Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمين سر الفاتيكان في بيروت... عين على الجنوب وعين على الرئاسة

الكاردينال بارولين يجري زيارة راعوية لكنها تحمل رسائل مهمة استناداً إلى دبلوماسية الكرسي الرسولي الصامتة والفعالة

الكاردينال بارولين في لقاء سابق مع البطريرك الراعي (حساب البطريركية المارونية على إكس)

ملخص

يسعى الفاتيكان إلى التأكيد أنه معني بحماية لبنان وليس فقط المسيحيين، إذ إن ثلاثة ملفات لبنانية تقلق البابا فرنسيس، وهي: هوية لبنان ورئاسة الجمهورية وخطر الحرب.

الزيارة راعوية بامتياز بناء على دعوة من منظمة "فرسان مالطا"، وهو التوصيف الذي أعطي لزيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، وهو الشخصية الثانية في الفاتيكان بعد البابا، إلى لبنان، التي بدأت في الـ23 من يونيو (حزيران) الجاري وتستمر حتى الـ27 منه.

وستقتصر لقاءاته السياسية المعلنة على رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اللذين سيلتقيهما الأربعاء، كما سيعقد اجتماعاً مع البطاركة الكاثوليك بحضور البطريرك الماروني بشارة الراعي.

الزيارة المحددة منذ زمن تهدف لترؤس قداس منظمة "فرنسا مالطا"، وعيد شفيعها مار يوحنا المعمدان، وللاطلاع على مشاريع المنظمة في لبنان وبرامجها العاملة على مختلف الأراضي اللبنانية منذ أكثر من 70 عاماً وبشكل مستمر، وتطاول النواحي الصحية والاجتماعية والزراعية والإنسانية، لتمكين المجتمعات المحلية من الصمود والبقاء في أرضهم، وعلمت "اندبندنت عربية" أن الكاردينال سيزور مراكز المنظمة الثلاثة في البقاع والشمال وكسروان.

ولكن على رغم الطابع الراعوي الرسولي للزيارة، ثمة ما يستدعي التفكير العميق في خلفية الرسائل التي سيحملها بارولين بالاستناد إلى دبلوماسية الكرسي الرسولي الناشطة، لكن بصمت على أكثر من مستوى لإنقاذ لبنان.

ويكشف مصدر دبلوماسي أوروبي لـ"اندبندنت عربية" عن اتصال حصل بين دوائر الفاتيكان والحكومة الإسرائيلية قبل توجه بارولين إلى لبنان، تناول الوضع على الحدود الجنوبية اللبنانية، كما لا يمكن فصل الزيارة عن اللقاء الذي جمع أخيراً موفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان مع البابا فرنسيس في عاصمة الكثلكة قبل حضوره إلى بيروت.

هاجس الهوية والرسالة

التصريح الأول للكاردينال بارولين من مطار رفيق الحريري الدولي عكس بين سطوره هاجساً على هوية لبنان عندما قال "نعلم جيداً خصوصية هوية لبنان في الشرق الأوسط وسنعمل على الحفاظ عليها"، ويؤكد مصدر دبلوماسي مقرب من الفاتيكان أن الكرسي الرسولي يعي الخطر الذي يحدق بهوية بلد الأرز ورسالته من شموليات أيديولوجية معسكرة، كذلك من نزعات تفتيتية للدولة، مما يكسر الصيغة الميثاقية في العقد الاجتماعي حيث المواطنة ضمن التنوع هي الأساس. أما المعادلة الأخطر في كلام أمين سر دولة الفاتيكان، فكانت حول رئاسة الجمهورية، إذ عبر بدقة "نعلم من يعرقل انتخاب رئيس للجمهورية، لكن الأفضل ألا نقول من، أو لا يمكننا أن نقول"، وفي هذا تعبير دقيق عن المعوقات التي توضع لضرب فكرة الدولة في لبنان وانتظام مؤسساتها.

ويؤكد المصدر الدبلوماسي أن الفاتيكان معني بصون هوية لبنان الحضارية مذكراً بأن ما قاله البابا فرنسيس في أواخر أغسطس (آب) 2020 بأن "لبنان في خطر داهم" لم يكن تفصيلاً، وهو كان أوفد بعدها إلى لبنان الكاردينال بارولين في زيارة استثنائية إبان انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، إذ أكد خلال ترؤسه حينها قداساً في بازيليك "سيدة حريصا" (محافظة جبل لبنان)، "ثقوا أيها اللبنانيون أننا لن نترككم مع أصدقائنا في العالم الحر، ولن نسمح بسقوط لبنان". وفي حديث جانبي بعد القداس، قال بارولين لصديق مقرب من الفاتيكان إن "الصمود هو الأساس، قوموا بما يلزم، لبنان الحرية والأخوة يحتاج إليه العالم وهو أمانة بأيديكم وأيدينا". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أي تأثير للدبلوماسية الهادئة 

وعلى وقع إمكان توسع الحرب على لبنان، يسأل كثيرون ماذا يمكن أن تقدم زيارة أمين سر الفاتيكان إلى بيروت، وأي تأثير لدبلوماسية ناشطة لكن هادئة للكرسي الرسولي؟ ويشرح أحد المطلعين على سياسة الفاتيكان أن لعاصمة الكاثوليك قنوات دبلوماسية هادئة لكن فعالة، بعيداً من الضوضاء السياسية والإعلامية على حد سواء. وقليلون يعلمون أن الفاتيكان هي التي سعت إلى تشكيل المجموعة الخماسية الدولية والعربية من أجل لبنان والمكلفة بمتابعة القضية اللبنانية والبحث عن حل للأزمة، وكان للفاتيكان ولا يزال دور مؤثر في تثبيت أجندة المجموعة الخماسية القائمة على "تحرير الدستور اللبناني وتصويب الحقائق، بمعنى عدم اعتماد تدوير الزوايا استناداً إلى موازين قوى مختلة". ويتابع المصدر أن "الكرسي الرسولي لا يقارب القضية اللبنانية من بوابة عوارض الأزمة، بل في المسببات العميقة، وهو يدرك في عمق دوائره عمق التهديدات للهوية اللبنانية، من خلال الانقلاب على الدستور واتفاق الطائف، بما هما ضمانة للصيغة والميثاق". والمعلوم أن "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية ما كان لينجح لولا الفاتيكان، الذي كان له دور أساس وفاعل في الاتفاق.


لحماية كل لبنان

المقربون من دوائر الفاتيكان يؤكدون أن الكرسي الرسولي يعلم أيضاً عمق التهديدات للسيادة اللبنانية من خلال خطف القرار اللبناني ضمن خيار حلف الأقليات، الذي ينظر له للأسف بعض المسيحيين، مما يشكل اغتيالاً لمعنى لبنان.
ويكشف مصدر دبلوماسي عن أن الكاردينال بارولين ومعه وزير الخارجية المونسنيور ريتشارد غلاغير يقومان بجهود استثنائية على المستوىين الإقليمي والدولي، وهما يتابعان حتماً مع السفير البابوي في لبنان باولو بورجيا الدينامية الداخلية، وفي مقدمها المسار الذي أطلقته البطريركية المارونية لإنجاز وثيقة تاريخية تشخص الأزمة وتقدم خريطة طريق عملانية للإنقاذ. ويؤكد المصدر الدبلوماسي أن الكرسي الرسولي معني بإنقاذ لبنان وليس فقط المسيحيين كما يصور بعضهم، ولو أن لمسيحيي لبنان خصوصية استثنائية ضمن اهتماماته. وثبت للفاتيكان معادلة دقيقة لم يتنبه لها كثيرون، تؤشر إلى أن ملء الشغور الرئاسي لا يمكن أن يتم بأي ثمن، أي لا يمكن أن يتم باستكمال تسليم لبنان إلى من يخطف قراره ويدمر هويته، ومن هنا يأتي خيار "الصمود لانتخاب رئيس سيادي إصلاحي إنقاذي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير