Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثورة زوجات في سوريا من أجل "مهور الحرب"

دعاوى أمام المحاكم لتعديلها بما يناسب القوة الشرائية الحالية والأزواج واحد متفهم وآخر غاضب

لتتمكن الزوجات من تعديل مهرورهن فإن إحدى الطرق وأسرعها هي إقامة دعوى برضا الطرفين أمام القاضي الشرعي (أ ف ب)

ملخص

غالباً ما تقام تلك الدعاوى ليسجل مهر جديد بالليرات الذهبية التي لا تفقد قيمتها المادية مع الأيام. فمهما كان مهر السيدة التي تزوجت قبل الحرب كبيراً فإنه انخفض عشرات الأضعاف لاحقاً، حتى بات بعض المهور لا يعادل سوى دولارات قليلة.

تشهد سوريا في الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة في طلبات تعديل المهر التي تقيمها المتزوجات أمام المحاكم الشرعية بغية تسجيل مهر جديد أو تعديل القديم ليناسب القوة الشرائية المستجدة في ظل التضخم واضمحلال قيمة العملة المحلية بعد سنوات من الحرب. وغالباً ما تقام تلك الدعاوى ليسجل مهر جديد بالليرات الذهبية التي لا تفقد قيمتها المادية مع الأيام. فمهما كان مهر السيدة التي تزوجت قبل الحرب كبيراً فإنه انخفض عشرات الأضعاف لاحقاً، حتى بات بعض المهور لا يعادل سوى دولارات قليلة.

الأمر عينه ينطبق على الزيجات التي تمت خلال العقد الأول من الحرب السورية (2011-2020) على اعتبار أن عام 2020 شهد الانهيار المالي الأوسع ونسف كل الاعتبارات المالية السابقة، مع ملاحظة أن قيمة العملة المحلية (الليرة السورية) انهارت نحو 300 ضعف خلال 13 عاماً من الحرب السورية مقابل الدولار الواحد.

منذ سنوات خلت

تنهمك ميرزا خلف، وهي سيدة من دمشق، بتشغيل الآلة الحاسبة على هاتفها الشخصي لتشرح لـ"اندبندنت عربية" كيف أن ما ظنت أنه مهر فوق المرتفع يوم تزوجت لم يعد يساوي شيئاً اليوم، وكله لم يعد يعادل ثمن غرض منزلي أو إيجار شهر واحد لمنزل.

تقول ميرزا إنها تزوجت عام 2014 بمهر مؤخره 5 ملايين ليرة سورية كان ذلك بعد ثلاثة أعوام من الحرب، وبدا الرقم حينها مذهلاً حتى إن القاضي دهش من ارتفاعه، إذ كان يكفي لشراء أجمل شقة سكنية حينها. وبحسبة بسيطة فإن الملايين الخمسة حينها كانت تساوي 25 ألف دولار أو أكثر من 700 غرام ذهب. أما اليوم فـهي لا تعادل سوى 300 دولار، أو تقريباً خمسة غرامات ذهب. وتعلق "لو ظلت قيمة مهري ثابتة لكانت الـ25 ألف دولار الآن تساوي 375 مليوناً، أي إنني خسرت من مهري 370 مليون ليرة خلال 10 سنوات، وظلت الملايين الخمسة كما هي، وهي بالكاد تشتري هاتفاً محمولاً من النوع المتوسط".

 

 

تعتقد ميرزا أنها تعرضت لظلم كبير لا تتهم به زوجها، بل ما آلت إليه أحوال البلد غير المتوقعة، ولأن الموضوع لا يزال يؤرقها منذ سنوات ويشكل مصدر قلق لها قررت أن تتخذ خطوة جدية في سبيل استعادة حقها، خصوصاً مع وجود ورثة لزوجها في حال حصل له شيء. فهي بعد تلك السنوات لم يعد لديها مكان تعود إليه، ولا المؤخر سيؤمن لها حياة جيدة.

تحسب ميرزا الخيارات جيداً، كما تقول، وتندم على أنها لم تسجل مؤخرها سلفاً بالذهب؟ مستدركة، "وقتذاك لم تكن هذه العادة سارية في المجتمع، فهي عادة مستجدة حين فهم الناس وتنبهوا إلى انهيار العملة".

ضمانة للأيام

لتتمكن ميرزا من تعديل مهرها فإن إحدى الطرق وأسرعها هي إقامة دعوى برضا الطرفين أمام القاضي الشرعي، وتكون عبارة عن طلب إداري تحت اسم "تعديل المهر بما يتناسب مع القوة الشرائية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زوجها صابر شريف الذي يعمل مهندساً في شركة خاصة تحدث لـ"اندبندنت عربية" حول الطلب الذي قدماه إلى المحكمة وحظيا بموجبه على تعديل للمهر. وهو يقول في هذا الصدد "على رغم زواجي بميرزا 10 أعوام فإننا لم نرزق بأطفال، وفي حال جرى لي شيء ستجد أمامها كثيراً من الورثة من عائلتي، وسيدخلون في دوامات قانونية قد تطول في شأن التركة، خصوصاً أن بناء أسرتنا مشترك، لذا كان من أبسط حقوقها أن أوافقها على تعديل المهر". ويضيف "تناقشنا مطولاً في قيمته، ثم اتفقنا على ألا نقع في الفخ مجدداً، وأن نسجله بالليرات الذهبية، وقد سجلت لها 20 ليرة، قيمتها اليوم تعادل نحو 200 مليون ليرة (نحو 13500 دولار). ومهما جرى وتغير وزاد التضخم فالذهب هو الذهب".

قانون عمره 70 سنة

القضاة والمحامون جميعهم أوضحوا أن هناك إقبالاً على تعديل المهور، بل إن بعضهم وصفه بـ"الثورة" القانونية التي أنصفت المرأة بعد عقود من اجتياح حقوقها الشرعية والزوجية.

وشرح القاضي أحمد خضر لـ"اندبندنت عربية" أن الإقبال الآن تزايد على هذا الجانب المرتبط بتعديل المهور لأن القانون أساساً يعد حديثاً، إذ إن سوريا حتى قبل سنوات قليلة كانت تعمل وفق قانون الأحوال الشخصية الذي أقر عام 1953، وظل سارياً بمعظمه حتى عام 2019، ولم يكن يتيح في أي من بنوده إلى موضوع تغيير المهر.

 

 

ويقول القاضي "عام 2019 جرى تعديل واسع على قانون الأحوال الشخصية، وقد طاول التعديل أكثر من 100 مادة من القانون لتشكل تلك التعديلات نقلة نوعية كبرى في سياق التعاطي والتنظيم وإقرار الحقوق بصورة أكثر شمولية ووضوحاً وفهماً لكي يأخذ كل ذي حق حقه". وأشار إلى أن التعديلات التي طاولت 105 مواد كانت ضرورية لقانون جرى العمل به نحو 70 عاماً، منوهاً بأنه ريثما فهم الناس التعديلات وما تتيحه لهم من حقوق أخذ ذلك وقتاً نسبياً حتى شرعوا يستغلون ميزاته، وأبرزها مسألة المهور التي باتت من القضايا المهمة أخيراً.

طريقتان للتعديل

بدوره يشرح المحامي عزمي شويفان لـ"اندبندنت عربية" أن تعديل المهور في القانون الجديد يمكن أن يتم عبر طريقتين: الأولى برضا الزوجين وتوافقهما المسبق، إذ يقدمان طلباً للقاضي الشرعي يشرح حيثيات الموضوع، فيقوم الأخير بتحويل الطلب إلى ديوان المحكمة الشرعية، وهناك يجري التصديق على المهر الجديد بإضافة ورقة تثبت الأمر وترفق مع عقد الزواج الأساس القديم. أما الطريقة الثانية، بحسب شويفان، فهي أنه "في حال لم يتفق الزوجان، أو لأسباب أخرى، يتم الطلاق على أن يكون مر على الزواج 10 سنوات أو أكثر، حينها تعد المحكمة بصورة مباشرة أن المهر قليل جداً فيحق لها التدخل بإضافة مهر أعلى بناءً على طلب مباشر من الزوجة. وهنا يجري حساب قيمة مهرها وقت زواجها وما يعادل نسبة قريبة منه بحسب الأسعار اليوم، وهذا ما يسمى مهر المثل".

الانتقام لا المهر

ندى، وهو اسم مستعار لسيدة أخرى من دمشق تزوجت عام 2017، استشعرت ظلماً من قيمة مهرها. ومطولاً حاولت مفاوضة الزوج على تعديله، فرفض. ولم تكن تملك قانوناً أياً من الخيارين لتعديله: لا موافقة زوجها، ولا مضي 10 سنوات على الزواج لتعادل مهرها بالمثل.

 

 

كانت تستشعر أن الأمر لم يعد مع الوقت يرتبط بالمال، بل بالإهانة، خصوصاً أن زوجها يمتلك أموالاً وعقارات. تزوجت ندى بمهر قيمته 15 مليون ليرة، وحينها كان يعادل 30 ألف دولار. أما اليوم فهو يساوي ألف دولار فحسب. حاولت وجربت على مدار عام كامل مع زوجها تعديل المهر لضمان مستقبلها ومستقبل أولادها في حال حدوث أي طارئ، لكن محاولاتها كلها كانت عبثاً. أخيراً اتخذت قرارها بالطلاق متنازلة عن كل محاولاتها لتعديل مهرها، وانتصاراً لكرامتها على اعتبار أن لها زوجاً لا يبالي بمستقبلها ولا مستقبل الأولاد في شدائد الأيام، لكن الزوج رفض تطليقها، ودخل الاثنان دوامة المحاكمات. ولأن ندى كانت تريد الثأر قبل الطلاق تحايلت بأشد ما يمكن لتذيقه المر، فأقامت دعوى عليه تتهمه فيها بـ"ممارسات خلاف الطبيعة"، وهي أشياء يواجهها القانون السوري بصرامة، ويعاقب الزوج بسببها وصولاً إلى 3 سنوات سجناً. وهكذا وافق الزوج على الطلاق، وتنازلت هي عن دعواها، ومضت في حياتها بلا مهر ولا مستقبل.

خصومات ومنتصر واحد

"كنا اتفقنا على مؤخر قدره 30 مليون ليرة سورية (ألفا دولار) حين عقد قراننا في المحكمة العام الماضي، لكنني فوجئت بها تطلب من القاضي تسجيل 50 مليوناً"، هكذا يقول المعيد الجامعي ظافر يوسف لـ"اندبندنت عربية"، مضيفاً "وافقت، فنحن يحب بعضنا بعضاً، لكنها جاءت هذا العام فجأة لتطلب إعادة رفع المهر إلى 100 مليون (7 آلاف دولار). لم أتمالك نفسي من الغضب، ولوهلة ظننت أنها تعتقدني بنكاً، وأرسلتها إلى أهلها لتفكر في زواجنا. وهي هناك منذ أسبوعين ولا أدري متى ستعود أو ما إذا كانت ستعود أصلاً؟".

ليست زيارة المحاكم الشرعية في سوريا أمراً ممتعاً، وذلك بمعزل عن أولئك الذاهبين لعقد قرانهم، وهم قلة قليلة بطبيعة الحال في بلد يضم كل أسباب العزوف عن الزواج من بطالة وتدن في الدخل وانعدام أفق الحل السياسي والاقتصادي.

في تلك المحاكم وعلى أبوابها يسمع الصراخ والعتب، وتشاهد النظرات الحزينة والقاسية أحياناً كثيرة، ويسمع تهامس المحامين لإذلال خصومهم، في حين يبدو أن المنتصر الوحيد في كل تلك العاصفة هو الرجل الذي يصطف خلفه معظم القوانين التشريعية، وكل القوانين المجتمعية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي