ملخص
بعض المشاهير يكون الغضب هو رأس مالهم، والانفعالات الزائدة المبالغ في طريقة التعبير عنها هي رصيدهم الذي ينفقون منه على مهنتهم، وبينهم كثير من مذيعي الـ"توك شو" على سبيل المثال.
حتى لو كانت القرارات المصيرية الكبرى في الحياة العامة سببها الأساس لحظة اندفاع عاطفي بلغ أشده نتيجة محفزات ما، فإن الجمهور لا يحب أن يرى عملية تشكل هذا الغضب، ويفضل أن تبقى تفاصيل تلك الثورات العصبية في الغرف المغلقة، لذا فور أن تفلت إحداها وتظهر على الملأ، تصبح مثار تندر، وقد تشكل منعطفاً في حياة صاحبها، وتراوح خسائرها ما بين الموقتة والدائمة، وأحياناً تتعدى حدود ما هو شخصي إلى الحياة المهنية.
والغضب بالطبع مكون أساس في الحياة اليومية، ومشاهير المجتمع شأنهم شأن جميع الناس، وصحتهم النفسية مهما كانت جيدة فهي لا تسعفهم في بعض المواقف غير المتوقعة، وفي حين ينتظر المتابعون منهم أن يدللوا على كونهم كباراً في مجالهم بأنهم كبار أيضاً بتصرفاتهم. لذا تحدث مواقف استثنائية تسجل في تاريخهم على أنها سقطات صدامية فتهتز شخصيتهم أمام الجماهير.
بعض المشاهير يكون الغضب هو رأس مالهم، والانفعالات الزائدة المبالغ في طريقة التعبير عنها هي رصيدهم الذي ينفقون منه على مهنتهم، وبينهم كثير من مذيعي الـ"توك شو" على سبيل المثال، إذ يجتذبون المشاهدين بتلك الطريقة في النقاش أو في استعراض ما يجري على الساحة، كما أن نشطاء السياسة على الأرض والمعروفين بتنظيمهم لفعاليات التظاهر تكتمل صورتهم بالغضب أيضاً، وكذا بالتصرفات العاطفية المتطرفة، وهم يتشابهون هنا مع بعض السياسيين الذين اعتادوا على إلقاء الخطابات الحنجورية، إذ يبدو الأمر متقبلاً من أسماء بعينها، لكنه يسمى خروجاً عن السياق حينما يقترن بغالبية نماذج الشخصيات العامة ذات الطابع المعتدل، إذ قد يصل الأمر إلى عنف لفظي أو حتى جسدي.
الرئيس التائه
الرئيس الأميركي جو بايدن بات مثالاً دائماً للتندر، فهو الرئيس التائه والمرتبك والمتجمد الذي يعاني النسيان، وهو صاحب المواقف المحرجة أمام الكاميرات وفي المحافل الكبرى، لكنه أخيراً أصبح الرئيس الغاضب أيضاً، إذ ظهر في مؤتمر صحافي يرد بحدة على شخص سأله عما يمكن أن يفعله لوقف الإبادة الجماعية في غزة، وبدت العصبية والغضب على ملامح الرئيس الذي تجاوز الـ81 سنة، والذي يستعد للترشح لولاية جديدة، ولا يفوت فرصة إلا ويسخر فيها من سلفه دونالد ترمب (78 سنة)، والأخير للمفارقة كان صاحب مواقف غريبة أيضاً في أي ظهور علني له، فقد حصد الاستياء حينما تحدث بحدة قبل نحو أربعة أعوام مخاطباً الصحافية في شبكة "سي أن أن" ويجيان جيانغ ذات الملامح الآسيوية مطالباً إياها بأن تذهب وتسأل الصين حول تداعيات فيروس كورونا بعد أن سألته عن سر نسبة وفيات الوباء في الولايات المتحدة.
ترمب وصف السؤال بالسيئ، فيما اعتبرت المراسلة أن تعليقه الغاضب يحمل عنصرية واضحة تجاهها، معتبراً أن ملامحها الآسيوية تجعلها منتمية للمعسكر الصيني.
المتخصص في مجال العلوم السياسية والمستشارة الدولية نهى بكر تنبه لتبرير يقع فيه كثر حينما يعلقون على مثل تلك الحالات، إذ يرجعونها إلى مشكلات الصحة العقلية ربما المتعلقة بكبر السن، لكن في رأيها قد يكون التقدم في العمر عاملاً مساعداً في حالات بعينها فحسب، لكن على سبيل المثال في ما يخص حالة جو بايدن فهي تعتقد أنه يتعرض في الداخل والخارج لضغوط غير مسبوقة، منها ما هو متعلق بموقف إدارته مما يجري في غزة، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية داخلياً، وكذلك معركته الانتخابية، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أنه لن ينجح في السباق الرئاسي بسهولة، بالتالي فعصبيته تخضع لعوامل كثيرة.
بوتين يفقد أعصابه
الغضب العلني الذي يجر صاحبه نحو التفوه بألفاظ قد تحمل تحقيراً لآخرين لم يسلم منه حتى الرئيس الذي طالما وصف بأنه يشبه سهول سيبيريا في برودة أعصابه وتحكمه في انفعالاته، وهو الروسي فلاديمير بوتين الذي ظهر صارخاً في وجه مسؤوليه بعد أن استفزته تبريراتهم لبعض الأوضاع، وبحسب فيديو تم تداوله العام الماضي فقد بوتين أعصابه خلال اجتماع للحكومة، وصرخ في وجه دينيس مانتوروف وزير الصناعة ونائب رئيس مجلس الوزراء إبان الحديث عن تعطل صفقات الطائرات العسكرية بسبب العقوبات، إذ وبخه بوتين بشدة واتهمه بالعبث وقال له، "لماذا تلعب دور الأحمق؟". وتابع "أعرف أنه لا فائدة من الدخول في سجال معك"، وفقاً لما جاء في صحيفة الـ"تلغراف" البريطانية.
لكن حالات الغضب العلنية للمسؤولين والإعلاميين زادت بصورة ملحوظة في الفترة الأخيرة بسبب الانقسام حول الموقف من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني، فقد ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت وهو يصرخ في وجه مذيع قناة "سكاي نيوز" البريطانية حينما سأله الأخير عن ضحايا الحرب من المدنيين الأبرياء والأطفال الرضع فاستشاط بينيت غضباً وقال له "عار عليك".
في الجانب المعاكس تعرضت المذيعة البريطانية جوليا هارتلي بروير لحملة واسعة من الانتقادات بسبب انفعالها الذي وصفه المغردون بالهيستيري وغير المبرر على الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي في مداخلة معها، إذ لم تترك له فرصة للحديث، وظلت تصرخ بوجهه ولم تتركه يكمل جملة واحدة حينما كان يتحدث عن الوضع في غزة. وقد تعرضت جوليا للسخرية من الجمهور الإنجليزي الذي طالب بالتحقيق معها، ووصفها بعدم الاحترافية والافتقار لأسس العمل الإعلامي، بخلاف ذلك حدثت سجالات وغضبات كثيرة في أروقة برلمانات الدول الأوروبية، ولا سيما البريطانية والفرنسية بسبب الخلاف بين الأعضاء حول سياسة الدول في التعامل مع الوضع الإنساني المروع في الأراضي الفلسطينية.
التجاهل لاحتواء الموقف
لكن خلافات البرلمانات أمر طبيعي ومعتاد والصراخ والغضب وحتى التشابك بالأيدي بات سمة لتلك النقاشات عربياً وعالمياً فحماسة الأعضاء في إلقاء الخطب لحشد الناخبين ومحاولات التأثير في المسؤولين تجعلهم ينجرون وراء الغضب الذي يتحول إلى مشادات حامية الوطيس، على رغم أن البعض يعتقد أن السياسي يبني سمعته على التحلي بالكياسة وامتصاص الغضب، ولكن هذا قد يكون على مستويات أخرى مثل التمثيل الدبلوماسي أو مستوى قادة الدول، لذا من الطبيعي أن نجد اهتماماً بمناقشة بند الصحية النفسية لرجال ونساء العمل العام، وكيف يفقدون أعصابهم لأقل الأسباب في حين أنهم مدربون على التعامل مع مواقف مفاجئة ومحرجة تثير الضيق بحكم طبيعة مكانتهم، لا سيما أن المسؤولين عادة لا يعتذرون عن مواقفهم الصدامية الناتجة من انفعال مبالغ فيه، حتى لو وصفت بأنها غير لائقة، بل يرون أن تدارك الأمر سيحدث فقط بالمضي قدماً وعدم التعليق أو التركيز على الحوادث السلبية من هذا النوع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأكاديمية نهى بكر المتخصصة في مجال العلوم السياسية تشير إلى أن هناك أنواعاً من المدارس السياسية في التعامل مع المواقف التي يظهر فيها المسؤول سلوكاً عدائياً وغاضباً تجاه أي طرف، لافتة إلى أنه في حال المدرسة الديمقراطية فإنه يتم دراسة الموقف من كافة النواحي بهدف اتخاذ تدابير لمنع تكراره مستقبلاً، وعدم تعريض الشخصية القائدة للاقتراب من الجماهير وإبعادها عن مثيرات الضغوط ما دام الشخص لا يجيد التصرف ويقع في أخطاء.
وتنوه إلى أنه حتى لو تم تجاهل الاعتذار أو التوضيح العلني فإن الموقف لا يمر من دون مناقشة في أروقة المكاتب الاستشارية أبداً، وفي نظم أخرى أقل ديمقراطية يجري غالباً تجاهل هذه المواقف تماماً، ولا تثار نقاشات داخلية ويتم التغطية عليها إعلامياً، وهناك نوعية ثالثة يحدث فيها العكس، وهو تبرير تصرف الشخص الغاضب إذا كان مسؤولاً بارزاً، بل والإشادة به واعتباره سلوكاً حكيماً.
في "الغضب الساطع"
تمجد فيروز في أغنيتها "زهرة المدائن" الغضب الساطع، كما أن أدبيات العمل السياسي تنظر للانفعالات المؤثرة في الجماهير بكثير من التقدير، وتعدها انفعالاً سياسياً محموداً وإيجابياً، ما دامت لم تخرج عن الإطار الشائع، إذ تعد مكوناً أساساً لسلوك رجال السلطة، ووفقاً لدراسة للباحثين معين رومية وميشيل فايتسل بعنوان "هندسة الانفعال... سياسة الشارع والأسس الجزئية لممارسة الحكم"، فإن "الانفعال والعاطفة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالسلوك السياسي وصنع القرار في مجموعة واسعة من القضايا تمتد من تفضيلات الناخبين إلى السياسة الخارجية"، والمقصود هنا بالطبع الحماسة والانفعال العاطفي والغضب المدروس، بعيداً من السلوك العصبي الذي يحمل مبالغات قد تجعل صاحبها غير مؤهل للظهور العام أو الدخول في مناقشات غير مخطط لها على الملأ.
ويشرح كتاب "العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية" لآرون بيك، الذي ترجمه للعربية عادل مصطفى، كيف يمكن أن تحدث مثل تلك السلوكيات، ومنها أنه "أحياناً ما نصادف شخصاً يستجيب لموقف ما استجابة غير ملائمة، بل مفرطة إلى حد المرض. وحين نواجهه بذلك نجد أنه أساء تأويل الموقف بناءً على شبكة من المعاني الخاطئة التي ألحقها به. إن لنا أن نعدها شاذة ونسمها بالمرض تلك التأويلات التي تنأى تماماً عن الواقع، بعد أن نتأكد أنها ليست مجرد أخطاء بريئة نتجت من معطيات خاطئة. تلك هي التحريفات المعرفية التي تشكل لب الاضطرابات الانفعالية".
لعنة البطل الخارق
أما المتخصص في الطب النفسي محمد محمود حمودة فيقول إن ينبغي بصورة عامة ألا يتعامل الجمهور على المشاهير في مجال ما على أنهم أشخاص غير عاديين، على رغم أنهم في الأساس لديهم الحق في اتخاذ ردود فعل عصبية بناءً على موقف ما أمامهم، بخاصة أنهم يتعرضون لضغوط جمة في أوقات كثيرة، بل ويفقدون السيطرة في أفعالهم نتيجة لشعورهم بالإحباط على سبيل المثال، أو نتيجة تفسيره بطريقة ما لا نعلمها.
يبدو أن مشاهير الكرة والفن أكثر تعرضاً للضغوط من أجل تبرير تصرفاتهم الغاضبة مع الجمهور التي ترصدها الكاميرات، وفور أن تنتشر تلك اللقطات على نطاق واسع عليهم أن يجدوا طريقة للتعامل مع الأمر، فلاعب فريق النصر السعودي حالياً كريستيانو رونالدو عرف على مدى مشواره بتعامله الجاف مع المعجبين والمترصدين ومصوري الصحافة، وعادة لم يكن يشغل باله بتبرير تصرفاته، لكنه قبل عامين وجد نفسه محل انتقاد واسع من قبل جمهوره المخلص قبل الجمهور العادي، حينما ظهر في فيديو وهو يتعامل بحدة مع طفل عمره 14 سنة أراد التقاط صورة معه، إذ قام بإلقاء هاتفه وتحطيمه رافضاً التقاط الصور معه عقب انتهاء مباراته حينما كان لاعباً في "مانشستر يونايتد"، والتي مني فيها فريقه بخسارة أمام "إيفرتون". وما أشعل الرأي العام وقتها أن هذا المراهق تبين أنه مصاب بالتوحد وكان يتمنى أن يلتقط صورة مع نجمه المفضل، فيما بثت والدة الصبي رسائل عديدة تعبر فيها عن قسوة الموقف على ابنها، وصدمته لما فعله رونالدو الذي كان مثله الأعلى، وفضلت أن تلجأ إلى الشرطة، ولكن اللاعب حاول احتواء الأزمة من طريق تواصل مستشاريه مع الأسرة لمقابلة الطفل، وهو ما رفضته الأم، فتوجه كريستيانو إلى الـ"سوشيال ميديا" ليحاول تهدئة جماهيره الغاضبة من طريق خطاب اعتذاري يبدي فهي ندمه ويطلب فيه مجدداً لقاء الصبي، ومما جاء فيه "ليس من السهل على الإطلاق التعامل مع المشاعر في اللحظات الصعبة مثل تلك التي نواجهها، وعلى رغم ذلك علينا على الدوام التحلي بالاحترام والصبر". وتابع "يجب أن نكون قدوة لجميع الشباب الذين يحبون اللعبة الجميلة. أود أن أعتذر عن غضبي"، متمنياً أن يقبل المراهق دعوته ليتعلم منه الروح الرياضية ونبذ التعصب.
صفعة الـ"أوسكار" التاريخية
لا تزال آثار صفعة ويل سميث على وجه زميله كريس روك في حفل "أوسكار" 2022 تلقي بظلالها على مسيرة الأول، فالنجم الهوليوودي حرم من حضور حفل الجوائز الأشهر بعد ما لم يتمكن من السيطرة على غضبه إثر العبارة الساخرة التي أطلقها كريس والمتعلقة بزوجة سميث، وعلى رغم اعتذاره مراراً سواء في فيديوهات مصورة أو عبر بيانات مكتوبة، فإنه ظل منبوذاً حتى وقت طويل من قبل زملائه في الوسط ومسؤولي الحفلات الكبرى والأنشطة الفنية البارزة، ولم يلتمس له أحد العذر إلا قليلاً، كما لم يحظ بدعم علني تقريباً، إذ اتهم بالتعصب والهمجية بعد أن صعد إلى المسرح مليئاً بالحنق، ووجه لكمة لكريس ثأراً لزوجته، واللافت أن هذا الحفل كان من المقرر أن يكون تاريخياً بالنسبة إليه كونه شهد حصوله للمرة الأولى على جائزة "أوسكار"، وعلى مدى أكثر من عامين حاول سميث استعادة بريقه القديم ولم يتمكن من ذلك إلا قبل أسابيع قليلة بعد نجاح الجزء الرابع من فيلمه "أولاد سيئون"، إذ دفع ثمن عدم تحكمه في غضبه غالياً جداً، وعاش أياماً صعبة وفق شهادته، مبدياً ندمه الشديد على استسلامه للاستفزاز في حين أنه من المفترض أن يكون قدوة ونموذجاً يليق بشخص في مكانته.
المطالبات للمشاهير بتوخي الحذر ربما تبدو غير منطقية بالنسبة إلى البعض، بخاصة أنه من غير الطبيعي أن يعاقبوا على شهرتهم بتحميلهم ما لا يطيقون، إذ إن تفسير المشاهد من وجهة نظر المتلقي ربما ينقصه الصواب، فهناك عوامل كثيرة تتداخل ولا يمكن إدراكها بسهولة لتؤدي في النهاية إلى اتخاذ موقف يفسر على أنه يحمل تجنياً تجاه الطرف الآخر.
بالطبع لا أحد يبرر العنف، لكن تحليل الواقعة من دون التطرق لجميع عناصرها أمر يزعج المشاهير الذين يحاولون التكفير عما جرى بطرق كثيرة، كل حسب طبيعة شخصيته وما يمليه عليه فريق الاستشارات الإعلامية ومديرو أعمالهم. فعلى سبيل المثال فضل عمرو دياب عدم التعليق بصورة مباشرة على واقعة صفعه معجباً، وبدا كأنه يتجاهل الحدث، وهو تصرف معتاد منه، حيث يفضل غض الطرف وعدم الرد بصورة مباشرة على بعض القضايا والأزمات في حياته، وانتهز أول فرصة للظهور الإعلامي وحيا الجمهور وقال نصاً "من 35 سنة وأنا معنديش (لا أملك) غير جمهوري، بقول لهم أنا بقدركم وبحبكم، كل سنة وانتوا طيبين"، وهي عبارة فسرت على أنها محاولة لإيقاف الهجوم الذي طاوله واتهامه بالإساءة إلى جمهوره وعدم تقديره له.
وكانت الواقعة التي جرت قبل أسابيع قليلة أظهرت النجم الملقب بـ"الهضبة" يصفع شاباً على وجهه، بعد أن حاول الأخير التقاط صورة معه في إحدى حفلات الزفاف، واعتبر البعض أن المعجب اعتدى على مساحة دياب الشخصية، وأن طريقة تعامله معه اقتربت من التحرش، لكن الغالبية عابت على عمرو دياب مبالغته في التعبير عن غضبه ولجوئه إلى ضرب إنسان أراد أن يدلل له على محبته له، ووصلت الأزمة للقضاء، إذ رفع كل طرف دعوى ضد الآخر، لكن الجدل الذي تفجر استدعى مواقف كثيرة مشابهة قد يكون أشهرها عربياً ما حدث في الدورة الثالثة لمهرجان "ترابيكا" السينمائي بقطر نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2011، حينما هاجم النجم الراحل عمر الشريف إحدى الإعلاميات التي حاولت التقاط صورة معه، ولكمها على وجهها بعد أن ضاق ذرعاً من طلبات التصوير المتكررة، وقد ظهر الشريف في الفيديو بوجه محموم غضباً فيما جميع من حوله مصدمون من تصرف النجم الذي كان قد اقترب من عامه الـ80 حينها، ومعروف عنه لياقته ودماثته في التعامل مع النساء، لكن على ما يبدو فإن بوادر مرض "ألزهايمر" كانت بدأت أعراضها تظهر منذ ذلك الحين، وهو ما اعتبر في ما بعد تبريراً لتلك الحال العصبية، بدليل أنه بعد ثوانٍ هدأ تماماً وأكمل اللقاء وكأن شيئاً لم يكن.
مطالبات التبرير والتبرؤ
اعتاد الجمهور أن يرى غضب نجوم الفن والرياضة يتحول إلى صدامات وضرب بالأيدي وسباب في برامج المقالب فحسب، بل إنه يجلس أمام الشاشة ليشجعهم كلما تمادوا في انفعالاتهم، وحينما تخرج تلك الانفعالات إلى أرض الواقع وتوجه تحديداً لأحد الأفراد العاديين يتحول الموقف بصورة كاملة، إذ يتوقع الجمهور دوماً أن يعلو النجم فوق الاستفزاز، وأن يكون أكثر استيعاباً.
وهنا يشير استشاري الطب النفسي محمد محمود حمودة إلى أنه لا ينبغي الحكم على المشاهير بناءً على أسس خيالية، فهم ليسوا "سوبر هيروز" فيما يتعلق بالتحمل النفسي. ويتابع "قد يكون السبب في انتظار رد فعل غير عادي هو أن الجمهور يعد النجم في مختلف المجالات قدوة ونموذجاً مثالياً للسلوكيات، ولكن هؤلاء النجوم ليسوا ملائكة بطبيعة الحال، وليسوا أشخاصاً مستباحين، من ثم يجب احترام مساحتهم الخاصة".
لكن المتخصصة في مجال العلوم السياسية نهى بكر ترى أن بعض تلك التصرفات يكون نابعاً من الغرور، مشيرة إلى أن هناك حالات مبررة بالفعل، لكن هذا لا يمنع أن الغرور وعدم الثبات الانفعالي والغضب قد يقودون الشخص نحو تصرفات تتسم بعدم اللياقة، منوهة إلى أن كثيراً من المشاهير بمن فيهم رجال السياسة أو الفن أو الكرة يتوفر لديهم مستشارون يدربونهم على حسن التصرف والتعامل في المواقف الطارئة غير المتوقعة، كي لا ينجرفوا في لحظة غضب وراء سلوك يجر عليهم خسائر.