ملخص
يعزو مراقبون بعض النجاحات العسكرية التي حققتها "القوة المشتركة" بعد خروجها عن الحياد والمشاركة في القتال إلى جانب الجيش ضد "قوات "الدعم السريع"، وكبح تقدمها في دارفور، إلى أسباب عدة، أبرزها خبرة قوات الحركات السابقة في قتال "الدعم السريع" ونهجه الذي يعتمد على السرعة والمباغتة والانتشار وكثافة نيران، والمواجهة المباشرة مع العدو وجهاً لوجه وبأسلوبه القتالي ذاته.
على مدى أكثر من ستة أشهر مضت على دخولها في حرب السودان عبر القتال إلى جانب الجيش، تشير الوقائع على الأرض إلى نجاح تحالف قوات الحركات المسلحة الموقعة على "اتفاق سلام جوبا" (القوة المشتركة) في التصدي لكل محاولات قوات "الدعم السريع" اقتحام مدينة الفاشر، عاصمة الإقليم وولاية شمال دارفور، إلى جانب مشاركتها أيضاً في محاور القتال في وسط وشمال البلاد وشرقها، فهل أحدثت فعلاً تحولاً وتغييراً في ميزان القوة وسير العمليات الحربية على الأرض، لا سيما في دارفور؟ وهل تتمكن على المدى الطويل من استعادة الإقليم الذي تسيطر "قوات "الدعم السريع" على عواصم ولاياته الأربع الأخرى، الجنينة ونيالا والضعين وزالنجي؟
كبح التقدم
ويعزو مراقبون بعض النجاحات العسكرية التي حققتها "القوة المشتركة" بعد خروجها عن الحياد والمشاركة في القتال إلى جانب الجيش ضد "قوات "الدعم السريع"، وكبح تقدمها في دارفور إلى أسباب عدة، أبرزها خبرة قوات الحركات السابقة في قتال "الدعم السريع" ونهجه الذي يعتمد على السرعة والمباغتة والانتشار وكثافة نيران، والمواجهة المباشرة مع العدو وجهاً لوجه وبأسلوبه القتالي ذاته.
وكشفت مصادر عسكرية عن أن الجيش و"القوة المشتركة" تمكنا معاً من إغلاق نقاط حدودية عدة يدخل منها الإمداد بالأسلحة والعتاد العسكري والمقاتلين لقوات "الدعم السريع"، ومشطت القوة المشتركة الطرق والمداخل الحدودية من أي وجود لقوات التمرد ونصبت رادارات لمراقبة تلك النقاط.
وعدت المصادر هذه الخطوة مؤشراً كبيراً للحد من تدفقات الإمداد الخارجي لـ"الدعم السريع" الذي ظل مستمراً طوال الفترة الماضية من عمر الحرب الذي وصل إلى 15 شهراً.
العملية الأضخم
وكشف أحمد الشوالي، الناطق الرسمي باسم حركة "جيش تحرير السودان - المجلس الانتقالي" المنشقة عن الهادي إدريس، عن أن "الجيش والقوة المشتركة يعدان لتنفيذ عملية عسكرية هي الأضخم بغرض تحرير كامل إقليم دارفور"، مما وصفه بـ"سرطان ميليشيات الجنجويد" من الإقليم وكل السودان.
وأوضح الأمين العام للحركة، الصادق برنقو، في مؤتمر صحافي بمدينة بورتسودان، أن "الحركة أسهمت بصورة كبيرة ضمن القوة المشتركة في القتال مع الجيش وكبدت الميليشيات خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بشمال دارفور".
وتضم "القوة المشتركة" عدداً من الحركات المسلحة التي اختارت الوقوف إلى جانب الجيش، وأبرزها "التحالف السوداني"، و"حركة تحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي، و"حركة العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، و"تجمع قوى تحرير السودان" بقيادة عبدالله يحيى، و"حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي" بقيادة صلاح رصاص، عضو مجلس السيادة الحالي، و"حركة تحرير السودان" بقيادة مصطفى تمبور.
من الدفاع إلى الهجوم
في السياق، أوضح المتحدث باسم حركة "التحالف السوداني" محمد السماني أن دخول حركته المعارك في مدينة الفاشر بشمال دارفور على وجه التحديد "أظهر مدى صلابتها وقوتها ومن ثم فعاليتها العسكرية، وقد نجحت بالفعل مع الجيش في إفشال المخطط الكبير الذي تعمل من أجله الميليشيات لتقسيم الدولة السودانية وضرب وحدتها بإسقاط الفاشر وتكوين حكومة منفصلة تتبع له بالإقليم".
وكشف السماني عن أن "هذه القوات انتقلت الآن من حالة الدفاع عن الفاشر إلى مرحلة الهجوم المضاد بصورة أوسع على محاور عدة، وحققت تقدماً في مناطق وادي الميارم ووادي أمبار ومنطقة الزرق الحدودية التي تضم أكبر القواعد اللوجيستية لـ(الدعم السريع)".
ولفت المتحدث إلى أن "التقدم الذي تحرزه القوات المشتركة للحركات جاء نتيجة لمعرفتها الجيدة بأسلوب ونهج الميليشيات، لأنها تستخدم الأسلوب القتالي نفسه الذي كانت تقاتل به الحركات لعشرات السنين في زمن النظام السابق، وهو نهج يعتمد بالدرجة الأولى على المباغتة مع كثافة النيران وسرعة الحركة والالتفاف من الخلف".
تحجيم الهجمات
وتابع السماني "لم تجد القوات المشتركة صعوبات كبيرة في قتالها ضد ميليشيات "الدعم السريع"، لأنها تعرف جيداً كل تكتيكاتها وخططها وأساليب قتالها، مما جعلها نداً قوياً تمكن من تحجيم هجماتها في كل المعارك والجولات القتالية التي خاضتها ضدها وتحقيق انتصارات باهرة عليها وكاسحة بفضل معرفتها بتضاريس وطبيعة المنطقة إلى جانب طرق وأساليب قتالها".
وأشار إلى أن "معارك القوة المشتركة لم تكن محصورة في مدينة الفاشر بشمال دارفور، بل امتدت لتشمل محاور ولايات القضارف ونهر النيل والخرطوم، إذ تقاتل مع الجيش في المعارك الدائرة حالياً في أم درمان وسنار ومنطقة الدندر". وأضاف "لقد أربك تحرك هذه القوات في اتجاهات عدة كل حسابات (الدعم السريع)، بخاصة بعد تحقيق أكبر إنجازاتها بقطع طرق الإمداد التي كانت تستفيد منها الميليشيات لتأمين العتاد الحربي والعربات المسلحة القتالية، كما فرضت وجودها وبسطت سيطرتها على كل المناطق في المثلث الحدودي بين ليبيا وتشاد والسودان، بخاصة منطقتا الرهو وجبل عطرون".
وأكد متحدث باسم "التحالف" أن "قوة كبيرة من الحركات وصلت قبل أيام إلى جبل عدولة القريب من مدينة الضعين عاصمة شرق دارفور، وتمكنت من فرض وجودها بغرض قطع الطريق أمام أي عملية إمداد إلى مدينة الفاشر لمصلحة قوات "الدعم السريع".
وتقدر أعداد القوات المشتركة بما يفوق الـ5 آلاف مقاتل، معظمها من قوات حركتي "جيش تحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي، و"العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، كما يقدر عدد العربات المقاتلة التي تستخدمها بأكثر من 130 عربة، غالبيتها في إقليم دارفور ومحيط مدينة الفاشر على وجه التحديد.
النمط التشادي
على نحو متصل، أوضح اللواء أمين مجذوب إسماعيل، الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية، القائد السابق للفرقة السادسة مشاة بالفاشر، أن "مشاركة قوات الحركات كان لها تأثير كبير في ميزان القوى على الأرض بخاصة في دارفور. وكان تدخلها في معارك الفاشر حاسماً في دفع قوات "الدعم السريع" للتحول إلى مناطق أخرى، إلى جانب تمدد العمليات الهجومية في قاعدة الزرق ووادي أم بار ومنطقة وادي هور، كما يمكن أن تمتد إلى تحرير ولايات دارفور الأخرى.
وأشار إسماعيل إلى أن "قوات الحركات المسلحة تتمتع بتجربة وخبرة كبيرتين في القتال بمناطق دارفور، وهي أصلاً تقاتل على النمط المعروف بالحرب التشادية، وهو القتال القائم على المطاردة والمباغتة والمواجهة المباشرة بعربات الدفع الرباعي، إذ كانت منذ عام 2003 تقاتل ضد الجيش الحكومي وقوات حرس الحدود والاستخبارات العسكرية ثم "الدعم السريع" قبل أن توقع على اتفاق جوبا لسلام السودان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إرادة ووجود
وتابع إسماعيل "في بداية الحرب قررت الحركات المسلحة الوقوف على الحياد كموقف سياسي، لكن بعد اعتداء قوات (الدعم السريع) على حواضنها في مدن وقبائل دارفور، وانحرافها عن أهدافها التي أعلنتها في بداية الحرب، قررت خوض المعارك ضدها، لا سيما بعدما أصبح القتل في دارفور يتم على أساس العرق والهوية مثلما حدث في مدينة الجنينة ومقتل الوالي الأسبق خميس أبكر وأبناء قبيلة المساليت، وتكرار الأمر ذاته في مدن زالنجي بوسط دارفور، ونيالا بجنوب دارفور". وزاد "لذلك دخلت تلك الحركات الحرب بطبيعتين أولاهما إرادة قتالية قوية باعتبار أن القتال بالنسبة إليها بات مسألة وجودية في مواجهة حتمية بينها وبين (الدعم السريع) وحواضنه، وهي إرادة قتال ليست سهلة، فضلاً عن اعتبارها نفسها ملزمة بالوقوف مع الجيش نتيجة توقيعها اتفاقاً للسلام مع المكون العسكري، لذلك لم تنحصر مشاركتها في المعارك على دارفور وحدها بل شملت محاور أخرى في الجزيرة وسنار وشمال العاصمة الخرطوم".
وتضم القوة المشتركة عناصر بأعداد متفاوتة من حركات "العدل والمساواة - جبريل إبراهيم" و"حركة جيش تحرير السودان - مني أركو مناوي" و"التحالف السوداني - خميس عبدالله أبكر" و"تجمع قوى تحرير السودان" المنشقة عن الطاهر حجر و"حركة تحرير السودان - المجلس الانتقالي" المنشقة عن الهادي إدريس و"حركة تحرير السودان - مصطفى تمبور"، إلى جانب "الحركة الشعبية شمال - الجبهة الثورية/ مالك عقار".
الثأر التاريخي
من جانبه أوضح المراقب والباحث في الشؤون الأمنية عاصم إبراهيم الأمين أن "القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة تلقت دعماً كبيراً بالعتاد الحربي والمؤن والمركبات من الجيش، كما نظمت لها دورات تدريبية تنشيطية، أسهمت في تعزيز كفاءاتها القتالية إلى جانب رفدها بعدد من المقاتلين الجدد"، لافتاً إلى مستوى التنسيق الكبير بينها وبين الجيش في كل المحاور.
وأوضح الأمين أن "قوات الحركات تمتلك عقيدة عسكرية صلبة ومتمرسة مشحونة بروح الثأر التاريخية والدوافع العرقية في مقاتلة قوات "الدعم السريع". وبخلاف تاريخها القتالي ضد "الدعم السريع"، فهي تدخل المعركة من دون خيار الانسحاب في ما يعرف بالقتال المصيري لأن التراجع يعني الخسارة المطلقة بالنسبة إليها". وأضاف الباحث أن "ما حققته القوة المشتركة في دارفور انعكس أثره في كسر حدة هجمات (الدعم السريع) على الفاشر إلى جانب تشتيتها وملاحقتها في حواضنها بفضل المساندة الجوية الكبيرة التي يجدها من الطيران الحربي للجيش، إذ تمكنت من محاصرة مدينة الضعين في شرق دارفور، وهو أسلوب مؤذ لـ(الدعم السريع) يهدد بضرب عمقه ويخلخل رصيده وقواعده المجتمعية بالإقليم".
إنهاء الحياد
وقبل نحو 6 أشهر أعلنت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا مسار دارفور، إنهاء حالة الحياد والقتال مع الجيش ضد "الدعم السريع" في كل الجبهات، احتجاجاً على "انتهاكات قوات الدعم وممارساتها ضد الوطن والمواطن والجرائم ضد الإنسانية"، مشددة على تمسكها بوحدة السودان ورفضها "الأجندة الجارية لتفكيك السودان".
وأعلن كل من مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم التخلي عن الحياد والانحياز إلى الجيش في حربه ضد "الدعم السريع" التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي، إلى جانب كل من نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، ورئيس "حركة تحرير السودان" مصطفى تمبور، بحجة "الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها ميليشيات "الدعم السريع".
في المقابل، فإن "حركة تحرير السودان - المجلس الانتقالي" بقيادة الهادي إدريس و"تجمع قوى تحرير السودان" بقيادة الطاهر حجر، والقائدان عضوان في مجلس السيادة الانتقالي، تمسكتا بالحياد والمطالبة بوقف الحرب، مما تسبب في إعفائهما من منصبيهما من قبل الفريق عبدالفتاح البرهان.