Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرحية "الأرتيست" تسترجع مسيرة الفنانة زينات صدقي

نجمة الكوميديا المصرية عندما كرمها السادات لم تجد فستانا للاحتفال

الممثلة هايدي عبد الخالق تؤدي دور زينات صدقي في المسرحية (خدمة الفرقة)

ملخص

 على مسرح مركز الهناجر للفنون في القاهرة، يقدم المخرج محمد زكي العرض المسرحي" الأرتيست" الذي يتناول طرفا من سيرة الفنانة الراحلة زينات صدقي، ليناقش من خلاله نظرة المجتمع السلبية إلى المرأة الفنانة.

لا يقدم المخرج المصري محمد زكي في عرضه المسرحي "الأرتيست" سيرة ذاتية للفنانة الكوميدية الراحلة زينات صدقي، حتى وإن اقتصر العرض على ملامح من تلك السيرة، وأغلب الظن أن طموح العرض كان أبعد من ذلك بكثير، وما زينات صدقي هنا إلا وسيلة للتعبير عن كفاح الفنانة في العموم وتضحياتها من أجل فنها، في وسطٍ محافظٍ كان إلى وقت قريب، وربما لا يزال، ينظر إليها باعتبارها خارجة عن الأعراف، ويرى في اشتغالها بالفن عاراً، وكم من عائلات قاطعت بناتها اللاتي عملن في الفن وتبرأت منهن، وكانت زينات صدقي واحدة من هؤلاء.

ولعل استعادة زينات صدقي هنا تؤشر إلى أن نظرة المجتمع للمرأة العاملة بالفن لا تزال لدى بعضهم تحمل تلك الرواسب القديمة التي تجعل بعضهم متحفظاً تجاهها ومنكراً عليها هذا العمل، حتى وإن أبدى إعجابه بها وأقبل على أعمالها، فإن ما في القلب يبقى في القلب.

إذًا فالعرض في رسالته المضمرة يسعى إلى الانتصار للمرأة الفنانة وبيان ما تعانيه من آلام نفسية وما تدفعه من أثمان غالية نتيجة نظرة المجتمع إليها، ولذلك لم ينشغل بسرد السيرة الذاتية لزينات صدقي، بقدر ما أجرى عملية انتقاء لبعض الملامح الدالة، ومن تلك السيرة والتي بالغوص فيها وتأملها جيداً يدرك المشاهد الرسالة ويستوعبها.

واقعة الفستان

ينطلق العرض، وهو من إنتاج مركز الهناجر - وزارة الثقافة، من واقعة معروفة، فبعد تقاعد الفنانة زينات صدقي قرر الرئيس الراحل أنور السادات الذي كان من أشد المعجبين بها، تكريمها في عيد الفن عام 1976، وعندها أسقط في يد الفنانة التي على رغم سعادتها بالتكريم إلا أنها كادت أن تعتذر من عدم حضور الحفل ومقابلة رئيس الجمهورية، واستعادة بعض من الأضواء التي كانت قد خفتت تماماً، أما السبب فهو عدم وجود فستان مناسب لديها تحضر به هذا الحفل، فكانت أحوالها المادية قد تدهورت حد عدم قدرتها على شراء فستان تحضر به تلك المناسبة المهمة.

ومن تلك النقطة ينطلق العرض مستعرضاً بعض المواقف الدالة على كفاح الفنانة ومعاناتها، ويذهب بعيداً ثم يعود مجدداً إلى نقطته المركزية التي كانت فاتحة العرض وخاتمته، واللافت هنا أن مصمم الديكور فادي فوكيه قدم قراءة بليغة لمغزى العرض ورسالته، بأن جعل خزانة الملابس في منتصف عمق المسرح، باعتبارها المركز الذي تنطلق منه الأحداث وتعود له، والبؤرة الأساس والمهيمنة على مجريات الأحداث.

اختيار ذكي ينم عن وعي وحساسية المصمم وإدراكه وظيفة الديكور كجزء فاعل وأساس في الدراما، وليس منفصلاً عنها لغرض جمالي وحسب، وهو ما روعي كذلك في تصميم الملابس لكل من أميرة صابر ومحمد ريان، إذ حرصا على مناسبتها، سواء للفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث أو لطبيعة الشخصيات.

ولأن المخرج، وهو كاتب النص أيضاً، كان واعياً إلى أنه لا يقدم تاريخاً، فقد سمح لنفسه بأن يقدم خطوطاً فرعية في عرضه لا علاقة لها بسيرة الفنانة كما نعرفها، مثل علاقة الحب التي ربطت بين ابن شقيق زينات صدقي وابنة صديقتها خيرية صدقي، وكذلك بين خادمتها وخادمها القديمين اللذين عادا لزيارتها بعد سماعهما نبأ تكريمها، فالواقع لا يخبرنا بمثل هذه الأحداث بل يخبرنا بأن من كانت تقيم معها لرعايتها ابنة شقيقتها وليس ابن وابنة شقيقها، أما الشقيق فهو شخصية أضافها المخرج من خياله لخدمة موضوعه، وهو أمر مشروع بالتأكيد، ولسنا بصدد عرض تسجيلي عن فنانة راحلة.

مونتاج سينمائي

استخدم المخرج فكرة المونتاج السينمائي في تقديم عرضه بسلاسة ونعومة، فهو ينتقل من مشاهد آنية إلى أخرى مسترجعة، مما تطلب رهافة في النقلات من دون أن يتأثر إيقاع العرض، ولعل الإضاءة، وهي من تصميم أبو بكر الشريف، كانت خير معين له على تنفيذ هذه التقنية بنقلاتها الواعية، واستجاباتها السريعة والحاسمة وبؤرها وتعدد ألوانها، ومصادر إسقاطها التي تخبرنا بتلك النقلات والأجواء المصاحبة لها.

ولأن الفنانة الراحلة زينات صدقي التي قدمت أكثر من 400 فيلم سينمائي، فضلاً عن المسرحيات التي لم تسجل، وكانت واحدة من أبرع من قدمن الكوميديا في تاريخ السينما المصرية، وكان مجرد ظهورها على الشاشة يفجر الضحكات، ولذلك فقد كان الإقدام على تجسيد شخصيتها بمثابة مغامرة قامت بها الفنانة هايدي عبدالخالق.

وتمتعت زينات صدقي بـ "كاريزما" خاصة وقدرة غير عادية على تطوير وتطويع النمط في خدمة أدوارها التي لعبتها، وهي في ظني ممثلة نمطية لكنها بموهبتها الكبيرة وحضورها اللافت وذكائها غير المحدود، استطاعت تجديد هذا النمط وتفجير طاقاته وإضافة تنويعات عليه، حتى صارت تلك التركيبة حكراً عليها وحدها، أو كما يقولون علامة مسجلة تخصها فقط.

كانت زينات صدقي نوعاً من الممثلات يصعب تقليده أو مجاراته، فضلاً عن أننا لا نملك معلومات عن شخصيتها خارج التمثيل، وإن كان من عاصروها واقتربوا منها قد ذكروا أنها خارج التمثيل مثل داخله، في طريقة الكلام وخفة الظل، أي أن الشخصيتين متطابقتان، ولذا فقد اختارت هايدي عبدالخالق أن تقدم زينات صدقي الممثلة وعلى طريقتها في الأداء.

قراءة للشخصية

يبدو أن هايدي عبدالخالق استحضرت روح زينات صدقي، أو بمعنى آخر تشربتها، بعيداً من الاستظراف أو المبالغة التي قد تفسد كل شيء وتجعلها مجرد نموذج شائه للأصل، ذلك الأصل التلقائي الطبيعي البعيد تماماً من أية شبهة مبالغة، أو سعي إلى استجداء الضحكات. ونستطيع القول إن هذه الممثلة قرأت بعمق وعلى مهل شخصية زينات صدقي، وقرأت كذلك أزمتها، وهذا هو الأهم، فلم تقف عند سطح الشخصية بل حفرت عميقاً بداخلها، حتى إنها بقدر ما أضحكت بقدر ما أبكت، لتكون هذه الممثلة أهم عناصر نجاح العرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فاطمة عادل هي الأخرى (خيرية صديقة زينات) كان حضورها قوياً ومؤثراً ولعبت دور الصديقة المقربة بفهم ووعي لطبيعة الشخصية المحبة لصديقتها والحالمة مثلها بالنجاح والشهرة، وكذلك الأب (ياسر أبو العينين) ومعهم إيهاب بكير ومحمود الغندور وياسمين عمر وريم مدحت وإبراهيم الألفي وأحمد الجوهري ومارتينا هاني وفيولا عادل.

ينتهي العرض بتسجيل تليفزيوني لزينات صدقي ترجو فيه أن تشاهدها أسرتها لتعرف أنها نجحت في مشوارها، وتدعو الأسر الأخرى إلى ترك حرية الاختيار لبناتها، لتعقبه أغنية للفنان الراحل إسماعيل ياسين "عيني علينا يا أهل الفن يا عيني علينا"، وكأنه يلح على أن قصة زينات صدقي التي كانت تهدي فساتينها لغيرها من المحتاجات، ولم تجد فستاناً مناسباً لحفل تكريمها، نظراً إلى ضيق ذات اليد، وكذلك قصة تنكّر أسرتها لها وإحداث قطيعة معها، كل ذلك ما هو إلا نموذج ينسحب على كثير من النساء اللائي عملن بالفن، وربما على من في طريقهن إلى العمل فيه.

وميزة هذا العمل، فضلاً عن أنه يقدم ملامح من سيرة فنانة راحلة موهوبة ومحبوبة، وفق سياق درامي منضبط ومحكم، وصورة مسرحية مشرقة وجذابة، أنه استدعى تلك الشخصية لا ليحدثنا عن رحلتها وأمجادها وكفاحها وحسب، فذلك كله معروف ويمكن الاطلاع عليه بضغطة زر، ولكن ليوقظ وعي مجتمعه ويحدث تماساً مع اللحظة الراهنة والتي على رغم كل ما جرى في الأنهار من مياه، لا يزال بعضهم ينظر بعين الريبة إلى من يمارسن الفن، ويعتبرهن خارجات عن الأعراف والتقاليد حتى لو كان من أشد المعجبين بهن، وتمنى لو جمعته صورة بإحداهن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة