ملخص
لا يدخل في اختصاص محكمة العدل الدولية محاكمة الأفراد إنما مجرد تسوية النزاع بين الدول ولو أنها تؤدي إلى التأثير في الرؤساء في حال تبين أن الدولة تنتهك القانون الدولي تحت قيادة هذا الرئيس.
تختلف عملية ومراحل وقوانين محاكمة الرؤساء الحاليين والسابقين بشكل كبير بين الدول، وتحددها بشكل أساس القوانين الدولية والوطنية والأسباب التي توجب محاكمة الرئيس ونوع الجريمة التي ارتكبها التي قد تكون مجرد مخالفة أو جنحة أو جناية، وقد تكون ترتبط بحياته الشخصية أو بعمله كرئيس، وقد تقع على شخص أو جماعة من الأشخاص أو جريمة ضد الإنسانية ارتكبها بسبب السلطة التي يمنحها له منصبه. ولكل نوع من هذه الجرائم التي يرتكبها الرئيس طرق المحاكمة التي يجب اتباعها.
الجنائية والعدل الدولية والمحاكم الوطنية
بداية يمكن محاكمة رؤساء الدول أمام المحكمة الجنائية الدولية، كمحاكمة عمر البشير الرئيس السوداني المخلوع في عام 2019، الذي وجهت له الجنائية الدولية تهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع في دارفور، ولم يعتقل على رغم خلعه من منصبه بعد ثورة السودانيين.
هناك أيضاً رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور الذي دين بالتواطؤ بارتكاب جرائم حرب وجرائم أخرى ضد الإنسانية في الحرب الأهلية في دولة سيراليون المجاورة. ولا يتعدى اختصاص المحكمة الجنائية الدول الأعضاء أو القضايا التي يحيلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا في حالات استثنائية يتم فيها إنشاء محكمة خاصة داخل المحكمة الجنائية الدولية، كتلك التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1993 لمحاكمة سلوبودان ميلوسوفيتش تحت اسم "المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة".
اعتقل ميلوسوفيتش في عام 2001 بعد إطاحته من الحكم، ووجهت إليه تهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب خلال النزاع في البوسنة وكوسوفو، والتورط في عمليات إبادة جماعية. وبدأت محاكمته في عام 2002، واستمرت حتى 2006. ومثل ميلوسوفيتش بنفسه أمام المحكمة ما جعل مسيرة المحاكمة معقدة بسبب دفاعه الخاص عن نفسه كمجرم وكشاهد. وتوفي ميلوسوفيتش في 11 مارس (آذار) 2006، قبل صدور الحكم النهائي، مما أدى إلى إنهاء المحاكمة من دون الوصول إلى قرار نهائي. وكانت هذه المحاكمة سابقة تاريخية، لكونها أول محاكمة لرئيس دولة سابق أمام محكمة دولية بعد الحرب العالمية الثانية.
ولا بد من تصحيح بعد المفاهيم في هذا المقام، إذ يخلط كثيرون بين أدوار المحكمة الجنائية ومحكمة العدل التي لا تدخل في اختصاصها محاكمة الأفراد بل تسوية النزاع بين الدول، ولو أنها تؤدي إلى التأثير في الرؤساء في حال تبين أن الدولة تنتهك القانون الدولي تحت قيادة هذا الرئيس.
في معظم الحالات التي تمت فيها محاكمة رؤساء سابقين أو حاليين جرى الاستناد إلى القوانين الوطنية في الدولة المعنية، وفي معظم دساتير دول العالم هناك مواد تنص على الحالات التي تتم فيها محاكمة الرؤساء والسياسيين وأنواع المحاكم والمواد القانونية التي يجب اعتمادها. وهناك الكثير من الدول التي تحدد لجنة معينة لمحاكمة الرؤساء والوزراء وتتألف من وزير العدل وعدد من النواب أو البرلمانيين والقضاة ورجال القانون الذين يتم تعيينهم لأجل هذا العمل تحديداً. وهناك بعض الدول التي تمنح البرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشيوخ مجتمعاً حق محاكمة الرؤساء والمسؤولين الحكوميين عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء أداءهم وظيفتهم، وبالطبع فإن للبرلمان في جميع الدول ذات النظام البرلماني حق عزل وإقالة الرئيس في حالات معينة.
المثال في الولايات المتحدة يمكن إقالة الرئيس من قبل مجلس النواب ومحاكمته من قبل مجلس الشيوخ بسبب ارتكابه جرائم الخيانة العظمى أو الرشوة أو مخالفة الدستور أو إعطاء أوامر أدت إلى ارتكاب جرائم ذات تصنيف معين، ولو بشكل غير مباشر. ويعرف العالم أجمع المحاكمات التي تلاحق الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي إلى الرئاسة دونالد ترمب. ولا أحد يعرف بالضبط ما ستنتهي إليه أول محاكمة جنائية لرئيس أميركي سابق في التاريخ، بعد توجيه عشرات التهم إليه وكان أخطرها التهرب الضريبي والكذب بخصوص وثائق رسمية وحول دفعه 130 ألف دولار لممثلة أفلام إباحية نظير سكوتها عن علاقة جنسية معه عام 2016، حين قرر خوض الانتخابات الرئاسية التي فاز بها.
وعلى رغم احتدام السباق الرئاسي قبيل أشهر قليلة على الانتخابات الأميركية التي أظهرت مدى الانقسام الذي يعيشه المجتمع فإن محاكمة ترمب لم تتوقف بعد. ويقال إن بعض التهم الموجهة إليه قد تودي به إلى السجن في حال عدم فوزه بمنصب الرئيس، أو بعد انتهاء ولايته في حال فوزه بالمنصب، سواء بعد أربع سنوات من الحكم أو بعد ثماني سنوات في حال إعادة انتخابه في عام 2028 لولاية ثانية متتالية، والثالثة في الرئاسة الأميركية.
في العالم العربي أيضاً تتم محاكمة الرؤساء
يحاكم الرؤساء في الدول العربية بسبب مجموعة من الجرائم تشمل الفساد والخيانة العظمى وانتهاكات حقوق الإنسان واستغلال السلطة. وتختلف الإجراءات والجهات المخولة بإجراء هذه المحاكمات من بلد إلى آخر.
في مصر يمكن محاكمة الرئيس أمام المحكمة الدستورية العليا، بعد موافقة البرلمان بغالبية ثلثي أعضائه على توجيه التهم. وبعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 حوكم الرئيس الأسبق حسني مبارك بتهم تتعلق بالفساد وعمليات قتل المتظاهرين التي وقعت في ميدان التحرير أو ما سمي إعلامياً آنذاك "موقعة الجمل". وفي يونيو (حزيران) 2012 حكم عليه بالسجن المؤبد، لكن تمت تبرئته لاحقاً في بعض القضايا وأعيدت المحاكمة في قضايا أخرى إلى أن أخلي سبيله بسبب مرضه وسنه ليتوفى بعد وقت قصير.
وجرت محاكمة رئيس وزرائه أحمد نظيف في المرحلة نفسها بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ، وحكم عليه بالسجن لمدة طويلة، قبل أن يبرأ من معظم التهم في مرحلة لاحقة.
وبعد إسقاط حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي جرت محاكمته بعد إطاحته في عام 2013 بتهم تتعلق بالتخابر والتحريض على العنف. وحكم عليه بالسجن في عدة قضايا، وتوفي أثناء محاكمته في 2019.
أما في لبنان، فتشمل الجرائم التي يمكن محاكمة الرئيس عليها، الخيانة العظمى وانتهاك الدستور وسوء استخدام السلطة، بعد توجيه مجلس النواب التهم إليه، وتجري محاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ولا توجد أمثلة معروفة لرئيس لبناني تمت محاكمته بسبب تعقيدات النظام السياسي اللبناني القائم على التوافق بين الجماعات التي تؤلف الشعب اللبناني.
في تونس يحاكم الرئيس أمام المحكمة الدستورية. وحوكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بعد ثورة الياسمين في 2011 التي كانت الشرارة التي أطلقت نيران الانتفاضات الشعبية في معظم دول العالم العربي. وتمكن بن علي من مغادرة تونس رفقة عائلته إلى أن توفي. وحوكم غيابياً أمام المحاكم التونسية بتهم متعددة، منها الفساد وإساءة استخدام السلطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في الجزائر، يحاكم الرؤساء أمام المجلس الدستوري بعد توجيه التهم من قبل البرلمان، ولم يحاكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، لكنه استقال في أبريل (نيسان) 2019 بعد ضغوط شعبية وتظاهرات واسعة.
بعد استقالته، جرى التحقيق مع العديد من كبار المسؤولين في عهده وتقديمهم للمحاكمة بتهم الفساد، ومنهم أحمد أويحيى رئيس الوزراء الأسبق بتهم الفساد والرشوة وحكم عليه بالسجن لمدة طويلة مع مصادرة أمواله. وكذلك حوكم رئيس الوزراء الأسبق عبدالمالك سلال بتهم الفساد وحكم عليه بالسجن.
في العراق يحاكم الرؤساء أمام المحكمة الاتحادية العليا. وحوكم الرئيس الراحل صدام حسين بعد الغزو الأميركي في عام 2003، بعد اعتقاله ومحاكمته بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية، ثم حكم عليه بالإعدام وتم تنفيذ الحكم في ديسمبر (كانون الأول) 2006. ووجهت اتهامات بالفساد لرؤساء وزراء كثر في عراق ما بعد الغزو الأميركي وسقوط صدام، ومنهم نوري المالكي وقبله أحمد الجلبي وغيرهما، إلا أن هذه التهم لم تتحول إلى محاكمات على رغم انتشار الفساد المالي بشكل مشهود في هذا البلد النفطي. وشكل النظام السياسي العراقي الجديد والأقرب إلى "اللبننة" وسيلة لمنع محاكمة المسؤولين الفاسدين بسبب التوازنات الدقيقة التي يقوم عليها.
ثم في دولة إسرائيل التي يعتبرها الغرب واحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات العربية يعود إلى الكنيست توجيه التهم لرؤساء الدولة ولرؤساء الحكومة، وتتم محاكمة الرئيس أمام المحكمة العليا.
هناك سوابق إسرائيلية في مثل هذه المحاكمات مع موشيه كتساف الرئيس الإسرائيلي السابق، الذي حوكم بتهم تتعلق بالتحرش الجنسي والاغتصاب خلال فترة رئاسته. وفي عام 2011، حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات وأطلق سراحه في 2016، بعد قضاء خمس سنوات في السجن.
وخضع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت للمحاكمة بتهم الفساد والرشوة. وفي عام 2014 حكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات وتم تخفيف العقوبة لاحقاً إلى 18 شهراً، وأطلق سراحه بعد قضاء جزء من العقوبة.
ويواجه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الحالي، تهماً بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة، وبدأت إجراءات محاكمته في عام 2020، وما زالت مستمرة حتى اليوم. وينتظر الجميع انتهاء حرب غزة كي تستأنف محاكمته لتصدر المحكمة حكمها بحقه. ويتهمه سياسيون كثر في إسرائيل وخارجها وعلى رأسهم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن بإطالة معارك القطاع، حرصاً على مصلحة شخصية تهرباً من العقوبة المتوقعة بعد صدور الحكم بحقه.
المحاكم الأوروبية والاتهامات في دول العالم الأول
في الدول الأوروبية، تختلف الجهات المخولة بمحاكمة المسؤولين من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات، وتتباين الإجراءات المتبعة من دولة إلى أخرى بحسب القوانين الوضعية والمدنية. ففي فرنسا على سبيل المثال يحاكم الرئيس على جرائم الفساد والخيانة العظمى وانتهاك الدستور وإساءة استخدام السلطة من قبل محكمة العدل العليا، بعد موافقة الجمعية الوطنية (البرلمان)، أما رئيس الوزراء فيخضع للمحاكمة أمام المحاكم العادية. ومن هذه المحاكمات المعروفة محاكمة الرئيس الراحل جاك شيراك في عام 2011 بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ خلال فترة توليه منصب عمدة باريس. وفي 2011، حكم عليه بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ. وفي عام 2021 تمت محاكمة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أيضاً بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ في عدة قضايا، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، واحدة منها مع التنفيذ وسنتان مع وقف التنفيذ.
بالانتقال إلى إيطاليا فإنه يمكن لمحكمة الدولة محاكمة الرئيس ورئيس الوزراء بعد موافقة البرلمان. وسبق وحوكم الرئيس الراحل سيلفيو برلوسكوني في عام 2013 في عدة قضايا تتعلق بالفساد والتهرب الضريبي. وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة التهرب الضريبي ثم خففت العقوبة إلى سنة من الخدمة العامة.
أما في ألمانيا، تعود صلاحيات محاكمة المستشار الألماني وهو بمثابة رئيس الدولة إلى المحكمة الدستورية. وجرت في عام 2012 محاكمة الرئيس السابق كريستيان فولف، ووجهت إليه تهم الفساد، لكن تمت تبرئته في 2014 بعد محاكمة قصيرة.
ولم تجر في المملكة المتحدة محاكمة أحد من أفراد الأسرة المالكة أو أي رئيس وزراء بريطاني، لكن صلاحية محاكمتهم قانونياً تعود إلى البرلمان والمحاكم العادية.
في إسبانيا جرى في عام 2018 إسقاط حكومة ماريانو راخوي بعد فضيحة فساد كبيرة أدت إلى تصويت بحجب الثقة عنها، إلا أنه لم تجر أي حاكمة لرئيس الحكومة أو أي من أعضائها بسبب هذه الفضيحة.
القارة السمراء
في القارة الأفريقية جرت محاكمات كثيرة لرؤساء دول ولمسؤولين كبار فيها وبعضها جرى تنفيذها، ومعظمها تدور حول تهم بالفساد أو بجرائم ضد الإنسانية، وهما الجريمتان الأكثر انتشاراً في القارة السمراء. على سبيل المثال، جرى في جنوب أفريقيا محاكمة الرئيس السابق جاكوب زوما بتهم الفساد وغسل الأموال والاحتيال بسبب صفقات الأسلحة التي جرت بشكل مخالف للقانون واستفاد منها شخصياً مستخدماً السلطات الممنوحة له. استمرت المحاكمات والإجراءات القانونية لسنوات طويلة، وفي النهاية صدر حكم ضده في عام 2021 بالسجن لمدة 15 شهراً بتهمة ازدراء المحكمة لعدم تعاونه مع التحقيقات.
في زيمبابوي الدولة الفقيرة التي خضعت لحكم طويل ومستبد من قبل رئيسها روبرت موغابي، الذي اتهم في قضايا مختلفة تدور حول الفساد وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلا أنه لم يحاكم رسمياً وأطيح بعد انقلاب عسكري في عام 2017. وفي كينيا الدولة الأفريقية الأقرب إلى الديمقراطية مقارنة بجاراتها من الدول الفاشلة، تتم محاكمة الرؤساء في البرلمان بعد موافقة الغالبية، أو تحال القضايا إلى المحكمة العليا بحسب نوع القضايا المطروحة. وجرت محاكمة الرئيس أوهورو كينياتا أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بالعنف بين عامي 2007 و2008، لكن التهم أسقطت عنه في عام 2014 لعدم كفاية الأدلة. على رغم أن الشعب الكيني كان يملك كامل الأدلة فإن التدخلات السياسية الدولية حالت دون إصدار المحكمة الجنائية الدولية حكماً صريحاً بحقه.
ثم في نيجيريا الدولة النفطية وجهت تهم بالفساد وسرقة الأموال العامة إلى الرئيس ساني أباتشا، ولكن لم تجر محاكمته بسبب وفاته في عام 1998، إلا أنه تمت استعادة مليارات الدولارات التي اختفت في عهده.
في سيراليون تحال قضايا الرؤساء إلى المحكمة العليا، إلا أن محاكمة الرئيس تشارلز تايلور أجريت أمام محكمة خاصة داخل البلاد بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. حكم عليه بالسجن 50 عاماً في عام 2012.
قارة آسيا ودولها هائلة المساحة والسكان
في باكستان يمكن محاكمة الرئيس أو رئيس الحكومة أمام المحكمة العليا أو المحكمة العادية بعد توجيه التهم من قبل البرلمان أو السلطة القضائية، واشتهرت في هذه الدولة الكثير من المحاكمات التي يبدو أنها تطاول كل من يصل إلى أعلى قمة السلطة هناك. على سبيل المثال حوكم الرئيس الراحل برويز مشرف بتهم الفساد والانتهاكات الدستورية، واستقال في عام 2008 قبل أن تنتهي محاكماته. واليوم تجري محاكمة رئيس الوزراء الحديث نسبياً في السلطة بعد قدومه من عالم الرياضة عمران خان بتهم تتعلق باستغلال السلطة أيضاً.
ويبدو أن محاكمات باكستان هي أداة في يد السلطات العسكرية والجيش، وهي الأقوى في مثلث السلطة كي تبقي رؤساء الوزراء تحت سلطتها، إذ إن هذه المحاكمات والتهم نفسها تم توجيهها أيضاً إلى الرئيسة الراحلة بينظير بوتو ثم رئيس الوزراء السابق نواز شريف. وغالباً ما تستمر المحاكمات على فترات طويلة ومتقطعة، وفي الأغلب يخرج هؤلاء السياسيون من الحياة السياسية بعد استنفاد طاقتهم في مثل هذه المحاكمات.
أما الجارة اللدود الهند والدولة الأم لكل من باكستان وبنغلاديش، يمكن محاكمة رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أمام المحكمة العليا أو المحاكم العادية بعد توجيه التهم من قبل البرلمان أو السلطة القضائية. وليست هناك محاكمات رسمية لرؤساء هنود على رغم اتهامات كثيرة بالفساد أو بانتهاك الدستور وجهت إلى فترات رئاسية مختلفة.
أما في إيران، فتجري محاكمة رئيس الدولة وهو نفسه رئيس الحكومة أمام المحاكم العادية أو المحاكم الخاصة بعد توجيه التهم من قبل البرلمان أو السلطة القضائية، وليست هناك محاكمات معينة أمام المحاكم لرؤساء إيرانيين بسبب تعقيدات التركيبة السياسية وبسبب تداخل السلطات الدينية مع السلطات القضائية المدعومة من السلطات العسكرية، ولكن بدلاً من المحاكمة تتم مهاجمة الرئيس بتهم معينة تجعله في وضع أشبه بفرض الإقامة الجبرية أو التقييد السياسي، كما جرى مع الرئيس المحافظ الأسبق أحمدي نجاد أو الرئيسين الإصلاحيين الأسبقين محمد خاتمي وحسن روحاني.
وإلى الصين حيث الدولة الآسيوية الأكبر والواقعة تحت حكم الحزب الشيوعي، إذ تجري محاكمة الرؤساء وكل المسؤولين السياسيين أمام المحاكم الثورية أو الشعبية التي يشكلها الحزب عند ثبوت التهم الموجهة لأحد المسؤولين. ومن الأمثلة محاكمة يو شاوبو نائب رئيس الصين السابق الذي تمت محاكمته ودين بالفساد والرشوة في عام 2018 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وفي جارتها وحليفتها روسيا تجري محاكمة المسؤولين رسمياً أمام المحاكم الدستورية المتخصصة بمراقبة وملاحقة القيادات العليا، إلا أنه في العموم سواء في العهد الشيوعي أو مع الرئيس فلاديمير بوتين لم تتم محاكمة أي مسؤول أمام المحكمة، ويتداول في الإعلام الغربي أن المسؤول الذي توجه إليه تهم قضائية أو تهم بالفساد فإن محاكمته تجري عبر تصفيته الجسدية بطريقة تبدو أن لا دخل للحكومة في وقوعها، والأمر ينطبق على معارضي النظام سواء كانوا داخل روسيا أو خارجها. إلا أن المحاكمة الوحيدة التي خرجت إلى العلن كانت للرئيس السابق لشركة "يوكوس" ميخائيل خودوركوفسكي، وهي إحدى أكبر الشركات الحكومية الروسية، ودين بالاحتيال المالي وبالتهرب الضريبي، وحكم عليه بالسجن، وتم تنفيذ الحكم.