أعلنت الحكومة الفرنسيَّة، الأسبوع الماضي، مشروع ميزانيَّة 2020، وأوضح برونو لومير وزير الماليَّة بعضاً من ملامح الميزانيَّة، وقال "نريد أن نستجيب إلى الأزمة الاجتماعيَّة الداخليَّة، والاستعداد لمواجهة تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي". تقترح الموازنة خفض الضرائب، مثل ضريبة ذوي الدخل المنخفض ستنخفض إلى 11% من 14% ابتداءً من يناير (كانون الثاني) 2020. 17 مليون فرنسي سيستفيدون من هذا الخفض الذي يبلغ 300 يور (328 مليون دولار)، وإجمالي الضرائب على الأفراد والشركات سينخفض بنحو 11.1 مليار دولار، كذلك خفّضت الحكومة توقعاتها لنمو الاقتصاد في 2019 إلى 1.4+%، و1.3% لـ2020، وبشأن عجز الموازنة سينخفض من 3.1% (الآن) إلى 2.2% في 2020 مقارنة بمستوى 2.00% الذي استهدفته الحكومة في وقت سابق، تحاول حكومة إيمانويل ماكرون أن تُنعش الاقتصاد ببرامج خفض ضرائب الدخل وإعفاءات ضريبيَّة للشركات بحزمة إجراءات وإصلاحات تبلغ 11.1 مليار دولار.
ماكرون حليف الأثرياء الذي أغضب السترات الصفراء
إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الحالي كان يشغل حقيبة الماليَّة في حكومة فرانسوا أولاند، وكان يرى حينذاك أن الطريق الجديد الذي يجب أن تسير فيه باريس هو الطريق الليبرالي الذي يقلص حجم الدولة، ويخفض مسؤولياتها الاجتماعيَّة، فاز في الانتخابات الرئاسيَّة في مايو (أيار) 2019 على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين بـ65.5% في الجولة الثانيَّة.
خالف ماكرون سلفه أولاند في التخفيضات الضريبيَّة، فرانسوا أولاند في 2012 رفع الضرائب على الأثرياء وأصحاب الدخل المرتفع، بينما طرح ماكرون التخفيضات الضريبيَّة كأحد محاور خطته للإصلاح الاقتصادي في الصراع الانتخابي لرئاسة الجمهوريَّة في 2017، قامت وعوده الانتخابيَّة على خفض النفقات العامة للدولة بـ65.6 مليار دولار في خمس سنوات، وإلغاء 120 ألف وظيفة وتخفيض ضرائب الشركات، في أول موازنة للرئيس ماكرون 2018 ألغى ضريبة الثروة وألغى التخفيضات الضريبيَّة التي يطالب بها قطاع كبير من العاملين في فرنسا، واعتمد برامج لتحفيز الاقتصاد صديقة لقطاع الأعمال، ما جعله في نظر نقابات العمال وحركات الاحتجاج رئيساً للأثرياء، هذا الأمر تسبب في أن يحتشد عام 2018 بالتوترات التي تحوَّلت إلى حركة احتجاج مستمرة في فرنسا. في موازنة العام المقبل يبدو أن ماكرون يحاول تخفيف السخط الشعبي تجاه سياساته، واستعادة شعبيته.
تدابير التقشف تفجّر أزمة السترات الصفراء
في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 كان انتشار تظاهرات السترات الصفراء تنديداً ورفضاً للسياسات الماليَّة والاجتماعيَّة للحكومة الفرنسيَّة، وكانت منطقة الشانزليزيه مركزاً للاحتجاجات يوم السبت من كل أسبوع، الحركة التي انطلقت في صيف 2018 بدأت حركة الاحتجاج رافضة زيادة أسعار الوقود ومطالبة بإلغاء الضريبة على الوقود ورفع الحد الأدنى للأجور، وتحوَّلت إلى حركة ذات مطالب عريضة.
حاولت حكومة ماكرون الاستجابة إلى مطالب السترات الصفراء، إذ ألغت ضريبة رواتب المتقاعدين من ذوي الدخل الأقل من 2.200 دولار أميركي شهرياً، وأعلنت زيادة الحد الأدنى للأجور بـ110 دولارات، يستفيد منها 5 ملايين فرنسي، إضافة إلى إلغاء الضريبة على الأجر الإضافي، قامت الحكومة بهذه التدابير في نهايَّة 2018 لامتصاص غضب المحتجين. تشير التقديرات إلى أن التكلفة الإجماليَّة لخسارة الاقتصاد الفرنسي بسبب احتجاجات السترات الصفراء تتجاوز الـ5.5 مليار دولار، وتأثر نمو الاقتصاد في 2018 الذي تباطأ، وسجَّل نمواً بـ1.5+ % متراجعاً من 2.3% هو نمو الاقتصاد في 2017، هذا جعل الحكومة الفرنسيَّة تعيد التفكير في إجراء معالجات للوضع الاجتماعي، وإطلاق بعض البرامج خلال 2019.
2020 بين تباطؤ الاقتصاد وسخط السترات الصفراء
واضح جداً أن موازنة 2020 تستهدف تخفيض الضرائب على الأفراد لرفع القوة الشرائيَّة للمستهلك الفرنسي، التخفيضات الضريبيَّة التي بشّرت بها الميزانيَّة كل 11 دولاراً خفض ضريبي، 9.5 دولار منها للمستهلكين مقابل 1.5 دولار للشركات، تبلغ قيمة خفض ضرائب الأفراد 10.2 مليار دولار مقابل 1.1 مليار دولار للشركات، ستنخفض ضرائب الشركات بـ14.2 مليار دولار خلال الخمس سنوات فترة إيمانويل ماكرون الرئاسيَّة، تأتي ميزانيَّة 2020 في ظل تحديات كبيرة تواجه الاقتصاد في منطقة اليورو، تباطؤ نمو الاقتصاد وضعف أداء القطاع الصناعي تسببا في انكماش الاقتصاد، شهد الفصل الثاني من هذا العام تباطؤ اقتصاد منطقة اليورو ليسجل نمواً فقط بـ0.2+ %، متراجعاً من 0.4+ % في الفصل الأول، هذا إضافة إلى مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق بحلول الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أيضاً هناك تأثير واضح للحرب التجاريَّة بين أميركا والصين على النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الصعيد نفسه ترتفع توقعات بدايَّة شرارة حرب تجاريَّة بين أوروبا وأميركا، ربما تندلع بين واشنطن وباريس، تعود جذور الخلاف إلى فرض باريس ضرائب على الشركات التي تقدم الخدمات الرقميَّة. في يوليو (تموز) 2019 مرر مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قرار لسن قانون يفرض ضرائب على الخدمات الرقميَّة التي تقدمها شركات التكنولوجيا التي يبلغ حجم إيراداتها 830 مليون دولار عالمياً في السنة و28 مليون دولار من السوق الفرنسيَّة بفرض ضريبة تبلغ 3٪، متوقع أن تطال هذه الضريبة 30 شركة، من بينها الشركات الأميركيَّة الكبرى (أمازون، فيسبوك، غوغل وغيرها)، ويتوقع أن تحقق باريس 438 مليون دولار من هذه الإجراءات الضريبيَّة، وهذا الإجراء ربما يسرّع بالحرب التجاريَّة بين واشنطن وباريس، عليه خرجت موازنة 2020 تستصحب معها هذه المخاطر على الاقتصاد الفرنسي.