعتهم أي شيء من شأنه أن يحد من حق الأشخاص في حمل السلاح، وذاك يقودهم إلى الاعتقاد أن وزارة العدل تخفي تجاوزات أكثر خطورة يرتكبها نجل الرئيس، وهي تجاوزات قد تورط الرئيس نفسه.
والمزاعم بأن جو بايدن كان يستفيد من أنشطة نجله التجارية كثيرة ومروعة – لكنها من دون أية أدلة دامغة. نعم صحيح، وعلى نحو لا شك فيه أن هانتر بايدن تاجر باسم والده. إذ من الصعب رؤية سبب آخر لتعيينه مديراً لشركة طاقة أوكرانية إلا حقيقة أن والده كان آنذاك نائباً للرئيس (خلال حقبة باراك أوباما). لكن رشى لجو؟ مدفوعات من شخصيات صينية مجهولة أثارت أوساط اليمين؟ وأثارت المدفوعات المزعومة من محاورين صينيين مجهولين قدراً كبيراً من الإثارة داخل الدوائر اليمينية. ومع ذلك فإن الخوض في تحقيق مالي مفصل شبيه بـ"كل رجال الرئيس" [إشارة إلى الصحافة الاستقصائية التي كشفت فضيحة ووترغيت خلال إدارة الرئيس نيكسون] يكشف عن أن هذا المسار لا يؤدي إلى المقيم الحالي في البيت الأبيض.
هانتر بايدن عاش حياة مضطربة. أمه وشقيقته الطفلة قتلتا في حادثة سيارة، وهو إلى حد ما عاش في ظل شقيقه التوأم، بو – المحارب السابق في العراق والمحامي الناجح الذي كان مستقبله السياسي الكبير بانتظاره قبل أن يموت فجأة بفعل سرطان في الدماغ. وكان بو بايدن الصبي الذهبي وهانتر التوأم المأزوم. الأدلة الصارخة التي تليت في المحكمة عن سلوكات هانتر قاسية ومؤلمة لعائلة بايدن.
إزاء هذا – ولنكن باردين وقساة بعض الشيء في الموضوع – هل يمكن أن تكون إدانة هانتر مفيدة سياسياً للرئيس؟ إدانة هانتر والقبول الذي أبداه بايدن تجاه خطيئة ابنه فيما شدد على الحب الذي يكنه وزوجته جيل له يعكسان تماماً طبيعة جو بايدن. هذه الطبيعة تشكل نقيضاً صارخاً للطريقة التي رد بها ترمب على الإدانة التي وجهت له. والأمر يظهر أن جو بايدن يحترم المؤسسات التي تقوم عليها الولايات المتحدة، بينما ينقلب ترمب على أي شخص أو أمر يعاكسانه. من المنطق أن يفرض هذا الشيء مساعدة كبيرة لبايدن. لكن متى كانت آخر مرة لعب المنطق فيها دوراً؟
© The Independent