ملخص
تحولت التحديات الصعبة التي يواجهها الرئيس جو بايدن خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى مسألة وجودية بالنسبة إليه، وهو الذي قرر خوض سباق الرئاسة مرة ثانية بوجه الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترمب، فكيف يمكن تقييم وضع بايدن اليوم بعد كل ما حصل أخيراً؟ هل لا تزال لديه حظوظ فعلية في المعركة الرئاسية؟ وعلى أية نقاط قوة يعتمد للاستمرار في ترشحه؟
لم تكن الأشهر الماضية الأفضل للرئيس الأميركي جو بايدن الذي ومع بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، زادت الضغوط الداخلية والخارجية عليه، ناهيك بملفات أخرى تشكل تحدياً كبيراً لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
لكن ما بدا أنه وضع "عادي" يحمل كثيراً من التحديات، تحول خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى معقد وصعب جداً على الرئيس الثمانيني، وهو الذي قرر خوض سباق الرئاسة مرة ثانية بوجه الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترمب.
مناظرة قلبت الوضع
كان الحدث الأبرز الذي قلب الوضع رأساً على عقب المناظرة التي جمعت ترمب وبايدن مباشرة على الهواء في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا في الـ27 من يونيو (حزيران) الماضي، وهي ما إن انتهت حتى انهالت الانتقادات على الرئيس الديمقراطي، فاعتبرت هذه المحطة كارثية نظراً إلى أدائه الذي وصف بالضعيف جداً.
وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير على هذه الانتقادات معلنة أن الرئيس كان يعاني حينها نزلة برد.
هذا التبرير لم يقفل الباب أمام عاصفة من الانتقادات وصلت إلى حد مطالبة ديمقراطيين، نواب ومسؤولين وحتى ممثلين وفنانين، بأن يتخلى بايدن عن هذا السباق ويفسح المجال لمرشح ديمقراطي آخر.
وفي هذا السياق حذر أخيراً زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، من أن مواصلة بايدن الإصرار على الترشح للرئاسة يضر بقدرة الحزب على السيطرة على الغرفتين في الانتخابات المقبلة.
كذلك أخبرت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي الرئيس بأن استطلاعات الرأي تظهر أنه لا يستطيع هزيمة ترمب وأنه قد يدمر فرص الديمقراطيين في استعادة السيطرة على مجلس النواب.
وفي السياق نفسه كشف موقع أكسيوس الإخباري الأميركي أن كبار الديمقراطيين في إدارتي باراك أوباما وبيل كلينتون يسعون إلى دفع بايدن إلى الانسحاب من السباق الرئاسي.
وخرج نجم هوليوود والمؤيد البارز للحزب الديمقراطي جورج كلوني بتصريح قال فيه "أحب جو بايدن أعده صديقاً، وأؤمن به لكن المعركة الوحيدة التي لا يستطيع الانتصار فيها هي المعركة ضد الزمن"، وأضاف "لن نفوز في نوفمبر مع هذا الرئيس".
محاولة اغتيال ترمب
لم تكد مفاعيل المناظرة تخفت قليلاً، حتى أتى حدث آخر لم يكن لمصلحة بايدن، على رغم أنه أصاب ترمب في البداية.
فقد تعرض الرئيس السابق والمرشح الجمهوري في الـ13 من يوليو (تموز) الجاري لمحاولة اغتيال خلال تجمع جماهيري في ولاية بنسلفانيا، لكنه وعلى رغم إصابته بأذنه وسط حال من الهلع والذعر وقف بقبضة المنتصر والعلم الأميركي خلفه، في مشهدية أظهرته بموقع القوي على رغم هول الحادثة وحقيقة أنه نجا بالفعل من موت محتم.
ومطلق النار عليه شاب عشريني يدعى توماس ماثيو كروكس وقتل لاحقاً برصاص حماية ترمب.
محاولة الاغتيال هذه حمل مسؤوليتها البعض للرئيس بايدن نفسه، واتهموه بأنه مسؤول جزئياً عن الهجوم بسبب لهجته، وهو ما دفع الرئيس إلى أن يقر بنفسه في المقابلة التلفزيونية بأنه ارتكب "خطأ" بإطلاقه قبل أيام من تعرض ترمب لمحاولة اغتيال بالرصاص دعوة إلى "استهداف" منافسه الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
محاولة اغتيال ترمب أصابت المجتمع الأميركي
وفي هذا الإطار يعتبر رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستراتيجية الدكتور وليد عربيد في حديث إلى"اندبندنت عربية" أن محاولة اغتيال ترمب لم تصب فقط الرئيس بايدن بل المجتمع الأميركي كله، والرئيس ترمب استفاد من هذه الرصاصة، لا سيما الإشارة التي رفعها بعد وقوفه على المنصة والدماء تسيل على وجهه ورفع قبضته، وبذلك قال إنه الرئيس القوي وإنه يستطيع قيادة أميركا في النزاعات القائمة، في وقت يبحث الديمقراطيون عن مرشح بديل لبايدن باعتباره ضعيفاً وغير قادر على قيادة البلاد خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول عربيد إن الرئيس بايدن اليوم انتحر سياسياً ورصاصة محاولة الاغتيال صحيح لم تقتل ترمب لكنها أصابت بايدن بقوة، والحديث اليوم جدي عمن قد يكون البديل، ويضيف "إن لم يترشح بديل عن بايدن، يكون بذلك الحزب الديمقراطي يعترف سابقاً بخسارته الانتخابات وهذا قد يقود إلى حال من الفوضى داخل المجتمع الأميركي، ومن الممكن أن نرى بأن هذا المجتمع سيذهب ليس قريباً ولكن في مرحلة مقبلة نحو الانفجار الداخلي بين حرب الإثنيات، وبخاصة في ظل وجود قوة شعبية مسلحة بين المواطنين".
وفيما تتجه الأنظار إلى أداء بايدن في زيارته للولايات الأميركية وإلى المناظرة الثانية المرتقبة التي ستجمعه بترمب، أعلنت إصابته بفيروس كورونا في أثناء رحلة إلى لاس فيغاس لحضور تجمع انتخابي، وكشف البيت الأبيض أنه يعاني أعراضاً خفيفة، وهو الذي كان أعلن قبل أيام أنه مستعد للتراجع عن خوض المعركة الرئاسية إن قال الأطباء إنه يعاني وضعاً صحياً ما.
فكيف يمكن تقييم وضع بايدن اليوم بعد كل ما حصل أخيراً؟ هل لا تزال لديه حظوظ فعلية في المعركة الرئاسية؟ وعلى أية نقاط قوة يعتمد للاستمرار في ترشحه؟
ناخب أميركي يبحث عن قائد قوي
يقول المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية وعضو الحزب الجمهوري حازم الغبرا لـ"اندبندنت عربية" إن وضع بايدن صعب جداً والمشكلة الحقيقية ظهرت بعد المناظرة الأولى التي خاضها في وجه ترمب، والتي ظهر خلالها ضعيفاً وغير قادر على القيادة وهذه المشكلة الحقيقية مع الناخب الأميركي الذي يبحث عن القائد القادر والقوي، أما المشكلة الثانية بحسب الغبرا فتتمثل بأن الدعم السياسي الديمقراطي اليساري التقليدي الآن يبتعد عن بايدن، ويتوجه أكثر نحو الحملات الانتخابية المحلية وحملات الكونغرس الأميركي بشقيه مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وسط اعتقاد ديمقراطي بأنه حتى لو عاد ترمب إلى البيت الأبيض يمكن أن يحافظ الديمقراطيون على قوتهم في مجلس الشيوخ أو يزيدوا من قدرتهم في الكونغرس بصورة عامة، مما يعطيهم فرصة لمواجهة ترمب في أعوام ولايته.
ويشدد الغبرا على أن التطورات الأخيرة في الأعوام الثلاثة والنصف الأخيرة أظهرت بايدن بصورة الرئيس الضعيف داخلياً وخارجياً، من أزمة التضخم والوضع الاقتصادي، ومشكلة الجنوب وسياسة الحدود المفتوحة وتأثيرها الأمني والاقتصادي في الداخل الأميركي، ناهيك بالملفات الخارجية التي تتضمن حرب أوكرانيا التي لم تنته على رغم الدعم الكبير مالياً وعسكرياً لكييف، والحرب القائمة في غزة التي لم تحسم حتى الساعة.
