بفضل توفره على أكثر من 3.500 كيلومتر من الشواطئ، ثلثان منها تقريباً سواحل تمتد على المحيط الأطلسي، والثلث المتبقي على البحر الأبيض المتوسط، يراهن المغرب على السياحة الساحلية في الصيف من أجل الرواج الاقتصادي والاجتماعي.
وتبحث الحكومة المغربية تعزيز العروض السياحية بالمدن الساحلية على وجه الخصوص عبر صناعة الترفيه والتنشيط والاعتماد على سياسة تنظيم المهرجانات الصيفية لجذب السياح المحليين والأجانب، غير أن ما يعوق هذه الدينامية الصيفية هو ارتفاع أسعار الخدمات السياحية من فنادق وبيوت إيواء وشقق مفروشة للإيجار اليومي.
شواطئ جاذبة
يزخر المغرب بعدد هائل من الشواطئ الساحلية التي تعرف زخماً وانتعاشاً في أعداد الزوار والسياح المحليين والأجانب على السواء، وهي تتوزع بين شواطئ الشمال مثل طنجة والمضيق والحسيمة وشواطئ الجنوب مثل الداخلة ومير اللفت وشواطئ الشرق كالسعيدية والغرب كالقنيطرة والجديدة، وغيرها.
وتفيد معطيات رسمية بأن مدينة أغادير تعد أول مركز سياحي في المغرب بنسبة 22.34 في المئة من الطاقة الإجمالية، وفي الرتبة الثانية مدينة مراكش بنسبة 21.16 في المئة، والثالثة مدينة الدار البيضاء بنسبة 8.13 في المئة، وفي المركز الرابع مدينة طنجة بنسبة 6.13 في المئة.
ويتوجه مواطنو المدن الداخلية أو الجنوبية أو التي تقع في وسط البلاد ولا شواطئ لها خصوصاً إلى المدن الساحلية للاستمتاع بأجواء الشواطئ الخلابة، لا سيما في فصل الصيف الذي يعرف انتعاشا لافتاً للسياحة الساحلية في البلاد.
بدورهم يفد آلاف السياح في كل صيف إلى المغرب للاستمتاع بشواطئه الساحرة عبر الاستقرار فترة من الزمن في الفنادق والمنتجعات والشقق المفروشة السياحية بالمدن الساحلية الكبرى مثل أغادير وطنجة وغيرهما.
وبوأت هذه السياحة الساحلية المغرب رتباً متقدمة في كثير من التصنيفات الدولية لمجلات ومواقع سياحية عالمية، منها موقع "ترافل أوف بارث" الأميركي المتخصص في السياحة والأسفار، الذي بوأ المغرب واحدة من بين الوجهات السياحية الأسرع نمواً في 2024، مؤكداً أن المملكة تستثمر بقوة في السياحة في إطار تنظيم مباريات كأس العالم لسنة 2030.
خريطة طريق
وفطنت الحكومات المغربية المتعاقبة إلى ما تزخر به البلاد من شواطئ ساحلية ممتدة، فحاولت استثمار هذه الوفرة الطبيعية لتجعل منها رافداً رئيساً من روافد السياحة.
في هذا الصدد يقول المتخصص في الشأن السياحي زبير بوحوت إن المغرب يولي أهمية كبيرة للسياحة الساحلية ويعمل على النهوض بهذا الجزء من العرض السياحي بالنظر إلى العائد الاقتصادي الكبير الذي تدره على البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق المتحدث ذاته فإن المغرب يطبق حالياً خريطة الطريق لقطاع السياحة للفترة الزمنية الممتدة بين 2023 و2026، وضمنها تطوير السياحة الساحلية بالمدن الشاطئية التي تسهم بنصيب وافر في عائدات السياحة بلغ في مجمله سنة 2023 أكثر من 10 مليارات دولار. وأضاف أن تطوير السياحة الساحلية يستوجب العناية بالمدن الساحلية والعروض السياحية المقدمة للسياح، خصوصاً ضرورة رفع طاقة إيواء السياح من فنادق وأسرة وتقديم خدمات مناسبة لهم حتى يكرروا زياراتهم لهذه المناطق.
وتفيد معطيات رسمية كشفت عنها وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور بأن المغرب يخطط لجلب أكثر من 17.5 مليون سائح بحلول 2026، بالتالي تحقيق عائدات مالية من القطاع السياحي تناهز 21 مليار دولار وخلق 200 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة.
صناعة الترفيه
ويعول المغرب لتطوير السياحة الشاطئية على ما يصطلح عليه بصناعة الترفيه وإقامة المهرجانات الفنية والغنائية في المدن الساحلية وأشهرها مهرجانات غنائية تقيمها إحدى أكبر شركات الاتصال بالبلاد كل سنة خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب). ويحضر لهذا المهرجان الذي ينظم في أكثر من مدينة ساحلية عديداً من نجوم الطرب والغناء من المغرب وخارجه، مما يعطي زخماً كبيراً لهذه المدن الشاطئية. ومن أبرز المهرجانات التي تقام في مدن ساحلية وتشد إليها أنظار السياح المغاربة والأجانب، مهرجان "تيميتار" الأمازيغي بمدينة أغادير جنوب البلاد، وأيضاً مهرجان "كناوة" الغنائي بمدينة الصويرة، فضلاً عن موسم "أصيلة" الثقافي الدولي الشهير، الذي انطلق بهذه المدينة الساحلية في 5 يوليو الجاري.
وتتوزع المواقف حيال إقامة صناعة الترفيه والمهرجانات في المدن الشاطئية بهدف إنعاش السياحة الساحلية بالبلاد بين من يجدها عنصراً مهماً وحاسماً في ارتفاع الاستثمارات، وبين من يراها هدراً للأموال العمومية كان يجدر بها أن توجه إلى مجال الشغل والصحة.
يقول الباحث الاقتصادي محمد مجدولين إن صناعة الترفيه صناعة قائمة بذاتها حتى إنها صارت من أهم دعائم عديد من اقتصادات دول أخرى، وهي تحتاج نفساً طويلاً ورؤية استراتيجية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والثقافية والفنية والاجتماعية.
ووفق الباحث عينه فإن "سياسة صناعة الترفيه، وضمنها تنظيم المهرجانات الغنائية والفنية والثقافية تجلب عوائد مالية كبيرة وتعزز جلب السياح لزيارة هذه المدن الشاطئية، بشرط وضعها ضمن سياسة تشاركية شاملة لعديد من شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرافقة، وألا تكون مهرجانات ومعارض للترفيه عابرة من دون خطة محكمة من طرف مدبري القطاع السياحي".
وسبق لوزير الثقافة المغربي محمد مهدي بن سعيد أن رد على بعض الأصوات التي انتقدت تنظيم المهرجانات خلال الصيف بالقول في مجلس النواب إنها "ليست ترفاً ولا تبذيراً للمال العام، إذ إنها وسائل استثمارية تحظى بعائد اقتصادي ومالي مهم على هذه المدن".
وتجد هذه المكتسبات السياحية أمامها إكراهات وتحديات جمة، أبرزها ارتفاع أسعار الخدمات السياحية في المدن الشاطئية، خصوصاً الفنادق وشقق الإيواء السياحي، علاوة على خدمات المقاهي والمطاعم وغيرها.
وما فتئ يطلق فاعلون سياحيون التحذيرات من انعكاسات ارتفاع أسعار الخدمات السياحية أخيراً في المدن الشاطئية على عروضها السياحية المختلفة، وهو الوضع الذي بررته وزيرة السياحة قبل أيام بالتأكيد أن السبب يعزى إلى كون "الطلب أكثر من العرض في بعض المناطق التي تعرف انتعاشاً واضحاً"، مبرزة أن "الحكومة تعمد إلى تحفيز الاستثمار في المنتج السياحي بصورة أكثر في الشواطئ من أجل توسيع العرض، علاوة على إنشاء منتجعات سياحية تراعي القدرة الشرائية للمغاربة".