ملخص
أثارت دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الوحدة الوطنية جملة من التساؤلات حول توقيتها وشروطها وآليات تفعيلها، بينما استبعدت المعارضة فتح السلطة الحالية باب الحوار.
ألقت التطورات المتسارعة في المنطقة، خصوصاً ما حدث في سوريا، بظلالها على دول المغرب العربي، وشمال أفريقيا، على غرار، مصر والجزائر وتونس، إذ سارعت هذه الدول إلى التذكير بأهمية الوحدة الوطنية، وإصدار عفو عن عدد من المساجين في محاولة لتخفيف الضغط الداخلي.
وبمناسبة السنة الإدارية الجديدة، أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عفواً رئاسياً عن عدد من المساجين.
كما أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عفواً عن عدد من المساجين من منطقة سيناء، وطالبت منظمات حقوقية مصرية بالتوسع في قرارات العفو، لتشمل النشطاء السياسيين.
وبمناسبة عيد "الثورة" في تونس، أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد عفواً عن 1570 سجيناً، وقال سعيد خلال اجتماع لمجلس الوزراء، إن "التحديات كثيرة، لكن أهم سد في مواجهة كل أشكال التحديات في ظل هذه الأوضاع المتسارعة وغير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم، هو وحدة وطنية صماء تتكسر على جدارها كل المحاولات اليائسة لضرب الاستقرار".
وأثار هذا التصريح جملة من التساؤلات والمواقف المتباينة حول توقيت الحديث عن الوحدة الوطنية وعن شروطها وآلياتها. وانقسمت المواقف بين من يرى أنها دعوة للاستهلاك الخارجي، في غياب أي مبادرة في الداخل، نحو تكريس الوحدة الوطنية، عبر الحوار، أو إطلاق سراح المساجين السياسيين، ومن يعد أنه آن الأوان لطي صفحة الخلافات والانقسامات الداخلية، والعمل على لم شمل التونسيين بمختلف أطيافهم، باستثناء من تآمر على البلاد، وفتح المجال للتدخل الخارجي في شؤون البلاد الداخلية.
لا حوار مع من يدعم الإرهاب
ويكثر الحديث عن الوحدة الوطنية، كتعبير سياسي، خلال الأزمات، لتصبح شعاراً لتعبئة الشعوب في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وفي السياق أكد الناطق الرسمي باسم "التيار الشعبي" محسن النابتي أن "الحديث عن الوحدة الوطنية كشعار سياسي تزامن مع سقوط النظام في سوريا"، ودعا النابتي إلى "الاتفاق على آليات واضحة لتنفيذ هذا الشعار عبر بلورة مشروع وطني واضح المعالم، يقوم على الاتحاد في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية الداخلية والخارجية"، مشيراً إلى أن "رئيس الجمهورية لم يوضح ماهية هذه الوحدة الوطنية والقوى التي ستشارك فيها".
وبينما دعا النابتي إلى "العفو عمن يقبعون في السجون تحت طائلة المرسوم 54، لتنقية المناخ العام"، شدد على ضرورة "محاسبة كل من تعلقت بهم تهم ذات علاقة بالإرهاب والفساد وتبييض الأموال"، وقال إن الوحدة الوطنية "لا تعني تبييض الإرهابيين".
يذكر أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قد اتهم، مطلع العام الماضي، المعارضة بتلقي الأموال من الخارج لإفشال الانتخابات البرلمانية، قبل أن تشن السلطات الأمنية حملة اعتقالات طاولت شخصيات سياسية بارزة ورجال أعمال وحقوقيين وإعلاميين، ويواجه عدد منهم تهمة التآمر على أمن الدولة.
جبهة وطنية وإعلان مبادئ
وعلى رغم الانقسامات السياسية الحادة في تونس، رأى الأمين العام لحركة "تونس إلى الأمام" عبيد البريكي "أنه يمكننا أن نتفق على قاعدة الاختلاف"، معتبراً أن "الأولوية اليوم هي في تحديد الخطر الداهم الذي يحدق بتونس وهو الإرهاب، ثم تكوين جبهة وطنية أو إعلان مبادئ على هذا الأساس يشمل القوى الرافضة للإرهاب، وتأجيل تناقضاتها إلى مرحلة لاحقة"، داعياً إلى "تجاوز سردية مع أو ضد مسار 25 يوليو (تموز) 2021، لأن الشعب التونسي حسم أمره من خلال التفويض الشعبي الذي منحه إلى رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"التهدئة" بدل الوحدة الوطنية
ولا يختلف اثنان في أن المناخ الجيوسياسي المتقلب في المنطقة هو الذي فرض الحديث في الخطاب السياسي عن الوحدة الوطنية، فإن شروط تحقيقها في الواقع السياسي الراهن تبدو بعيدة، لذلك يرى المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية طارق الكحلاوي أن "التهدئة هي العبارة الأنسب في الجو السياسي المتسم بالحدة والانقسام".
وبعد أن تساءل عن أسس تفعيل الوحدة الوطنية، دعا الكحلاوي إلى "إخلاء سبيل بعض المساجين الذين لا يشكلون خطراً، والتخفيف من حدة الضغط على حرية الرأي والتعبير، من أجل تهدئة قد تعبد الطريق أمام توافقات سياسية وسط الشعور المتزايد بالقلق مما يجري في المنطقة".
سعيد لن يحاور المعارضة
وبين من يتلمس سبيلاً للتهدئة في واقع سياسي منقسم، ومن يرى إمكانية للاتفاق على أهداف محددة على رغم الاختلاف، هناك من يستبعد تماماً فكرة الوحدة الوطنية في اللحظة السياسية الراهنة في تونس، على اعتبار أن رئيس الجمهورية لا يمكنه أن يفتح باب الحوار مع النخب السياسية التي كثيراً ما اتهمها بالخيانة والعمالة.
ورأى الأمين البوعزيزي الناشط السياسي وأستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية أن "الحديث عن الوحدة الوطنية هو حديث في السياسة، التي تستبطن الصراع والتنافس لإدارة الشأن العام في البلاد، بينما تم اليوم تأميم الحياة السياسية، وقتل الممارسة الحزبية والمدنية، وعليه، الدعوة إلى الوحدة الوطنية هي دعوة متأخرة، تتزامن مع التقلبات السياسية في المنطقة، وهي فقط للاستهلاك الخارجي"، وأضاف أن "الحكومات التي لها مشروع قومي هي التي ترفع شعار الوحدة الوطنية، وتحتكر شروطها وآلياتها لأنها تستفرد بالوطنية ولا تعترف بالأجسام الوسيطة".
وتساءل البوعزيزي عن "دوافع حديث رئيس الجمهورية الآن عن الوحدة الوطنية، بعد ثلاثة أعوام من تخوين المختلفين عنه، وفي غياب أي أفق لقبول التنوع والتعددية والمعارضة"، وأقر بأنه "في ظل الوضع الراهن، فإن تونس ليست بمنأى عن الأخطار المحيطة، والحكمة تقتضي مد اليد إلى الشركاء داخل الوطن لمجابهة الزوابع التي تهدده من الخارج من خلال إطلاق سراح رموز الحياة السياسية والإعلامية، وفسح المجال للحريات لأن الوحدة الوطنية لا تكون فقط مع المؤيدين بل تشمل المختلفين".