Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طلاب الثانوية في مصر... نزوح المذاكرة بحثا عن نقطة ضوء

مبادرات شعبية لتجاوز أزمة انقطاع الكهرباء خلال فترة الاختبارات والمقصد طاول المساجد والكنائس والمقاهي

مكتبة الإسكندرية تستقبل طلبة الثانوية العامة بشرط أن يكون معهم ما يثبت خوض الاختبارات (مواقع التواصل)

ملخص

تزامنت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر مع اختبارات الثانوية العامة بعموم البلاد، وهو ما أثار موجة من الاستياء عرفت طريقها إلى الـ"سوشيال ميديا" وتحدث عنها مشاهير المجتمع من إعلاميين وفنانين، ولكن الصوت الأعلى كان للأهالي الذين طرحوا مبادرات عدة لتهيئة جو المذاكرة للطلبة.

لم تكن تتوقع نورا عبد المجيد أن تجلس يوماً على المقهى الشعبي الصغير الذي كانت تمر عليه بخطى سريعة تجنباً لنظرات بعض رواده المتطفلين، وذلك أثناء مشاويرها اليومية لمركز الدروس الخصوصية المجاور، الصبية التي تخوض امتحانات الثانوية العامة المرحلة المصيرية في حياة الطلبة بمصر، لم تجد حلاً سوى الاستماع لنصيحة الأب الذي استأذن صاحب المقهى في أن تكمل ابنته استذكار دروسها على كرسي جانبي مستفيدة من المراوح الهوائية التي تعمل بفعل المولد الكهربائي بعدما انقطع التيار في الحي الذي تسكن في محيط منطقة عين شمس شرق العاصمة المصرية، فيما جلس الوالد بصحبتها الذي اتخذ القرار بعد تكرار انقطاع الكهرباء في منزلهم يومياً لمدة تزيد على الأربع ساعات، فيما يوفر المقهى مولداً يمكن من خلاله تشغييل الإضاءة وشحن الهواتف والأجهزة اللوحية التي عليها أغلب المواد الدراسية.

تزامنت أزمة انقطاع التيار الكهربائي مع اختبارات الثانوية العامة بعموم البلاد ما أثار موجة من الاستياء عرفت طريقها إلى الـ"سوشيال ميديا" وتحدث عنها مشاهير المجتمع من إعلاميين وفنانين، ولكن الصوت الأعلى كان للأهالي الذين وجدوا أنه لا أمل في الاستجابة لمطالبهم بإيقاف خطة تخفيف الأحمال موقتاً حتى تمر تلك الفترة، أو حتى اقتصارها على الساعات الباكرة بعيداً من فترات ارتفاع الحرارة الشديدة، لمراعاة مستقبل الطلبة، فقرروا أن يبحثوا عن الحلول بأنفسهم وتدريجاً سارت وراءهم المؤسسات الأهلية وحتى الرسمية، حيث سارع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى الخروج بتصريحات توضح الموقف عقب انتشار التدوينات الغاضبة من الأسرة المتضررة.

 

 

وعلى رغم إصراره على أن المشكلة في طريقها للحل لكن محصلة ما أعلنه تلخصت في أنه تقرر رسمياً وصول عدد ساعات انقطاع الكهرباء يومياً إلى ثلاث ساعات على أن تنخفض في ما بعد إلى ساعتين فقط، ووفقاً لخطة الحكومة المعلنة فسوف يتوقف انقطاع التيار نهائياً خلال الصيف مع الأسبوع الثالث من يوليو (تموز) المقبل، أي أن الاستقرار "الكهربائي" سوف يحدث بعد انتهاء اختبارات الطلبة من الأساس.

محاولات إنقاذ المستقبل

الفتاة التي لم ترتد قهوة بهذا النمط يوماً وجدت نفسها داخل التجربة بل وبصحبة أبيها ذي الشخصية المحافظة نوعاً ما، الذي قال باقتضاب إنه يتمنى أن تراعي الوزارة في أثناء التصحيح وحتى في وضع الامتحانات تلك الظروف وأن تكون رحيمة بالتلاميذ الذين يعانون، لافتاً إلى أن ما بيده حيلة وكل ما يهمه تجاوز هذا الظرف العصيب، حيث لم يجد بداً من محاولة إنقاذ مجهود شهور طويلة كان يمكن أن يضيع بسبب زيادة عدد ساعات تخفيف الأحمال بشكل مفاجئ، حيث تنطفئ الأجهزة ويعم الظلام، وتزيد من وطأته درجات الحرارة العالية، ليجد ابنته وقد ارتبكت وأصابتها نوبات هلع وخوف من عدم التحصيل.

شعور الخجل لدى الفتاة تلاشى بعد قليل حينما وجدت أن زميلات وزملاء لها توافدوا على المقهى ذاته للأسباب ذاتها، ومنهم ليلى التي حاولت الاستذكار باستخدام الشموع وإضاءة الهاتف ولكن بعد قليل نفدت البطارية، كما أنها كانت بحاجة للتواصل مع مدرس المادة بشأن سؤال أرادت التأكد من إجابته، فتحوّل المقهى إلى ما يشبه قاعة الدرس وانزوى رواده يلعبون الطاولة بصوت خافت على طاولتين فقط، كما تم تخفيض صوت التلفزيون أيضاً، وفي ما بعد أطفئ تماماً.

الظلام يهدد تكاليف الدروس الخصوصية

لكن في المقابل انعدمت أجواء الهدوء الكامل والطقوس المحددة والمكتب المريح وكافة المعالم التي اعتاد أن يذاكر بها محمد ياسر طالب الصف الثالث الثانوي بشعبية الرياضيات، الذي يطمح لأن يدرس الهندسة بجامعة حكومية وليس خاصة نظراً لظروف عائلته المعيشية التي تكلفت كثيراً في الإنفاق على الدروس الخصوصية.

الشاب الذي لا يزال في مقتبل حياته ويسكن في وسط العاصمة المصرية قال إنه اعتاد على أن يستذكر دروسه في جو معين يتميز بالهدوء الشديد، حيث يجب أن يكون منفرداً تماماً ومعه بعض المشروبات الباردة ومكيف الهواء منضبطاً على درجة متوسطة كي يمكن من الاستيعاب، مشيراً إلى أنه يعلم أن البعض يتمكن من التحصيل في أجواء صاخبة وفي صحبة آخرين ولكن بالنسبة له يكون الأمر كارثياً، ومع ذلك اضطر للجلوس على كرسي في أحد المحال التي يعرف صاحبها لأن لديهم مولداً كهربائياً يمكنهم من استعمال المروحة وجلب بعض الهواء.

 

 

ويضيف الطالب "حاولت التكيف لمدة ساعتين بعد انقطاع الكهرباء ولكن الطقس شديد الحرارة جعلني أفقد كل قدرة على البقاء بالمنزل، فكل شخص لديه طرق معينة في المذاكرة لا يمكن أن تتغير بين يوم وليلة بشكل كامل، بالتالي اضطررت للنزول خمس طوابق على السلالم للبحث عن نسمة هواء تنعش عقلي، كما أنني احتجت لشحن اللابتوب وكذلك شبكة إنترنت للبحث عن بعض النقاط، والحقيقة أن والدتي حاولت مساعدتي وظلت بجواري في البلكونة تلوّح بهواية ورقية لتعينني على الحر لأنها تعلم أنه يمكنني أن أتحمل أشياء كثيرة في ما عدا ارتفاع درجة الحرارة، ولكنها أصيبت بالإرهاق فقررت أنا الخروج للشارع".

نوبات هلع للطلبة والأمهات أيضاً

على ذكر الأمهات، فمن الطبيعي أن يكن أشد قلقاً وهن المعتادات على انتظار أبنائهن الطلبة لساعات طويلة أمام لجان الامتحان في أغلب أنحاء الجمهورية مهما كانت حرارة الجو، حيث يرغبن في أن يكن أقرب لهم لتطمينهم، وهي ظاهرة تحدث في الظروف العادية من الأساس، وتصبح أكثر إلحاحاً مع تزايد عدد ساعات انقطاع الكهرباء التي تقل معها بالتبعية عدد ساعات الاستذكار، حيث دخلت الأم الأربعينية وتدعى زيزي راغب في نوبة بكاء بسبب تجاوز عدد ساعات قطع الكهرباء عن الحي الذي تسكن فيه الأربع ساعات، بينما ابنتها الكبرى كانت متعثرة في تحصيل المادة.

وأكدت الأم أنها حاولت التخفيف عن ابنتها التي تطمح لدراسة إدارة الأعمال، ولكن بعد انتظار طويل لم تأت الكهرباء واضطرت الفتاة للنوم وهي تبكي خوفاً من عدم تمكنها من إنجاز المتأخرات، حيث كان من المفترض أن تدخل على بعض الروابط التي أرسلها لها مدرس المادة وأن تقوم بحل عدة أسئلة من خلالها وهو ما لم يحدث إلا في الرابعة فجر اليوم التالي، وبعدها اتفقت الفتاة مع بعض زميلاتها للجلوس في أحد "الكافيهات" في مول شهير بمنطقة السادس من أكتوبر (جنوب القاهرة) بعيداً من منطقتهم نسبياً، ولكن الميزة أن الكهرباء متوافرة في الوقت الذي تنقطع عنهم فيه نظراً لأن مواعيد الانقطاع متغيرة من حي لآخر وفقاً لجدول زمني.

 

 

ولكن الفتيات اضطررن إلى حمل الكتب والدفاتر والأجهزة اللوحية والكمبيوترات المحمولة والجلوس ساعات في مقهى صاخب يشكل على أسرهن عبئاً مادياً إضافياً، لإنجاز المطلوب والشعور بالاطمئنان بعض الشيء في حضرة الضوء والإنترنت والمكيفات الهوائية، في حالة تشبه النزوح الجماعي الموقت ليس بهدف التنزه وقضاء وقت ممتع ولكن سعياً لطرد القلق والخوف من عدم إنهاء المنهج، فعلى رغم أنه من المعتاد ألا يقترب الطلبة من أماكن الخروجات المزدحمة مثل المولات التجارية إلا بعد انتهاء الاختبارات، ولكن بما أن خطة تخفيف الأحمال تسير في طريقها ويضاف لها ساعات إضافية فكان لا بد من محاولة المواجهة بخطط بديلة خارج الصندوق.

مبادرات شعبية تدلل الطلاب... ولكن

وأكد رئيس الوزراء المصري أن سبب تجاوز فترات انقطاع التوقيتات المعلنة هو ارتفاع استهلاك الطاقة بشكل غير مسبوق نظراً للحر الشديد، وأيضاً بسبب إيقاف إنتاج الغاز بأحد الحقول في دولة مجاورة، واعداً باقتراب الحل، ولكن حتى تحدث انفراجة فما يحدث هو تكاتف مجتمعي تلقائي، تشترك فيه مؤسسات مختلفة تتوافر لديها مولدات كهربائية أو تنقطع بها الكهرباء لساعات أقل بهدف مساعدة طلبة الثانوية العامة الذين يعانون من ضغوط كبيرة تتعلق بالاختبارات الصعبة، ومن المسؤولية الملقاة على عاتقهم في تحقيق آمالهم وطموحاتهم وطموحات العائلات التي أنفقت عشرات آلاف الجنيهات على الدروس الخصوصية.

بالتالي قامت كثير من المحال بدعوة الفتيات والشباب للذهاب إليها والجلوس بها مجاناً لحين عودة التيار الكهربائي لمنازلهم، بل كثيرون منها قرر توفير المشروبات والوجبات الخفيفة لهم من دون مقابل أيضاً، تلك الحلول المجتمعية قابلتها شهادات كثيرة من أسر أثنت على تعاون الجيران بتوفير كشافات الهواتف المحمولة التي لم تنفد بطاريتها بعد لأبنائهم الطلبة خلال فترة الظلام الدامس، كما أقر أحد العاملين بقاعة احتفالات شهيرة أن القاعة فتحت أبوابها للطلبة، لافتاً إلى أن القاعة  لنحو 300 شخص، وأنهم يمتلكون مولداً كهربائياً بكفاءة عالية يمكن أن يستمر للعمل لساعات طويلة يعوض من خلاله الشباب الوقت الضائع في محاولات التأقلم من انقطاع التيار في منازلهم.

 

 

وأبدى صاحب مقهى شعبي في ضواحي حي الدقي بمحافظة الجيزة، سعادته بتمكنه من مساعدة ابنه ونحو 20 طالباً من زملائه في المراجعة النهائية حيث أنهوا الحصة الأخيرة لدى مدرس المادة الخصوصي، وكان عليهم أن يقوموا بالتطبيق عليها فور ذهابهم للمنازل ولكن أغلبهم أبلغ من أسرهم أن الكهرباء انقطعت فتجمعوا على المقهى، مشدداً على أنه طلب منهم أن يرسلوا دعوات لبقية زملائهم للحاق بهم، مشيراً إلى أنه لم يستقبل الزبائن في هذا الوقت وأغلق شاشة التلفزيون التي كان يذيع عبرها مباريات كرة القدم على الدوام، فيما لا تزال كل تلك المساعدات محدودة النطاق حتى لو تعددت مصادرها، نظراً لأن الأماكن التي تقدمها تستقبل عشرات أو مئات الطلبة على أقصى تقدير ولها قدرات استيعاب قليلة.

التضامن الرسمي على خطى نظيره الشعبي

التضامن الشعبي كان وسيلة سريعة للغاية حدثت من دون ترتيب أو تنظيم ولكنه رد فعل تلقائي نابع من حس المسؤولية المجتمعية ناحية الطلبة الذين هم أبناء وأصدقاء وأقارب ومعارف، فلا يوجد بيت تقريباً إلا وله علاقة من قريب أو بعيد بطالب أو أكثر في تلك المرحلة التي تمثل صداعاً مزمناً للعائلات في مصر، حيث انفتحت لهم أبواب الكنائس والمساجد والجمعيات الأهلية والمطاعم والفنادق وحتى مراكز الدروس الخصوصية بعدما وجدوا أنفهسم مطالبين بالتحصيل العلمي أمام الشموع أو الكشافات البسيطة، فإذا حلت مسألة الإضاءة واجهوا أزمة الإنترنت ونفاد بطاريات الأجهزة اللوحية والكمبيوترات المحمولة وهي وسائل أساسية في المذاكرة هذه الأيام كما هو معروف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي بدعوات من مؤسسات أهلية تتنافس في ما بينها على استقبال التلاميذ وكأنها موجة من المبادرات قادتها جهات متعددة في غالبية المحافظات مثل الجمعيات الخيرية والنوادي الخاصة ودور العبادة والمطاعم وقاعات تنظيم الحفلات تطلب من التلاميذ الذين يؤدون امتحانات الثانوية العامة هذه الأيام المكوث لديها أثناء فترات انقطاع التيار بمنازلهم مع وعود بتوفير أجواء هادئة للمذاكرة وأجهزة الهواء المكيف للتغلب على درجات الحرارة التي تجاوزت 40 درجة مئوية وذلك تيسيراً عليهم.

إلا أن المباردات أخذت شكلاً أكثر رسمية حينما أعلنت مكتبة الإسكندرية الجديدة التي تتبع رئاسة الجمهورية عن استقبالها لطلبة الثانوية العامة أيضاً بشرط أن يكون معهم إثبات بخوض الاختبارات والمتمثل في رقمهم في كشف لجان الامتحان، وذلك وفقاً لما جاء على الصفحة الرسمية للمكتبة التي تعتبر الأكبر بالبلاد والتي تقع في 11 طابقاً، حيث تستقبل الطلبة مجاناً في فترة المساء. 

 

 

كل هذا جاء بعد انتشار الشكاوى من تحديات المذاكرة في أثناء انقطاع التيار الكهربائي سواء ليلاً أو نهاراً، وهي المبادرة التي أثنى عليها آلاف المعلقين نظراً لمساحة المكتبة الشاسعة بخلاف أجوائها المشجعة على التركيز وتوافر شبكة إنترنت جيدة بها، بل طالبوا بأن يتم ضم طلبة الجامعات لهم نظراً لاشتراكهم في المعاناة ذاتها حيث أن عديداً منهم لم ينه اختباراته بعد.

دفعة الظلام

بينما آخرون أثنوا على الحس الشعبي الذي أنتجته تلك الأزمة، معتبرين أن الحلول الآجلة التي طرحتها الحكومة لا ينبغي الاعتماد عليها، وكان الأجدر بهم تأجيل اختبارات مفصلية مثل الثانوية العامة لحين توقف انقطاع التيار الكهربائي، أو العكس تأجيل تنفيذ خطة تخفيف الأحمال موقتاً، نظراً لتأثير هذا الأمر بشكل مباشر في مستقبل مئات الآلاف من الطلبة، بينما أثنى آخرون على طريقة الحكومة في إدارة الأزمة في ما يتعلق بمبادرتها الاعتذار للمواطنين حتى لو لم تقدم حلولاً حقيقية لحل المشكلة.

وتبارى رواد التواصل الاجتماعي في نشر تدوينات كوميدية تتندر بالعيش لساعات في الظلام كما أطلق البعض على طلاب هذه الدفعة اسم "دفعة الظلام" أسوة باسم "دفعة التابلت" وهي أول دفعة من الطلبة تسلمت من الوزارة جهاز لوحي مجاني.

 

 

من جهتها، حذرت متخصصة علم النفس السلوكي إيمان عبدالله الطلبة من الانخراط في متابعة ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي من تعليقات ساخرة أو سلبية حول فكرة تكرار انقطاع الكهرباء، مشيرة إلى أن هذا النوع من المحتوى يمكن أن يثبط الهمم وطالبتهم بالتركيز في الجوانب الإيجابية وتعلم استثمار الوقت المثالي بالنسبة لهم في المذاكرة.

تحذيرات من تشتيت الانتباه

ولدى مصر ما يقرب من 750 ألف طالب في الثانوية العامة وفقاً لبيانات وزارة التربية والتعليم العالي، حيث يؤدون الاختبارات منذ التاسع من يونيو (حزيران) الجاري وتنتهي في الـ17 من يوليو (تموز) المقبل، علماً بأن انقطاع التيار الكهربائي يطاول عموم البلاد حيث حرصت الشركة القابضة لكهرباء مصر على إصدار بيان رسمي تؤكد من خلاله أنه لا صحة لاستثناء بعض المحافظات الساحلية من خطة تخفيف الأحمال.

ترى متخصصة علم النفس السلوكي إيمان عبدالله، أن التوتر وفقدان التركيز وتشتيت الانتباه والشعور بأن المعلومات تهرب، تداعيات يمكن أن تحدث بسبب عدم الاستقرار في ما يتعلق بأجواء الاستذكار، لافتة إلى أن البعض يحاول تعويض الوقت الضائع بالسهر بشكل مبالغ فيه ليلاً مما يجعله بدلاً من أن ينجز ما لديه يصاب بالإنهاك الفكري، مشددة على أن تنظيم اليوم وتحين المذاكرة في الهواء الطلق وفي ساعات الفجر المبكرة يمكن أن يسهما كثيراً في الحد من تأثيرات هذا الوضع.

ولفتت عبدالله إلى أنه ينبغي على المحيطين بالطالب تهيئته نفسياً لتجاوز الأزمة ليمر تأثيرها بشكل عابر وتذكيرهم بأن الطلبة قديماً حققوا إنجازات بالمذاكرة على أضواء الشموع ووسائل الإضاءة شديدة البدائية، بخاصة أن بعض التلاميذ لا يمكن أن يتمكنوا من التركيز أبداً بعيداً من غرفتهم، بالتالي فالأمر لا يتعلق فقط بتوفير وسائل الضوء والكهرباء وإنما بالتعود على منطقة آمنة بعينها.

من فاتهم قطار المبادرات

التدوينات الساخرة عمت موقع "فيسبوك" بعد تناقل شهادات آباء حول فشل أبنائهم الصغار في اللحاق بمحاضرات المبادرة الرسمية لتعليم البرمجة للنشء التي تتم أونلاين نظراً لأن غالبية البيوت كانت بلا كهرباء حينها، ولكن تلك السخرية ترجمت فوراً إلى حلول عملية حينما تعلق الأمر بأزمة الثانوية العامة، فيما لا يزال يعاني كثير من الطلبة بخاصة هؤلاء الذين يسكنون في قرى بعيدة، لا توجد بها مقاهٍ مزودة بمولدات، وترتفع بها درجات الحرارة لتتجاوز الـ50 درجة.

 

 

وتحاول "ن ـ د" التي تسكن بإحدى القرى النائية بمحافظة أسوان إنهاء الأجزاء المهمة من المنهج خلال وضح النهار، لافتة إلى مواعيد قطع الكهرباء لديهم المتكررة وقد تتجاوز الخمس ساعات ما بين الليل والنهار، فإضافة إلى جدول تخفيف الأحمال يواجهون أيضاً الأعطال الفنية بشكل دائم، مشيرة إلى أنها تشعر بإنهاك شديدة للغاية حينما تضطر للجلوس في مكان يصله ضوء الشمس في حال انقطاع التيار الكهربائي نهاراً، حيث تتوقف الوسائل المساعدة على تجاوز الحر وبينها المراوح ويتم فتح النوافذ لاستقبال الضوء الذي يجلب معه سخونة قاسية لكنها تحاول التحمل لأنه لا حلول أخرى أمامها، وهي تفعل ذلك تحسباً لتكرار قطع التيار ليلاً أيضاً ووقتها سوف تخسر المذاكرة وهي بملء طاقتها.

وأشارت إلى أنها جربت شحن الهاتف والجهاز اللوحي ولكن في حال استعمال الكشاف الكهربائي يتم نفاد الشحن سريعاً كما أن كفاءة شبكة الإنترنت نفسها تقل بشدة أثناء انقطاع التيار الكهربائي فتجد نفسها وقد دخلت في دائرة من الضيق تؤثر في قدراتها على الاستذكار، مشددة على أن المبادرات الأهلية لمساعدة الطلبة بعيدة تماماً من المكان الذي تسكن فيها حيث أن المدرسة نفسها بعيدة كثيراً من مقر سكنها، ومن غير المنطقي أن تضيع وقتاً إضافياً للذهاب إلى المدينة من أجل إيجاد مكان لديه مولد كهربائي يستقبلها.

 

 

هموم سكان القرى من طلبة الثانوية العامة تتعاظم أمام أزمة كهذه نظراً لتأكيدات كثير منهم أن خطة تخفيف الأحمال تطبق لديهم مضاعفة من الأساس وحتى قبل أن تتفاقم المشكلة في القاهرة خلال الأيام الأخيرة، حيث يحصلون على مساعدات من الجيران والمعارف ولكنها محدودة بطبيعة الحال، في المقابل تبدو البدائل المعاونة للطلبة في القاهرة وضواحيها أسهل كثيراً، حيث شكل سعد بصحبة زملائه على سبيل ما يشبه حلقة دراسية في المسجد ولكن هذه المرة لدراسة المواد العلمية، وليس الدينية حيث يلتقون بأحد الجوامع التي تفتح أبوابها في منطقة حلوان شرق نهر النيل، نظراً لأن القائم على المسجد شارك في المبادرة المجتمعية بفتح أبوابه في غير أوقات الصلاة أيضاً للطلاب للمذاكرة في أجواء مكيفة، مع التنبيه عليهم بالالتزام بالنظام والنظافة وعدم رفع الصوت.

ويتميز المسجد الذي يذهب إليه بمساحته الكبيرة التي تتسع لعدد كبير من الطلبة في المحيط، كما أن به قاعة مخصصة للفتيات يمكنهن من خلالها الاستذكار أيضاً استعداداً للامتحانات.

وأشادت متخصصة علم النفس إيمان عبدالله، بالتكاتف المجتمعي الذي حدث مثنية على حرص الجميع على مستقبل الأبناء حيث انتفضوا جميعاً بوسائل دعم تشاركية عندما شعروا أن هناك ما يهدد مصير الطلبة، وهي في رأيها وسيلة دفاعية مهمة أثبتها المواطنون الذين لم يتوقفوا عند خسائر أخرى تتعلق بفساد الأطعمة بالثلاجات أو حتى فساد الأجهزة الكهربائية نفسه وإنما تحركوا بشكل تلقائي لشعورهم بمعاناة التلاميذ.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات