Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتقادات شعبية لإزالة محال مخالفة في لبنان

هدمت بلدية طرابلس عشرات البسطات بسبب التجاوزات وسط أزمة اقتصادية ومن دون بديل

آثار حملة إزالة المحال المخالفة في لبنان  (اندبندنت عربية)

ملخص

طوال نصف قرن من الزمن شكلت البسطات دورة اقتصادية متكاملة، وإزالتها المفاجئة شكلت ضربة للحركة الإنتاجية في منطقة الجسرين والزاهرية والتبانة في طرابلس.

أزالت السلطات المتخصصة في لبنان مئات من المحال المخالفة، وبسطات تنشط في بيع الملابس الأوروبية والأحذية المستعملة، التي وجدت في فترات الفوضى فرصة للتوسع.

وفيما وجدت شريحة في تلك الخطوة ترميماً لهيبة الدولة في زمن الضعف ومحاولة تنظيم للعمالة السورية وتنظيف المنطقة تمهيداً لإطلاق ورشة التنمية، ذهبت أخرى لتوجيه انتقادات واسعة كونها لم تراع الأوقات الاقتصادية.

ألسنة عاجزة

أمام أطلال بسطته في منطقة الحارة البرانية، يقف خضر محمود مكبل اليدين، فهو عاجز عن القيام بأي رد فعل حيال ما يحدث. يروي أنه واحد من مئات الأشخاص الذين يعتاشون من البسطات "المخالفة"، فهو بعد أن تقاعد من المؤسسة العسكرية، وتسارع الانهيار المالي والاقتصادي، لجأ إلى البسطة التي يديرها والده منذ ستة عقود لأن المعاش لم يعد كافياً لتأمين الحد الأدنى من المعيشة، لذلك وجد في البسطة وسيلة لتأمين لقمة العيش، فهي عند مدخل سوق شعبية تعج بالمواطنين القادمين من مختلف المناطق، كما أنها تغني عن دفع الإيجار أو الاشتراك والكهرباء.

بعد سنوات من العمل، يجد محمود نفسه عاطلاً من العمل، يقول فجأة ومن دون سابق إنذار، جاءت البلدية والقوى الأمنية بأعداد كبيرة مزودة بآليات ضخمة وجرافات وهدمت المحال التي تعتاش منها العائلات الفقيرة ومتوسطة الحال، ويشير إلى أنه عندما تقدم الدولة على خطوة كهذه عليها تقديم البديل، وتأمين فرص عمل للناس من أجل إزالة المخالفات لا أن تلجأ إلى جرف الأرزاق مباشرة.

يتحدث محمود عن الظروف التي دفعته إلى إقامة البسطة، بعد أن تعرض لإصابة خلال خدمته في معركة نهر البارد، وضع بسطة في المكان الذي كان يبيع به والده منذ 60 سنة لتأمين لقمة العيش بعرق الجبين.

يتساءل هل هذه المنطقة الوحيدة في لبنان التي توجد فيها مخالفات وفوضى؟ لماذا يطبق القانون فقط على الضعفاء؟ أين الدولة من الاعتداءات على الأملاك العامة البحرية ومن انتهاك حقوق الناس وتعويضات الموظفين والمودعين؟

 

القضاء على دورة اقتصادية

طوال نصف قرن من الزمن شكلت البسطات دورة اقتصادية متكاملة، وإزالتها المفاجأة شكلت ضربة للحركة الإنتاجية في منطقة الجسرين والزاهرية والتبانة في طرابلس، إذ انتقلت المنطقة في ليلة وضحاها من منطقة تعج بالزائرين والقاصدين من مختلف المناطق اللبنانية إلى منطقة شبه خاوية لا يأتيها إلا عابر طريق أو قادم ليتأمل المنطقة بعد إزالة المخالفات، أو أناس يحاولون البحث في ما تبقى من ملابس قديمة علهم يجدون قطعة ما.

في منطقة جسر أبو علي أزيلت نحو 300 بسطة، ولم يعد يوجد شيء إلا أطلال وهدمت عشرات المحال في منطقة البرانية وسوق القمح، مما شكل صدمة لكثير من المواطنين، فهي الملجأ لهم في ظل غلاء الأسعار ودولرة الاقتصاد.

يقول إبراهيم كنا نقصد تلك البسطات والمحال لشراء الملابس الأوروبية بأقل سعر ممكن، وكانت المنطقة تستقطب أناساً من المناطق كافة، حتى الأجانب كانوا يأتون للفرجة والاستكشاف، المنطقة مثال للسوق الشعبية التي يحب تجربتها كثيرون.

مخالفات مزمنة

يحمل أبو زكي أحد أصحاب المحال "رعاة البسطات" مسؤولية القرار الذي اتخذته الدولة والسلطة المحلية الممثلة بالبلدية والمحافظة فهم تمادوا بالمخالفات، وأصبحوا يتناحرون من أجل توسيع نطاق سيطرتهم. بعد تردد، قرر مواصلة الحديث، فهو صاحب محل ويخشى أن يتعرض لمضايقات، يقول إن أكثرية المحال والبسطات مخالفة، إذ يستأجرونها من نافذين بالمنطقة.

من جهته يتحدث أبو عمر صاحب مقهى تعرض للهدم أن المحل قائم منذ عقدين من الزمن وأقيم تحت مرأى من الدولة التي فجأة قررت النزول على الأرض بكامل قوتها، معتبراً أنه دمر شريان حيوي لطرابلس بين ليلة وضحاها، ولم يبق إلا ألواح الصفيح، إذ حرمت مئات الأسر من مورد دخلها، فهي عائلات تعتمد على الدخل اليومي.

من جهته يقول رئيس بلدية طرابلس رياض يمق لـ"اندبندنت عربية" إن سلسلة مخالفات دفعت إلى التعجيل بالقرار، إذ اتسع نطاق الإشكالات في منطقة البسطات، وانتشر الاتجار بالمخدرات والأعمال المنافية للآداب ليلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ويتحدث عن الظروف المحيطة في عملية كبح المخالفات، منطلقاً من أن من واجبات البلدية والقوى الأمنية كبح المخالفات وإزالتها في نطاق عملها.

ويشير إلى أنه في عام 2019 أصدرت البلدية قراراً بإزالة جميع المخالفات في طرابلس، وأنذرت المخالفين أن أوضاع البلد بدءاً بانطلاق الانتفاضة، ومن ثم الانهيار المالي وتراجع مؤسسات الدولة حال دون تنفيذه.

يضيف يمق "ليست البسطات هي المستهدفة من القرار، والهدف كان إزالة التعديات الواضحة على أرصفة المدينة".

مؤشر اقتصادي عميق

يعتبر انتشار البسطات في بلد ما مؤشراً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي ودلالة على انتشار الفقر، بحسب الباحث الاقتصادي أيمن عمر، الذي يعتبرها وسيلة من وسائل العيش لدى قطاع واسع من المواطنين.

يضيف عمر أن غض الطرف من الدولة عنها يعد بمثابة متنفس للفقراء من أجل تأمين مصدر دخل لهم، في ظل غياب قدرتها على توفير فرص عمل وخفض معدلات البطالة.

من هذا المنطلق يعد انتشار البسطات أمراً طبيعياً في دولة يجتمع فيها الانهيار المالي والاقتصادي، وغياب سلطة وهيبة الدولة والتفلت الأمني، لذلك ينبه إلى طابع هذه الظاهرة غير المدروس. وهي تأتي في وقت ينتشر فيه الاقتصاد الموازي خارج رقابة الدولة وقوانينها وأنظمتها، وحيث التهرب الضريبي السمة الأساسية لهذا الاقتصاد.

يتطرق الباحث إلى البيئة التي تنتشر فيها البسطات المخالفة في لبنان، إذ تنشأ في ظل ما يسمى مافيا البسطات التي تديرها شبكات منظمة، تقوم بتحديد مواقع انتشارها، والمنتجات المعروضة للبيع، وعادة ما تعرض المنتجات ذات النوعية والجودة المنخفضة وبأسعار رخيصة نسبياً.

 

يعتقد عمر أن لعملية إزالة البسطات وجهين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فمن ناحية الإيجابيات فهي تشي باسترجاع الدولة لممتلكاتها وأراضيها واستفادتها مباشرة من هذه الأصول لإدخال أموال لخزانة الدولة، وكذلك تعني فرض هيبة الدولة وعدم السماح لاحقاً لأي شخص بالتعدي على الأموال والممتلكات العامة للدولة.

يستدرك "لكن هذه العملية يجب أن تكون عادلة، وأن تطبقها الدولة على جميع أراضيها من دون استثناء ومن دون محاباة لطرف على حساب آخر"، إذ "هناك تعديات أهم وأخطر يجب العمل على إزالتها، منها أملاك وعقارات وأراضي الأوقاف، وكذلك تعديات أصحاب مولدات الكهرباء، والتعديات على الأملاك البحرية العامة، وتعديات بؤر الحديد وحرق الدواليب المسببة للسرطان وغيرها".

يشدد عمر على الجوانب السلبية الناجمة عن عملية الإزالة الشاملة للبسطات والمخالفات، إذ ذهب الصالح بجريرة الطالح، فعدد من الفقراء الذين لا دخل لعائلاتهم سوى هذه البسطات سيعانون البطالة وغياب مصدر رزقهم ومعيشتهم"، من هنا يطالب الدولة بتأمين البدائل لهذه الفئة بالذات، وتنظيم هذا القطاع بطريقة رسمية وعادلة.       

حلول بديلة؟       

في 2019 وضعت بلدية طرابلس خطة لمكافحة المخالفات على الأملاك العامة في أنحاء المدينة، ويؤكد رئيس بلدية طرابلس رياض يمق إصدار ضوابط هدم في حق البناء المخالف، ولم ينفذ في ظل الانفلات الأمني، منبهاً من أخطار الأبنية التي تراعي الشروط الهندسية على السلامة العامة وعلى حياة الناس.

ويجزم رئيس البلدية أن الحملة لا تستهدف البسطات، والبلدية منفتحة على إيجاد حلول تراعي الوضع الاقتصادي للمواطنين، وإقامة البسطات في أماكن غير مخالفة، ولا تعتدي على الأرصفة وحرية التنقل، متحدثاً عن تسريع عمليات الهدم بسبب مخاوف الانفلات الأمني.

في وقت تستمر عملية إزالة المخالفات، ظهرت التساؤلات عما إذا كانت ستتسع لتبلغ مرحلة هدم الأبنية التي شيدت على المال العام في فترة الانتخابات النيابية الأخيرة في مايو (أيار) 2022، التي حظيت بتغطية سياسية.

يجيب رئيس بلدية طرابلس بالقول، قبل إقامة هذه المخالفات، أرسلت البلدية إنذاراً بعدم الاستمرار فيها أو إتمامها نظراً إلى خطورتها وعدم تمتعها بالمواصفات الهندسية، إذ أقيم بعضها على مجاري النهر في أبي سمراء وهناك ضوابط هدم، ولكن لا نمتلك القدرة الكافية لهدمها، وفي حال وجد الجيش وجوب إزالتها نؤيد ذلك.

تابع كما أرسلنا إنذارات للمخالفات كافة على الأرصفة لإزالتها قبل العملية المستمرة، فالبلدية لا تمتلك قوة ضاربة لإزالة المخالفات كافة، وإنما تصبو لمد يد العون إليها من الدولة للمحافظة على البلاد وفتح الباب للاستثمارات.   

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات