Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرة أميركية قد تنجح في إنهاء حرب السودان

ترحيب سياسي وصمت رسمي ومشاورات في جيبوتي للتنسيق 

عرض لأعضاء كتيبة المهام الخاصة التابعة للجيش السوداني في الولاية الشمالية (أ ف ب)

ملخص

 منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل (نيسان) 2023، أخفقت كل المساعي والمبادرات والوساطات المحلية والإقليمية والدولية المتعددة في وقف الحرب.

بصورة تكاد تكون فاجأت الأوساط السياسية والعسكرية في السودان، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق مبادرة لإحياء المفاوضات بين الجيش و"الدعم السريع"، وعقد جولة مفاوضات منتصف أغسطس (آب) المقبل في سويسرا للتوصل إلى وقف العنف على مستوى البلاد، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق لوقف إطلاق النار في السودان. 

تجاوب وصمت

ووجدت الدعوة الرسمية التي وجهها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى كل من قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للمشاركة في مفاوضات برعاية أميركية في الـ 14 من أغسطس المقبل في سويسرا تجاوباً فورياً من جانب قيادة قوات الدعم السريع، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي في شأن الموقف من الدعوة الأميركية، سواء من جانب الجيش أو الحكومة السودانية الحالية، في حين رحبت معظم القوى السياسية بها.

وتهدف المفاوضات المرتقبة إلى وقف إطلاق النار، وستتم برعاية مشتركة من السعودية وسويسرا، وتشمل مشاركة جهات أخرى مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات بصفة مراقب، وفق بلينكن.

مرحلة حاسمة

ونسبت مجلة "فورين بوليسي" إلى دبلوماسيين في الخارجية الأميركية تأكيدات بأنه حال التزام طرفي الصراع في السودان بالجدية اللازمة لإنهاء النزاع وابتعاث مفاوضين على مستوى عال من جانبهما، فإن كلاً من بلينكن والمندوبة الأميركية الأممية ليندا توماس سيشاركان في المفاوضات.

ووصف الدبلوماسي الأميركي السابق كاميرون هدسون مساعي واشنطن الحالية بأنها تشير إلى إدراك الولايات المتحدة للمرحلة الحاسمة التي يمر بها السودان، مما دفعها إلى الإقدام على اعتماد مثل هذه الخطوة المحفوفة بالأخطار.

وعدّ هدسون أن مثل هذا النوع من الإعلان الأميركي مغامرة كبيرة لجهة عدم توافر أي ضمان بمشاركة الأطراف المعنية في المفاوضات المعلن عنها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورهن الدبلوماسي السابق نجاح المفاوضات بمدى قدرة واشنطن على التحكم في تأثيرات الدول الخارجية المرتبطة بالصراع، بينما تتواصل مساعي الضغط على الأطراف المعنية بغرض التوصل إلى اتفاق مع المحافظة على ذلك الضغط.

دقلو يرحب

في المقابل رحب قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو بالدعوة الأميركية والمشاركة في محادثات سويسرا المرتقبة، وعبّر في بيان عبر حسابه على منصة "إكس" عن تقديره للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والسعودية وسويسرا لتنظيم هذه المداولات المهمة، كما أكد بيان قائد "الدعم السريع" الالتزام بالمشاركة في مفاوضات سويسرا والتطلع إلى العمل بجد من أجل مستقبل سلمي وديمقراطي بالسودان.

 

 

وأضاف، "نتشارك مع المجتمع الدولي الهدف المتمثل في تحقيق وقف شامل لإطلاق النار في أرجاء البلاد كافة، وتسهيل الوصول الإنساني لجميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق يُتوصل إليه".

وعبّر دقلو عن استعداده للتعاطي بصورة بناءة مع الدعوة الأميركية، والتطلع إلى أن تشكل المفاوضات المرتقبة خطوة كبيرة نحو السلام والاستقرار وتأسيس دولة سودانية جديدة قائمة على العدالة والمساواة والحكم الفيدرالي.

ترحيب سياسي

وضمن ردود أفعال القوى السياسية السودانية، رحبت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بدعوة وزير الخارجية الأميركي للجيش و"الدعم السريع" إلى الدخول في محادثات سويسرا لوقف اطلاق النار، وعبّر بيان لـ "تقدم" عن الأمل في أن تثمر هذه المبادرة وقفاً عاجلاً للقتال عبر الالتزام التام من جميع الأطراف، مؤكداً أن الطريق الوحيد لتجنيب "بلادنا شبح الانهيار الشامل هو وقف الحرب عبر الحلول السياسية السلمية".

من جانبه اعتبر القيادي في الكتلة الديمقراطية مبارك أردول أن الدعوة الأميركية فرصة لا ينبغي تضييعها تحت أية مبررات، بخاصة أن الأجندة المطلوبة في مسار التفاوض الأمني واضحة ومعروفة ولن يفيد التهيب من المنابر، ومنادياً بأهمية قبول الدعوة الأميركية للتفاوض حول المسارين الأمني والإنساني فقط.

جميع البنادق

وأضاف، "الوصول لوقف إطلاق نار شامل يجب أن يشمل ضمن مواضيع أخرى جميع الأطراف المتقاتلة في الميدان، لأن هناك حركات أيضاً تخوض الحرب أيضاً من نواحي عدة، لأن إسكات جميع تلك البنادق للأبد في منبر تفاوضي سيؤسس لإجراءات سياسية جديدة ومختلفة، تختلف عن سابقاتها".

وأعلن كل من حزبي "الأمة القومي" و"الاتحادي الموحد" ترحيبهما بالمبادرة المهمة، وناشد المتحدث الرسمي باسم حزب الأمة القومي، الواثق البرير، كلاً من الجيش و"الدعم السريع" الدخول في هذه المحادثات بقلب وعقل مفتوحين، وإرادة ومسؤولية للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والاستجابة الفورية لتوصيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين وتخفيف معاناة السودانيين، وتجنب المجاعة وإنقاذ الموسم الزراعي.

غموض رسمي

من جهة ثانية اعتبر أستاذ العلوم السياسية عبداللطيف أبو البشر أن "الدعوة الأميركية غير معزولة عن الجهود التفاوضية السابقة في 'منبر جدة' وذلك بتأكيدها استمرار العمل مع شركاء المنبر نفسه، مما لا يجعل للجيش مبرراً في التحفظ على المبادرة، وهو ما كان يمثل إحدى العقبات، ليس في نجاح المفاوضات بل في مشاركة الطرفين أساساً".

وحول غموض الموقف الرسمي من المبادرة حتى الآن، أوضح أبو البشر أن "الحكومة لا تزال تتحفظ على تسمية الطرف الحكومي بالجيش، وتعتبر ذلك انتقاصاً من السيادة، إضافة إلى اعتراضاتها السابقة في شأن مشاركة الإمارات والاتحاد الأفريقي و'منظمة إيغاد' كمراقبين في المفاوضات، فضلاً عن المخاوف والشكوك العميقة حول ما إذا كانت المبادرة ستتجاوز وتقفز على ما اتفق عليه في 'منبر جدة' من التزامات". 

 

 

لكن أبو البشر يعتقد أن الإشارات الواردة في دعوة الولايات المتحدة تشير إلى استصحاب ما تم في مفاوضات جدة، مما يبعث بتطمينات للجيش ويحفزه على القبول والموافقة على المشاركة في المفاوضات، إضافة إلى عوامل أخرى تتمثل بتزايد التدهور المستمر في أوضاع المدنيين الإنسانية واستمرار عمليات التشريد والنزوح وسوء الوضع الاقتصادي المنحدر نحو الانهيار، مع بوادر التفكك المجتمعي وخطاب الكراهية المتزايد.

مشاورات جيبوتي

وفي سياق متصل تستضيف العاصمة الجيبوتية اليوم اجتماعات تشاورية لثلاثة أيام، تشمل أطرافاً إقليمية ودولية لمناقشة جهود وقف الحرب في السودان. 

وأورد بيان لتنسيقية "تقدم" أن الاجتماعات تهدف إلى تعزيز تنسيق مبادرات جهود وقف الحرب والسلام في السودان، وعبّر عن الأمل في أن تسفر المشاورات عن تنسيق حقيقي بين جميع المبادرات بما يؤدي إلى تصميم عملية موحدة لإنهاء النزاع في السودان، مؤكداً أهمية عودة الطرفين سريعاً إلى طاولة المفاوضات والبناء على ما اُتفق عليه في السابق في جميع المنابر، وتوقيع اتفاق لوقف العدائيات مع آليات مراقبة فعالة وملزمة، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.

تصميم أميركي

في المقابل أكدت المندوبة الدائمة للولايات المحتدة في الأمم المتحدة ليندا توماس، تصميم بلادها على الوصول للسلام في السودان، مطالبة قادة الجيش و"الدعم السريع" إلى الاستجابة للدعوة والجلوس إلى طاولة التفاوض، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال المفاوضات المعلنة. ودعت توماس الطرفين إلى العمل بجد من لإنهاء هذه الحرب والمعاناة الفظيعة للشعب السوداني.

وشدد المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو عبر منشور على منصة "إكس"، على أهمية مشاركة الجيش وقوات الدعم السريع في مفاوضات مباشرة لإنهاء الصراع، فيما ينتظر أن يطلع بيرييلو الكونغرس الأسبوع الجاري بخطط المفاوضات، بعد مشاركته في إقناع كبار المفاوضين من طرفي الصراع بالمشاركة في اجتماعات جيبوتي التشاورية الجارية الآن.

رفع التحفظات

وفي سياق متصل يأمل المتخصص في العلاقات الدولية حسين عبدالمجيد في أن تعلن الحكومة السودانية، المتهمة أصلاً بالتعنت في التفاوض، موافقتها على الدخول في المفاوضات التي تقترحها المبادرة برفع تحفظاتها السابقة على مشاركة الإمارات والاتحاد الأفريقي و"إيغاد" كمراقبين في هذه المفاوضات إلى جانب مصر، من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار تمهيداً لمغادرة محطة الحرب نهائياً.

 

 

ويوضح أن الدعوة الأميركية تأتي في لحظات حرجة يواجه فيها السودان تهديداً فعلياً بالانهيار التام، وهو ما بات يدركه المجتمعان الدولي والإقليمي وطرفا الحرب كذلك.

ولم يستبعد الخبير الدولي أن تكون ثمة صلة بين انطلاق فعاليات حملات الانتخابات الأميركية وملف الحرب والسلام في السودان، باعتبار أن أي اختراق إيجابي قد تحدثه المبادرة في إنجاز وقف اطلاق النار يمثل وقوداً ورصيداً ومكسباً سياسياً لمصلحة الحملة الانتخابية للإدارة الديمقراطية الحالية.

متلازمة الإخفاق

ومنذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) 2023، أخفقت كل المساعي والمبادرات والوساطات المحلية والإقليمية والدولية المتعددة في وقف الحرب، وأبرزها "منبر جدة" التفاوضي عبر وساطة سعودية - أميركية مشتركة، إضافة إلى مبادرة منظمة "إيغاد" والاتحاد الأفريقي واللجنة الرباعية التي ضمت كلاً من كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا وجيبوتي، ومن ثم "مؤتمر قادة دول جوار السودان" الذي استضافته القاهرة في الـ 13 من يوليو (تموز) الجاري، ومساع ومبادرات أخرى من الجامعة العربية و"تنسيقية تقدم"، ومن ثم "مفاوضات البحرين" السرية، وصولاً إلى الوساطة الليبية - التركية الأحدث لمفاوضات غير مباشرة بين الجانبين.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات