ملخص
تعاني باكستان من انقطاع الكهرباء على رغم قدرتها على توليد طاقة تفوق احتياجها بسبب سوء الإدارة في مجال الطاقة
قبل نحو 10 أعوام، كانت المدن الباكستانية وقراها تواجه انقطاع الكهرباء في موسم الصيف لساعات طويلة، تصل أحياناً إلى أكثر من نصف ساعات اليوم وسط استياء شعبي واحتجاجات من الأحزاب المعارضة، لتستقبل باكستان استثمارات محلية وصينية كبيرة في محطات توليد الكهرباء خلال العقد الأخير وتنجح الحكومة في السيطرة على نقص الطاقة، لكن سرعان ما أصبحت هذه المحطات عبئاً على الخزانة الوطنية وعلى جيوب المستهلكين على حد سواء.
يرى بعض الخبراء أن الحكومات السابقة وقعت معاهدات غير عملية مع شركات أجنبية ومحلية لبناء محطات توليد الكهرباء، إذ وعدت الحكومة تلك الشركات بأرباح ثابتة على إنتاج الطاقة من دون النظر في استهلاكها، كما أن هذه الفوائد تدفع بالعملة الأجنبية. وربما كانت الحكومة تتوقع أنشطة تجارية متزايدة في الدولة مما سيزيد من استهلاك الكهرباء، لكن الحقيقة أن سعر وحدة الكهرباء تضاعف خلال الأعوام الأخيرة بسبب انهيار قيمة العملة المحلية، بينما تزيد مستحقات الشركات غير المدفوعة كل عام بسبب تعذر الحكومة عن دفعها.
الفرق بين توليد الطاقة وتوفيرها
كثرت التساؤلات حول أسباب مواجهة باكستان انقطاع الكهرباء، ولماذا يزيد سعر الكهرباء بصورة مستمرة على رغم أن قدرة توليد الطاقة في باكستان تبلغ 46 ألف ميغاوات، في حين يبلغ الطلب الأقصى في الصيف 31 ألف ميغاوات. وتكمن الإجابة في المعاهدات التي أبرمتها الحكومة مع شركات توليد الكهرباء، التي يعدها البعض سبباً رئيساً لأزمة الطاقة في الدولة وتبعاتها الاقتصادية.
ووفقاً لتقرير صدر أخيراً عن بنك التنمية الآسيوي، فقد برز قطاع الطاقة في باكستان باعتباره أكبر عقبة في طريق تنمية البلاد، إذ تعد الكهرباء هي الأغلى من ناحية بينما تستمر الضرائب المتعلقة بالكهرباء في الزيادة، وهو ما يظهر أثره في التدهور الاقتصادي للبلد بأكمله. كما أن الأضرار التي ألحقها قطاع الطاقة باقتصاد البلاد بين عامي 2007 و2020 قدرت بنحو 82 مليار دولار، مما أدى إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج القومي بـ23 في المئة علاوة إلى زيادة نسبة الفقر والبطالة في البلاد. ويمكن فهم حجم هذا الضرر من خلال النظر إلى نسبة الخسائر التي سببها قطاع الطاقة للدولة، إذ يبلغ إجمال الدين الخارجي لباكستان 86.35 مليار دولار بحسب قسم الشؤون الاقتصادية في تاريخها، وهو حجم الخسائر نفسه في قطاع الطاقة خلال 13 عاماً.
يقول المتخصص الاقتصادي وعضو مجلس النواب ميرزا أختر بيغ في هذا الصدد إن أزمة الطاقة عرقلت طريق التنمية في البلاد. وأضاف أن كلفة الكهرباء زادت كثيراً لدرجة أنه أصبح من المستحيل للتجار المصدرين المنافسة على المستوى العالمي بسبب زيادة كلفة الإنتاج، كما أن زيادة الأسعار في القطاع الزراعي ولدت مشكلة الأمن الغذائي في دولة يعيش عدد كبير من سكانها تحت خط الفقر.
ويتساءل بيغ عن سبب عدم توجه الحكومة لمصادر الطاقة البديلة في وقت ترتفع فيه فواتير الكهرباء ويتناقص استهلاك الطاقة بصورة مستمرة، كما أن الحكومة لم تنجح في تغيير المعاهدات مع شركات توليد الطاقة على رغم أن قدرة الإنتاج بلغت أعلى مستوياتها.
ومن جانب آخر، يسلط المحلل الاقتصادي والصحافي مهتاب حيدر الضوء على "أسباب سوء إدارة قطاع الطاقة"، إذ يرى أن "قطاع الطاقة أدى إلى تدهور الاقتصاد لكن الأشخاص المرتبطين بالقطاع الذين يتمتعون بنفوذ كبير في الدولة يستفيدون من هذه الأزمة ولا يريدون إجراء إصلاحات في القطاع. والأرقام الحقيقية لسرقة الكهرباء وسوء الإدارة داخل القطاع لم تعرض على الشعب بعد، وهي في الواقع أكثر من موازنة الدفاع الباكستانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن الأزمة بدأت عندما قامت الدولة بتفكيك هيئة توزيع الطاقة والمياه وشكلت بدلاً منها شركات توزيع الكهرباء بناء على طلب من البنك الدولي في عقد التسعينيات. و"أنشئت شركات متخصصة لنقل الكهرباء وكان يتعين بعد ذلك تسليم كل شيء إلى القطاع الخاص، لكن ذلك لم يتم لأنه كان سيؤثر في مصالح أصحاب النفوذ والنتيجة لتلك السياسة أن هذا القطاع وحده تسبب في كثير من الضرر لباكستان، إذ تعادل خسارته إجمال الديون الخارجية لباكستان".
ويقول المتخصص الاقتصادي قيصر بنغالي إن ما يقوله بنك التنمية الآسيوي عن خسائر قطاع الطاقة وأضرارها على الاقتصاد تنبأنا به منذ عام 2001. و"اليوم عندما دخلت البلاد في طريق مسدود يتحدث الجميع عن هذه الأزمة، لكن المشكلة الحقيقية أن أصحاب المصالح والمستفيدين من قطاع الطاقة هم جزء من كل حكومة منذ عام 2008".
وتساءل بنغالي كيف ستتمكن الحكومة التي تعقد اجتماعات يومية حول كيفية الخروج من هذه الأزمة من تجنيب الدولة الخسائر إذا استمرت في الحفاظ على مصالح أصحاب الشركات؟ "لقد دمرت قطاعات الزراعة والصناعة والأعمال بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء، بينما أولئك الذين يفترض أن يضبطوا الأزمة ترتبط مصالحهم بقطاع الطاقة، لذا يحرم الشعب من الكهرباء بكلفة قليلة. ويمكن فهم أسعار الكهرباء في باكستان من خلال مقارنتها بالدول المجاورة.
أسعار الكهرباء في باكستان والهند
تقول الحكومة الباكستانية إن سبب ارتفاع الكهرباء هو أن أكبر مصدر للطاقة في باكستان هو الوقود الأحفوري بما في ذلك النفط والغاز والفحم، بينما تبلغ حصة الطاقة المائية والمصادر المتجددة الأخرى 36 في المئة فقط من إنتاج الطاقة الكلية، وتضطر باكستان إلى استيراد النفط الخام والغاز الطبيعي المسال بـ15 إلى 20 مليار دولار سنوياً، لذا تزيد كلفته مع انخفاض قيمة العملة المحلية بسبب الفراغ الكبير بين الصادرات والواردات، وتنعكس هذه الزيادة في غالب السلع المتوافرة في الأسواق. ومن خلال المقارنة بأسعار الكهرباء في الدول الأخرى نجد أن سعر وحدة الطاقة في باكستان – بعد خصم الضرائب المفروضة في فواتير الكهرباء – يبلغ 15 سنتاً، في حين يصل معدل سعر الوحدة في المنطقة إلى تسعة سنتات، أي إن الكهرباء في باكستان أغلى بنسبة 45 في المئة من الدول الأخرى في العالم وفي المنطقة.
ومن جانب آخر، نجد أن المستهلكين في الهند التي استقلت مع باكستان وتعد دولة أكبر من باكستان من حيث المساحة والسكان، يحصلون على الكهرباء بنصف السعر الذي يتوافر في باكستان. وعلى رغم أن الفرق في أسعار الكهرباء الأساس بين الهند وباكستان ليس كبيراً فإن معدل الضريبة في الهند على الكهرباء منخفض جداً، إذ تساوي قيمة الضرائب المفروضة على فواتير الكهرباء قيمة وحدة الطاقة تقريباً بينما تصل تلك الضرائب في الهند إلى 18 في المئة من سعر الوحدة على الأكثر. وهناك مناطق في الهند توفر الكهرباء بأسعار مخفضة جداً، على سبيل المثال يعتمد حزب "عام آدمي" الذي يحكم نيودلهي منذ عام 2015 سياسة الفاتورة الصفرية (كهرباء مجانية) لمستهلكي الكهرباء الذين لا يستهلكون أكثر من 200 وحدة، بينما طبق الحزب السياسة نفسها في إقليم بنجاب للأسر التي تستهلك 300 وحدة كهربائية أو أقل، إذ يستفيد نحو 90 في المئة من الأسر في بنجاب من هذه السياسة من خلال تقديم دعم حكومي بـ115 مليون روبية (نحو مليون و373 ألف دولار).
وقدمت الهند دعماً بقيمة 39.3 مليار دولار خلال السنة المالية الماضية لإبقاء أسعار فواتير الكهرباء منخفضة. وفي يونيو (حزيران) الماضي واجهت الهند أكبر نقص في الطاقة خلال الأعوام العشرة الماضية إذ بلغ عجز الطاقة 14 ألف ميغاوات. وتسعى الهند إلى استثمار 600 مليار دولار في قطاع الطاقة بحلول عام 2030 لتلبية حاجاتها المتزايدة من الطاقة، ولهذا الغرض حددت هدفاً يتمثل في توليد 450 ألف ميغاوات من الكهرباء من مصادر الطاقة البديلة.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"