Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيل غيتس: حول إصلاح الضرائب والعمل الخيري ومستقبل الابتكار

يتحدث مؤسس شركة "مايكروسوفت"، الذي كان ذات يوم أغنى رجل في العالم، عن نظرياته حول الذكاء الاصطناعي والبيئة ومستقبل الكوكب في سلسلة وثائقية جديدة على "نتفليكس". تتناول السلسلة حياته ونظريات المؤامرة الغريبة ضده وتقييمه لإرثه

بيل غيتس: "الأعمال الخيرية ليست بديلاً عن الحكومة" (نتفليكس)

ملخص

في سلسلة وثائقية جديدة مؤلفة من خمس حلقات  تبثها "نتفليكس" عنوانها "ما التالي؟ المستقبل مع بيل غيتس"، يشارك الملياردير المشاهدين رؤيته المتفائلة لعالم يجري فيه التغلب على تغير المناخ واستئصال الأمراض المميتة بفضل الابتكارات العلمية، في حين تتركنا الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي لننعم بوقت فراغ لا نهاية له

لم يتوقع بيل غيتس يوماً نظريات المؤامرة التي تتناوله، فالرجل الذي أسس شركة "مايكروسوفت" جمع إحدى أكبر الثروات التي عرفها العالم بفضل نظرته الثاقبة للثورة التكنولوجية في عالم الحواسب الشخصية، لكنه لم يكن يتخيل أن يستخدم الناس تلك الأجهزة لتصويره على أنه سحلية ذات شكل متغير تلتهم الأطفال وتزرع رقائق ميكروية في اللقاحات وتخطط للأوبئة سعياً وراء الربح. يقول بمرارة مع ابتسامة خفيفة تحت نظارته ذات الإطار الأسود: "كنت أعتقد أن الإنترنت، بفضل سحر البرمجيات، سيجعلنا أكثر دقة في المعلومات. لكن فكرة التورط في المعلومات الخاطئة تفاجئني".

لكنه لا يشتكي. "لا أهتم كيف يصورونني"، هذا ما يؤكده لي الرجل البالغ من العمر 68 سنة عبر مكالمة بالفيديو (بواسطة تطبيق "مايكروسوفت تيمز" بالطبع) من مكتبه الواقع في مدينة كيركلاند والمطل على ضفاف بحيرة واشنطن في مقابل مدينة سياتل. حتى عندما "اقتربت مني امرأة لتصرخ في وجهي بأنني زرعت فيها شيئاً وأنني أتابعها" تقبل ذلك بهدوء. يقول: "حياتي رائعة. أنا الأوفر حظاً بين الأشخاص الأحياء على صعيد العمل الذي أقوم به".

ما يزعج غيتس في شأن المعلومات الخاطئة المنتشرة عبر الإنترنت ليس ما يمسه منها شخصياً، بل لأنها من المشكلات النادرة التي لا يملك لها حلاً. في سلسلة وثائقية جديدة مؤلفة من خمس حلقات  تبثها "نتفليكس" – عنوانها "ما التالي؟ المستقبل مع بيل غيتس" – يشارك الملياردير المشاهدين رؤيته المتفائلة لعالم يجري فيه التغلب على تغير المناخ واستئصال الأمراض المميتة بفضل الابتكارات العلمية، في حين تتركنا الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي لننعم بوقت فراغ لا نهاية له. المشكلة الوحيدة التي يعجز عن حلها هي نظريات المؤامرة. يقول: "أشعر بأنني أسلمها إلى الجيل الجديد. يجب عليه مواجهتها وإيجاد حل لها: 'حسناً، ما الحد الفاصل بين حرية التعبير والتحريض على العنف أو التحرش أو مجرد الجنون الذي يجعل الناس يتجاهلون النصائح الصحية؟'".

يدرك غيتس تماماً أن أحد الأسباب التي تجعل الإشاعات الغريبة والمروعة عنه تثير خيال الناس هو، كما يقول في البرنامج، "أن الثروة الفاحشة تجلب معها تساؤلات حول نيات المرء". استقال من منصبه كرئيس تنفيذي لـ"مايكروسوفت" عام 2000 ليؤسس "مؤسسة بيل ومليندا غيتس" مع زوجته آنذاك، بهدف توزيع "كثير من الأموال بغرض إنقاذ عدد من الأرواح". ومع ذلك، لا يزال أحد أغنى الناس في العالم (السابع في قائمة "فوربس" الفورية بثروة تقدر بنحو 138 مليار دولار).

أسأله في شكل مباشر ما إذا كان يستطيع أن يؤكد لي أن أصحاب المليارات يهتمون حقاً لمصالحنا نحن الآخرين. لا تجعلني إجابته أشعر بالراحة تماماً. يجيب بالقول: "أنا مؤمن بقوة بضريبة التركات [ما يعادل ضريبة الإرث في المملكة المتحدة] وبالضرائب التصاعدية. بين جيل وآخر عموماً، لا أعتقد بأننا يجب أن نسمح للعائلات التي جمع جدها الأكبر ثروة كبيرة بالحظ والمهارة بأن تمتلك القوة الاقتصادية أو السياسية التي ترافق تلك الثروة".

لا يدافع بقوة، إذاً، عن طبقة أصحاب المليارات. هل يعترف بأنه يملك أموالاً أكثر مما ينبغي؟ يقول وهو يومئ: "لو صممت نظام الضرائب، لخسرت عشرات المليارات. يمكن أن يكون النظام الضريبي أكثر تصاعدية من دون أن يلحق أضراراً كبيرة بحافز الأثرياء للقيام بأشياء رائعة".

 

بدلاً من دفع مزيد من الضرائب طوعاً، يضخ غيتس ثروته في مشاريع يؤمن بقدرتها على رفع مستوى المعيشة العالمي. يؤكد أنه قادر على المجازفة بتمويل ابتكارات غير مضمونة لا تجرؤ الحكومات على الاستثمار فيها. وفي إحدى حلقات البرنامج الجديد، يعرض بعض المشاريع التي يمولها لمحاولة احتواء أزمة المناخ، مثل الاستثمار في أنواع جديدة من المفاعلات النووية وإيجاد طرق لصنع الأسمنت من دون انبعاث لثاني أكسيد الكربون.

يشرح أن هذه الابتكارات ضرورية لأن معظم الانبعاثات الكربونية الضارة تنتج من توليد الكهرباء وصناعة أشياء مثل الصلب والخرسانة. أقول لغيتس إنني أجد تحليله محبطاً قليلاً لأنه يذكرني بمدى ضآلة جهودي لتقليل السفر جواً أو تقليل هدر الطعام مقارنة بالتغييرات البنيوية الهائلة التي يجب أن تحدث لكي يصل المجتمع إلى تصفير الانبعاثات الكربونية.

يرد غيتس بالقول: "أولاً، دعني أقول إن الأفعال الفردية تحدث فرقاً حقاً. سواء كانت الأفعال أفعال تعاطف أم خلقاً للطلب على المنتجات الخضراء، يساعد كل شخص يشتري أطعمة مصنوعة بانبعاثات أقل من ثاني أكسيد الكربون في تحفيز الابتكار الذي سيطغى في النهاية على الأشياء الملوثة. لذلك سواء تعلق الأمر بشراء السيارات الكهربائية أم مضخات الحرارة أم تزويد الطائرات بوقود مستدام، لا أستثنيه تماماً من إحداث فرق".

من الواضح أن التغييرات الكبيرة التي نحتاج إليها يجب أن تنفذها الحكومات، لذلك أسأله ما إذا كان يتعاطف مع النشطاء الذين يشعرون بالحاجة إلى إغلاق الطرق أو رمي أعمال فنية شهيرة بطلاء لمجرد لفت انتباه السياسيين؟ يقول: "أوافق على أن التكتيكات المتطرفة أحياناً تكون مفيدة في إبقاء هذه المسألة أولوية. لأن الضرر الكبير جداً الناتج من تغير المناخ سيحل في مرحلة بعيدة جداً من المستقبل". أقاطعه هنا - ألم نبدأ بالتأكيد نعاني آثار تغير المناخ؟ يهز غيتس رأسه موافقاً. يقول: "نعم، في ما يتعلق بكل شيء باستثناء البلدان الواقعة على خط الاستواء، حيث الآثار الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي لن تظهر في المستقبل القريب، بل مع مرور الزمن" قبل أن يضيف أن وقته لا يسمح له بالتشاؤم في شأن المناخ. "لا شك في أن الأمر بالغ الأهمية وأننا لا نستثمر فيه ما يكفي من المال، لكن الفكرة القائلة بوجوب اليأس أو التخلي عن الأمر ليست مفيدة أيضاً".

عند تناول مزايا الذكاء الاصطناعي التي تحظى بترويج كبير، أعترف لغيتس بأنني أجد صعوبة في مشاركته تفاؤله. عندما يصف مستقبلاً يستمتع فيه البشر بوقت فراغ أكثر، أتخيل رؤساء تنفيذيين يسرحون موظفيهم جماعياً ويطلبون منا ببهجة أن نمضي للاستمتاع بوقتنا. قد يجعل الذكاء الاصطناعي الشركات أكثر كفاءة، لكن هذا لا يعني بالضرورة تحسين وضعنا نحن الذين نعمل لكسب لقمة العيش.

 

يجيبني غيتس بثقة بينما أفكر كيف سأخبر مديري بأنني سأنهي المقابلة مبكراً: "حسناً، لقد أصبحت أسابيع العمل أقصر". لكنه يتقبل وجهة نظري. "أعترف إن القول إننا من خلال السياسات الحكومية سنوزع هذه الإنتاجية الإضافية في شكل صحيح، لكن الثقة بالحكومة لتنفيذ الأمور الأساسية تنخفض للغاية. لا يصدق الناس تصريحات كهذه، لكن لا حل آخر".

يؤكد غيتس أننا، كما هي حالنا مع تخفيف آثار تغير المناخ، سنحتاج إلى تدخل الحكومات لكبح الشركات وإعادة هيكلة المجتمع للتعامل مع الآثار العديدة للذكاء الاصطناعي. يقول: "مع ازدياد إنتاجية المجتمع، يتطلب ضمان توزيع تلك المزايا على الجميع، وليس فقط مواطني الدول الغنية، بل على مستوى العالم، تدخل الحكومة. لا يمكن للأعمال الخيرية بمفردها أو الأشخاص ذوي النيات الحسنة بمفردهم القيام بذلك. لذلك يتعلق الأمر باختيار سياسيين يرون مزايا الذكاء الاصطناعي ويفكرون في ما يعنيه ذلك للنظام الضريبي، ويحتاج الأمر إلى وجود اقتصاديين يدرسون هذا الموضوع بجدية. أعتقد بأن ذلك بدأ بالفعل، وأعتقد بأن أمامنا 10 سنوات إلى 20 سنة قبل أن تصبح مزايا الإنتاجية هائلة إلى درجة تتطلب منا حقاً إعادة هيكلة الضرائب وسياسات أسابيع العمل في شكل جذري".

يعتقد غيتس أن ثورة الذكاء الاصطناعي المقبلة ستغير المجتمع بشكل أعمق من أي تقدم سابق في تاريخ البشرية. ويوضح: "لا يوجد سقف لهذه التكنولوجيا. مع انتشار الجرارات، على سبيل المثال، فهمنا أنه سيكون هناك عدد أقل من المزارعين، ومع ذلك، فإن ما لم يكن واضحاً في ذلك الوقت هو كيف ستخلق التقنيات الجديدة والثروة المتزايدة أنواعاً جديدة تماماً من الوظائف والاحتياجات. لم نكن ندرك أنه مع ازدياد ثرائنا ستزداد عدد المطاعم أو الأطباء النفسيين الذين سنحتاج إليهم لاحقاً".

بالمقارنة بالذكاء الاصطناعي، يصف غيتس ثورة الحواسيب الشخصية بأنها "غير مثيرة للجدل بطريقة ما". فعندما تأسست "مايكروسوفت" عام 1975، بدت فكرة وجود حاسوب شخصي في كل منزل وكأنها حلم بعيد المنال. الآن هناك حاسوب في كل جيب. لكن ورغم الدور الرئيس الذي لعبه غيتس في إعادة تشكيل العالم خلال تلك الحقبة، إلا إنه يعتبر العمل الخيري الذي كرس نفسه له على مدار السنوات الست عشرة الماضية كان "أعمق أثراً".

يقول: " ثورة الحواسيب الشخصية كانت لتحدث، حتى لو لم أكن جزءاً منها. هل كانت لتحدث بعد سنة أو ما شابه؟ من يعلم؟ كانت ستحدث من دون تأخير كبير. لكن عندما يتعلق الأمر بالملاريا، وسوء التغذية، وتوفير وسائل منع الحمل للنساء – من المؤسف أن العالم لم يضع أولوياته بشكل طبيعي أو يقدم حلولاً لمثل هذه القضايا – لا أعتقد بأن ما تحقق كان ليحدث بالضرورة حتى بعد عقد من الزمن. من الصعب أن نجيب عن سؤال مثل 'ماذا لو'، لكن إذا قارن المرء العالم بوجودي بالعالم من دوني، يتبين أن العمل الخيري أكثر أهمية على صعيد جعل أشياء منصفة تحدث في شكل أسرع مما كانت لتحدث بخلاف ذلك".

 

على رغم ما قد يعتقده أولئك البشعون الذين يروجون عبر الإنترنت لنظريات المؤامرة حول غيتس، كان أثره في الصحة العالمية مهماً جداً ومثيراً للإعجاب في شكل لا يمكن إنكاره. عام 2000، كانت وفيات الأطفال دون الخامسة تسجل 10 ملايين وفاة سنوياً. اليوم، انخفض هذا العدد إلى أقل من 4.6 مليون وفاة سنوياً. وتسهم "مؤسسة غيتس" في شكل كبير في تقليل عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل الملاريا وشلل الأطفال والإسهال، على رغم أن غيتس يؤكد أنه لا يقوم بذلك لأجل الشهرة الشخصية. يقول: "الحلم هو التخلص من هذه الأمراض حتى لا يتذكر أحد ما كانت عليه الملاريا أو شلل الأطفال. هذا هو النجاح النهائي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع أن إنجازات غيتس في مجال الصحة العالمية لافتة، ومع أملنا جميعاً في أن يكون لاستثماراته أثر إيجابي مماثل في تغير المناخ، تثير الإنجازات تساؤلاً حول ما سيحدث بعد وفاته. من المقرر حل "مؤسسة غيتس" بعد 20 سنة من وفاته، وأشير إليه بأن الجيل الجديد من أصحاب المليارات الذين تجاوزوه في قائمة "فوربس" – مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس ومارك زوكربيرغ – يبدون أقل اهتماماً بإنفاق ثرواتهم الضخمة على الشبكات الواقية من الملاريا أو لقاحات شلل الأطفال أو حلول المناخ.

يقول غيتس إنه يحاول الترويج للأعمال الخيرية في صفوف الأثرياء، لكنه يعترف بأن ذلك ليس حلاً بعيد الأجل. يقول: "لا يزال العمل الكبير واجباً على الحكومات. ذلك أن الأعمال الخيرية ليست بديلاً عن الحكومة. حين يتعلق الأمر بضمان توفير التعليم والطعام والمأوى للجميع، فإن خلق شبكة الأمان تلك مسؤولية من مسؤوليات الحكومة".

هذا هو الشيء الملتبس في نظرة غيتس المتفائلة إلى المستقبل: هي تتطلب انتزاع كثير من السلطة من أيدي أصحاب المليارات على غرار بيل غيتس.

تبث السلسلة الوثائقية "ما التالي؟ المستقبل مع بيل غيتس" عبر "نتفليكس" بدءاً من الـ18 من سبتمبر (أيلول).

© The Independent

المزيد من حوارات