Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشروع قرار أميركي يستهدف رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق

البرلمان ووزارة الخارجية يستنكران تصريحات النائب الجمهوري مايك والتز في حق زيدان

تردد اسم فائق زيدان بصورة كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية (وكالة الأنباء العراقية)

ملخص

لا تعد هذه المرة الأولى التي تشير فيها واشنطن إلى ارتباط رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان بإيران، إذ كانت وزارة العدل الأميركية، ألغت زيارته إلى واشنطن بعدما كانت مقررة عام 2023، على إثر إصداره مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على خلفية مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس.

في سابقة هي الأولى منذ إسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، يجري في أروقة الكونغرس الأميركي حراك متسارع لتصنيف مجلس القضاء الأعلى في العراق ورئيسه فائق زيدان على أنه "خاضع لسيطرة إيران"، وهو ما يرفع سقف التصعيد الأميركي ضد النظام السياسي في العراق إلى مستوى غير مسبوق.

وخلال الأعوام الـ 10 الأخيرة، خصوصاً بعد تأسيس "الحشد الشعبي" وتضخم نفوذ ميليشياته الموالية لإيران على حساب الدولة، لم تتجاوز الضغوط التي تمارسها واشنطن الحدود العسكرية والاقتصادية، إلا أن تلك الخطوات تعطي انطباعاً بأن واشنطن ربما تبدأ باتخاذ خطوات يراها مراقبون أكثر خطراً على نفوذ حلفاء طهران، مما قد يجبر بغداد على اتخاذ خطوات حقيقية للحد من التغول الإيراني في البلاد.

 

"المؤامرة الإيرانية"

ويعتزم النائب الجمهوري مايك والتز عضو لجنتي القوات المسلحة والعلاقات الخارجية، تقديم تعديلات على مشروع قانون "المخصصات الخارجية" يصنف فيه مجلس القضاء العراقي ورئيسه فائق زيدان "أدوات تسيطر عليها إيران"، كما وصف النائب الجمهوري زيدان بأنه "في قلب مؤامرة إيران لتحويل العراق إلى دولة عميلة".

وقال تقرير لصحيفة "واشنطن فري بيكون"، إنه في حال تبني مشروع القرار فإنها ستكون المرة الأولى التي يقوم فيها الكونغرس وإدارة الرئيس جو بايدن، بـ"تسمية القيادات العراقية التي تمكّن إيران من السيطرة على حكومة بغداد واستخدام العراق لإشعال الإرهاب"، وتابعت الصحيفة أن مصادر في الكونغرس قالت إنها "تعول على هذا الإجراء بوصفه تنبيهاً للحكومة العراقية خصوصاً مع تحوّل البلاد إلى دولة تابعة لإيران". ولفتت إلى أن زيدان ومجلس القضاء العراقي يمثلان "القوى الرئيسة التي تدفع بمصالح إيران في العراق وتساعد الميليشيات للحصول على موطئ قدم في البلاد"، مبينة أن القضاء العراقي وقف خلف "قرار المحكمة الاتحادية العليا المثير للجدل في فبراير (شباط) 2022، الذي نص على أن انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب أغلبية الثلثين"، وتابعت أن هذا القرار تسبب "فعلياً في منع العناصر المناهضة لإيران في العراق، مثل الأكراد، من تشكيل حكومة أكثر وديّة مع الولايات المتحدة".

وفي السياق، أشار والتز إلى أن النظام الإيراني "يجب أن يفهم أن الكونغرس الأميركي لن يسمح للمرشد الأعلى بتحويل العراق إلى دولة تابعة".

وتردد اسم فائق زيدان بصورة كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ اقترن اسمه مع واحد من أكثر الملفات إثارة للجدل المتعلق بالخلاف بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وقوى "الإطار التنسيقي" الموالية لإيران على خلفية انتخابات عام 2021، إذ منعت قرارات القضاء التيار الصدري من تشكيل حكومة غالبية مما دفعه في النهاية إلى الانسحاب من البرلمان.

ويرى مراقبون أن هذا القرار مثّل منعطفاً كبيراً في سياق الديمقراطية في العراق، إذ استبدل السياق الديمقراطي بعرف المحاصصة السائد في البلاد منذ العام 2003.

تحوّل في استراتيجية واشنطن

في الأثناء، رأى رئيس المركز العراقي-الأسترالي للدراسات أحمد الياسري أن مشروع القرار الأميركي إزاء العراق يؤشر بصورة واضحة إلى "تحوّل كبير في الاستراتيجية الأميركية إزاء السلطة في العراق"، مبيناً أنها تمثّل الـ"مرحلة الثالثة من خطوات تفكيك نظام ما بعد 2003"، وأضاف أن واشنطن كثيراً ما حاولت خلال الأعوام الأخيرة "إبقاء العراق في فضاء حلفائها في المنطقة"، ومع تحركات صانعي القرار السياسي في بغداد نحو مسارات معادية لأميركا "باتت عملية التغيير شبه حتمية".

ويبدو أن تأثير مشروع القرار الأميركي، بحسب الياسري، "لا يتوقف عند حدود الضغط على أدوات السلطة في العراق" بل يمتد إلى "ضرب مشروعية النظام السياسي الذي يستمد مقبوليته الدولية من قبول واشنطن به، باعتبارها القوة التي أحدثت التغيير عام 2003"، وأشار إلى أن إمرار مشروع القانون هذا "سيضع صانعي القرار السياسي في البلاد في مأزق كبير أمام بقية دول العالم، وسينزع الشرعية عن النظام"، لافتاً إلى أن جميع رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على السلطة منذ سقوط نظام صدام حسين "يدركون أن مشروعيتهم مستمدة من القبول الأميركي".

ولعل ما يؤكد "اعتماد النظام السياسي في العراق على واشنطن في شرعنة وجوده، هو عدم تجرؤ الميليشيات الموالية لإيران على ترشيح أية شخصيات ميليشياوية لمنصب رئيس الوزراء وتجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها الإدارة الأميركية". ولفت الياسري إلى أن تزامن مشروع القرار مع وصول السفيرة الأميركية الجديدة تريسي جاكوبسون، التي تبدي حماسة شديدة في مواجهة الميليشيات الموالية لإيران، يعطي انطباعاً بأن ما يحدث "يمثل منعطفاً كبيراً في سياسة واشنطن إزاء العراق".

وحدد الياسري ثلاثة مسارات تجري بصورة تصاعدية تتحرك وفقها الإستراتيجية الأميركية في العراق، يتمثل الأول في "البعد الأمني من خلال استهداف قادة الميليشيات عسكرياً"، أما البعد الثاني فكان من خلال "فرض عقوبات اقتصادية على مصارف وأفراد"، في حين يتمثل البعد الأخير في "المسار المؤسساتي"، إذ يبدو أن واشنطن باتت تسعى إلى "تفكيك عناصر النظام في البلاد"، وختم أنه، في حال إمرار مشروع القانون في الكونغرس فسيكون صانعو القرار في العراق بـ"مأزق كبير"، خصوصاً أنهم يدركون "عدم القدرة على مخالفة إرادة واشنطن".

النظام السياسي

ولا تعد هذه المرة الأولى التي تشير فيها واشنطن إلى ارتباط رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان بإيران، إذ كانت وزارة العدل الأميركية، ألغت زيارته إلى واشنطن بعدما كانت مقررة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على إثر إصداره مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على خلفية مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس.

وكان الباحث في معهد "واشنطن" مايكل نايتس قد وصف زيدان بأنه "قوي مثل رئيس وزراء العراق، إنه غير منتخب ونصبته إيران، وليس له حد أقصى لولايته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الأثناء، رأى أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي أن مشروع القرار الأميركي إذا ما نفذ سيمثّل "بداية مرحلة استراتيجية جديدة بالنسبة إلى واشنطن إزاء حكومة بغداد"، مبيناً أن ما يجري هو بداية "نزع الشرعية القانونية عن النظام السياسي"، وأضاف أن مشروع القرار لا يمثل فقط وسيلة ضغط جديدة تتخذها واشنطن إزاء النظام العراقي، بل تتعدى ذلك إلى "شبه إعلان نهاية النظام السياسي في البلاد"، وشبّه الهيتي مشروع هذا القانون بـ"القانون الذي أسقط من خلاله نظام صدام حسين والذي سمي حينها بقانون تحرير العراق"، مضيفاً أن إمراره في الكونغرس الأميركي سيمثل "إعلاناً صريحاً ببداية نهاية نظام ما بعد 2003".

وتبيّن التحركات السياسية الأميركية الأخيرة إزاء العراق بأن "تحوّلاً كبيراً يجري التحضير له"، بحسب الهيتي الذي لفت إلى أن "تزامن مشروع القرار مع تعيين السفيرة الأميركية الجديدة في بغداد التي تستخدم اللغة العقابية في تعاطيها مع ملف الميليشيات، يعطي انطباعاً بأن صبر واشنطن نفد على النفوذ الإيراني في العراق، خصوصاً أن العراق بات مسيطراً عليه بصورة كبيرة من قبل طهران"، وختم أن إمرار مشروع القرار الأميركي سيكون بمثابة "تهديد واضح للقوى الموالية لإيران، ومحاولة لدفع حكومة بغداد إلى اتخاذ إجراءات تبعد النفوذ الإيراني".

بيانات استنكار واسعة

وخلال الساعات الماضية توالت بيانات الاستنكار من مشروع القرار الأميركي، إذ أكدت وزارة الخارجية العراقية "رفضها التام" لتصريحات النائب الأميركي معتبرة تصريحاته بأنها "تدخل سافر في الشأن الداخلي".

واعتبر رئيس البرلمان بالنيابة محسن المندلاوي أن "ما تناقلته وسائل إعلام أميركية في شأن تقديم عضو الكونغرس الجمهوري (مايك والتز) مشروع تعديل قانون وتضمينه بنداً يمس رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، سابقة خطرة تضاف إلى سجل أعمال حكومة بايدن التي ساندت بصورة علنية أبشع مذبحة جماعية اقترفتها العصابات الصهيونية في حق شعب غزة، واليوم تلوح بالمساس بسيادة الدول ورموزها من دون مسوغ قانوني يُبيح لها ذلك"، وتابع أن "مشروع القانون المزمع تقديمه إلى الكونغرس من قبل النائب الجمهوري، وفي حال إقراره، سيشكل منعطفاً خطراً يؤثر بصورة أو أخرى في طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين".

كما استنكر نواب في البرلمان العراقي تصريحات النائب الأميركي، مشيرين إلى أن مجلس القضاء الأعلى ورئيسه يمثلان "ركيزة أساسية لضمان سيادة القانون واستقلال القضاء العراقي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير