ملخص
حاولت أحزاب من اليسار واليمين الجمهوري ويمين الوسط تخطي تحفظاتها وتناقضاتها للتوصل إلى تفاهمات تقطع الطريق على حزب التجمع الوطني وحلفائه من اليمين المتطرف، فهل تنجح؟
اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن "النجاح الذي لا يمكن إنكاره الذي حققته المعارضة" في فرنسا خلال الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة، وقبل ذلك بقليل خلال الانتخابات الأوروبية هو رد، على وجه الخصوص، على "إملاءات" واشنطن وبروكسل.
وقال المتحدث باسم الوزارة أندريه ناستاسين خلال مؤتمر صحافي أمس الأربعاء إن "الجولة الأولى (من الانتخابات التشريعية) وكذلك الانتخابات الأوروبية في يونيو (حزيران) الماضي، لا يمكن اعتبارها سوى تصويت بعدم الثقة من جانب الفرنسيين في ما يتعلق بالسلطات الحالية، بما في ذلك بالسياسة الخارجية لباريس". وأضاف أن "النجاح الذي لا يمكن إنكاره الذي حققته المعارضة لا يشهد فقط على استقطاب المجتمع وتصاعد الاحتجاج، بل يشهد أيضاً على حقيقة أن المطالبة بعدالة اجتماعية وسياسة خارجية سيادية تلبي المصالح الوطنية والتحرر من إملاءات واشنطن وبروكسل، آخذة في التزايد في البلاد".
ولم يوضح المتحدث أية معارضة يقصد بالتحديد، مشدداً على أن بلاده "لا تتدخل أبداً" في أي انتخابات خارج أراضيها، وأضاف "بالطبع هذا لا يعني أن نبقى على الهامش، نحن بعيدون كل البعد من عدم المبالاة بما يحدث في بلد كان حتى وقت مضى، يعتبر بحق أحد أكبر البلدان في العالم"، في إشارة إلى فرنسا.
وتابع ناستاسين "اليوم حولت فرنسا نفسها إلى أحد المروجين لحرب مدمرة للغرب الجماعي ضد روسيا"، في إشارة إلى دعم باريس لأوكرانيا.
رد فرنسي
ورد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه مساء أمس الأربعاء على التصريحات الروسية، وقال إن ما أتى على لسان المتحدث الروسي هو "ما تفضله موسكو للانتخابات الفرنسية"، وأضاف سيجورنيه "لكن هنا، ليس الكرملين هو الذي يقرر، بل الشعب الفرنسي".
الشوط الأخير
ودخلت فرنسا أمس الأربعاء الشوط الأخير من سباق الانتخابات التشريعية المبكرة التي قد تؤدي إلى وصول اليمين المتطرف للسلطة أو تحالف بين اليسار والوسط ويمين الوسط في خضم وضع غير مسبوق سياسياً بالبلاد، وقبل أربعة أيام من الدورة الثانية يبدو المشهد السياسي غير قابل للتكهن مع صعود لافت للتجمع الوطني (يمين متطرف) بزعامة جوردان بارديلا (28 سنة) الطامح إلى تشكيل أول حكومة من اليمين المتطرف في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.
وحذر رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال من أن "اليوم هناك كتلة في وضع يمكنها من الحصول على الغالبية المطلقة بالجمعية الوطنية إنها اليمين المتطرف"، وأكد أن الأحد "إما أن تصبح السلطة في يدي حكومة يمينية متطرفة أو تكون السلطة للبرلمان"، وأضاف "أقاتل من أجل السيناريو الثاني".
ومن أصل 311 دائرة كان يتوقع أن تشهد انتخابات في الدورة الثانية إذ تأهل فيها ثلاثة مرشحين بعد الدورة الأولى التي فاز بها اليمين المتطرف، شهد ثلث هذه الدوائر انسحاب مرشحين من أحزاب اليسار واليمين الجمهوري ويمين الوسط لصالح بعضهم في عمليات تجيير أصوات بهدف تعقيد وصول مرشحي التجمع الوطني، وحاولت أحزاب من اليسار واليمين الجمهوري ويمين الوسط تخطي تحفظاتها وتناقضاتها للتوصل إلى تفاهمات تقطع الطريق على حزب التجمع الوطني وحلفائه من اليمين المتطرف.
صدمة حل الجمعية الوطنية
وأحدث الرئيس إيمانويل ماكرون صدمة بإعلانه حل الجمعية الوطنية في التاسع من يونيو (حزيران)، وعرف المشهد السياسي في البلد انقلاباً فعلياً مع تصدر التجمع الوطني نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية متقدماً على تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" اليساري.
وتشير معظم التوقعات لتوزيع المقاعد التي صدرت خلال الأيام الأخيرة إلى أن التجمع الوطني سيجد صعوبة في تحقيق الغالبية المطلقة المقدرة بـ289 نائباً، وتتعزز فرضية قيام جمعية وطنية بثلاث كتل من اليمين المتطرف واليسار والماكرونيين، مما قد يجعل من فرنسا بلداً يتعذر حكمه في وقت يستعد لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية.
وتوقع استطلاع أجرته شركة "تولونا هاريس إنترآكتيف" ونشرته أمس الأربعاء، فوز حزب التجمع الوطني بما يراوح بين 190 إلى 220 مقعداً فقط في البرلمان المؤلف من 577 مقعداً، وهو أقل بكثير من 289 مقعداً التي يحتاج إليها اليمين المتطرف للحصول على غالبية مطلقة وتشكيل حكومة بمفرده.
كما توقع الاستطلاع أن يفوز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري بما يراوح بين 159 و183 مقعداً، والمعسكر الرئاسي الوسطي بما بين 110 و135 مقعداً.
وتطرح زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن حتى احتمال تشكيل حكومة بغالبية نسبية من 270 نائباً، تستكمل بدعم نواب من خارج التجمع "على سبيل المثال من بعض اليمين وبعض اليسار وعدد من الجمهوريين (يمين)".
"شل البلاد"
من جهته ندد بارديلا في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" أمس الأربعاء بتحالفات مناهضة للتجمع الوطني تهدف إلى "شل البلاد"، مضيفاً أنه "مستعد لمد يده من أجل توسيع غالبيته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحاول بارديلا التقليل من تأثير إعلانات وتصرفات مثيرة للجدل لشخصيات في حزبه، منها اعتمار مرشح قبعة عليها صليب معقوف قائلاً "عندما يكون هناك تفاحات فاسدة - وقد يكون هناك بعض منها - فإن يدي لا ترتعش، في الواقع كنت أرغب في سحب الترشح".
وبوجه هذه الموجة اليمينية المتطرفة يسود التشتت بين قوى ذات توجهات مختلفة تقوم بينها خصومات شديدة غير أنها باتت ملزمة بالتوصل إلى تفاهمات، وإن تمكنت هذه القوى من منع التجمع الوطني من الفوز، فسيتحمل الماكرونيون وقسم من اليسار وبعض أعضاء حزب الجمهوريين مهمة بناء "ائتلاف كبير"، وفق ممارسة سارية في بلدان أوروبية أخرى، غير أنها غريبة عن التقاليد السياسية الفرنسية.
"جمعية وطنية متعددة"
وأقرت زعيمة حزب الخضر مارين توندولييه بأنه سيتعين "بالتأكيد القيام بأمور لم يفعلها أحد من قبل" في فرنسا، وصدر الخطاب نفسه عن مسؤولين في اليمين وفي صفوف الماكرونيين، وفي طليعتهم رئيس الوزراء نفسه الذي تحدث عن "جمعية (وطنية) متعددة"، ورئيس حزب الجمهوريين كزافييه برتران الذي دعا إلى "حكومة انتفاضة وطنية".
غير أن هذا التقارب يبدو هشاً، إذ يخفي ريبة عميقة متبادلة بين جميع هذه الأطراف، فالحزب الاشتراكي يخشى أن يقدم مرشحو الجمهوريين الذين رفضوا الانسحاب على "التحالف" مع التجمع الوطني، وقال الأمين العام للحزب بيار جوفيه إن "الجمهوريين ملتبسون".
أما حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، أكبر أحزاب اليسار والأكثر جدلية، فاستبعد المشاركة في مثل هذا الائتلاف، وأكد أحد ممثليه مانويل بومبار أن الحزب "لن يحكم إلا لتطبيق برنامجه، البرنامج فقط، ولكن البرنامج كاملاً".
وشدد الرئيس إيمانويل ماكرون أمس الأربعاء أمام مجلس الوزراء على أنه "من غير الوارد" أن "يحكم" مع حزب "فرنسا الأبية"، وأعلن بحسب عدد من المشاركين أن "الانسحاب اليوم لصالح مرشحين يساريين في مواجهة التجمع الوطني لا يعني الحكم غداً مع حزب فرنسا الأبية".
ويواجه ماكرون نقمة في صفوفه بعد اتخاذه القرار الذي أدخل فرنسا والغالبية الرئاسية في المجهول، وحل حزبه الذي يحظى بغالبية نسبية في الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها في المرتبة الثالثة في نتائج الدورة الأولى من الانتخابات بحصوله على 20 في المئة فقط من الأصوات، ويستعد لهزيمة الأحد.
وقبل المشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي الأسبوع المقبل في واشنطن، بات ماكرون في موقع ضعيف على الساحة الدولية، في وقت تبقى الأنظار متجهة وسط ترقب وقلق إلى التشكيلة المقبلة للسلطة في بلد يملك السلاح النووي ويعتبر من دعائم الاتحاد الأوروبي.