Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انعكاسات سياسة تركيا تجاه اللاجئين على الهجمات الأخيرة

تطلب دمشق سحب أنقرة قواتها من مناطق الشمال كقاعدة رئيسة لانطلاق مفاوضات التطبيع

احتجاجات في الشمال السوري ضد التواجد التركي (اندبندنت تركية)

ملخص

بدا واضحاً جداً أن السوريين في تركيا مستهدفون سواء كانوا متمتعين بقانون الحماية الموقتة أو مهاجرين بصورة غير شرعية وجميع السوريين في تركيا يتابعون ما يجري من كثب ويهتمون بأدق التفاصيل ويعرفون أن الأمر ليس مجرد اعتداء مرة أو اثنتين وينتهي بهذه البساطة.

فجأة ومن دون سابق إنذار، في الأول من يوليو (تموز) الجاري، وقع حدث غير الأجندة التركية، ففي ولاية قيصري وسط البلاد، دمر عدد من أماكن العمل والمركبات المملوكة للسوريين خلال هذه التوترات. هذا الحدث وما تلاه بدا وكأنه انطلق بشكل عفوي عقب الادعاء بتعرض طفلة للتحرش من قبل شاب سوري، ثم أعطى انطباعاً بأنه كان مرتباً مسبقاً وجرى التحضير له.

حاولت الشرطة وسلطات إنفاذ القانون في تركيا إيقاف مئات المتظاهرين الذين رددوا شعارات "لا أريد لاجئين في بلدي"، تلا ذلك خروج مجموعات أخرى في ولاية غازي عينتاب في احتجاجات مصحوبة بـ"التكبير" ورفع الأعلام التركية، وحطموا محال وسيارات السوريين. وفي الوقت نفسه تعرض شاب سوري للطعن، قبل منع حدوث شجار وصراع جماعي محتمل من قبل جماعات مختلفة بالمدينة بين من يؤيد ويعارض وجود اللاجئين.

قيصري كانت البداية، ثم اندلعت التظاهرات في ولايات تركية عدة مثل إسطنبول وبورصة وهاتاي والريحانية وشانلي أورفا وغيرها.

ليست الحادثة الأولى

في عام 2019 حدثت اضطرابات مشابهة في منطقة ايكيتلي في إسطنبول، إذ جرى الاعتداء على ممتلكات ومحال السوريين، وإلحاق خسائر كبيرة بها. حينها اعتقلت السلطات التركية بعض المعتدين، وتعهدت الحكومة بتعويض المتضررين السوريين. واليوم بعد مرور خمس سنوات لم يحاسب أحد أو يعوض أحد.

في الواقع إن القضية لا تتعلق فقط بالاعتداء على ممتلكات السوريين، بل وصل الأمر إلى أن شباباً أثناء مرورهم في الحي رددوا، "هذا بيت سوريين" فيرشقونه بالحجارة وتكسير نوافذه، وهذا ليس له إلا اسم واحد وهو "الترهيب".

قبل أسبوع ذهب وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا إلى ولاية غازي عينتاب، وهناك التقى منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وأثار معها مسألة الهجرة تحت مسمى "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، لكن في الحقيقة فإن وزارة الداخلية ومديرية الهجرة تحول المهاجرين النظاميين إلى غير نظاميين. يتعرض اللاجئون للضرر حتى لو كانوا يتمتعون بوضع "الحماية الموقتة"، بسبب تصرفات مديرية الهجرة ووسائل الإعلام التركية، فأصبحت تلك الشريحة السورية في نظر المواطنين الأتراك عبارة عن إرهابيين ومثيري مشكلات، والمسؤول الرئيس عن ذلك هو دائرة الهجرة.

بينما أنتم تحاربون المهاجرين غير الشرعيين، من سيدافع عن حقوق الأشخاص النظاميين الذين يحملون تصاريح إقامة؟ وهل من واجب وزارة الداخلية ومديرية الهجرة ترحيل المهاجرين أم الدفاع عن حقوق المسجلين؟

قتلى بسلاح العنصرية

ما نوع الشجاعة التي يحتاج إليها هذا الشخص عندما يدمر سيارة يملكها سوري أمام الشرطة؟ يبدو الأمر وكأنه رسالة من السلطات التركية نفسها، "اذهب وافعل كل ما تريد فعله بالسوريين وبعد ذلك سنتدخل". كانت الشرطة تشاهد الأشخاص الذين اعتدوا على ممتلكات ومحلات ومنازل السوريين.

