ملخص
عشية انطلاق الألعاب الأولمبية في فرنسا، صدر كتاب للباحث الفرنسي لويس شوفيلييه بعنوان "الألعاب الأولمبية للأدب"، يتناول فيه العلاقة التي طالما جمعت بين الرياضيين والكتاب في العالم.
يقوم النسق الفكري الذي يجمع بين الرياضة والأدب على اعتبار كليهما نشاطاً إنسانياً ثقافياً، ينعكس في شكل جلي على الجسد والروح، لكون كليهما، وبأسلوب مختلف، قادراً على التعبير عن مشاعر الإنسان في احتدامها وشتى تناقضاتها، بين ذرى الفرح والألم والعزة والانكسار والبهجة والخيبة، فكما ترفع الرياضة والحماسة معدلات الأدرينالين في الجسم، فإن الكتابة كما يُدرك الكتاب والشعراء، تحملهم محلقين في نشوة الإبداع.
عام 1924 في باريس كان الأدب يحضر جنباً إلى جنب مع الرياضة، مشاركاً في الألعاب الأولمبية، كما ذكر الكاتب لويس شوفيلييه في كتابه "الألعاب الأولمبية للأدب" الصادر حديثا عن دار غراسيه الفرنسية. إنها مغامرة مذهلة عن العلاقة بين الرياضة والإبداع، وكتاب للفضوليين في شأن الرياضة والأدب وما بينهما من صلات، مما يجعل القارئ راغباً في إعادة اكتشاف أعمال أدبية تناولها عليها المؤلف.
ويضيء الكتاب الجهود التي بذلت لربط الفن والرياضة من خلال استكشاف أبعاد مختلفة للعلاقة المعقدة بينهما، وهو ما يوفر فهماً أفضل لكيفية تأثير هذه المسابقات الأولمبية في التطور الثقافي والفني خلال فترة مهمة في تاريخ الرياضة والفن، منذ ضم الأولمبياد الفنية إلى الألعاب الصيفية من عام 1912 إلى عام 1948، بمبادرة من البارون بيير دي كوبرتان، ولكن هذه المسابقات لم تحقق النجاح المتوقع لها. والأعمال الأدبية المشاركة لم تكن تزيد على 100 صفحة وبعضها غير منشور، وبعضها الآخر صدر حديثاً، وكان الفائزون في مسابقات الفن والأدب يحصلون على ميداليات أولمبية على غرار الرياضيين.
دور الأدب
كان دي كوبرتان الذي توفي عام 1937 يأمل في تعزيز دور الكُتاب والفنانين في مجال الرياضة كشيء مقدس، ويؤكد الروابط التقليدية بين العقل والجسد، فالبارون نفسه كان لاعباً بارزاً في الرماية ومؤلفاً لرواية أصدرها باسم مستعار. ويسرد الكتاب قصة هذه المسابقات والميداليات التي حصل عليها الفائزون، مما يعمق في تاريخ الرياضة خلال العقود العشرينية حين أصبحت موضوعاً سياسياً يجمع بين الديمقراطية والديكتاتورية، إذ تُستخدم الأحداث الرياضية الكبرى لتعزيز الهوية الوطنية وإظهار القوة والتفوق، وفي الوقت نفسه يمكن للأحداث الرياضية أن تكون منبراً للتعبير عن الحريات الفردية والتنوع، مما يعكس القيم الديمقراطية.
في دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 1924 عُينت لجان تحكيم مشهورة تضم شخصيات أدبية مثل الفائزين بـ "جائزة نوبل"، الشاعر موريس ميترلينك والكاتبة سلمى لاغريلوف، إضافة إلى الشاعر الإيطالي غابرييل دانونزيو والروائية الأميركية إديث وارتون والشاعر بول فاليري، لكن لم تعكس جودة اللجنة بالضرورة جودة المشاركين في فرع الآداب والفنون، ولم تستمر هذه المبادرة بعد عام 1948، إذ كان أعضاء لجان التحكيم أكثر شهرة من الفائزين بالميداليات الذهبية، فمثلاً لا يتذكر أحد جيو شارل الفائز بالميدالية الذهبية عام 1924 في المسابقة الأدبية عن عمله الذي حمل عنوان "الألعاب الأولمبية"، وهي مسرحية تجمع بين الرقص والشعر والموسيقى، فلقد حقق جيو لحظات من الشهرة قبل أن يتلاشى في غياهب النسيان، مثله مثل كثير من الفائزين الآخرين.
يقول المؤلف "منذ عام 1908 ساورت بيير كوبرتان رغبة في إضافة خمسة فروع إلى الأولمبياد، وهي العمارة والنحت والرسم والأدب والموسيقى، لكنه واجه صعوبات، لذا أُجريت المسابقات من عام 1912 إلى 1948، وفي كل مرة كان هناك عدد من الفنانين الذين قدموا أعمالاً ترتبط دائماً بالمثل الأعلى الرياضي أو بالفكرة الرياضية، وفي هذا السياق يمكن أن نفهم بسهولة ما يمكن أن تقدمه مثل هذه المنافسات للنحت أو الأدب، لكن بالنسبة إلى الموسيقى بمقدار أقل بكثير".
غياب الكاتبات
لم يكن معروفاً عن البارون بيير دي كوبيرتان أية مواقف شخصية أو آراء عنصرية معادية للرياضات النسائية، ومع ذلك لم يكن هناك حضور بارز لأسماء نسائية لها إسهامات في الرياضة والأدب، وعلى وجه الدقة كان يُنظر إلى الألعاب الأولمبية على أنها مناسبة للرجال، ولم تتمتع النساء بالفرص المتاحة للرجل في التنافس والمشاركة.
وصحيح أنه بمرور الزمن تحسنت المشاركة النسائية تدريجاً لكنها استمرت في مواجهة تحديات كبيرة في الحصول على الدعم والاعتراف بسبب عوامل اجتماعية وثقافية حكمت تلك المرحلة، ولم تُقبل النساء رسمياً كمشاركات في الأولمبياد حتى العقد الثالث من القرن الـ 20، ثم بدأن يشاركن في أنشطة رياضية في الألعاب الأولمبية بصفة غير رسمية منذ بداية القرن الـ 20، ولقد كان وضع المرأة في الألعاب الأولمبية يعكس التحولات الاجتماعية والثقافية في تلك المرحلة.
ومع مرور الوقت تزايدت المشاركة النسائية تدريجاً وبدأت تتوسع في مختلف الألعاب الرياضية، ففي عام 1928 تمكنت النساء من المشاركة في الألعاب الأولمبية الصيفية بمجموعة واسعة من الرياضات مثل الجمباز والسباحة والتنس، على رغم أن بعض الرياضات ظلت محدودة للرجال فقط بسبب وجود قيود اجتماعية وثقافية في بعض البلدان، إضافة إلى تفضيل الاهتمام الإعلامي والاستثمارات في الرياضات التي يشارك فيها الرجال أكثر من النساء.
العصر الحالي
في بعض الحالات يمكن للرياضة أن تكون رفيقاً للإبداع الأدبي إذ تربط بين الجسد والروح في توازن مثالي، وتتجلى في الزمن الحالي علاقة وطيدة ومتنامية بين الرياضة والأدب، إذ لا تقتصر الرياضة على كونها مصدر إلهام للكتّاب وحسب، بل تتحول أيضاً إلى موضوع محوري في كثير من الأعمال الأدبية التي تستكشف أبعاد التحمل البدني والروح الرياضية والصراعات النفسية. فاندماج الرياضة مع الأدب يضفي على النصوص حيوية تعكس تجارب حية ومعايشات شخصية للكتّاب. ويبرز من بين هؤلاء الأدباء الكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي الذي شارك في ماراثونات ولقبه "الروائي العدّاء"، وفي كتابه "عن ماذا أتحدث عندما أتحدث عن الجري"، يشارك موراكامي تجربته الشخصية مع الجري وكيفية تأثيرها في أعماله الأدبية، إذ يربط بين الإيقاع الرياضي وإيقاع الكتابة. الكاتب الأميركي جون إيرفنغ كان مصارعاً متحمساً في شبابه، وتجربة المصارعة كان لها تأثير كبير في حياته وكتاباته، وكثيراً ما تظهر المصارعة كموضوع أو كرمز في أعماله مما يعكس طبيعة التحدي والانضباط الذاتي الذي تعلمه من هذه الرياضة، وقد كتب عن علاقته مع هذه الرياضة في كتابه "محاولة إنقاذ حياة بيتر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبرز عدد من الأدباء الذين وجدوا في الرياضة مصدر إلهام وتجدد، فالكاتب الأميركي الشهير والمشجع المتحمس لفريق "بوسطن ريد سوكس"، ستيفن كينغ، نقل حبه للبيسبول إلى صفحات رواياته، ونورمان ميلر الذي تألق كملاكم هاوٍ استلهم من حلبات الملاكمة قصصاً عن القوة والتحدي، والكاتبة جويس كارول أوتس تحكي عن عشقها للركض وكيف تجد فيه وسيلة للتعبير عن قواها الداخلية، أما مارغريت أتوود برشاقتها في ملاعب التنس فتنقل للقراء شغفها بالرياضة في كلمات ملهمة.
عربياً من المعروف عن الكاتب نجيب محفوظ أنه كان يمارس رياضة كرة القدم في شبابه، وقد عبر عن عشقه لهذه الرياضة قائلاً "قد لا يصدق أحد أنني كنت في يوم من الأيام كابتن في كرة القدم، واستمر عشقي لها نحو 10 أعوام متصلة أثناء دراستي في المرحلتين الابتدائية والثانوية، ولم يأخذني منها سوى الأدب، ولو كنت داومت على ممارستها فلربما أصبحت نجماً من نجومها البارزين". أما الشاعر محمود درويش فقد كان معجباً بأداء اللاعب الأرجنتيني مارادونا حين أصاب في كأس العالم عام 1986 ثلاثة أهداف دفعت بالكأس إلى حضن بلاده، وعبّر درويش عن إعجابه بالحدث في قصيدته المشهورة بعنوان: "مارادونا... لن تجدوا دماً في عروقه بل صواريخ".
كذلك الكاتبة المصرية هالة البدري كانت في شبابها بطلة سباحة، وألقت هذه التجربة ظلالها على روايتها "السباحة في قمقم"، إذ تتناول الرواية قصة الراوية التي تعبّر عن مشاعر فتاة تمارس السباحة منذ طفولتها وتصل إلى نيل جوائز كبيرة في مسابقاتها، وبالتوازي مع هذا تتوقف الرواية على أحداث نكسة 1967 وصولاً إلى نصر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، وتبدو فكرة السباحة خلال السرد محاولة قصوى للوصول إلى الخبايا الاجتماعية في المجتمع المصري ضمن علاقته مع جسد المرأة.