Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب العالمية الثالثة... مجزأة أم جامعة؟

جبهات متصارعة ومصالح متضاربة قد تقود إلى صدام أممي جديد

متظاهر يحمل لافتة تصور الوجه المتراكب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الزعيم النازي أدولف هتلر   (أ ف ب)

ملخص

تبدأ الحرب العالمية الثالثة بتبادل النيران النووية والباقي كما يقولون تاريخ. فهل لا تزال هناك عقول قادرة على تجنيب البشرية محرقة نووية؟

حين وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها اعتبرها كثر خاتمة الحروب الكونية خصوصاً بعد أن شاهدوا تبعاتها المميتة، فالخسائر ناهزت 60 مليون شخص وتطلب الدمار الاقتصادي عدة عقود لتجاوزه في حين بقيت الحزازات في الصدور وقتاً بعيداً.

على أن الصراع يظل أحد أهم العلامات المميزة للطبيعة البشرية منذ بداية الخليقة وحتى الساعة، وعلى رغم قرابة ثمانية عقود من دون حرب كونية فإن حروباً إقليمية عدة ما انفكت تهدد السلم والأمن العالميين من شرق الكرة الأرضية إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، مما دعا بعض إلى القول إننا نعيش بالفعل حرباً عالمية ثالثة وإن كانت مجزأة.

غير أن الأيام والأسابيع القليلة الماضية ارتفعت فيها أصوات من بقاع وأصقاع مختلفة تنذر وتحذر من أن حرباً عالمية جديدة قد تنفلت عما قريب، بل قريب جداً.

 تُرى هل هذه التحذيرات من قبيل التهويل والمبالغة في تصوير المشهد الأممي في الوقت الحاضر، أم أن بالفعل ثمة دلائل وعلامات تقطع بأن هناك في الأفق ما يفتح الباب واسعاً لتحقق هذه القراءات على كارثيتها، ويضع العالم على عتبات حرب كونية منبتة الصلة بالحربين السابقتين، الأولى والثانية دفعة واحدة؟

حرب عالمية لا مفر منها

لتكن البداية من عند الأصوات القريبة تلك التي حذرت وأنذرت من قرب القارعة، وسواء كانت أصوات أفراد أم دول.

 فخلال لقائه مع صحيفة "Weltwoche" السويسرية قبل أيام قليلة قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إن العالم يستعد لحال من التأهب القصوى في شأن بداية الحرب العالمية الثالثة، مؤكداً أن الأوضاع الأممية قريبة جداً من المواجهة الكونية.

وحين يستمع المرء لمثل هذه الأقول من الرجل الذي انطلقت في بلاده شرارة الحرب العالمية الثانية، يستشعر الخوف من قادم الأيام وبخاصة في ظل القرب الجغرافي والأيديولوجي بين الصرب وروسيا تلك التي غيرت عقيدتها النووية أخيراً، وبما يفتح المجال واسعاً للدخول في معترك حرب لا تبقي ولا تذر.

ولم يكن الرئيس الصربي وحده من قطع أخيراً بحدوث الحرب العالمية الثالثة، فقد شاركه الرأي المؤرخ البريطاني المرموق ريتشارد أوفري عبر مقال مطول في مجلة التليغراف البريطانية، أشار فيه إلى أن الوقت فات بالفعل لإيقاف عجلة هذه الحرب الكونية، وهو ما سنعود إليه بالتفصيل لاحقاً.

وعلى صعيد الدول والمؤسسات العسكرية بدت القوات المسلحة التركية في حال استعداد تام لمواجهة سيناريوهات الحروب المختلفة القائمة، فيما ذهب مسؤول وزارة الدفاع التركية إلى أن الاستعدادات تجري على قدم وساق لمجابهة "سيناريو حرب عالمية ثالثة".

وجاء ذلك بعد أيام من تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي تحدث في مقابلة تلفزيونية عن إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة، وبخاصة في ظل استمرار التوترات حول العالم.

ولم يكن السياسيون والمؤسسات العسكرية فقط من رسم خطوطاً للمواجهة العالمية المنتظرة، فالعرافون بدورهم لم يتركوا الساحة خالية من بعض قراءاتهم المثيرة.

 

ومنها ما تكلم به آثوس سالومي ويُطلق عليه "نوستراداموس الحي" الذي تنبأ بصراع عالمي سينشأ عن تهديد جديد مختلف عن الحروب في أوكرانيا وغزة في الوقت الحاضر، ويزعم سالومي أن التهديد سيأتي من حدث في بحر الصين الجنوبي، أو هجوم إلكتروني كبير.

