دخل الوضع الاجتماعي في الجزائر منعرجاً خطراً بعد ارتفاع أعداد المهاجرين نحو السواحل الأوروبية بطريقة غير شرعية، وتوسّع الظاهرة لتشمل النساء والأطفال والرضع بعدما كانت شبه مقتصرة على الشباب. وباتت أخبار انقلاب قوارب وإنقاذ شباب من موت محقق وسط البحر المتوسط، وفقدان آخرين وانتشال جثث أطفال وشبان تسيطر على الصفحات الأولى للجرائد وتتصدر النشرات الإخبارية في القنوات الفضائية، وأصبحت حديث العام والخاص.
كوارث إنسانية في المتوسط
وشهدت الأيام الأخيرة فواجع إنسانية عدة أثارت الرأي العام الجزائري، بعد محاولات فاشلة للهجرة بطريقة غير شرعية نحو إسبانيا وإيطاليا، وأهمها انتشال جثتَي طفل وشاب في عرض البحر السبت، بعد انقلاب زورق مقابل السواحل الغربية للجزائر، فيما نجا 20 شخصاً من بينهم امرأة وولديها، كما أُحبطت محاولات عدة للوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط، حيث كشفت وزارة الدفاع الجزائرية أن عناصر حرس السواحل أبطلت محاولة 295 شخصاً الهجرة بطريقة سرية منذ بداية سبتمبر (أيلول) الحالي في سابقة لم تشهدها السواحل الجزائرية منذ التسعينيات.
وتمكن حرس السواحل ليلة الجمعة - السبت، من إنقاذ 5 أشخاص في محافظة تيبازة (وسط)، فيما هلك شخص سادس كان معهم على متن قارب بصدد الإبحار إلى الضفة الأخرى. وأُنقذ الأسبوع الماضي، 6 أشخاص وانتُشلت جثة سابع إثر تعطل محرك قاربهم على سواحل المحافظة ذاتها، بينما أحبطت محاولات هجرة غير شرعية لـ116 شخصاً خلال 24 ساعة على سواحل محافظات غرب الجزائر، من بينهم أطفال ونساء، من جنسيات سورية ومغربية وجزائرية.
وجوه النظام السابق سبب الإحباط
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق ذاته، أعلنت منظمة الهجرة الدولية وفاة 859 مهاجراً غرقاً في البحر المتوسط خلال محاولات الوصول إلى أوروبا، منذ مطلع عام 2019 وحتى 22 أغسطس (آب) الماضي، وأشارت إلى أن أغلب الضحايا لقوا حتفهم قبالة سواحل شمال أفريقيا، وأوضحت أن ما يزيد على 45 ألف مهاجر وصلوا إلى القارة العجوز من طريق البحر في الفترة ذاتها، بانخفاض بنسبة 30 في المئة عن ذات المدة في عام 2018.
وتعيد هذه الأرقام والكوارث إلى أذهان الجزائريين، صور الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد في التسعينيات، حين شهدت ظاهرة الهجرة غير الشرعية تصاعداً لافتاً. وفتحت عودتها في الفترة الأخيرة باب التساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي دفعت أناس من مختلف فئات المجتمع إلى المغامرة بالهجرة عبر قوارب صيد مهترئة ومواجهة أمواج البحر المتوسط.
ورأى دحماني أن "السياسيين يتحملون مسؤولية عودة الظاهرة بعد فتور ارتاح له الشعب الجزائري، تحقق إثر انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) الماضي". وقال إن "الحراك الشعبي أعاد الأمل وجاء الساسة ليزرعوا اليأس في النفوس".
وأوضح دحماني أن "المستوى الضعيف الذي بلغه الحراك بات فضاء للتخوين وللتمجيد والجهوية وتبادل الاتهامات والشتائم، إضافة إلى تراجع الإعلام عن مرافقة الشارع في مسعاه، في انقلاب على المهنية، بعكس ما كان عليه الوضع سابقاً، وانتقال السياسيين إلى رحلة البحث عن تحقيق مصالحهم الضيقة والتنافس على المناصب بعيداً من حمل انشغالات الشعب، أهم الأسباب التي دفعت بالشباب إلى التفكير في الهجرة بأي ثمن ولو على حساب حياتهم، في مشهد يؤكد حالة الإحباط التي بلغها المجتمع".