Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أصبحت الديمقراطية الأميركية "على المحك"؟

محاولة اغتيال ترمب حلقة ضمن تسلسل متصاعد من "العنف السياسي والاستقطاب الحاد" ينذر بخطر انزلاق الولايات المتحدة لـ"احتراب حزبي"

ملخص

عندما أطلق الرصاص على الرئيس رونالد ريغان (جمهوري) عام 1981، اتحدت البلاد خلف زعيمها، وتوجه رئيس مجلس النواب الديمقراطي توماس جونيور بعينين دامعتين إلى غرفة الرئيس الجمهوري في المستشفى، وأمسك بيديه وقبّل رأسه وجثا على ركبتيه للصلاة من أجله، لكن يبدو أن محاولة اغتيال ترمب قد تؤدي إلى تمزيق أميركا أكثر من توحيدها.

على وقع ما يعرف اصطلاحاً بـ"عام الانتخابات" حيث إجراء الاستحقاق الرئاسي نحو البيت الأبيض، تعيش الولايات المتحدة الأميركية حالة من الاستقطاب والتوترات السياسية نادرة الحدوث في هذا البلد على مدار تاريخه، وجاءت أحدث صورها في محاولة "اغتيال" المرشح الجمهوري دونالد ترمب، منافس الرئيس الحالي جو بايدن، مما مثل "جرس إنذار" لمستقبل الديمقراطية الأميركية مع مخاوف اتساع ما يعرف بـ"العنف السياسي"، لا سيما أنها تأتي بعد أعوام قليلة من حادثة السادس من يناير (كانون الثاني) 2020، عندما اقتحم آلاف من مؤيدي ترمب مبنى الكابيتول، حين كانت تعقد جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020 التي رفض ترمب الإقرار بها.

وعلى رغم أن التاريخ الأميركي الممتد لأكثر من 247 عاماً مليء بأحداث وصور "العنف السياسي" التي طاولت رؤساء في مناصبهم ومرشحين إلى المنصب فضلاً عن سياسيين بارزين وغيرهم، إلا أن المشهد هذه المرة "مختلف" وفق توصيف كثر، مما عمق معه مخاوف بعضهم من احتمالات "تضرر" الديمقراطية في البلاد والتأثير في وحدة الأميركيين وتجلى في معظم تصريحات الساسة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ أجمعوا على إدانة الحادثة والتشديد على "توحيد الأمة".

وفي أول تعليق على حادثة "اغتيال" ترمب، قال بايدن إنه "لا يوجد مكان في أميركا لهذا النوع من العنف"، وهذا أحد الأسباب "التي تجعلنا نوحد هذا البلد، ولا يمكننا أن نسمح بحدوثه، ولا نتغاضى عنه"، داعياً الأميركيين إلى "الاتحاد كأمة واحدة" و"نبذ العنف" وواصفاً الأمر بـ"المريض" وكرر ذلك أكثر من مرة.

 أخطار "الاستقطاب" على الديمقراطية

في تعريفهم لـ"الاستقطاب السياسي"، يقول منظرو العلوم الاجتماعية إنه "عامل رئيس وراء الانهيار الديمقراطي. ويقود الاستقطاب الحاد الساسة ومؤيديهم إلى النظر  لخصومهم على أنهم خصوم غير شرعيين، وفي بعض الحالات ينظرون إليهم على أنهم يشكلون تهديداً وجودياً، وفي الغالب تضعف المبادئ الديمقراطية لأن الساسة يصيرون عازمين على كسر القواعد والتعاون مع المتطرفين غير الديمقراطيين، بل أيضاً يتسامحون مع العنف ويشجعونه كي يبقوا خصومهم بعيدين من السلطة، وفي ظل مثل هذه الظروف، لا يتمكن من النجاة سوى قليل من الديمقراطيات".

