ملخص
"تأشيرات إنسانية وذهبية" وأخرى "للمواهب العالمية" تفاقم الهجرة العكسية لدى الإسرائيليين
في نهاية عام 2022 أعلنت الوكالة اليهودية أن إسرائيل نجحت في استقدام أكبر نسبة هجرة في العقد الأخير بعدد وصل إلى نحو 70 ألف مهاجر، مما دفع الحكومات الإسرائيلية لتكثيف جهودها وبرامجها لاستقبال مزيد من اليهود حول العالم. إلا أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي أعقبت هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نسفت كل تلك الجهود المتعاقبة، فالهجرة العكسية المتزايدة للإسرائيليين الباحثين عن حياة أكثر هدوءاً بعيداً من صراعات الشرق الأوسط باتت كابوساً يؤرق قادة تل أبيب. وفي وقت يشدد فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على أنه لن يقبل بأي اتفاق "جزئي"، وأن "الهدف هو استعادة الرهائن واجتثاث نظام "حماس" في غزة وقدراتها العسكرية. ويعمل آلاف الإسرائيليين على اتخاذ خطوات عملية وجدية غير مسبوقة نحو الهجرة ونقل الأموال وشراء العقارات خارج إسرائيل والتقدم بطلبات الحصول على جنسيات أخرى، بل وخروج الشركات الاستثمارية، لا سيما في مجال التكنولوجيا المتطورة، وغير ذلك.
ووفقاً لبيانات سلطة السكان الإسرائيلية فإن إجمال عدد الإسرائيليين الذين غادروا في الصيف وأثناء موسم الأعياد، ولاحقاً أثناء الحرب ولم يعودوا حتى أبريل (نيسان) الماضي، يزيد بنحو 550 ألفاً على إجمال عدد المواطنين الذين عادوا إلى إسرائيل، في حين تؤكد بيانات المكتب المركزي للإحصاء أن نحو 60 ألف إسرائيلي غادروا تل أبيب عام 2022 ولم يعودوا إليها طوال عام 2023 باستثناء زيارات قصيرة، وسجلوا في سجلات الجهاز المركزي للإحصاء مهاجرين. وبحسب المكتب فإن عدد المهاجرين الإسرائيليين عام 2023 بلغ نحو 60 ألفاً مقابل نحو 40 ألفاً في المتوسط خلال الأعوام السابقة. وقد شرعت تل أبيب عام 1950 "قانون العودة" الذي يعطي اليهود حق الهجرة إلى إسرائيل والاستقرار فيها ونيل الجنسية الإسرائيلية بهدف جذب يهود العالم اليها.
تأشيرة إنسانية
قبل أيام كشف موقع "واللا" الإسرائيلي عن أن كندا منحت الإسرائيليين بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023 "تأشيرة إنسانية" إلى جانب مشروع يمنحهم تأشيرة عمل لمدة ثلاثة أعوام، يمكن خلالها تقديم طلب للحصول على الإقامة الدائمة أو المواطنة الكاملة. وبين الموقع أن آلاف الإسرائيليين من الفئات التي تحمل مؤهلات قوية وقدرات مهنية عالية استغلوا ذلك وباشروا بإجراءات الهجرة إلى كندا التي تتربع في المرتبة الثانية بين أفضل دول العالم للعيش بعد سويسرا وتحتل المرتبة الثامنة عالمياً من حيث دخل الفرد. وبحسب إحصاء عام 2021 يعيش في كندا نحو 400 ألف يهودي ونحو 35 ألف إسرائيلي معظمهم في تورونتو، ويضاف نحو 2000 إلى 3000 إسرائيلي إلى عدد السكان سنوياً.
وخلال الأشهر الماضية رصدت وسائل إعلام إسرائيلية أن الشركات التي تقدم خدماتها لمن يريد المغادرة من الإسرائيليين تنهمك بصورة غير مسبوقة في تقديم شروحات لطالبي الهجرة تركز على كيفية نقل الأصول المالية من إسرائيل إلى الخارج وإنشاء حسابات مصرفية وشراء العقارات في دول أوروبية بعد أن تبين أن عدداً كبيراً منهم باع منازله لشراء أخرى في قبرص واليونان وتايلاند وإسبانيا والبرتغال وغيرها من الدول. وأعلن معهد البحوث الاقتصادية (ERI) في دراسة أجراها قبل الحرب بأشهر قليلة أن 56 في المئة من الإسرائيليين بين سن الـ18 والـ44 يدرسون عملياً خيار الهجرة، فيما كشف تقرير لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية عن أن أكثر من 47 في المئة ممن هاجروا أو غادروا مدنهم لا يودون العودة إليها مرة أخرى.
هجرة الأدمغة
وتزامناً مع موجة هجرة عكسية يتسع نطاقها بين الإسرائيليين حذر مراقبون من مؤشرات مقلقة تتمثل في هرب الأدمغة وهجرة عدد كبير من العلماء وكبار الأطباء من إسرائيل، وجاء في رسالة سابقة وجهها رؤساء الجامعات وأعضاء (مجلس الأبحاث والتطوير المدني) الذي يعد مجلساً استشارياً قومياً للحكومة الإسرائيلية في مجال الأبحاث والتطوير وكذلك نقابة الأطباء وغيرها من القطاعات أن الظاهرة يمكن أن تتسبب في انهيار مجال الأبحاث في إسرائيل وإلغاء مشاريع التعاون الدولي والتبرعات للأبحاث والتعليم العالي. وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية غادر أخيراً عشرات الأطباء النفسيين الذين يعملون في منظومة الصحة العامة إلى بريطانيا في وقت يتزايد فيه الطلب على المساعدة في مجال الصحة النفسية في ظل الحرب في حين خضع العشرات منهم لاختبارات الترخيص لمزاولة الطب في بريطانيا كونه أكثر تنظيماً وأقل ازدحاماً بحسب تعبيرهم. ووفق الصحيفة فإن نظام الصحة النفسية في إسرائيل "يعاني نقصاً حاداً في الأطباء النفسيين. وبحسب بيانات رسمية يوجد في إسرائيل طبيب نفسي واحد في الخدمة العامة لكل 11,705 من السكان. وبحسب ما نشرت "يديعوت أحرونوت" مطلع يونيو (حزيران) الماضي فإن أكثر من ألف طبيب وطبيبة في إسرائيل حذروا من أن عدم المساواة في الخدمة العسكرية قد يدفعهم إلى الهجرة، داعين "الكنيست" والحكومة الإسرائيلية في بيان إلى "وقف جميع الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى مغادرة المهنيين البلاد". ولفت البيان إلى أن "هناك خطراً حقيقياً يتمثل في أن السكان في إسرائيل سيكونون أقل تعليماً وأقل ابتكاراً، مما يشجع على مزيد من هجرة السكان المتعلمين والعاملين حتى تستنزف الموارد البشرية الأساسية اللازمة للاستمرار". ونهاية العام الماضي ظهرت حركة إسرائيلية أطلقت على نفسها اسم "لنغادر البلاد معاً" تركزت على استصدار جوازات سفر أجنبية للإسرائيليين وتوفير فرص عمل لهم في الخارج، إلا أن الحركة ومع بدء الحرب على غزة وسعت نشاطها ليشمل كل من يحمل جواز سفر إسرائيلياً، وليس على من يمتلك جنسية مزدوجة فحسب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً لمحللين فإن الحرب الطاحنة على غزة والمستمرة منذ تسعة أشهر لم تحطم صورة إسرائيل كملاذ آمن فحسب، لكنها تهدد أيضاً بسحق إنجازاتها الاقتصادية، إذ بين تقرير هجرة الثروات الخاصة لعام 2024 الصادر من شركة "هنلي أند بارتنرز" أن أعداد المهاجرين الأثرياء المغادرين من إسرائيل تفوق على أولئك المصرين على البقاء. وأكدت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية ذلك حين أشارت إلى أن إسرائيل خرجت جراء الحرب من قائمة "هنلي أند بارتنرز" للدول الـ20 المستقطبة للثروات الخاصة وابتعدت عن مركزها الـ12 الذي حققته العام الماضي عندما شهدت تدفقاً صافياً لـ600 فرد ثري. وتعد التكنولوجيا المتطورة أحد أكثر المجالات الجاذبة للمستثمرين الأجانب في إسرائيل، وتظهر الأبحاث أن 90 في المئة من الاستثمارات في هذا المجال هي من الخارج، تتيح لتل أبيب ربح نحو 50 مليار شيكل (13.5 مليار دولار) سنوياً، بيد أنه منذ اللحظات الأولى للحرب توقع مسؤولو قطاع التكنولوجيا أن يكون لذلك عواقب وخيمة على صناعتهم، فأكثر من 40 في المئة من شركات التقنية لديها اتفاقات استثمارية تأخرت أو ألغيت، و10 في المئة فقط تمكنت من عقد اجتماعات مع المستثمرين. وبحسب تقرير نشره معهد "سياسات الأمة الناشئة" فإن 70 في المئة من شركات التقنية الإسرائيلية أبلغت عن وقوع أضرار في عملياتها بسبب استدعاء جزء كبير من موظفيهم للخدمة العسكرية.
عروض مغرية
مع توالي المواقف الدولية والداخلية التي تحذر من الدخول في حرب شاملة بين إسرائيل و"حزب الله" على وقع ارتفاع مستوى التصعيد العسكري بين الجانبين كشفت مكاتب سياحية في إسرائيل عن إقبال كبير في صفوف الإسرائيليين منذ بدء الحرب لتحصيل جوازات إلى جانب جواز السفر الإسرائيلي، بينما كشف موقع أخبار "تأشيرة شنغن" الأوروبي، عن زيادة إقبال الإسرائيليين على طلبات الحصول على الجنسية البرتغالية بنسبة 68 في المئة، والفرنسية بنسبة 13 في المئة، والألمانية بنسبة 10 في المئة، والبولندية بالنسبة نفسها.
ونشطت في العاصمة اليونانية أثينا الاستثمارات العقارية الإسرائيلية نتيجة انخفاض أسعارها نسبياً، فبرنامج "التأشيرة الذهبية" يمنح المستثمرين غير الأوروبيين إقامة دائمة حال استثمارهم بما لا يقل عن 250 ألف يورو (300 ألف دولار). وبينت المعلومات أن كثيراً من الإسرائيليين ينجذبون للبرتغال بسبب قانون صدر عام 2015 يسهل عملية الحصول على الجنسية لليهود الذين طرد أسلافهم أو غادروا البلاد طواعية في القرن الـ15، أو بعد ذلك، في حين تمنح الحكومة الألمانية الجنسية للإسرائيليين استناداً إلى تاريخ العائلة اليهودية، إذ يمكن لأحفاد الناجين من المحرقة الحصول على الجنسية، كما أن العائلة الإسرائيلية التي تثبت أصولها اليهودية تصبح جميع فروعها مؤهلة للحصول على الجنسية.
وتعد بريطانيا وجهة محببة لهجرة الإسرائيليين وإلى جانب قربها الجغرافي ترحب لندن بالعاملين في مجال التكنولوجيا المتطورة، بل وتسمح لهم عبر تأشيرة "المواهب العالمية" الانتقال إليها حتى قبل أن يكون لديهم عقد عمل. وتعد إسبانيا من أهم الدول التي تتلقى شركات الهجرة الإسرائيلية استفسارات حول اللجوء إليها، إذ إن 50 إلى 80 في المئة من الإسرائيليين المستفسرين عنها يقررون بالفعل اتخاذ خطوة الهجرة إليها.
وكشف تحقيق نشره موقع "أوريون 21" الفرنسي من إسرائيل عن تذمر الإسرائيليين وخوفهم من المجهول بسبب الحرب على غزة، مستنداً إلى شهادات عديد من الذين هاجروا حديثاً إلى إسرائيل وأبدوا عزماً على العودة من حيث أتوا. ويلفت التحقيق إلى أن عبارة "بلد لا يستحق العيش فيه" تكررت كثيراً على لسانهم.