ملخص
حصل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ على بيانات من لجنة العمل السياسي الديمقراطية تظهر تزايد تراجع بايدن خمس نقاط مئوية أو أكثر عن خصمه ترمب في ثلاث ولايات رئيسة يجب الفوز بها، وهي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن.
على رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان على وشك تثبيت أقدامه كمرشح رسمي للحزب الديمقراطي قبيل محاولة اغتيال منافسه الجمهوري دونالد ترمب، بل واختفت أصوات المطالبين بتنحيه عن السباق الرئاسي عقب نجاة المرشح الجمهوري، فإن هذه الأصوات عادت للظهور بزخم أكبر مع قرار اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي تأجيل موعد ترشيح بايدن رسمياً إلى الأسبوع الأول من أغسطس (آب)، مما يعني أن الضغوط ستتزايد على الرئيس في وقت يتوحد فيه الجمهوريون حول ترمب ونائبه جيه دي فانس، فلماذا تحدث المرشح الديمقراطي المفترض للمرة الأولى أنه سيفكر في الانسحاب من السباق الرئاسي إذا ظهرت لديه حالة طبية وكان ضرورياً الخروج من السباق، وهل يمهد بايدن طريقه للانسحاب بشكل لائق خاصة بعد إعلان إصابته بفيروس كورونا وانعزاله جسدياً وسياسياً؟ أم سيظل منفصلاً عن الواقع ويواصل التحدي؟
تحول نسبي
قبل أيام قليلة من محاولة اغتيال ترمب، حاول بايدن قطع الطريق على الأصوات المطالبة بخروجه من السباق الرئاسي قائلاً إنه لن ينسحب "إلا إذا طلب الله وحده ذلك"، كما ادعى أن استطلاعات الرأي ليست صادقة تماماً وأنه إما متعادل أو متقدم على خصمه الجمهوري ترمب في الولايات المتأرجحة التي تحسم نتيجة الانتخابات، وهو ما بدا أمراً مربكاً ومحيراً لبعض الديمقراطيين الذين عبروا عن استنكارهم حيال المصادر التي استند إليها بايدن واعتبروا أن المرشح الديمقراطي المفترض منفصل عن الواقع.
لكن بايدن أبدى موقفاً مغايراً في حديث لقناة "بت نيوز" حين قال إنه سيعيد تقييم ما إذا كان سيبقى في السباق الرئاسي إذا أخبره الطبيب مباشرة أنه يعاني حالة طبية تجعل ذلك ضرورياً، وهو تحول نسبي عن موقفه الأول على رغم تأكيده السابق أن أياً من أطبائه لم يخبره بأنه يعاني حالة طبية خطرة، لكن ما نقلته شبكة "سي أن أن" عن مصادر لها في البيت الأبيض، يشير إلى أن بايدن أصبح أكثر تقبلاً وانفتاحاً لسماع مطالبات الديمقراطيين للتنحي، كما أنه بات مستعداً للاستماع إلى بيانات استطلاعات الرأي الجديدة المثيرة للقلق، وطرح أسئلة حول كيفية فوز نائبته كامالا هاريس إذا فازت بترشيح الحزب الديمقراطي.
ومع إعلان البيت الأبيض أن الرئيس أصيب بفيروس كورونا، وتصويره وهو يسير بحذر شديد على درجات سلم طائرة الرئاسة التي أقلته إلى ولاية ديلاوير، انسحب الرئيس إلى عزلة ذاتية سيتغيب فيها عن الظهور العلني، في وقت كانت حملته تأمل في تكثيف ظهوره الإعلامي والجماهيري لمحاولة تأكيد لياقته العقلية والجسدية وقدرته على خوض السباق الانتخابي، وبدلاً من ذلك سيتطلب الأمر خلال الأيام القليلة المقبلة إعادة النظر في كيفية مواجهة الحطام السياسي الذي يتسارع من حوله بعدما أصبح مصيره كمرشح ديمقراطي أكثر غموضاً من أي وقت مضى.
تأجيل ترشيح بايدن
بعد توقف قصير للاعتراف بالعنف الصادم الذي أعقب محاولة اغتيال ترمب السبت الماضي، وصل الضغط الديمقراطي على بايدن للخروج من السباق إلى ذروته، تمثل ذلك في الضغط الذي مارسه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، حينما نجحا في دفع اللجنة الوطنية الديمقراطية إلى تأجيل خططها لترشيح بايدن لإعادة انتخابه رسمياً بالتصويت عبر الإنترنت لمدة أسبوع آخر لتصبح في الأسبوع الأول من أغسطس بدلاً من الأسبوع المقبل، وهو ما يعد حلاً مرضياً لعدد من كبار مسؤولي الحزب الذين عبروا عن استيائهم في شأن سرعة التوجه إلى الانتخابات العامة مع وجود بايدن على رأس قائمتهم.
ويعود الخلاف بين الديمقراطيين حول توقيت ترشيح بايدن رسمياً لأن اللجنة الوطنية الديمقراطية كانت تريد استباق الموعد النهائي لوضع اسمه على بطاقة الاقتراع في ولاية أوهايو الذي كان محدداً في السابع من أغسطس، لكن على رغم من أن المشرعين في ولاية أوهايو أصلحوا هذه المشكلة وأجلوا الموعد، ظل رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية جايمي هاريسون مصراً على أن هذه الخطوة ضرورية لتجنب الخدع الجمهورية المحتملة، لكن المتشككين الديمقراطيين في بايدن اعتبروا ذلك ذريعة من أجل إسكات أصواتهم وإنهاء الجدل حول ترشيح الرئيس.
انشقاق جديد
ومع ذلك لا تزال اللجنة الوطنية الديمقراطية التي رضخت لضغوط شومر وجيفريز، تذكر أنها تعتزم ترشيح بايدن مبكراً وقبل موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي يوم الـ19 من أغسطس، ولهذا بدأت الأصوات المعارضة لترشيح بايدن تطفو على السطح من جديد، وانطلقت هذه المرة من شخصية معروفة تعد الأبرز بين الشخصيات الديمقراطية التي طالبت بايدن بالتنحي، إذ دعا رئيس لجنة الاستخبارات السابق في مجلس النواب آدم شيف، وهو مرشح الديمقراطيين لعضوية مجلس الشيوخ في كاليفورنيا والحليف الرئيس لرئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، بايدن إلى الانسحاب من السباق، قائلاً لصحيفة "لوس أنجليس تايمز" إن رئاسة ترمب الثانية ستقوض أساس الديمقراطية الأميركية، معبراً عن مخاوفه في شأن ما إذا كان الرئيس سيتمكن من هزيمة ترمب في نوفمبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعني انشقاق آدم شيف أن أكثر من 20 ديمقراطياً في الكونغرس دعوا بايدن إلى إنهاء حملته من أجل السماح باختيار مرشح بديل، إذ لا توجد آلية للحزب لإقصاء بايدن كمرشح له إذا لم يختر الانسحاب بنفسه، خصوصاً وأن الغالبية العظمى من المندوبين البالغ عددهم أكثر من 4600 مندوب في مؤتمر الحزب، ملزمون بالتصويت لصالح بايدن في الاقتراع الأول، بغض النظر عن موعد إجراء هذا التصويت.
وفي حين أن محادثات استبدال بايدن توقفت موقتاً في أعقاب محاولة اغتيال ترمب، إلا أنها استؤنفت بين الديمقراطيين في "الكابيتول هيل" وبدا أن تفاصيل المحادثة الخاصة التي أجراها شومر مع بايدن الأسبوع الماضي في منزله بولاية ديلاوير، التي ذكرتها شبكة "أيه بي سي" في وقت سابق، أحدث مؤشر على أن كبار الديمقراطيين يسعون إلى تقديم حجة مقنعة للرئيس، الذي رفض حتى الآن الاستجابة للدعوات التي تطالبه بالتنحي ليس فقط من أجل مصلحته، بل من أجل مصلحة حزبه أيضاً.
صدمة مفجعة
منذ الأداء الكارثي للرئيس بايدن خلال المناظرة الانتخابية في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، وظهوره العلني غير المرضي في المؤتمرات الصحافية وبياناته الفردية، تزايدت المخاوف العميقة داخل الحزب الديمقراطي، لكن الصدمة المفجعة جاءت في آخر استطلاعات الرأي، الذي نشرته وكالة "أسوشيتد برس" والمركز الوطني لأبحاث الرأي العام التابع لجامعة شيكاغو الأربعاء الماضي، وكشف عن أن ما يقرب من ثلثي الديمقراطيين يريدون من بايدن أن ينسحب من السباق.
ويدفع هذا الاستطلاع الديمقراطيين في الكونغرس إلى التحذير من أن الوضع السياسي المتدهور لبايدن سيجعل من الصعب عليهم الفوز في انتخابات نوفمبر، بما ينذر بخسارة سيطرتهم الحالية على مجلس الشيوخ وفقدان أي أمل باستعادة السيطرة على مجلس النواب الذي يتمتع فيه الجمهوريون الآن بأغلبية مقعد واحد فقط.
تنامي المقاومة الداخلية
ويمنح الاستطلاع الأخير للديمقراطيين سبباً جديداً موثوقاً للقلق، ومن المرجح أن يزيد المقاومة الداخلية للالتزام ببايدن كمرشح للحزب، فهو يمنح الديمقراطيين الذين يريدون رحيله بمن في ذلك الصامتون غير الراغبين في التصريح علانية بذلك، فرصة وعزيمة لمنع بايدن من أن يزج بالجميع في دوامة الخطر.
وبحسب عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي جاريد هوفمان الذي يقود تنظيم الاعتراض على استمرار بايدن كمرشح للحزب، فإن كثيراً من النواب الديمقراطيين يشعرون بالحيرة من "استمرار بايدن في القول إنه إما متعادل أو يفوز في استطلاعات الرأي، ولا نفهم ما الكون الحقيقي الذي تأتي منه هذه الاستطلاعات".
وعلى العكس من ذلك يتسلح القادة الديمقراطيون في محاولة إقناع بايدن بالتنحي ببيانات جديدة قاتمة، فوفقاً لاستطلاع أجرته شركة "بلو روز للبحوث"، وهي شركة مستقلة شكلتها في الماضي منظمة " فيوتشر فوروارد"، وهي لجنة العمل السياسي "سوبر باك" التي تدعم بايدن، تبين أن 18 في المئة فقط من الناخبين و36 في المئة فقط من الأشخاص الذين صوتوا لبايدن في عام 2020 يعتقدون أنه لائق عقلياً وقادر على تولي منصب الرئيس.
كما حصل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ على بيانات من لجنة العمل السياسي الديمقراطية تظهر تزايد تراجع بايدن خمس نقاط مئوية أو أكثر عن خصمه ترمب في ثلاث ولايات رئيسة يجب الفوز بها، وهي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، فضلاً عن تراجعه بنسبة تزيد على هامش الخطأ في ثلاث ولايات رئيسة أخرى، وهي نيفادا وجورجيا وأريزونا، مما يجعل فرص بايدن ضعيفة للغاية.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي تشارلز لين إلى أن استمرار ترشيح بايدن يشوه ضمنياً موضوع الحملة الديمقراطية، لأن الديمقراطية نفسها على المحك في عام 2024، وأن التحذيرات الرهيبة حول ما سيحدث إذا استعاد ترمب البيت الأبيض لا يمكن أن تتوافق مع وجود خصم معيب ضده عن عمد، وهو الرئيس بايدن.
ويحذر تشارلز لين من أن استمرار أفراد أسرة بايدن وبعض موظفيه في العمل على "تعزيز غرائز الرئيس كسياسي محترف يكره التنازل عن الجائزة النهائية" يمكن أن تكون له عواقب خطرة، ومع ذلك لا يجب على الديمقراطيين قبول إصرار بايدن على الترشح، وينبغي بدلاً من ذلك ألا يصدقوا كذبة أن الرئيس لائق ومستعد للحكم أربع سنوات أخرى، بينما يستفيد الجمهوريون من محاولة اغتيال ترمب ويتوحدون خلف مرشحهم.