على وقع هذا التعريف، ووفق تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية وكتبه كل من روبرت ميكي وستيفن ليفيتسكي، فإن الولايات المتحدة الأميركية وحتى عهد قريب "بدت حصينة أمام مثل هذه التهديدات"، موضحين أن "عادات ضبط النفس والتعاون بين الأحزاب ساعد الولايات المتحدة على تجنب الاقتتال السياسي حتى الموت الذي دمر الديمقراطيات في ألمانيا وإسبانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وشيلي في فترة السبعينيات"، وأشارا إلى حوادث تجلت فيها محاولات الأحزاب لتحصين البلاد من الاستقطاب السياسي كما حدث عندما "عارض كبار الديمقراطيين جهود الرئيس فرانكلين روزفلت (ديمقراطي) لحشد المحكمة العليا، كما أيد الجمهوريون التحقيق مع الرئيس ريتشارد نيكسون (جمهوري) ومساءلته القانونية في فضيحة ووتر غيت". وأضافا أنه "لم يسبق على الإطلاق أن استغل الحزب الذي يحكم البيت الأبيض أقصى مدى للسلطة الحكومية ضد الحزب الآخر. وفي الحقيقة، كانت منهجية عدم الاستخدام الكامل للسلطة من قبل الرؤساء والغالبيات البرلمانية مصدراً حيوياً للاستقرار الديمقراطي في الولايات المتحدة".

وبعكس عقود منتصف القرن الماضي، يشير تحليل "فورين أفيرز" إلى أن الاستقطاب الحزبي بدأ خلال الفترات الأخيرة يشكل تهديدات عدة للديمقراطية الأميركية، من بينها أنه "يؤدي إلى الجمود لا سيما عندما يسيطر على السلطة التشريعية حزب مختلف عن ذلك الذي يسيطر على السلطة التنفيذية. ومع ازدياد الاستقطاب، يمرر الكونغرس قوانين أقل ويترك قضايا مهمة من دون حل. وأسفر هذا الخلل عن تآكل ثقة الجمهور بالمؤسسات السياسية، وعلى طول الخطوط الحزبية"، ويضيف التقرير أن "الجمود السياسي يشجع الرؤساء على اتخاذ إجراءات أحادية الجانب على حواف الحدود الدستورية. وعندما تكون الحكومة منقسمة ويعتزم الحزب الذي هو خارج السلطة على عرقلة جدول أعمال الرئيس التشريعي، يعمل الرؤساء حينها على الالتفاف حول الكونغرس، وتوسيع سلطاتهم من خلال الأوامر التنفيذية والتدابير الانفرادية الأخرى، وتمركز سيطرتهم على البيروقراطية الاتحادية. وفي الوقت نفسه يصعب الاستقطاب على الكونغرس ممارسة الرقابة على البيت الأبيض لأن الأعضاء يواجهون صعوبة في تشكيل استجابة جماعية من كلا الحزبين لسيطرة السلطة التنفيذية".

 

ووفق ما رصد تحليل "فورين أفيرز"، فإنه خلال العقدين الماضيين، أمعن كثير من المسؤولين الجمهوريين المنتخبين والناشطين والشخصيات الإعلامية في معاملة منافسيهم الديمقراطيين على أنهم تهديداً وجودياً للأمن القومي أو لطريقة حياتهم، وتوقفوا عن الاعتراف بشرعيتهم، وأشار إلى بزوغ نجم ترمب شخصياً من خلال التشكيك في جنسية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فضلاً عن إشارته في أكثر من مناسبة خلال حملته الانتخابية عام 2016 أمام منافسته هيلاري كلينتون إلى أنها "مجرمة"، وقاد زعماء الجمهوريين الهتافات بـ"اعتقالها" في المؤتمر الوطني لحزبهم، فضلاً عن ذلك جاءت الحادثة الأكثر مأسوية، أي عدم إقرار ترمب ذاته بنتائج انتخابات 2020. وقال إنها "مزورة" من دون تقديم دليل ملموس على ذلك، مما جعل الملايين من أنصاره الجمهوريين يؤمنون أن الانتخابات سرقت منه، وعليه أصبح ترمب أول رئيس في التاريخ الأميركي يعرقل الانتقال السلمي للسلطة، مما أثر في جوهر الديمقراطية الأميركية ذاتها وقاد إلى حادثة اقتحام مبني الكابتول.

من جانبها، ووفق مجلة "فورين بوليسي" الأميركية فإن "أبرز أركان الاستقرار السياسي الأميركي كانت قائمة على التمسك بالقواعد والأطر الراسخة في الممارسة الديمقراطية والمتمثلة في ضبط النفس والتعاون من أجل المصلحة العامة"، إلا أن التخلي عنها صعّد من لجوء بعضهم إلى "الإمعان في اتخاذ تدابير متطرفة لإضعاف الخصوم السياسيين واتهامهم بأنهم غير شرعيين، مما عزز من انتهاك التقاليد الديمقراطية وزيادة أخطار المنافسة والصراع السياسي في البلاد"، ودفع كثيراً من الخبراء والباحثين السياسيين إلى التحذير من أن "الاستقطاب السياسي المتصاعد بات يتزامن مع تهديدات وأعمال عنف أصبحت جزءاً شائعاً من المشهد السياسي الأميركي".

"العنف السياسي" وتبعات مقلقة

لكن وفيما يجادل بعضهم بأن الاستقطاب يبقى أحد "سلبيات الممارسة الديمقراطية" التي يمكن التعايش معها بإحكام وتشديد القوانين، تعود المخاوف وتتصاعد مع احتمالات اقترانه بـ"العنف السياسي" بعدما زادت واقعة محاولة اغتيال المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية دونالد ترمب، المخاوف من احتمالات اتساع دائرة العنف السياسي، خصوصاً أن الولايات المتحدة تعاني طوال تاريخها هذه الظاهرة.

فضمن تحليل كتبه بيتر بيكر في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يقول إن "الهجوم على الرئيس السابق ترمب يأتي في وقت أصبحت الولايات المتحدة منقسمة بالفعل"، ويستذكر أنه "عندما أطلق الرصاص على الرئيس رونالد ريغان (جمهوري) عام 1981، اتحدت البلاد خلف زعيمها، وتوجه رئيس مجلس النواب الديمقراطي توماس بي أونيل جونيور بعينين دامعتين إلى غرفة الرئيس الجمهوري في المستشفى، وأمسك بيديه وقبّل رأسه وجثا على ركبتيه للصلاة من أجله، لكن يبدو أن محاولة اغتيال ترمب قد تؤدي إلى تمزيق أميركا أكثر من توحيدها. ففي غضون دقائق من إطلاق النار، امتلأ المشهد العام في الولايات المتحدة بالغضب والمرارة والشك والاتهامات المتبادلة، وانتشرت نظريات المؤامرة وازداد انقسام البلد الذي يعج بالعداء بالفعل".

 

ويضيف بيكر أن "الحدث جاء في سياق صراع وتنافس حزبي، إذ وقع قبل يومين من مؤتمر الجمهوريين لتسمية مرشحهم في الانتخابات الأميركية"، مردفاً أنه "بينما كان الديمقراطيون يتذمرون من العنف السياسي الذي كثيراً ما انتقدوا ترمب لتشجيعه، ألقى الجمهوريون على الفور اللوم على الرئيس جو بايدن وحلفائه في الهجوم الذي قالوا إنه نابع من لغة تحريضية تصف الرئيس السابق بأنه فاشي وبدائي من شأنه أن يدمر الديمقراطية"، مشيراً إلى الاتهامات السريعة التي ألقاها بعض الجمهوريين ضد الديمقراطيين قائلين إنهم "حاولوا إبعاده من الترشح وحاولوا وضعه في السجن، والآن يغتالونه".

ووفق بيكر، فإن حادثة إطلاق النار على ترمب تأتي في وقت تعيش البلاد "بصورة غير مسبوقة على أسس أيديولوجية وثقافية وحزبية، ويبدو أنها منقسمة في كثير من الأحيان إلى دولتين، بل حتى إلى حقيقتين. واليوم، أكثر من أي وقت مضى منذ أجيال، لا يرى الأميركيون أنفسهم في مشروع جماعي، بل ينظرون إلى أنفسهم على طرفي نقيض من الأسوار الحديثة".

وبينما كتبت مجلة "ذا أتلانتك" الأميركية أن حادثة ترمب "أثارت مخاوف من أن تؤجج الدورة الانتخابية الجارية مزيداً من التصعيد العنيف في البلاد، إذ يتبادل الخبراء والمحللون تقديراتهم وقلقهم من أن تصبح الانتخابات الرئاسية منصة لتنامي التوترات"، رأت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية الحادثة في ضوء أن "العنف السياسي في الولايات المتحدة بات يتخذ أشكالاً عدة خلال الأعوام الأخيرة، بما في ذلك تمرد السادس من يناير 2021 (اقتحام الكونغرس)، والتهديدات العنيفة ومضايقة مسؤولي الانتخابات ومحاولات استهداف المسؤولين المنتخبين"، مشيرة إلى أن العنف السياسي أصبح الآن "أسهل من أي وقت مضى"، لا سيما بالنسبة إلى أولئك الذين لديهم معتقدات سياسية متطرفة بأن ينظموا أنفسهم عبر الإنترنت، وذكرت أن معظم أعمال "العنف السياسي" في الولايات المتحدة يرتكبها أشخاص لا ينتمون إلى أي منظمات رسمية، وفقاً لما نقلته عن الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب والرد عليه.

وبحسب "ذا غارديان" فإن "تزايد الدعم للعنف السياسي داخل الولايات المتحدة أخيراً، يأتي في وقت يتسم الجو العام في البلاد بالتحزب المتطرف وانتشار المعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي والخطاب العنيف".

وأظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة شيكاغو في يونيو (حزيران) الماضي أن هناك مزيداً من الدعم للعنف ضد ترمب، إذ وافق 10 في المئة من البالغين الأميركيين على أن "استخدام القوة مبرر لمنع ترمب من أن يصبح رئيساً"، وأفاد أكثر من 30 في المئة منهم بأنهم يمتلكون أسلحة، ونحو 80 في المئة بأن لديهم إمكان الوصول إلى أدوات تنظيمية عبر الإنترنت، ووجد الاستطلاع كذلك أن سبعة في المئة من البالغين الأميركيين يدعمون استخدام القوة لإعادة ترمب إلى البيت الأبيض، وكان نصفهم يمتلكون أسلحة، فيما عزت دراسة ضمن مشروع "الأمن والتهديدات" التابع للجامعة نفسها الأسباب الكامنة وراء دعم العنف "إلى أنها تنبع من عدم الثقة بالمؤسسة الأميركية والاعتقاد بنظريات المؤامرة". في غضون ذلك أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "ماريست" الأميركية في مايو (أيار) الماضي أن نحو 47 في المئة من الأميركيين يرون أن حدوث حرب أهلية ثانية أمر محتمل جداً.

كذلك وجدت دراسة نشرتها وكالة "رويترز" في أغسطس (أب) 2023 أن الولايات المتحدة "المستقطبة" في خضم أكبر زيادة بمعدل جرائم العنف السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي، وقالت إن هجمات العنف السياسي الأخيرة كانت تستهدف في كثير من الأحيان الأشخاص وليس الممتلكات، مضيفة أنه منذ اقتحام أنصار ترمب مبنى الكابيتول عام 2021، سجلت السلطات 213 حالة صنفت في إطار جرائم العنف السياسي، وأشارت إلى أن ثلثي هذه الحوادث اتسم بالعنف الجسدي فيما انتهت 18 منها بالوفاة.

 

وترى "نيويورك تايمز" من جانبها أن التصاعد المتسارع للأحداث التخريبية في الآونة الأخيرة دفع كثيرين إلى مقارنة عام 2024 بعام 1968، أي عام "الصراع العنصري وأعمال الشغب في المدن واغتيال القس مارتن لوثر كينغ وروبرت أف كينيدي"، وبينما نقلت الصحيفة عن المؤرخ في جامعة تشابمان ومؤلف كتاب "العام الذي انفجر" لوك نيشتر قوله إن "اختلاف غياب العنف السياسي في الولايات المتحدة بين عامي 2024 و1968 لم يعُد موجوداً في البلاد بعد محاولة اغتيال ترمب"، نقلت كذلك عن المؤرخ في جامعة جورج تاون مايكل كازين قوله إن "العنف الذي حدث للتو أمر لا مفر منه في مجتمع منقسم بشدة مثل مجتمعنا".

هل "تنجو" الديمقراطية الأميركية؟

في ضوء حالة الاستقطاب غير المسبوقة التي تهيمن على المشهد، واعتبار بعض المراقبين أن محاولة اغتيال ترمب "أكبر جريمة عنف سياسي دراماتيكية" في الولايات المتحدة منذ محاولة اغتيال الرئيس السابق رونالد ريغان عام 1981 على يد جون هينكلي جي آر والتي أعادت معها إلى الأذهان واقعتي اغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963 وشقيقه روبرت كينيدي خلال حملة الانتخابات الرئاسية في 1968، فضلاً عن انتشار ظاهرة ساسة ممن يعرفون بـ"منكري الانتخابات" (أي عدم الإقرار والاعتراف بنتائج الانتخابات في حال خسارتهم) حتى إن ترمب ذاته لم يقرّ حتى الآن بعزمه على قبول نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة حال خسارته، تتزايد المخاوف في شأن مستقبل الديمقراطية الأميركية، حتى إن كانت محصنة بالقوانين والمؤسسات الراسخة الحامية لها.

وما يعكس تزايد المخاوف حول مستقبل الديمقراطية الأميركية، أظهرته استطلاعات رأي عدة تناولت "آلية عمل الديمقراطية في البلاد"، ففي يناير الماضي كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" الأميركية عن تراجع رضا الأميركيين على طريقة عمل الديمقراطية الأميركية، إلى 28 في المئة في استطلاع ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهي نسبة متدنية عن تراجع سابق في أعقاب أحداث السادس من يناير (تاريخ اقتحام الكابيتول) التي وصلت إلى 35 في المئة، وجاء بالتزامن مع نتائج استطلاع للرأي أجرته وكالة "أسوشيتد برس" و"مركز نورك لأبحاث الشؤون العامة" خلال الفترة من الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى الرابع من ديسمبر 2023، قال فيه نحو 64 في المئة من الناخبين الأميركيين إن "نتيجة انتخابات عام 2024 ستكون مهمة للغاية، أو مهمة جداً لمستقبل الديمقراطية الأميركية".

ومن خلال تتبع تصريحات صادرة عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحتى من بايدن، ومنافسه ترمب خلال العامين الأخيرين، بدا أن هناك اعترافاً ضمنياً بوجود "مهددات للديمقراطية الأميركية"، إلا أن مواجهتها والرؤية للحل اختلفتا لدى الطرفين، مما كشف عن تصدعات حزبية عميقة، وفق ما يقول مراقبون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فعلى سبيل المثل، وخلال الذكرى الثالثة لأحداث اقتحام الكابيتول يناير الماضي، حاول بايدن رسم مستقبل "بائس" للديمقراطية الأميركية إذا فاز ترمب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بعدما وعد بالسعي إلى الانتقام من معارضيه، ورفض استبعاد أنه سيسيء استخدام سلطاته، إذ قال بايدن خلال كلمته إن "الحفاظ على الديمقراطية الأميركية هو ما ستدور حوله انتخابات عام 2024"، وجادل بأن ترمب يشكل "خطراً عليها"، وبحسب استطلاع للرأي أجرته وكالة "أسوشيتد برس" بالتعاون مع "مركز نورك لأبحاث الشؤون العامة"، فقد كشف عن أن غالبية الديمقراطيين بنسبة تقارب 87 في المئة يرون أن "فوز ترمب بفترة رئاسية ثانية سيضعف الديمقراطية الأميركية".

وفي مقابل الرواية الديمقراطية، يقدم الرئيس السابق سردية مضادة بأن "الإدارة الديمقراطية هي من تدمر الديمقراطية الأميركية من خلال تسييس القضاء الأميركي، لمقاضاته لأنه المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري، والقادر على هزيمة بايدن في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل". ووصف بايدن بأنه "مدمر للديمقراطية الأميركية"، وهي السردية التي تتبناها غالبية قاعدته الانتخابية.

يأتي ذلك تزامناً مع تقارير أميركية تتحدث عن مساعي ترمب حال فوزه لإعادة تخطيط بناء الحكومة الفيدرالية بطرق من شأنها أن تزيد من سلطته على الوكالات الفيدرالية وإضفاء المركزية على آلية عمل الحكومة الفيدرالية، واستخدام وزارة العدل للانتقام من خصومه السياسيين، مما قد يمثل "تهديداً لسيادة القانون"، أحد الركائز الرئيسة للديمقراطية الأميركية.

وعلى وقع تلك المخاوف، وبينما كتب المؤرخ الفرنسي ران هاليفي في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية في يونيو الماضي، أن "الديمقراطية الأميركية تعيش حال انهيار"، موضحاً أن "الاستقطاب السياسي والأيديولوجي الذي يمزق الولايات المتحدة جعل الأميركيين ينسون إرث الآباء المؤسسين، حتى إن مسألة بالغة الأهمية مثل عزل الرئيس لا يتم تحديدها من خلال خطورة الأفعال المنسوبة إليه، بل من خلال حساب الانتماءات الحزبية في مجلسي النواب والشيوخ"، حذر بروس ستوكس في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية من خطورة "تراجع الديمقراطية الأميركية على دورها العالمي وتأثيره في قيادتها العالمية"، فبحسب ستوكس وهو باحث في "صندوق مارشال الألماني"، "تواجه القيادة الأميركية العالمية أزمة لا تتعلق بالحيوية الاقتصادية أو البراعة الدبلوماسية أو القوة العسكرية ولكن بالشرعية. ففي جميع أنحاء العالم، تظهر استطلاعات الرأي والمقابلات أن الجماهير والنخب في البلدان التي تعتبر نفسها حليفة للولايات المتحدة لديها شكوك حول حال الديمقراطية الأميركية واتجاهها. فهم لم يعودوا يرون أنها نموذج، وهم قلقون مما إذا كان النظام السياسي الأميركي لا يزال بإمكانه تحقيق نتائج جديرة بالثقة".

ويوضح ستوكس أنه "إذا لم يعُد بإمكان الناس في جميع أنحاء العالم الاعتماد على الديمقراطية الأميركية لتكون مثالاً يحتذى به وللقيام بعمل أميركي حاسم في شأن التحديات المشتركة، فستفقد واشنطن سلطتها الأخلاقية على القيادة العالمية"، مشيراً إلى أنه لاستعادة مكانتها المتضررة، يجب على الديمقراطية الأميركية "التغلب على تحديات السياسة الحزبية والجمود المؤسسي وعدم الاستقرار"، ورجح أن "ما يحدث للديمقراطية في الولايات المتحدة سيحدد مصير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم".

المزيد من تقارير