آثوس كان من الذين توقعوا بالفعل انتشار فيروس كورونا حول الكرة الأرضية، ومن توقعاته كذلك أنه سيحدث نوع من أنواع الاتصال مع الموتى بمساعدة الذكاء الاصطناعي وأدواته.

 هل على البشرية بحق أن يقلقوا جراء هذه التوقعات والاستشرافات المثيرة والخطرة؟

 الشاهد أن الذين رسموا ملامح هذه الحرب لم يضعوا خطوطاً محددة لماهيتها وهل ستكون الحرب الأخيرة في تاريخ الجنس البشري، بمعنى أنها ستكون القاضية التي تفني النوع البشري على كوكب الأرض؟

 المعروف أنهم حين سألوا العالم الأميركي الأشهر ألبرت أينشتاين عن صورة الحرب العالمية الثالثة كان جوابه أنني أعرف صورة الحرب العالمية الرابعة، والتي سيخوضها البشر بالعصي والأحجار، في إشارة للعودة إلى مرحلة بداية الإنسان في العصور الحجرية وفي الجواب دلالة كافية.

 هل نحن بالفعل على مقربة من الكارثة؟

عن عالم ما قبل الحرب العالمية

إلى جانب الذين تحدثوا عن فعل الحرب العالمية الثالثة بوصفه أمراً مستقبلياً، يبدو أن هناك بالفعل من يرون مشهد الحرب العالمية الثالثة وكأنه قائم بالفعل أو في الأقل أن العالم يعيش الخطوات شبه النهائية لما قبل وقوع القارعة.

وفي أواخر مايو (أيار) الماضي، قال المؤرخ البارز وأستاذ التاريخ في جامعة ييل الأميركية الشهيرة والمتخصص في تاريخ أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي تيموثي سنايدر إن الأوكرانيين يتصدون لحرب عالمية ثالثة، وشبه العام الثالث من الحرب الشاملة في أوكرانيا بالفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة.

 سنايدر عدَّ كذلك أن أوكرانيا يمكن مقارنتها اليوم بتشيكوسلوفاكيا "التي اختارت القتال".

 

ويرى سنايدر كذلك وهذا ما قاله في مؤتمر صحافي في العاصمة الإستونية تالين، "إذا أستسلم الأوكرانيون أو إذا تخلينا عن أوكرانيا فإن روسيا ستشن حرباً مختلفة في المستقبل".

ولعل أصواتاً أوروبية مختلفة تشارك سنايدر رؤيته، وفي القلب منها وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس الذي استبق كثراً، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي حذر الرجل من أننا نعيش مرحلة "ما قبل الحرب العالمية" وبخاصة في ظل حالة الغرق الكوني في حروب مختلفة، تشمل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران في الأعوام الخمسة الماضية.

ويجزم شابس بأننا ننتقل من "عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب"، وهي الآراء التي يتقاسمها معه رئيس أركان الجيش البريطاني الجديد الجنرال باتريك ساندرز، الذي أكد أخيراً ضرورة أن يكون المواطنون البريطانيون "مدربين وجاهزين" للقتال المحتمل مع روسيا، واصفاً أولئك الذين يعيشون اليوم بأنهم "جيل ما قبل الحرب".

ويدور حديث آخر مثير في بريطانيا اليوم يتعلق بفكرة العودة إلى التجنيد الإجباري، مما لفت إليه الانتباه القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في بريطانيا الجنرال السير ريتشارد شريف.

هل الأوروبيون هم الآن الأكثر استعداداً لوقوع هذه الحرب العالمية بأكثر من الجانب الأميركي؟

 بحسب السير باتريك لا يجب على الأوروبيين انتظار القارعة كما فعل أسلافهم حين أرخوا الحبل طويلاً لهتلر، وما كان من هذا الأخير سوى أن قام بشده إلى أن انقطع.

وتبدو أوروبا بالفعل قلقة في النهار وأرقة بالليل خصوصاً بعدما تراه من مناورات نووية تكتيكية روسية، وقبها تصريحات عدة من بوتين في شأن تلك الحرب العالمية والتي يراها ممكنة بالفعل، وأن العالم أصبح قاب قوسين أو أدنى من حرب شاملة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 أما الذين أعطوا آذانهم للرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي الحالي ديمتري ميدفيديف وتهديداته المباشرة باستخدام الأسلحة النووية في مواجهة الغرب، فقد عرفوا أن الخطر المميت المحمول على أجنحة يمكن أن يحط على أراضيهم في أي وقت.

