Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنف الأسري في كردستان... القانون يصمت والعشيرة تنتصر

انتقادات دولية تلاحق السلطات على رغم التقدم التشريعي في الملف وتعهدات حكومية بمراجعة القوانين وتفعيل آليات المكافحة

تلقي منظمات حقوقية جزءاً من أسباب إفلات الجناة من العقاب على تفوق النفوذ العشائري على السلطة القضائية (أ ف ب)

ملخص

تأتي ظاهرة العنف ضد المرأة ضمن صدارة البيانات السنوية المتعلقة بالعنف الأسري الصادرة عن الدوائر والمؤسسات المعنية في إقليم لا يتجاوز عدد سكانه ستة ملايين ونصف المليون نسمة.

على رغم اتخاذ بعض الخطوات التشريعية الإيجابية، ما زالت سلطات إقليم كردستان العراق تواجه انتقادات لاذعة من جانب المنظمات والنشطاء في ملف محاسبة مرتكبي جرائم العنف الأسري وفرض القيود على المعنفات من النساء في مراكز الإيواء، فيما تتجه السلطات المعنية لاتخاذ خطوات نحو تعديل القوانين في ظل تحديات ناجمة عن النفوذ السياسي والعشائري.

في الأسبوع الماضي اتهمت منظمة العفو الدولية سلطات إقليم كردستان بـ"التقاعس في محاسبة مرتكبي جرائم العنف الأسري، وفرض قيود تعسفية على حريات اللواتي تعرضن للعنف وتم إيواءهن في مراكز خاصة بغية حمايتهن".

ونوهت المنظمة إلى استمرار ظاهرة الإفلات من العقاب ونقص في تمويل المؤسسات، مشيرة إلى أن الإقليم "سن قانوناً تقدمياً لا مثيل له في العراق إلا أنه ظل حبراً على ورق"، وداعية سلطات كردستان إلى "الإسراع في وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب".

نفوذ العشائر

وتأتي ظاهرة العنف ضد المرأة ضمن صدارة البيانات السنوية المتعلقة بالعنف الأسري الصادرة عن الدوائر والمؤسسات المعنية في إقليم لا يتجاوز عدد سكانه ستة ملايين ونصف المليون نسمة، وتلقي منظمات ونشطاء حقوقيون جزءاً من أسباب إفلات مرتكبي العنف الأسري من العقاب على تفوق النفوذ السياسي والعشائري على السلطة القضائية، لما يلعبه هذا النفوذ من دور لافت في عدم تطبيق القانون أو في إجراء صلح خارج الأطر القانونية.

 

 

ترى النائبة السابقة في برلمان الإقليم شادي نوزاد أن "الإفلات من العقاب في هذا الملف مستمر، ولدينا ملاحظات على قانون الحد من العنف الأسري وعلى تنفيذه، وحتى على آلية ما ينفذ من فقراته. وإحدى الملاحظات تكمن في اعتماد السرية حيال ما تتعرض له المعنفات، صحيح أن لدينا مؤسسات حكومية متخصصة في هذا المجال وقامت وفق إمكاناتها بتنفيذ واجباتها، لكن قد لا يكون لهذه المؤسسات دور مؤثر في مرحلة فتح كل ملف عنف جديد، سواء لدى الشرطة أو الجهة الأمنية المعنية، لأن الأخيرة قد لا تملك الخبرة والكفاءة المطلوبة في هذا المجال، وعديد من عناصرها لم يتلقوا الدورات الضرورية للتعامل مع هذا النوع من الحالات".

وتزعم منظمة العفو الدولية أن الناجيات "تواجهن عقبات هائلة في الحصول على الحماية والوصول إلى سبل تحقيق العدالة"، كذلك أشارت إلى "مقتل 30 امرأة في الأقل داخل الإقليم خلال العام الماضي، و40 امرأة عام 2022"، بينما تفيد المنظمات الحقوقية بأن عدد القتلى من النساء يفوق هذه الأرقام، وانتقدت ما وصفته بـ"غياب الإرادة السياسية من جانب السلطات لملاحقة مرتكبي العنف الأسري، أو تقديم دعم حقيقي للنساء والفتيات اللواتي يلجأن إلى الدولة طلباً للحماية".

سجن اجتماعي

نوزاد كشفت عن إفادة لإحدى المعنفات تقول إنها "عندما راجعت ذات مرة أحد مراكز الشرطة القريبة من منزلها نصحوها بعدم رفع شكوى بذريعة التستر على سمعتها وأسرتها. وفي ظاهرة محكومة بالعرف الاجتماعي في مثل هذه الحالات فإن البعض يتكفل بالقضية وكأنها قضيته، ولا يتعامل معها وفق السياقات الموضوعية والقانونية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إزاء أوضاع المعنفات في مراكز الإيواء تقول نوزاد إن "هذه المراكز تحولت إلى سجن من نوع آخر، لأسباب عدة منها عدم توافر الخدمات ذات المستوى والموظفين المتخصصين الأكفاء في ظل أزمات اقتصادية وسياسية تعصف بالإقليم منذ سنوات، فالمعنفة دخلت إلى المركز بأمر القاضي، وخروجها يتم بالصيغة نفسها. وهي لا تملك حرية الحركة والاختلاط مع المجتمع، أو في بعض الحالات لا تستخدم أدوات التواصل مع الخارج، مع عدم السماح للضحية بلقاء أشخاص مهمين بالنسبة إليها"، لافتة إلى أن "استمرار قضاء المعنفات مدداً طويلة في مراكز الإيواء يدفعهن لمرحلة يتمنون فيها استحصال موافقة القاضي للخروج حتى وإن كن يعتقدن أنهن سيقتلن".

استجابة حكومية

أما منسق التوصيات الدولية في حكومة الإقليم ديندار زيباري، فقد تعهد الثلاثاء الماضي "بالتصدي للعنف الأسري من خلال آلية فعالة لحماية المعنفات". وكشف في بيان أن الإقليم "سجل خلال العام الماضي أكثر من 18 ألف ملف عنف أسري، فيما أحيل أكثر من 14 ألف ملف يتعلق بتعنيف النساء إلى المحاكم".

كما كشف عن توجه لإجراء تعديلات على قانون مكافحة العنف الأسري رقم 8 لعام 2011، ناهيك عن رفع قضايا عبر المدعي العام ضد حالات زواج القاصرات والزواج القسري والزواج الموقت، مذكراً بتسجيل "أكثر من 300 حال زواج مبكر خلال العام الماضي".

وتوجد في الإقليم خمسة مراكز إيواء للمعنفات والمعرضات للخطر، فضلاً عن مأوى وحيد لضحايا الاتجار بالبشر، و29 مكتباً تابعاً لمديرية مكافحة العنف الأسري، إلى جانب 22 فريقاً متنقلاً، ووفقاً لزيباري فإن "عدد الحالات في مراكز الإيواء يبلغ حتى الآن 91 حالة، بينها 21 ملفاً يعود للأجانب".  

 

 

وتذهب الناشطة نوزاد إلى وقوف عوامل عدة وراء عدم تطبيق القانون، "إذ يتم حل بعض المشكلات من خلال تدخلات المحيط الاجتماعي، كالصلح العشائري أو دفع الدية وغيرها من الحلول العشائرية والعرفية، وبعض الحالات يكون الدافع هو الحفاظ على سمعة الأسرة من الفضيحة. وعلى صعيد القانون فإن بعض المعنيين بتطبيقه قد لا يجدون في فحواه العدالة التي تنسجم مع العرف الاجتماعي السائد، وقد تميل قراراتهم لمصلحة المتهم".

وأقرت الناشطة بصعوبة إعطاء نسبة حقيقية لمستوى العنف الأسري، "لأن ما يعلن من بيانات رسمية قد لا يشكل سوى ثلث ما يقع من حالات، كما أن المشكلة الأكبر تكمن في عدم أو تأخير حسم الدعاوى لدى المحاكم، إذ إن ثلثها احتاج حسمه مدة لا تقل عن سنة، وأكثر من نصفها تطلب ما يفوق سنتين، مما يخلق حالاً من الإحباط لدى الضحية إزاء اللجوء إلى القضاء، ومع هذا التأخير يحتمل أن يتحول العنف لاحقاً إلى التهديد بالقتل ومن ثم القتل".

ووفق منظمة العفو فإن النساء المعنفات يتجنبن اللجوء إلى المحاكم "جراء انحياز بعض القضاة لمصلحة مرتكبي العنف من الرجال من دون معاقبتهم بما يتناسب مع خطورة جرائمهم".

ويمثل ارتفاع معدلات الطلاق في الإقليم ضمن المؤشرات على استمرار ظاهرة العنف الأسري، حيث تقدر منظمات حقوقية نسب حالات الطلاق بنحو حالة لكل ثلاث إلى أربع زيجات، أي إنها تتجاوز في المتوسط 9 آلاف حالة سنوياً، وتفيد إحصاءات رسمية بارتفاع ملحوظ في حالات الطلاق من 18 إلى 27 في المئة مقارنة بالفترة بين عامي 2014 و2023، وتأتي الخيانة الزوجية في صدارة الأسباب إلى جانب غياب الانسجام واتساع الفارق العمري بين الزوجين وغير ذلك.

قيود احترازية

في هذا الاطار، يعتقد الناشط في مجال حقوق المرأة وحماية الأسرة هاودنك سليماني، أن "القيود الاجتماعية من أعراف وتقاليد، وكذلك في الجانب الديني، خلقت إطاراً ضيقاً يسهم في استمرار ظاهرة العنف الأسري بخاصة ضد المرأة، كما أن ما يرافق هذه الظاهرة هو مشكلة الإفلات من العقاب للجناة الذين عادة ما يحتمون إما بالأحزاب أو النفوذ العشائري، وهنا فإن السلطات المعنية بتنفيذ القانون تضطر في كثير من الحالات إلى غض النظر عن ملاحقة الجناة تجنباً للدخول في مواجهة قد تصل أحياناً إلى اشتباك مسلح، بالتالي تتحول إلى مشكلة أكبر. لكن هذا لا يعني أن الجاني يصبح طليقاً، إذ سيجد نفسه في قبضة العدالة مع أية فرصة سانحة".

 

 

وفي الموقف من مزاعم فرض قيود على المعنفات في مراكز الإيواء، قال سليماني "نجد أن بعضهن منعن من استخدام أجهزة الاتصالات بهدف الحفاظ على سلامتهن، إذ يمكن تحديد موقعها عبر هذه الأجهزة، كما أن خروجها أيضاً يمكن أن يعرضها للخطر وللأسباب نفسها".

وحول إمكان إعطاء تقييم علمي لنسب حالات العنف في ما إذا كانت تتخطى المعدلات الطبيعية، أوضح سليماني أن "ارتفاع نسب الحالات قد لا يدل على تفاقم معدل العنف بقدر ما يعكس تطوراً في الوعي العام لدى المرأة لمواجهة ما تتعرض له من ظلم واضطهاد، وأصبحت تؤمن بحقها في اتخاذ القرارات والحياة التي تجدها مناسبة".

وختم حديثه بالقول إن "وجود هذه النسب من الحالات لا يخرج عن حقيقة أن مجتمعنا بشكل عام تغلب عليه ما يسمى بالأبوية أو الذكورية، وهو ما يحدد شكل العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة".

المزيد من تقارير