ويضيف أن "هناك فكرة تتنشر أكثر وأكثر لدى الأوساط الأميركية بأن واشنطن فقدت قدرتها على فرض قوتها خارج الحدود لتنفيذ سياستها، ناهيك بالتهديد الصيني والتوسع الروسي"، ويقول "أهم ما يأخذه معه الرئيس الأميركي بعد انتهاء ولايته هو ما سيسجله التاريخ عنه وكيف سيذكره، والتاريخ سيذكر بايدن على أنه رئيس ضعيف غير قادر حتى على المناظرة بصورة جيدة".
أما عن ضمان الفوز بالنسبة إلى ترمب، فيقول الغبرا إن الانتخابات غير مضمونة 100 في المئة، إنما الجميع يعلم أن وضع ترمب ممتاز وأخذ في التحسن خصوصاً بعد محاولة اغتياله، في مقابل فراغ بايدن من أية أوراق رابحة وبخاصة أن الوقت ضاق ولم يتبق سوى أشهر قليلة، لن يستطيع خلالها الرئيس الحالي أن يفعل شيئاً.
عاصفة ترمب أضرت بايدن
وضع بايدن الحالي والانتقادات الكثيرة التي طاولته لم ينعكس بصورة كبيرة على استطلاعات الرأي، إذ خرجت وكالة "رويترز" قبل ساعات بأرقام تفيد بأن المنافسة حرجة بين المرشحين بايدن وترمب، إذ نال بايدن 41 في المئة من المصوتين في مقابل 43 في المئة لترمب فقط، على خلفية حال الرضا الاقتصادي الاجتماعي عن أداء بايدن على رغم كل الملاحظات والمآخذ، وحال الذعر التي تعيشها شرائح أميركية كثيرة من خطر وصول ترمب.
وعلى رغم هذا الفارق غير الكبير بين المرشحين، فإن الديمقراطيين يعترفون بأن الوضع صعب للغاية.
يصف الباحث والمحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي مهدى عفيفي لـ"اندبندنت عربية" وضع بايدن بالصعب ويقول "لنكن واقعيين، هناك مشكلات داخل الحزب الديمقراطي بسبب أدائه وسنه، يتفق الحزب الديمقراطي أن هناك إنجازات لبايدن كبيرة سواء في الاقتصاد أو السياسة الخارجية أو حلف الناتو أو في مجال البطالة، وهي أقل نسبة للبطالة في التاريخ الأميركي تقريباً، كل هذه الإنجازات موجودة، لكننا نتكلم اليوم من الذي يستطيع أن يهزم ترمب، وداخل الحزب الديمقراطي هناك كثير ممن يعتقدون أن على الرئيس التنحي".
يتوقف عفيفي عند من يقول إنها عاصفة لمصلحة ترمب، من محاولة اغتياله إلى خطابه العقلاني الأخير، وتركيز حملته على استقطاب الشباب، وغيرها من العوامل المساعدة، لكن عندما تهدأ هذه العاصفة ولو عاد بعدها وتغير خطابه وعاد للجنون مرة أخرى على حد تعبيره، فإن أهم المصوتين الذين هم الوسطيون والذين لا ينتمون إلى أي من الحزبين والذين يغيرون عادة نتيجة الانتخابات، فبالإمكان أن يعطوا أصواتهم لبايدن ويصوتوا ديمقراطياً.
ويضيف "إذا استطاع بايدن الظهور بصورة متوازنة في الأشهر القليلة المقبلة وظهر بصورة أقوى، عندها يمكن أن يحصل تغيير، ولذلك نقول دائماً في أميركا إن الانتخابات لا تنتهي إلا مع تصويت آخر ناخب أميركي"، مشدداً على أنه لو ركز بايدن على خطاب لم الشمل وذكر الإنجازات التي حققها وحاول تقريب وجهات النظر بين الأميركيين، وحصل تطور في حرب غزة وربما اتفاق سلام هناك، يمكن حينها أن ينعكس كل هذا إيجاباً عليه وربما حينها تتراجع محاولة الديمقراطيين لعزله.