Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنقية أم إقصاء؟ جدل تونسي حول شروط الترشح للانتخابات

"الهيئة العليا المستقلة" تقول إن كافة الضمانات متوفرة لإجراء استحقاق نزيه وفق القانون

عدلت هيئة الانتخابات القرار المتعلق بقواعد الترشح للانتخابات الرئاسية بإضافة ثلاثة شروط جديدة جاء بها دستور 2022 (أ ف ب)

ملخص

من بين إحدى أبرز النقاط المثيرة للجدل تعديل شروط الترشح قبل فترة قصيرة من الانتخابات، مما يجعل من الصعب على بعض المرشحين الجدد جمع التزكيات المطلوبة، وفقاً للقانون الجديد.

أثارت شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في تونس، الجدل بين عدد ممن ينوون دخول هذا المعترك السياسي، إذ رأى بعضهم أن وضع شروط صارمة للترشح تقطع الطريق أمام من لا يستحق المنصب، فيما ترى المعارضة أن هذه الشروط نوع من التضييق لاستبعاد منافسي الرئيس قيس سعيد.

وعدلت هيئة الانتخابات القرار الترتيبي المتعلق بقواعد الترشح للانتخابات الرئاسية وشروطه بإضافة ثلاثة شروط جديدة جاء بها دستور 2022 الذي صاغه الرئيس سعيد عقب إلغائه دستور 2014.

من بين إحدى أبرز النقاط المثيرة للجدل تعديل شروط الترشح قبل فترة قصيرة من الانتخابات، مما يجعل من الصعب على المرشحين الجدد جمع التزكيات المطلوبة، وفقاً للقانون الجديد إذ يجب على المرشح جمع 10 آلاف تزكية من المواطنين موزعة على 10 دوائر انتخابية تشريعية، مما يجعل المهمة شبه مستحيلة أمام بعض المرشحين في ظل ضيق الوقت، إضافة إلى القضايا العدلية التي تلاحق آخرين وقد تشوه بطاقة السوابق العدلية التي أصبحت أحد الشروط المهمة للترشح، وغيرها.

تعجيزية أم ضرورية؟

قالت المرشحة ألفة الحامدي إن الرئيس سعيد أعدمها سياسياً بعد إقرار الترفيع في سن الترشح إلى 40 سنة، كما أوقف منذ أيام المرشح للانتخابات الرئاسية لطفي المرايحي في شبهة تتعلق بتبييض الأموال، وقد نشر المرايحي مقطع فيديو على صفحته الرسمية على "فيسبوك" قال فيه إنه "سيكون ضحية اعتقال متعمد لإزاحته من سباق الانتخابات ضد الرئيس"، فيما تلاحق تهمة شراء ذمم الناخبين المرشح البارز الصافي سعيد.

واعتبر المرشح عبداللطيف المكي الذي استدعي للمثول أمام قاضي التحقيق في قضية وفاة رجل الأعمال الجيلاني الدبوسي في السجن عام 2014 قبل أيام من إعلانه الترشح للانتخابات، أن هناك توظيفاً للقضاء لإزاحة منافسي الرئيس بتحريك القضايا ضدهم.

ويقبع في السجن عدد من السياسيين الذين أعلنوا ترشحهم، أبرزهم رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، وأمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، مما قد يؤثر في إمكانية قبول ترشحهم مع تعديل القانون الانتخابي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن الشروط المتعلقة بالتزكيات للانتخابات الرئاسية تتمثل في تزكية من 10 نواب من مجلس الشعب، أو من المجلس الوطني للجهات والأقاليم، أو 40 من مجالس الجماعات المحلية المنتخبة المباشرين لمهماتهم، أو 10 آلاف ناخب مرسم موزعين على 10 دوائر انتخابية تشريعية في الأقل.

كما أعلنت الهيئة عن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية 2024، وهي أن يكون المترشح ناخباً مسجلاً تونسي الجنسية ولا يحمل أية جنسية أخرى، على أن يكون الأب والأم والجد للأب والجد للأم جميعهم تونسيون، وأن يكون دينه الإسلام، ويبلغ من العمر 40 سنة في الأقل، ويكون متمتعاً بجميع حقوقه المدنية، ولم يتول منصب رئيس الجمهورية لدورتين.

كما تشترط هيئة الانتخابات على المترشحين للانتخابات الرئاسية تقديم "البطاقة عدد 3″، وهي بطاقة السوابق العدلية من أجل التثبت من نقاء ملف المترشح من أي موانع أو أحكام بالسجن تحرمه من حقه في الترشح، وذلك بعد الأحكام النهائية.

واعتبرت هيئة الدفاع عن رئيسة الحزب الدستوري الحري عبير موسي، القابعة في السجن منذ أشهر، أن الرزنامة الانتخابية المعلن عنها ضيقة جداً في آجالها.

تنقية العملية الانتخابية

في هذا الصدد يرى الكاتب الصحافي المختص في الشأن العام مراد علالة، أنه "مرة أخرى تؤكد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنها معنية وحريصة على الجوانب التقنية للاستحقاق الانتخابي أكثر من تركيزها على تطوير العملية الانتخابية في حد ذاتها وما تعنيه من تفعيل للحق في المشاركة في الشأن العام والتربية على الديمقراطية سواء بالنسبة إلى الناخب البسيط أو إلى المترشح في هذه الانتخابات".

ويضيف علالة "يعود هذا الخيار إلى طبيعة قيادة الهيئة التي أصبحت تجتهد أكثر مما هو مطلوب منها، ربما لإبراز ما تقول إنه امتثال للقانون في أدق تفاصيله وشكلياته، وهو ما سينعكس دون أدنى شك على نسبة ونوعية المشاركة". موضحاً أن الأصل في الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أن تفسح المجال لأكثر عدد من الراغبين في المشاركة بمختلف المستويات، سواء الترشح أو التزكية أو التصويت أو المراقبة وغيرها، والفيصل هو القانون بطبيعة الحال، الانتخابي منه والعام، بخلاف ذلك نمس في العمق بصدقية الاستحقاق الانتخابي، والأخطر من ذلك أننا نمس شرعية ومشروعية من سيعلن فوزهم في نهاية السباق.

ويعتقد علالة أن "هيئة الانتخابات اختارت سلوكاً احترازياً يسمح في ظاهره بتنقية العملية الانتخابية من الشوائب ويضاعف الصدقية، لكنه في بيئتنا التونسية العربية الإسلامية قد يفضي إلى عكس ذلك، فالتأكيد مثلاً على كشف ونشر هوية من يتولى تزكية أحد المترشحين في الانتخابات الرئاسية بحجة الشفافية يؤثر بصفة مباشرة في دخول الناخبين عملية التزكية وبخاصة تزكية الخصوم والمعارضين".

ويتابع أن "هذا الاجتهاد، الذي لا نرى أن السلطة طلبته أو هي بحاجة إليه، يمكن أن يفتح الباب أمام ترشيحات شكلية لا تعكس بالضرورة الحال التعددية، ويقطع الطريق أمام ترشيحات جدية لأصحاب مشاريع أو طموحات سياسية تعوزهم الظروف الموضوعية عن الوفاء بكل شكليات العملية الانتخابية، وفي غياب مثل هذه الترشحات تتراجع المنافسة وقد تصبح نتائج الانتخابات في حد ذاتها معلومة سابقاً وهو ما ينزع عنها نكهة الديمقراطية".

تضييق على المنافسين

من جانبه يرى المحلل السياسي والصحافي بسام حمدي أن "تعديل القانون الانتخابي في تونس هو محاولة واضحة لإقصاء المنافسين السياسيين للرئيس قيس سعيد، موضحاً أن "هيئة الانتخابات، التي من المفترض أن تكون مستقلة، أصبحت أداة في يد السلطة التنفيذية، إذ عُدل القرار الترتيبي (رقم 18) لعام 2014 المتعلق بإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية، وهذا التعديل جاء في إطار المسار السياسي الذي خطه دستور 2022، والذي صاغه الرئيس قيس سعيد بنفسه والهدف من هذا التعديل في اعتقادي هو تضييق الخناق على المنافسين السياسيين وإقصاؤهم من السباق الانتخابي".

ويتابع، "أعضاء البرلمان والمجالس المحلية والجهوية، الذين يعتبرون جميعهم مؤيدين لمسار الـ25 من يوليو (تموز)، لن يقدموا تزكياتهم لأي مرشح آخر مما يعني أن المرشحين المحتملين سيواجهون صعوبة كبيرة في جمع التزكيات المطلوبة، مما يحد من عدد المرشحين ويجعل المنافسة شبه معدومة، إضافة إلى ذلك فإن استخدام القضاء لاستبعاد المنافسين المحتملين أصبح تكتيكاً شائعاً".

من جهته بيّن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر خلال مؤتمر صحافي أن "هيئة الانتخابات عندما تضع قواعد لا تنظر إلى حالات خاصة، بل تضع قواعد عامة ومجردة تنطبق على جميع المترشحين، أياً كانت صفتهم، فإذا استجابوا للشروط المطلوبة وقدموا الوثائق كاملة وكانت تزكياتهم سليمة، فترشحهم سيقبل بالضرورة".

وأوضح بوعسكر أن القرار الترتيبي (رقم 18) لعام 2014 عُدل في 2019 وأيضاً هذا العام (2024) ليتواءم مع الدستور في ثلاث نقاط، وهي السن والحقوق المدنية والسياسية والجنسية، فضلاً عن إضافة فصلين جديدين ينصان على موانع جديدة للترشح، وهي أن كل من سلط عليه حكم يتعلق بتقديم عطايا نقدية أو رشوة الناخبين يحرم من الترشح لمدة تصل إلى 10 أعوام، وكل من سلط عليه حكم في التمويل الأجنبي مجهول المصدر طبقاً للفصل(163) يحرم من الترشح مدى الحياة .

وقال بوعسكر إن الوثائق الإدارية التي تثبت نقاوة السوابق العدلية في هذه الأحكام هي البطاقة (رقم3)، ولذلك اشترطتها الهيئة، مبيّناً أن هذه البطاقة كانت موجودة باعتبارها شرطاً للترشح في القانون الانتخابي منذ 2022 عندما أجري الاستفتاء والانتخابات التشريعية والمحلية، لذا فإنه من حيث المنطق لا يمكن أن تكون موجودة في انتخابات محلية وتشريعية ولا يقع اشتراطها في الانتخابات الرئاسية، فهي "وثيقة محورية، والمجتمع المدني والأحزاب كانوا يلومون الهيئة على عدم اشتراطها، والآن أصبحوا يستغربون ذلك".

المزيد من العالم العربي