 ولعل الضربة الأوكرانية الأخيرة التي وجهت إلى شبه جزيرة القرم بصواريخ أميركية متقدمة، والتبرير الأميركي الرسمي بأنها أراض أوكرانية ويحق لكييف أن تدافع عنها بكل ما لديها من أسلحة، تجعل المخاوف قابلة لأن تضحى وقائع ولو نووية على الأراضي الأوروبية.

هل بدأت الحرب العالمية بالفعل؟

 من المؤكد أن قضية مثل الحرب العالمية الثالثة لم تكن لتغيب عن أعين الباحثين والدارسين منذ وقت مبكر، وهناك بالفعل من كانت له رؤية جيوسياسية استشرافية في شأن ظهور صراع عالمي على أربع جبهات حول العالم.

 في ذكرى يوم الإنزال الموافق السادس من يونيو (حزيران) 2021 وقبل ثلاثة أعوام، نشرت صحيفة "ذا هيل" الأميركية مقالاً بعنوان "هل يمكن للولايات المتحدة الأميركية خوض أربع حروب على جبهات متعددة في الوقت ذاته؟

ولاحقاً سيفهم القارئ لماذا أربع جبهات تحديداً، إذ ستخرج دراسات معمقة عن الحلف الرباعي الذي بات يهدد حلف الناتو، روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.

تبدو الحرب العالمية الثالثة في هذا المقال الذي قام عليه البروفيسور الأميركي مايكل هوشبيرج الباحث الزائر في مركز الجغرافيا السياسية بجامعة كامبريدج، وكأنها حرب عالمية مجزأة ومنفصلة تخوضها قوى إقليمية استبدادية إما بالتعاون الوثيق أو بالاعتماد على تحد واحد أو آخر للنظام القائم على المستوى الدولي.

من أين يمكن أن تنطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة إن لم تكن قد انطلقت بالفعل، بحسب البروفيسور هوشبيرج؟

ويذهب البروفيسور الحاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا إلى أن الأنظمة الاستبدادية المارقة تشكل تهديداً متزايداً، فإيران ترعى المتمردين الحوثيين في اليمن وتؤجج السخط الشيعي في العراق وتهيمن على لبنان وسوريا من خلال "حزب الله"، وتهدد الملاحة الدولية عبر خليج هرمز.

 ومن المؤكد أن إيران من خلال عدد من وكلائها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط تسعى إلى الهيمنة على المنطقة، وتحريض "حماس" على شن مزيد من الهجمات على إسرائيل.

هل الصين بعيدة من المواجهة العالمية المقبلة؟

 بحسب مقال "ذا هيل" فإن الصين الشيوعية وهي خصم جديد عنيد للولايات المتحدة قد تميل إلى مواصلة السعي إلى إعادة توحيد تايوان مع بقية بر الصين، كتمهيد لتأمين السيطرة على بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.

ويتسق الحديث عن دور الصين في إشعال الحرب العالمية الثالثة مع ما أعلنه الزعيم الصيني شي جينبينغ من أنه ستدمج تايوان في الصين بالقوة إذا لزم الأمر. وتعمل الصين على بناء القدرة على غزو تايوان أو حصارها مما يهدد اعتماد الولايات المتحدة على تايوان في الحصول على الإلكترونيات المتقدمة وأشباه الموصلات، وكيمياء لاحتواء الطموحات الصينية في المحيط الهادئ.

ولعل من نافلة القول أنه إذا كانت الصين هي التحدي القائم للناتو، فإن روسيا وحلفاءها هي المواجهة القائمة التي قد تشعل بالفعل صراعاً عالمياً نووياً، ماذا عن ذلك؟

روسيا – كوريا الشمالية والحرب العالمية

الحديث عن الدور الروسي في إشعال حرب عالمية ثالثة أمر كثر الحديث عنه وبات بالفعل شبه حقيقة، خصوصاً في ظل إصرار الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية على تزويد أوكرانيا بأسلحة نوعية تصيب الحواضن الروسية الكبرى، مما يجعل القيصر أمام أزمة حقيقية في مواجهة جماعة السيلوفيكي المحيطين به، أي كبار المسؤولين الذين يقومون على شؤون البلاد.

على أن بعداً جديداً بات يعزز من فكرة الحرب العالمية الثالثة طفا على السطح بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها بوتين إلى كوريا الشمالية.

 هل عزز الحلف الروسي – الكوري الشمالي من فرص الصدام العالمي؟

 المعروف أنه منذ انهيار المحادثات مع ترمب خلال عام 2019 بسبب الخلافات حول العقوبات الدولية على بيونغ يانغ، ركز كيم جونغ أون على تحديث ترسانته النووية والصاروخية.

 

وفي خطابه بمناسبة رأس العام الجديد حذر كيم من أن تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها دفعت شبه الجزيرة الكورية الشمالية إلى شفا حرب نووية، وأعلن أن المملكة المنعزلة تخلت عن "الهدف الوجودي المتمثل في المصالحة مع كوريا الجنوبية المنافسة".

 وعلى رغم أنه لم يشن أي عمل عسكري مباشر من الشمال إلى الجنوب منذ ذلك الحين فإن هناك دلائل على أن التوترات تتصاعد تدريجاً، وقد تنفجر في لحظة بعينها عند سخونة الرؤوس.

 وتقول صحيفة "اندبندنت" البريطانية إن الجانبين انخرطا في حرب بالونات "انتقامية" خلال الأسابيع الأخيرة، إذ قامت كوريا الشمالية بإطلاق 200 بالون مملوءة بالمخلفات الآدمية وإسقاطها على كوريا الجنوبية، رداً على ناشطين من الجنوب أرسلوا بيانات تحمل مواد دعائية عن مجتمعهم الديمقراطي وأجهزة ذاكرة تحوي مقاطع فيديو موسيقية.

وهنا تساؤل، متى يمكن لهذا التوتر أن ينفجر ويتحول إلى صراع صاروخي تقليدي أو نووي؟

ما يخيف الخبراء الجيوسياسيين في الجواب أن كوريا الشمالية اليوم باتت طرفاً في اتفاق رسمي مع روسيا، إذ وقع بوتين وكيم اتفاقاً يقضي بمساعدة روسيا وكوريا الشمالية بعضهما بعضاً في حال العدوان على أي من البلدين.

 وهذا الاتفاق يعزز الشراكة الثنائية دون شك التي هي في الأصل مزدهرة وتثير مخاوف الغرب بسرعة.

وينص الاتفاق على تقديم مساعدات عسكرية متبادلة بين الدولتين في حال تعرض أي منهما لهجوم، كما ينص على أن روسيا يمكن أن تزود كوريا الشمالية بالأسلحة وهي الخطوة التي من شأنها أن تزعزع استقرار شبه الجزيرة الكورية، وتمتد آثارها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.

 هل هذا الاتفاق عامل محفز جديد في طريق الحرب العالمية الثالثة؟

 غالب الظن أن ذلك كذلك، وإن بقي السؤال هل حقاً الأوروبيون هم من يخشون وقوع هذه الحرب أكثر من الأميركيين؟

 

الأميركيون وهاجس الحرب العالمية الثالثة

بحسب مجلة "التايم" الأميركية في أحد أعدادها الأخيرة، ومن خلال دراسة استقصائية جرت أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أجرتها جمعية علم النفس الأميركية، فإن سبعة من كل 10 أميركيين يخشون من أن البلاد باتت في المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثالثة.

 وفي مقابلة مع صحيفة "ذا هيل" الأميركية نهاية الشهر الماضي قال السيناتور الديمقراطي تيم كين من ولاية فرجينيا " كان علي أن أجيب عن سؤال من الناس، لم أضطر إلى الإجابة عنه مطلقاً طوال 30 سنة من الحياة العامة، وهو هل يمكن أن تكون هناك حرب عالمية ثالثة؟

لم يكن السيناتور كين وحده من يتناول شأن هذه الحرب فقد سبقه ولا يزال الرئيس ترمب الذي لا ينفك يتحدث عما يقوم به الرئيس بايدن، وكيف أنه يدفع العالم وأميركا دفعاً في طريق حرب عالمية ثالثة.

وإلى جانبهما نجد أصواتاً أخرى له حيثيتها في الداخل الأميركي، منها على سبيل المثال فيفيك راماسوامي الذي جرب حظه في الترشح عن الجمهوريين لرئاسة أميركا.

واليوم راماسوامي من أكثر داعمي الرئيس السابق ترمب ويشاركه ذات الشعار "أوقفوا الحرب العالمية الثالثة"، ثم جاء بعده حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي الذي حذر من الحرب عينها بقوله "دعونا نتذكر آخر مرة أدرنا فيها ظهورنا عن حرب إطلاق النار في أوروبا، مما كلفنا نحو 500 ألف جندي أميركي لهزيمة هتلر في أوروبا".

ولا تقتصر المخاوف على الجمهوريين، إذ نمت وسط تيار اليسار الأميركي مخاوف من نشوب حرب عالمية ثالثة، ففي انتقاداتها للقصف الإسرائيلي على غزة سألت مجلة "التايم" الشهر الماضي الدكتور كورنيل ويست الذي أطلق حملة مستقلة لمنصب نائب الرئيس، عما إذا كانت ولاية بايدن الثانية أفضل من ولاية ثانية لترمب، وأجاب "الحرب العالمية الثالثة أفضل من الحرب الأهلية الثانية؟".

إن بايدن نفسه لديه عادة قديمة تتمثل في الإشارة إلى شبح حرب عالمية أخرى. كيف ذلك؟

بعد وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا قيل إن الرئيس أخبر مساعديه "نحن نحاول تجنب الحرب العالمية الثالثة"، ووفقاً لتقارير ذكرتها صحيفة "نيويورك تايمز" فإن إدارة بايدن شعرت بخطر جاسم منذ فبراير (شباط) 2022 حين دخلت قوات بوتين إلى الأراضي الأوكرانية.

وهنا ينبغي العودة من جديد إلى القراءة الموسعة التي قدمها المؤرخ البريطاني ريتشارد أوفري والتوقف أمام الحقيقة التي يقررها وتصدم الجميع.

هل فات أوان وقف الحرب؟

 يعد البروفيسور ريتشارد أوفري أحد أعظم المؤرخين العسكريين البريطانيين، لذا فإن قراءته التي حملت عنواناً هو لماذا فات أوان وقف الحرب العالمية الثالثة؟ بات وعن حق يشغل كثيرين، إن لم نقل يخيفهم باستدعائه لمشاهد عدة وسيناريوهات مختلفة قابلة للتحقق.

ويدعو أوفري للتخيل للحظة واحدة قيام الحكومة الإيرانية بإعلان حول تطويرها قنبلة نووية، وأنها تهدد باستخدامها ضد إسرائيل.

وهنا يبدو من الطبيعي أن الولايات المتحدة سترد مهددة بالتدخل العسكري، كما فعلت خلال عامي 1991 و2003 في العراق. وتشير إيران إلى أنها لن تتسامح مع حرب خليجية ثالثة وتبحث عن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لتوجه إليهم التهديدات المخيفة.

ولن تتوقف إيران عن فعل ذلك بل ستستدعي سراً حلفاءها في موسكو وبكين وبيونغ يانغ، وجميعها ستعرب عن دعمها طهران.

وفي ذلك الوقت ستقوم واشنطن بتوسيع قوة تدخلها وجلب وحدة بريطانية. غير أن روسيا ستدخل اللعبة داعمة إيران وباحثة عن مستنقع جديد للقوات الغربية، أوروبية كانت أو أميركية، مما يزيد من الأخطار على أمل أن يتراجع الغرب.

 لكن لا أحد سيتراجع وستبدأ العمليات العسكرية والصدام التقليدي المكثف الذي لن ينفك يدفع الرؤوس للسخونة بصورة مخيفة، ليضغط أحدهم طوعاً أو قسراً على أحد الأزرار النووية، وساعتها سيكون الرد النووي المواجه حاضراً وبأسرع من البرق لينتهي الأمر كله بكارثة. وتبدأ الحرب العالمية الثالثة بتبادل النيران النووية والباقي كما يقولون تاريخ.

سيناريو جهنمي آخر قد ترسمه الأيادي الصينية وبخاصة إذا تعقدت الأزمة السياسة في الداخل الأميركي في زمن الانتخابات الرئاسية، إذ يتوقع البعض عنفاً واسعاً يتطور لاحقاً إلى حرب أهلية.

والسيناريو ملامحه مخيفة وتبدو كالتالي، يصل الإحباط الصيني في شأن تايوان مبلغه مما يدفع بكين إلى حشد قوات هائلة بحراً وجواً للغزو. وتراقب اليابان بفارغ الصبر تبادل الكلمات القاسية بين الصين وتايوان وتتساءل عما إذا كان عليها أن تتدخل. وتدين الأمم المتحدة تصرفات الصين فيما ترفض الصين اللوم وتأمر بالغزو وهي على يقين من أن تحقيق نصر سريع سيمنع الآخرين من التدخل، كما كان هتلر يأمل عندما غزا بولندا خلال عام 1939.

 

وتستفيق الولايات المتحدة وتتجهز لتفعيل خطط الطوارئ لإنقاذ تايوان، وساعتها سيتجهز كل طرف لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد الآخر.

وسيكون من الطبيعي أن تقف روسيا وكوريا الشمالية إلى جانب الصين، وفي وقت ستشعر فيه أوروبا بحال من الرعب ستجد نفسها مرغمة على الحياد، ذلك أن التهديد الروسي لها بالأسلحة النووية الاستراتيجية سيبقيها بعيدة من أرض المعركة، مما يؤدي إلى تقسيم الاستراتيجية الأميركية بين المسرحين كما كان الحال في الحرب العالمية الثانية ويستمر الصراع في التصاعد.

سيناريو ثالث لا يقل رعباً عن السيناريوهين المتقدمين، إذ دخل الانقسام المتزايد بين الغرب الديمقراطي وقوس الدول الاستبدادية من وجهة نظر الغرب في مختلف أنحاء أوراسيا فصلاً جديداً خطراً، ولا يرغب أي من الجانبين في المخاطرة بحرب صريحة ولكن هناك احتمالاً بأن يؤدي تدمير الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية إلى تقويض القدرة العسكرية والاقتصادية للجانب الآخر، ومن دون سابق إنذار يتعرض نظام الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية في الغرب للهجوم ويحدث ضرر هائل لشبكاته الإلكترونية التجارية والعسكرية.

وفي هذا الوقت لن يعلن أحد مسؤوليته عن إطلاق تلك الصواريخ لكن في وسط الفوضى التي تلت ذلك سيتم توجيه اللوم بسرعة إلى الدول المعادية للغرب. ولأنه من الصعب شن عمليات انتقامية مع انهيار الاتصالات وفي ظل عدم اليقين في شأن ما يجب القيام به، تصدر أوامر التعبئة العسكرية في جميع أنحاء العالم الغربي لكن روسيا والصين تطالبان بوقفها.

 ومثلما حدث خلال عام 1914 بمجرد بدء تشغيل العجلات يصعب إيقافها وتتصاعد الأزمة، وهنا ستكون الحرب الفضائية العالمية الأولى انطلقت في السماء وعلى الأرض دفعة واحدة.

هل هناك من آراء ترى عكس ذلك، بمعنى أن الحرب العالمية الثالثة ليست قدراً مقدوراً في زمن منظور؟

الحرب العالمية الثالثة لن تحدث

 المؤكد أن هناك عدداً من الآراء التي تقطع بأن مثل هذه الحرب لن تحدث، وتكتسب بعض الآراء أهميتها كونها تأتي إلينا من الشرق الروسي بنوع خاص.

 خذ إليك على سبيل المثال آراء البروفيسور ألكسندر فيدوروسوف مدير المركز التحليلي "إستراتيج برو".

إنها ليست هرمجدون الموعودة والأسباب كالتالي...

أولاً، العالم لم يجن تماماً بعد. ولا أحد تقريباً يرغب في صعود سلم التصعيد النووي ولا تزال قنوات الاتصال بين القوى الكبرى قائمة وتعمل بصورة جيدة على رغم كل التحديات.

ثانياً، حرب التفسيرات والتبريرات في العالم الحديث تدور رحاها بصورة لا تقل حدة عن القتال الفعلي، ويسعى كل جانب إلى تأويل إخفاقاته الواضحة بحيث تبدو نجاحات وهذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً.

ثالثاً، على رغم أن التناقضات المتراكمة في العالم الحديث فإنه لا يمكن القول إن أياً من الجهات الفاعلة الدولية الجادة تسير نحو صراع عسكري عالمي، وحتى الولايات المتحدة إذا حكمنا من خلال رد فعل واشنطن المنضبطة نسبياً تجاه أحدث موجة من الصراع الإيراني - الإسرائيلي، ترد ببطء حدود قدراتها التصعيدية.

هل لا تزال هناك عقول قادرة على تجنيب البشرية محرقة نووية؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير