خلُص تحقيق أخير إلى أن الأطفال من ضحايا الاعتداءات الجنسية يُحرمون بانتظام من التعويضات التي يستحقون تقاضيها من قبل الجناة.
ووجد "التحقيق المستقل في الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال" أن الأطفال الناجين من الاعتداء الجنسي غالباً ما يعانون من الصدمات أثناء المعركة القانونية في المحاكم من أجل العدالة، والتي قد تكون "محبطة، وعدائية وغير مجدية في النهاية".
وكشف تقرير قسم التعويضات التابع للتحقيق أن نظام العدالة الجنائية والعدالة المدنية لا يقدمان بشكل فعال التعويضات المطلوبة من جانب الضحايا.
واشتمل التحقيق على الاستماع لإفادات بيّنت أن مجرد 0.02% من مجمل أوامر التعويضات الجنائية، التي يدفع فيها الجاني المال لضحيته، بين عامي 2013 و2017 كانت تعود إلى قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال.
لم يذكر أي من الضحايا الذين قدموا أدلة في إطار التحقيق أنهم تلقوا أوامر بالتعويضات الجنائية في نهاية جلسات المحكمة. ولم تُبلغ الشرطة أو مصلحة الادعاء الملكية الكثيرين منهم بوجود تعويضات كهذه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح نايجل أومارا، وهو أحد الشهود في التحقيق، بصفته ناجياً من الاعتداء ومستشاراً يعمل مع الناجين، كيف تسبب هذا الأمر في معاناة لا داعي لها لعدد لا يُحصى من ضحايا الاعتداء الجنسي على الأطفال الذين ينشدون العدالة والتعويض.
وأفاد أومارا، وهو ناشط مخضرم في ميدان الدفاع عن الناجين أن "هذا التقرير هو إدانة لتأثير نظم العدالة المدنية والجنائية على ضحايا الاعتداء الجنسي على الأطفال.. من المعروف جيداً أن التداعيات النفسية للاعتداء الجنسي على الأطفال تتجلى في انخفاض معنويات الضحية وشعوره بأنه عديم القيمة، ولا سيما إذا لم يصدقه الآخرون. والواقع أن نظامي العدالة الجنائية والمدنية يفاقمان هذه المشاعر السلبية ... يمضي الناس سنوات في النزاعات القضائية التي يخرج أحدهم منها صفر اليدين أو بتعويض تافه لا يكاد يساوي شيئاً في نهاية المطاف، بينما يتعرضون للصدمات مجدداً باستمرار لأنهم مضطرون لعيش تلك الأحداث مرة تلو الأخرى".
وأضاف "صدرت أوامر التعويضات الجنائية في حوالي 125 ألف قضية جنائية في عام 2017. وعلى الرغم من إدانة نحو 7 ألاف من مرتكبي اعتداءات جنسية على الأطفال في ذلك العام، لم يصدر سوى 26 أمر تعويض جنائي لضحاياهم.. لا يُفرض على الجناة دفع ثمن جرائمهم".
إلى ذلك، أوصى تقرير اللجنة بأن "تلفت الشرطة انتباه الضحية إلى إمكانية الحصول على تعويض وأن تجمع المعلومات اللازمة". وقال رئيس التحقيق البروفيسور ألكسيس جاي "لا تتوقف المعاناة بالنسبة للضحايا والناجين من الاعتداء الجنسي على الأطفال عند انتهاء الاعتداء. توصلنا في تحقيقنا إلى أن إجراءات المحكمة الجنائية والمدنية للحصول على تعويض يمكن أن تكون محبطة وعدائية وغير مجدية في النهاية.. يتعرض الكثيرون للصدمة مجدداً ويشعرون بالضيق الشديد بسبب النزاعات القضائية الطويلة والمربكة في كثير من الأحيان. ومما يثير القلق بالقدر نفسه هو عدم وجود علامات واضحة للحصول على التعويض والدعم الذي قد يكون من حق الناجين".
عاين التحقيق خمس من دراسات الحالة التي أُجريت من مرحلة الستينيات وحتى يومنا هذا، وتركزّت على حالات اعتداء أساسية هي منازل أطفال نورث ويلز؛ مدرسة فورد بارك في ديفون؛ منزل أطفال سانت ليونارد في لندن؛ منازل أطفال سانت إيدان وسانت فنسنت في مدرسة تشيشر وميرسيسايد وستانهوب كاسل في مقاطعة دورهام.
وقال الناجون من تلك المؤسسات إنهم عندما حاولوا المطالبة بالتعويض واعتراف الفاعلين بما اقترفوه، فإن العدائية التي قوبلوا بها ضاعفت هول الصدمة التي عانوا منها كأطفال.
وإذ نجح البعض في إثبات قضاياهم من حيث الحقائق، فقد رُفضت طلباتهم بالحصول على تعويضات في نهاية المطاف من قبل المُدعى عليهم بموجب قانون التقادم، الذي يضع حداً زمنياً للادعاءات.
استمعت اللجنة إلى شهادة تبين القسوة البالغة لهذا الرفض بالنسبة لضحايا الاعتداء الجنسي على الأطفال، الذين قد يعجزون عن الحديث عن الاعتداءات التي تعرضوا إلا بعد مرور سنوات عدة على وقوعها، وخاصة بعدما قوبلوا بالتجاهل حين أثاروا القضية بادئ الأمر.
كان أحد الشهود في التحقيق قد خاض دعوى مدنية استغرقت 12 عاماً واشتملت على محاكمتين، لكن الدعوى رُفضت في النهاية على أساس أنها أتت متأخرة جداً.
لا تزال هيئة "التحقيق المستقل في الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال" تدرس مقترحات لإصلاح قانون التقادم في الدعاوى المدنية لتسهّل على الناجين تقديم ادعاءات مدنية حول اعتداءات جنسية تعرضوا إليها في الماضي حين كانوا أطفالاً.
وعاين هذا التحقيق الذي أجرته الهيئة في مسكن ومدرسة فورد بارك المحصنة سيئ السمعة في نيوتن أبوت، واللذين كانا يضمان حلقة سادية محددة من المعتدين على الأطفال قبل أن يُغلقا في عام 1985. تعرض الصبيان في مدرسة فورد بارك، التي كانت تديرها وزارة الداخلية بإشراف مجلس مقاطعة ديفون، لإساءات جسدية وجنسية مروعة على أيدي موظفين شجعتهم وزارة الداخلية التي سمحت بالعقوبات البدنية للأطفال في مثل هذه المؤسسات، كما أُفيد في إطار التحقيق.
وأدت التقارير المستمرة التي قدمها الناجون إلى إدانة 8 من مجرمي فورد بارك، مع أحكام تتراوح بين ستة أشهر إلى 18 سنة في جرائم تضم الاغتصاب، والأذى الجسدي الحاد، والفحش الجسيم.
في تعقيبه على التقرير، يقول بول سينكلير، وهو تلميذ سابق قدم شهادته في التحقيق إن " نظام العدالة المدنية يخذلنا أكثر من الجانب الإجرامي ... أنا شخصياً تلقيت تعويضاً قدره 2700 جنيه إسترليني ... إن التعويض الذي حصل عليه معظم الناس كان بمثابة إهانة لهم وضربة قاصمة أخرى جاءتهم بعد كل ما مروا به ليخرجوا حاملين بضعة آلاف من الجنيهات ودون تقديم مشورة أو دعم ".
يُشار إلى أن التعويض الذي تلقاه سينكلير كان قياسياً بمعنى أنه كان المبلغ نفسه الذي ناله الناجون الآخرون من فورد بارك الذين تحدثنا إليهم، والذين تعرضوا لاعتداء مروع وهم أطفال وتركوا المدرسة وحرموا من إكمال تعليمهم، وحصلوا على مؤهلات هزيلة وإرث من الإساءة عليهم أن يتعايشوا معه.
وأضاف سينكلير "كان علينا أن نمضي ونشقّ طريقنا في الحياة بعدما خذلنا النظام القانوني. نحن بحاجة إلى تعويض عن ذلك".
وقال ناج آخر من ضحايا اعتداءات فورد بارك، أدلى بشهادته في التحقيق من دون الكشف عن هويته، إن "محاميّ المجلس البلدي قد سحقوا الناجين. وزاد هذا من وطأة الاعتداء الذي تعرضنا له في الأساس. إن الشهادة في ذلك التحقيق كانت أمراً مروعاً بالنسبة لنا جميعاً. أودّ أن أرى توصيات أكثر تفصيلاً لنظام العدالة المدنية، ونعتقد جميعاً أن الإبلاغ عن شكوك حول إساءة المعاملة يجب أن يكون إلزامياً بالنسبة للأشخاص الذين يعملون مع الأطفال، والذين ينبغي أن يتعرضوا لمحاسبة قانونية فعلية إذا فشلوا في ذلك".
يذكر أن رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي أطلقت لجنة التحقيق المستقلة في الاعتداء الجنسي على الأطفال عام 2014، في أعقاب فضيحة جيمي سافيل ومثيلاتها التي كشفت كيف كان ضحايا الاعتداء على الأطفال يُخذلون من قبل السلطات المكلفة حمايتهم.
ويبحث التحقيق في مدى إخفاق المؤسسات والمنظمات في حماية الأطفال في إنجلترا وويلز من الاعتداء الجنسي.
© The Independent