خلال السنوات الأربع الماضية، قتل 16 شخصاً في هجمات عنصرية، والحكومة هي المسؤول الوحيد عن ذلك، لكن من أكبر الأوبئة ما حصل في يوم صعب وحزين عندما خرج الرئيس رجب طيب أردوغان وقال "لقد أنفقنا 40 مليار دولار على السوريين". تصريح أردوغان هذا أثار ضجة بالفعل، فبدت الحكومة وكأنها حقاً أنفقت هذه المبالغ على السوريين في حين الوضع المعيشي للأتراك في حالته التي هي عليها الآن.

 

 

لم يقف الأمر عند هذا الحل، فعندما فاز أردوغان بالانتخابات الرئاسية الماضية، خرج من الشرفة وألقى خطاب الفوز، ومما قال فيه "سيعود مليون سوري إلى بلادهم"، وهذا أيضاً أثار ردود فعل مناهضة للسوريين داخل المجتمع التركي تجاوزت كل الحدود. لم يعد المواطن السوري مقبولاً، فإلى أين سترسل تركيا هؤلاء الناس؟ ألا تدرك الأوضاع الحالية في سوريا؟

تناقض بين مؤسسات الدولة

مديرية الهجرة التركية بدورها تقول "لا تذهبوا إلى مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، اذهبوا إلى الشمال السوري"، لكن وزير الدفاع التركي يشار غولر يقول "سيستمر جيشنا في البقاء في سوريا لأن حربنا ضد الإرهاب لا تزال مستمرة". والسؤال هنا إذا كان الرئيس ووزير الدفاع يعتبران الشمال السوري منطقة عمليات عسكرية، فكيف ترى مديرية الهجرة أن تلك المنطقة آمنة؟ أليس هذا تناقضاً واضحاً؟

السوريون في تركيا واضح جداً أنهم مستهدفون، سواء كانوا متمتعين بقانون الحماية الموقتة أو مهاجرين بصورة غير شرعية، وجميعهم يتابعون ما يجري من كثب ويهتمون بأدق التفاصيل، الأمر ليس مجرد اعتداء مرة أو اثنتين وينتهي بهذه البساطة، هناك من يمكن أن تستفزهم الإشاعات الكاذبة ويخرجون إلى الشوارع بأعداد كبيرة وينفذون أعمالاً وحشية، وينهبون ويسرقون ويعتدون على المنازل والمحال التجارية، ولدينا أمثلة سابقة على ذلك:

في السادس والسابع من سبتمبر (أيلول) 1955، ونتيجة لكذبة انتشرت تقول إنه تم "قصف منزل أتاتورك في سالونيك"، نزل الغوغاء من الأتراك إلى شوارع إسطنبول حاملين الأعلام ويصيحون بالتكبيرات، ودمروا ونهبوا ممتلكات الأرمن وغيرهم من غير المسلمين، بخاصة اليونانيون، وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل ما يقارب 15 شخصاً وإصابة 300 آخرين.

في الـ14 من فبراير (شباط) 1969 بعد صلاة الجمعة أقيمت مسيرة "احترام العلم" بقيادة جمعية مناهضة الشيوعية والاتحاد الوطني للطلبة الأتراك، الذي كان تحت سيطرة اليمين، وفي هذا التجمع أعلن عن أن الحرب بدأت ضد الشيوعيين، ودعي الجمهور إلى التجمع لتلقين الشيوعيين الدرس اللازم في مسيرة الأسطول السادس الاحتجاجية التي ستعقد بعد يومين من هذا التاريخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الـ16 من فبراير 1969 اندلعت أحداث في ميدان تقسيم بإسطنبول عندما تجمعت 76 منظمة شبابية للاحتجاج على الأسطول السادس الأميركي. عرفت الأحداث التي قتل فيها طالبان وجرح المئات فيما بعد باسم "الأحد الدامي"، وفي إزمير وطرابزون أصيب 130 شخصاً، نتيجة الهجوم الذي شنته جماعات يمينية خلال الاحتجاجات ضد الأسطول السادس. ووصف الأكاديمي الهندي الأميركي فيروز أحمد هذه الحادثة بأنها "مثال على العنف الفاشي المنظم".

في الثامن من يوليو 1969 تمت محاولة حرق 800 مثقف، بينهم أعضاء في نقابة المعلمين الأتراك، في سينما علمدار قيصري، لكنهم نجوا بأعجوبة.

في الفترة ما بين الـ19 والـ26 من ديسمبر (كانون الأول) 1978 انتشرت شائعة تقول إنه تم "تدمير مسجد في مدينة مرعش"، تسببت هذه الإشاعة بارتكاب مذبحة بحق العلويين الأكراد واليساريين، استمر القتل لسبعة أيام. وتقول الإحصاءات إنه قتل 111 شخصاً، واحترق 559 منزلاً، ودمر 290 محلاً تجارياً ومكان عمل.

في الثاني من يوليو 1993 ارتكبت "مذبحة سيواس"، التي بدأت بإحراق فندق ماديماك من قبل جماعة إسلامية متطرفة خلال مهرجان "بير سلطان العبد" الذي أقيم في الولاية، وأسفرت العملية عن 33 قتيلاً معظمهم من الكتاب والشعراء والمفكرين العلويين واثنين من موظفي الفندق، معظم القتلى سقطوا بالحرق أو الاختناق بالدخان، هذا الحدث يعد بقعة سوداء في تاريخنا الحديث.

في ما يتعلق بهذه المذبحة سبق أن قال ضابط شرطة كان موجوداً أثناء الحادثة، لأحد أعضاء البرلمان من حزب الشعب الجمهوري "لقد كنا على علم بالحادثة، ومع ذلك لم يكن هناك أي تدخل لمعرفة إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الأمر".

ما يمكن فهمه من خلال الأمثلة المذكورة أعلاه هو أنه على رغم أن الأحداث التي جرت كانت إما نتيجة ترتيب القوى العميقة أو بدأت بصورة عفوية، فإنه من الواضح أنها كانت موجهة من قبل بعض التركيزات، والقضية في قيصري ليست من القضايا القضائية العادية مثل اغتصاب الأطفال. والسؤال هو: كيف تحرك الأشخاص الذين لم يعترضوا على عشرات الانتهاكات ضد الأطفال التي تحدث في المنظمات والمؤسسات الدينية لسنوات من أجل "حفظ الشرف"؟

بعيداً من كل هذا، من المعروف أن الفريق السياسي الأيديولوجي الذي يتحكم في الأحداث في الداخل والخارج هو نفسه من حرض على الحرب في سوريا، وحاول الحصول على أقصى استفادة سياسية من تدفق اللاجئين.

من جانب آخر سمح لمختلف العصابات والمسلحين وغير المسلحين الذين لا يتناسبون مع وضع ضحايا الحرب وهربوا من الجبال بعبور الحدود من دون إظهار هوياتهم، ولهذا اختلط "مسار الحصان بمسار الكلاب"، فتمكنت بعض الأيدي والجماعات المظلمة من استخدام الأشخاص من هذه الشريحة كقتلة محترفين أو تجار بشر أو مستفيدين من الحرب، وتمكن الإرهابيون والمرتزقة من جميع أنحاء العالم الذين توافدوا إلى البلاد من الاتجاه المعاكس من العمل كأمراء حدود مستقلين في مناطق حرة أو تتمتع بالحكم الذاتي على طول الحدود.

صراع قريب محتمل

بالعودة إلى وضع السوريين في تركيا، فعلى رغم أن الوضع قد هدأ حالياً، فإن الصراع بين اللاجئين والسكان الأصليين يعد إحدى قضايا الصراع المحتملة في تركيا، ومن الممكن أيضاً أن يؤثر هذا الصراع في مستويات مختلفة من الحكومة، كما أن الذين يعارضون هجوم المجموعة القومية المحافظة بخطاب الكراهية ضد الأجانب، بخاصة اللاجئون السوريون، هم بصورة عامة دوائر ديمقراطية وتقدمية ويسارية تعمل على أساس حقوق الإنسان، وأصبحت أوساط حزب الشعب الجمهوري والكمالية، "التي لا تعد ديمقراطية اشتراكية بل تسمى كذلك"، متوهمة في شأن هذه القضية وتتبنى موقفاً متفائلاً وأحياناً متردداً تجاه طرد الأجانب.

البعد الآخر لهذه القضية هي أنها تحركت إلى خارج حدود تركيا، فتزامناً مع أحداث قيصري خرجت احتجاجات وحصلت أعمال عنف في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش التركي، إذ خرجت تظاهرات واسعة في مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريفي حلب وإدلب، تنديداً بما حصل للسوريين في تركيا، وتم الاعتداء على مصالح أنقرة هناك.

بعض المتابعين للشأن رأوا أن ما جرى هدفه في الحقيقة منع التقارب بين تركيا والنظام السوري. وقبل أحداث قيصري فإن ما يسمى "المجلس الإسلامي السوري" الذي أسس في إسطنبول 2014 ويعد بديلاً من وزارة الأوقاف السورية، رفض التقارب بين أنقرة ودمشق، وأصدر بياناً ورد فيه "أسباب ومبررات الثورة التي انطلقت ضد النظام لم تتغير، ولا يمكننا إضفاء الشرعية للنظام بناءً على مصالح الدول الأخرى".

في الواقع إن بيان "المجلس الإسلامي السوري" يعبر أيضاً عن مخاوف ما يقارب 100 ألف عنصر من "الجيش الوطني" الذي تدعمه تركيا في الشمال السوري، إذ إن أردوغان نفسه يطلق على قوات المعارضة اسم "الجيش الوطني"، لكنه - أردوغان - في حال حصلت مصالحة بينه وبين بشار الأسد سيتخلى عن هؤلاء، على رغم أنهم قاتلوا معه في عمليات عسكرية عدة ضد حزب العمال الكردستاني في شمال وشمال شرقي سوريا.

الاستخبارات التركية هددت بـ"القيام باللازم"

بعد يوم من أحداث الشمال السوري، اجتمع بعض مسؤولي الاستخبارات العسكرية والمدنية التركية مع قادة الفصائل المحلية هناك وهددوهم بصورة جدية بـ"وقف مثل هذه الأحداث وإلا سيتم اتخاذ الإجراء اللازم". كما حددوا هوية المعتدين على العلم التركي والمنشآت التركية وجرى اعتقالهم.

لكن هناك مسألة أخرى مهمة مثيرة للشكوك، عندما خرجت التظاهرات في الشمال السوري ضد تركيا أعلن ما يسمى "مجلس سوريا الديمقراطية" التابع لـ"قسد" دعمه لهذه التظاهرات وأطلق عليها اسم "الانتفاضة"، ودعا إلى التعاون مع هؤلاء في حال تخلت أنقرة عنهم وصالحت الأسد.

 

 

خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال أردوغان إن "أنقرة مستعدة للتعاون من أجل التوصل إلى حل في سوريا، وإن تركيا عازمة على عدم السماح بنشوء كيان إرهابي قرب حدودها".

بعد هذا، وتحديداً في الثالث من يوليو الجاري، استخدم بشار الأسد لهجة دبلوماسية أكثر ليونة بدلاً من اتخاذ موقف صارم، فقال "نحن منفتحون على المحادثات السورية - التركية ما دامت أنقرة تعترف بسيادة الدولة السورية على كامل أراضيها"، فيما كانت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري أكثر وضوحاً حينما كتبت "على تركيا أن تتوقف عن دعم المعارضة المسلحة التي تحميها في إدلب والمناطق الحدودية". وتابعت: "في إطار الاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه، على تركيا سحب جنودها من المناطق التي تسيطر عليها في سوريا".

مبادرة عراقية بعيدة

على الخط نفسه تزايد الحديث أخيراً عن مبادرة الحكومة العراقية، التي يبدو أن إيران تدعمها، تقوم على لقاء سوري - تركي في بغداد، لكن هذه المبادرة تترك انطباعاً بأنها تسير في اتجاه مختلف. على سبيل المثال، قالت الصحيفة السورية نفسها "يتوقع الجانب السوري من تركيا أن تتعهد علناً بسحب جنودها من الأراضي التي سيطرت عليها حتى الآن، وسحب دعمها الميليشيات التي تحت حمايتها".

وعلى ما يبدو هذه ليست شروطاً مسبقة بل هي القاعدة الأساسية لأي محادثات، وأيضاً قالت الصحيفة ذاتها إن "الظروف لم تنضج بعد"، فيما لم يحدد موعد اللقاء بصورة نهائية، وهذا يعني أن الطريق متعرج وطويل، والعملية مرهونة بمتغيرات التطورات الجيوسياسية.

على سبيل الكوميديا السوداء، كان هناك سؤال على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يقول "ماذا يفعل السوريون في تركيا؟"، ليجيب آخر عن هذا السؤال بالقول "ماذا تفعل تركيا في سوريا"، ربما يكمن جوهر الحل هنا.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت" التركية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل