ملخص
بين سياسة متشددة ضد المظاهر الدينية ومخاوف من فشلها، يتنامى الوجود الصيني في الدولة الآسيوية بسرعة، ويمكن مشاهدة آثارها في جميع أنحاء طاجيكستان، الأمر الذي يزيد من احتمال انزياح طاجيكستان للمعسكر الصيني ووجود علني للقوات الصينية تحت شعار حماية مصالح بكين.
نفت سفارة الصين في طاجيكستان الأسبوع الماضي، تقارير إعلامية تحدثت عن قيام بكين ببناء قاعدة عسكرية في دولة طاجيكستان وسط آسيا. ونفت السفارة، في بيان لها، هذه الأنباء قائلة إن المعلومات التي تداولها بعض وسائل الإعلام حول إنشاء قاعدة عسكرية صينية على أراضي طاجيكستان لا أساس لها من الصحة.
جاء هذا البيان بعد أن كتبت صحيفة "التلغراف" البريطانية في تقرير مفصل أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر أن الصين تقوم ببناء قاعدة عسكرية سرية في طاجيكستان بسبب التهديد الأمني الذي تشكله أفغانستان التي تحكمها حركة "طالبان"، وبحسب مراسلة الصحيفة صوفيا يان، فإن بكين، إضافة إلى الاستثمار الكبير في اقتصاد طاجيكستان، تريد أيضاً زيادة نفوذها العسكري في الدولة المجاورة.
وبحسب الصحيفة أيضاً، تقوم بكين ببناء قاعدة في هذه المنطقة النائية من العالم منذ ما يقارب عقداً من الزمن، وعلى رغم أن الدولتين لم تعترفا رسمياً بوجود القاعدة إلا أن وسائل الإعلام الحكومية الصينية تبث مشاهد مناورات عسكرية مشتركة بشكل منتظم على القاعدة الجبلية التي تضم قوات من البلدين، كما أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر وتيرة ثابتة في أعمال البناء على الموقع المحتمل إضافة إلى بناء الطرق المؤدية للقاعدة. والجدير بالذكر أن الصين وقّعت اتفاقية أمنية مع طاجيكستان في عام 2016، كما أنها تسعى إلى توسيع نفوذها العسكري على طول حدودها بخاصة في منطقة الهيمالايا مع الهند.
لكن سفارة الصين، من جانب آخر، تقول إن المحادثات بين الصين وطاجيكستان لا تتضمن أي خطط لإنشاء قاعدة عسكرية، وأضاف البيان أن هذا الأمر لم يكن مدرجاً على جدول أعمال المحادثات الصينية - الطاجيكية التي انعقدت أوائل الشهر الجاري.
الصين تملأ الفراغ
وأفادت "اندبندنت فارسية" في تقرير لها بأن طاجيكستان لديها قاعدة عسكرية مشتركة لكل من الصين وطاجيكستان وأفغانستان، وتم الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني بكين عام 2013، لكن القوات الأفغانية غادرت هذه القاعدة أخيراً لتصبح كلياً في أيدي القوات الصينية والطاجيكية.
وتحدثت "اندبندنت فارسية" مع مسؤول عسكري في الحكومة الأفغانية السابقة الذي كان قائداً للوحدة العسكرية الأفغانية في القاعدة. وقال المسؤول العسكري، الذي استخدم اسم جاويد المستعار، إن نحو 100 فرد من القوات الحدودية الأفغانية غادروا القاعدة بعد شهرين من سقوط الحكومة الأفغانية السابقة. وحضر جاويد الذي كان قائداً لقوة حرس الحدود في الحكومة الأفغانية السابقة اجتماعات بين الأجهزة الأمنية للدول الثلاث عقب زيارة أشرف غني بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 وتوقيع اتفاقيات عدة في القطاعين الاقتصادي والأمني بحضور الرئيس الصيني شي جينبينغ.
وبحسب جاويد فقد تم الاتفاق في الاجتماع الأول على إنشاء معسكر أمني يضم قوات الدول الثلاث في المنطقة الحدودية "في الأشهر الأولى من بناء المعسكر، كانت قوات الأمن التابعة للدول الثلاث تعيش في مخيمات عسكرية، لكن بعد نحو عام من إنشاء القاعدة قامت الحكومة الصينية ببناء معسكر كبير للوحدات العسكرية المتمركزة هناك، وتتحمل تكلفة هذه المنشآت، وتتلقى القوات الطاجيكية والأفغانية المتمركزة هناك علاوات من الحكومة الصينية إضافة إلى رواتبها الرسمية".
ورأى عالم السياسة ومدير منظمة International Alert (منظمة غير حكومية تعمل على تعزيز السلام في المملكة المتحدة) برويز مولوجونوف أن الصين ملأت الفراغ الموجود في المنطقة، وأنها تستغل المخاوف الأمنية لدى حكومة طاجيكستان على إثر تدهور الوضع في أفغانستان لمصلحتها ولتحسين القطاع الأمني.
مخاوف أمنية من حكومة "طالبان"
ويتزايد القلق بشأن حدود طاجيكستان مع أفغانستان منذ عودة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان عام 2021 في ظل تنامي الوجود الصيني في المنطقة، حيث كان التعاون بين الصين وطاجيكستان محصوراً بمجمله بالشؤون الاقتصادية لكن الوضع يتغير الآن.
ووافقت دوشانبي على إجراء تدريبات مشتركة لمكافحة الإرهاب مع القوات الصينية مرة كل عامين، وفقاً لاتفاقية نُشرت في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل الطاجيكية. وقال برويز إن الصين توفر أيضاً الذخيرة والتكنولوجيا لطاجيكستان في إطار مشروع "خط الدفاع الحديث"، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى احتمال وجود بعض الأهداف والخطط طويلة الأمد التي لم يعلن عنها رسمياً.
من جانب آخر، تتمتع الصين بعلاقة مترددة مع حكومة أفغانستان الجديدة، إذ تسعى إلى بناء علاقات مع "طالبان". وكانت بكين أول دولة تعترف بسفير تم تعيينه من قبل الجماعة الأفغانية المسلحة. وفي الوقت ذاته تكثف بكين وجودها في هذا الركن من العالم، وتسعى إلى مراقبة مسلمي "الإيغور" عن كثب في منطقة شينجيانغ في أقصى غرب البلاد ليتمكن الحزب الشيوعي الحاكم من مواصلة خطط التوسع الاقتصادي في آسيا الوسطى وأوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة لطاجيكستان، فإن العلاقات الوثيقة مع الصين تعني أيضاً تبني إطار سياسة "مكافحة الإرهاب" نفسه الذي تعمل عليه بكين ضد "الإيغور"، والذي يشمل حبس أكثر من مليون شخص في معسكرات "إعادة التأهيل". الجدير بالإشارة إلى أن السلطات الطاجيكية حظرت الحجاب الشهر الماضي، وهي خطوة أخرى ضمن سلسلة من الإجراءات المتعلقة بالسلوكيات الدينية التي تهدف بحسب قول الحكومة إلى "حماية القيم الثقافية الوطنية" و"منع الخرافات والتطرف". وفي هذا السياق، قامت الشرطة بحسب الأنباء، بحلق اللحى الطويلة للرجال بالقوة لأن الحكومة تعتبرها علامة لوجهات النظر "المتطرفة"، كما أن الحكومة أصدرت كتيباً ارشادياً من 367 صفحة حول اللباس المقبول للنساء يتضمن تفاصيل نمط الفساتين وطولها ولونها.
التقارب
وتشير هذه التوجهات إلى أن التقارب مع الصين يتجاوز أمر الانحياز للصين إلى ضمان تمسك الرئيس الطاجيكي مدى الحياة، الإمام علي الرحمن، بالسلطة وتحكيم قبضته عليها بتبني السياسة الصينية ضد "الإيغور" في وقت تسيطر "طالبان" على أفغانستان المجاورة.
ويتعيّن علينا أن نرى ما إذا كان لأي من هذه السياسات أي تأثير على المخاوف بشأن "مكافحة الإرهاب"، بخاصة أن مثل هذه القيود من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية في طاجيكستان، الدولة المتشبعة بالإسلام من حيث الهوية والتاريخ.
وبين سياسة متشددة ضد المظاهر الدينية ومخاوف من فشلها، يتنامى الوجود الصيني في الدولة الآسيوية بسرعة، ويمكن مشاهدة آثارها في جميع أنحاء طاجيكستان، من صناديق الطاقة الكهربائية خارج المتحف الوطني في دوشانبي إلى صناديق القمامة التي تحمل حروفاً صينية بدلاً من الكلمات الطاجيكية في الحدائق العامة، الأمر الذي يزيد من احتمال انزياح طاجيكستان للمعسكر الصيني ووجود علني للقوات الصينية تحت شعار حماية مصالح بكين.
من جانب آخر، أعلنت وزارة شؤون اللاجئين بحكومة "طالبان"، أن الحكومة الصينية قدمت للوزارة حزمة مساعدات مالية تتضمن 80 مركبة "هايلوكس" وستة آلاف خيمة ومئات البطانيات.
وقال القائد السابق للقوات الأفغانية في القاعدة المشتركة للصين وطاجيكستان وأفغانستان إن حزمة المساعدات التي تلقتها الحكومة الصينية هي نفسها التي طلبتها القوات الأفغانية التابعة للقاعدة المشتركة عام 2018، لكن الصين لم تسلمها للقوات الأفغانية في الإدارة السابقة، ما يعني أن الصين لم تثق بـ "طالبان" أكثر من حكومة أشرف غني فحسب، بل تدل أيضاً إلى نوايا الصين في إعادة تفعيل الأنشطة العسكرية المشتركة على القاعدة المثيرة للجدل في طاجيكستان.
نقلا عن "اندبندنت أوردو"