ملخص
لمواجهة موجة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، زودت مدريد المغرب بوسائل تكنولوجية حديثة عبارة عن كاميرات حرارية وكاميرات للمراقبة ومعدات بحرية متنوعة.
تراهن الحكومة الإسبانية على التكنولوجيا المتطورة من أجل محاربة الهجرة السرية إلى أراضيها عبر التسلل إلى مدينتي سبتة ومليلية، الواقعتين في التراب المغربي والخاضعتين للسيادة الإسبانية، وأيضاً لمكافحة تهريب المخدرات.
ولمواجهة موجة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، زودت مدريد المغرب بوسائل تكنولوجية حديثة عبارة عن كاميرات حرارية وكاميرات للمراقبة، ومعدات بحرية متنوعة.
ويرى مراقبون أن تزويد مدريد الرباط بهذه الأجهزة الإلكترونية قد يكون حلاً أمنياً يعطي نتائج آنية، لكن محاربة الهجرة السرية وتهريب المخدرات يحتاجان إلى نفس طويل تعززه حلول اقتصادية واجتماعية وإنسانية أكثر من معدات متطورة للمراقبة.
مساعدات تكنولوجية
كشفت وسائل إعلام إسبانية أخيراً، منها صحيفة "لاراثون" و"أوك دياريو" عن تقديم حكومة مدريد عديداً من المناظير الليلية والكاميرات الفائقة الجودة والتكنولوجيا للمغرب، كدعم لوجيستيكي في سياق تفعيل اتفاقات التعاون الأمني الثنائي بين البلدين.
وتبعاً لوسائل الإعلام الإسبانية فإن حكومة بيدرو سانشيز زودت المغرب بـ65 كاميرا حرارية تشتغل بنظام تحديد المواقع العالمي، إضافة إلى 98 كاميرا حرارية محمولة للمراقبة، و25 منظاراً يصلح للرؤية الليلية، علاوة على تجهيزات اتصالات بحرية متطورة.
وأوردت المصادر عينها بأنه إجمالاً زودت الحكومة الإسبانية السلطات المغربية بـ188 نظاماً متطوراً بهدف مراقبة الحدود البحرية والبرية مع إسبانيا، في إشارة إلى مدينتي سبتة ومليلية اللتين تعدهما مدريد إسبانيتين، والواقعتين فوق التراب المغربي.
وتندرج هذه المساعدات التكنولوجية من إسبانيا للمغرب في سياق برنامج "دعم إدارة الحدود والهجرة في المغرب"، الممول من لدن الاتحاد الأوروبي، الذي يبتغي تعزيز موارد المغرب مالياً وعملياتياً لمواجهة الهجرة السرية نحو أوروبا.
وأوردت مصادر إعلامية إسبانية أيضاً أن مدريد أفردت غلافاً مالياً يتجاوز 3.6 مليون يورو (3.86 مليون دولار)، من أجل اقتناء 33 عربة و10 سيارات إسعاف و183 دراجة نارية، بهدف مراقبة الحدود ومواجهة آفة الهجرة السرية، ومكافحة تهريب المخدرات في مضيق جبل طارق.
هذا التخصيص المالي وافقت عليه، تبعاً للمصادر الإسبانية، المؤسسة الدولية والإيبيرية الأميركية للإدارة والسياسات العامة، برئاسة وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس.
التعاون الأمني وموجة الهجرة
يضع المتخصص في قضايا الهجرة ومدير مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بن عيسى، هذه المساعدات والدعم التكنولوجي من إسبانيا للمغرب، في سياقين رئيسين اثنين يساعدان على فهم حيثيات هذا الملف الاجتماعي والأمني الشائك.
السياق الأول، وفق بن عيسى، يتمثل في أن هذه المساعدات التقنية الحديثة تأتي لتنزيل اتفاقات التعاون الأمني بين البلدين، خصوصاً في توالي زيارات وزراء ومسؤولين أمنيين إسبان رفيعي المستوى إلى المملكة.
وسبق لوزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراندي مارلاسكا أن زار المغرب في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتقى نظيره المغربي عبدالوافي لفتيت، وأيضاً تباحث مع المدير العام للأمن الوطني ومدير جهاز الاستخبارات المغربي عبداللطيف حموشي.
واتفق المسؤولون المغاربة والإسبان على ضرورة التصدي لموجة الهجرة السرية انطلاقاً من المغرب إلى مدينتي سبتة ومليلية، أو إلى جزر الكناري، سواء عبر الزوارق المطاطية أو الدراجات المائية، أو حتى عبر السباحة أيضاً.
وأما السياق الثاني للدعم التكنولوجي الإسباني، بحسب بن عيسى، فيتجسد في تسجيل نمو مطرد للهجرة غير الشرعية صوب الأراضي الإسبانية، وهو ما رصده تقرير حديث لمرصد الشمال لحقوق الإنسان المهتم بشؤون ومستجدات الهجرة غير الشرعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المرصد سجل في هذا الصدد غرق أكثر من 40 مهاجراً سرياً مغربياً خلال يناير وفبراير (شباط) الماضيين فحسب، خلال عملية عبور البحر الأبيض المتوسط في اتجاه الجنوب الإسباني الذي لا يبعد عن السواحل المغربية الشمالية سوى بـ15 كيلومتراً، أو لبلوغ سبتة ومليلية، كما أفلح أكثر من 700 مهاجر سري مغربي في وطء أرض مدينة سبتة، مما يعني معدل 100 محاولة تقريباً كل يوم.
وفي السياق ذاته تفيد أرقام رسمية أن زهاء 57 ألف مهاجر حاولوا عام 2023 الوصول إلى إسبانيا بطريقة غير شرعية، من بوابتي البحر والبر معاً، وأن 70 في المئة منهم وصلوا بالفعل إلى سواحل جزر الكناري.
محاربة التهريب
وتهتم إسبانيا ليس فقط بمحاربة الهجرة السرية الوافدة من الأراضي المغربية، بل أيضاً تنكب على مكافحة تهريب المخدرات عبر جبل طارق، الشيء الذي تطلب فيه من المغرب الدعم وتكثيف المراقبة وضبط تجار المخدرات.
وكانت واقعة قتل ضابطين إسبانيين خلال مطاردة زورق لتجار المخدرات في ميناء باربات قرب قادس، خلال فبراير الماضي، مناسبة لتقديم حكومة مدريد الشكر للسلطات الأمنية المغربية لمساهمتها في القبض على المجرمين المهربين.
وشكلت الحادثة مفتاحاً رئيساً لتفكير حكومة سانشيز في تقديم كل سبل الدعم التكنولوجي والميداني للمغرب من أجل مساعدتها على محاربة تهريب المخدرات عبر جبل طارق، بخاصة في خضم تنويع تجار الممنوعات من طرق وأساليب التهريب، التي وصلت إلى حد تهريبها عبر "الدرونات" والطائرات المروحية.
وفي وقت تعتمد فيه الحكومة الإسبانية على تنفيذ "الخطة الأمنية الرابعة" في جبل طارق لمحاربة تهريب المخدرات، تعلم مدريد جيداً أن هذا الأمر غير كاف، ولن يتحقق من دون مساعدة ناجعة من المغرب في هذا الصدد.
دور الدركي
الباحث في ملف الهجرة غير النظامية يورد رشيد فخراني قال إن المغرب يحظى بموقع جيوسياسي حاسم ومؤثر في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً إسبانيا الجارة الشمالية للمملكة، التي تتعاطى مع ملف الهجرة بصورة حساسة.
وتابع الباحث ذاته بأن تشارك المغرب وإسبانيا في الحدود البحرية والبرية أيضاً، باعتبار أن سبتة ومليلية تعتبرهما مدريد إسبانيتين، يخلق كثيراً من المنافذ والتسربات إلى أوروبا بصفة عامة، وإسبانيا على وجه الخصوص.
هذه الحيثيات الجيوسياسية والجغرافية، وفق المتحدث، دفعت إسبانيا إلى طلب دعم المغرب لمحاربة الهجرة والمخدرات، من خلال تقديم المساعدات المادية، أو حتى مقابل إبداء مواقف سياسية معينة في قضايا مصيرية بالنسبة إلى المملكة، من قبيل ملف الصحراء.
ووفق المتكلم عينه فإن المغرب يجد نفسه مثل دركي إسبانيا وأوروبا، فهو مطلوب منه منع المهاجرين السريين من التدفق عليها، غير أن العمل مثل دركي أو حارس للحدود لم يكن يوماً حلاً ناجعاً وكافياً، لأن ملف الهجرة خصوصاً تلزمه حلول اجتماعية، لأن الهشاشة التنموية والاجتماعية هي التي تدفع المهاجرين إلى خوض مغامرة البحر للوصول إلى "الفردوس الأوروبي"، مما يستوجب أولاً التفكير في حلول تنبني على التنمية المستدامة ومكافحة الهشاشة وتوفير فرص عمل للشباب.