وسط السوق الشعبية في قطاع غزّة، تصدح أصوات الباعة أمام المحال التجارية، بأسعار البضائع المكدسة في مخازنهم منذ فترات طويلة، بحثاً عن مشترٍ يكون قادراً على دفع ثمن السلع مع تحقيق هامش ربح بسيط للتاجر، أو على الأقل من دون أنّ يسبب خسارة له.
بين زوايا السوق، يقع محل التاجر خالد المخصص لاستيراد الملابس والأحذية من الضفة الغربية. يقول "تعتبر منتجات الضفة من أكثر البضائع جودة، ويفضلها الناس كثيراً في سبيل دعم المنتج الوطني، وعادة ما تصل إلى غزّة في أسعار مناسبة لجميع الفئات".
ضرائب جديدة
وعادة، ما تدخل البضائع المستوردة من الضفة الغربية، قطاع غزّة من دون أيّ ضرائب جمركية، أو رسوم تعلية، أو قيمة مضافة، على اعتبار أنّها واردة من الشق الثاني من الأراضي الفلسطينية، ووفقاً للقانون الفلسطيني فإنّه لا تحصيل ضريبي عليها.
لكن هذا لم يستمر طويلاً، بعدما اتخذت الإدارة العامة للجمارك في وزارة المالية بقطاع غزّة (تسيطر عليها حركة حماس) قراراً بمعاملة البضائع الواردة من الضفة الغربية إلى غزّة، بحسب التعلية الجمركية في البيان الجمركي الذي أقرته في يوليو (تموز) الماضي.
بالتالي، فإنّ البضائع المستوردة من الضفة الغربية، باتت تعامل على أنّها سلع أجنبية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكلٍ جنوني، قد يصل في كثيرٍ من الأحيان إلى مئة في المئة. وانعكس ذلك مباشرة على حركة السوق، التي لاقت ركوداً حاداً في عملية ترويج السلع الضفاوية.
انخفاض جديد
يوضح خالد أنّ نسبة بيع السلع الواردة من الضفة الغربية انخفضت حتى 70 في المئة، بعد زيادة ثمنها نتيجة فرض ضرائب جديدة عليها، ما أدى الى مزيد من الركود في السوق التي تعاني من هبوط اقتصادي حاد في الأساس.
ويشير خالد إلى أنّ دائرة الجمارك لم تراعِ ظروف الناس الاقتصادية عندما فرضت ضرائب جمركية جديدة على البضائع الواردة من الضفة الغربية، مستغرباً من اعتبارها سلعاً أجنبية على الرغم من قدومها من الشق الثاني للوطن، ما يثير تداعيات إمكانية تكريس لواقع الفصل بين شقي الضفة الغربية وقطاع غزّة.
بحثت "اندبندنت عربية" مع وزارة الاقتصاد (تسيطر عليها حماس) الموضوع، لكنها نفت علاقتها بفرض أيّ ضرائب، وأنّ ذلك الشق من اختصاص وزارة المالية فقط، وهي التي ترفع الضرائب الجمركية أو تخفضها... مباشرة، حاولنا التواصل مع أكثر من دائرة في وزارة المالية (تسيطر عليها حماس)، لكن لم يرد أحد ولم نحصل على تعليق حول الموضوع.
من أصل مستورد
في المقابل، يقول الخبير الاقتصادي مازن العجلة إنّ الضرائب الجديدة على السلع التي يتمّ استيرادها إلى الضفة الغربية، ثمّ تصديرها إلى قطاع غزّة، وأمّا البضائع ذات الصناعة في الضفة فإنّه لا ضرائب جديدة عليها.
لكن ذلك يبقى غير دقيق، طالما لم نحصل على توضيح من الوزارات المسؤولة في قطاع غزّة.
وفي سياق متصل، يوضح العجلة أنّه على الرغم من أنّ الضرائب الجديدة على سلع معينة تأتي من الضفة إلى غزّة، لكن ذلك يعد غير قانوني، ولا يحق لمؤسسات سلطة الأمر الواقع (يقصد فيها وزارات حماس) أنّ تقوم بفرض الازدواج الضريبي، بما أنّه يتمّ تحصيل جمارك على السلع من قبل السلطة الفلسطينية.
وتشير المعلومات إلى أنّ الإدارة العامة للجمارك في غزّة تفرض ضرائب الاستيراد على كلّ الأصناف التي تدخل القطاع سواء كانت مستوردة أو منتجاً محلياً، أو سلعاً أجنبية.
وبحسب التقديرات العامة، فإنّ سلطات حماس في غزّة تقوم بتحصيل ما يقارب من 80 مليون دولار شهرياً من البضائع الواردة إلى غزّة، ولكن سلطات حماس لن تفصح في أيّ مرّة عن قيمة تحصيلها الحقيقي، ولم تصدر بياناً في ذلك.
وحول الضرائب الجديدة على بضائع الضفة، يشير العجلة، إلى أنّها تأتي من الأراضي الفلسطينية، وبحسب الأصول تعامل معاملة واحدة، ما يعني أنّ التحصيل الجمركي الإضافي عليها يعد مخالفاً للقانون.
بحثنا حول الضرائب التي تقوم سلطات حماس في جبايتها، وهي تنقسم إلى نوعين: الأوّل ضرائب لم تكن موجودة في عهد السلطة الفلسطينية مثل إذن الاستيراد، وضريبة التكافل، والثاني ضرائب بقيت على حالها منها الضريبة المضافة وضريبة الدخل.
بحث عن الانفصال
وبالمتابعة، فإنّه فعلياً انخفض إقبال المشترين على البضائع الواردة من الضفة الغربية كثيراً، وأصبحت ضمن البضائع المكدسة في المحلات التجارية، لكن التخوّف من أنّ هذه تدفع هذه الخطوات التي بها تقوم سلطات حماس إلى مزيد من الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزّة.
يرى العجلة أنّ سلطة الأمر الواقع (سلطات حماس في غزّة) لا تكترث إلى فكرة الانفصال بين الضفة الغربية عن قطاع غزّة، ولو كانت تهتم لذلك ما حوّلت نفسها لأداة لتطبيق فكرة الانفصال من خلال قراراتها غير المحسوبة.
ومن وجهة نظر العجلة، فإنّ سلطات حماس هدفها تقوية حكمها في قطاع غزّة، وتعزيز مصادر دخلها من خلال تحسين قيم الجباية على السلع الواردة عبر الحدود سواء كانت إسرائيل أو مصر.
ويعتقد أنّه بما أنّ الهم الأكبر لحماس هو السيطرة على غزّة لأطول فترة ممكنة، وتحسين الدخل الخاص فيها بغض النظر عن ظروف الناس، يؤثر في وحدة الوطن، ويساعد على تنفيذ مخططات الانفصال، وتطبيق صفقة القرن.