ملخص
تثير خطوة لندن إلغاء السقف الذي كان فرضه الاتحاد الأوروبي على مكافآت المصرفيين جدلاً في خضم أزمة غلاء المعيشة وعلى رغم ذلك فإن عودة المكافآت الضخمة في عالم المصارف تبدو حتمية
يبدو أن المصرفيين والمصرفيات في قلب لندن التجاري سيعاودون تلقي المكافآت.
وأصبح "مورغان ستانلي" آخر مصرف أميركي يعمل في القطاع المالي بعاصمة المملكة المتحدة يستفيد من قرار إلغاء الحد الأقصى لمكافآت المصرفيين التالي لـ"بريكست"، وهو قرار من القرارات القليلة المتخذة خلال الولاية الكارثية لليز تراس رئيسة للوزراء والتي لا يزال معمولاً بها.
وكان الاتحاد الأوروبي فرض الحد الأقصى بعد الأزمة المالية عام 2008، وكان يحد المكافآت عندما لا يزيد على رواتب المصرفيين الأساسية، أو ضعفها إذا وافق حملة الأسهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتلخص الهدف المعلن من وراء هذه السياسة في الحد من سلوكيات المخاطرة الجنونية لدى المصرفيين الذين يكسبون رزقهم من المقامرة بأموال الناس. وقيل إن ذلك سيجعل المصارف أكثر أماناً. وبصورة غير رسمية، رأى السياسيون الأوروبيون أن الرغبة العامة في تقييد المصرفيين كانت عالية جداً وأن هذا الإجراء الشعبي، لكن أيضاً الشعبوي، أدى دوراً كبيراً في ذلك.
وعارضت إدارة كاميرون وبنك إنجلترا [مصرف بريطانيا المركزي] هذا القرار، حاجاً بأن المصارف ستردّ حتماً على الإجراء بزيادة رواتب المصرفيين الأساسية، ولن تتمكن من تخفيضها إذا احتاجت إلى مرونة على صعيد الكلف خلال العواصف المالية. لم يقبل الجمهور هذه الحجة. وكان الناس عموماً يعتقدون بأن الإجراء سيقلص صلاحيات المصرفيين. وانتابهم شعور مفهوم بأن هذا الإجراء أقل مما كان المصرفيون يستحقونه.
لكن هل آتت السياسة حقاً ثمارها؟ اعترف بعض المصرفيين بهدوء بأنهم كانوا يفضلون الرواتب المضمونة الأكبر بكثير التي نتجت من الإجراء. وسيجد دائماً "المخاطرون" في القطاع المالي، أو ما يُعرَف بمجترحي العجائب، طريقة لجني المال بغض النظر عن المؤسسات التي يعملون فيها.
عملياً، لن يغير وقف العمل بالحد الأقصى المجريات بين عشية وضحاها. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الانتقال من نموذج التعويضات الحالي إلى نموذج أشبه بالنموذج السابق الذي كانت فيه الرواتب الأساسية منخفضة نسبياً ومقترنة بإمكانات تحصيل مكافآت عالية جداً سيستغرق وقتاً.
ومع ذلك، القدرة على تقديم مكافآت أعلى مقارنة بمنافسيها ستكون ميزة لمصلحة المصارف الأميركية التي اتخذت هذه الخطوة. فالمال يحفز الناس، لا سيما في هذا المجال. إذا عُرضَت مكافأة غير محدودة على مصرفي، من المحتمل جداً أن يقبلها، حتى لو أُرفِقت شروط بها.
وستواجه المصارف الأوروبية التي ستظل عالقة في النظام القديم بسبب انتمائها إلى بلدان دول المقر [الواقعة في الاتحاد الأوروبي]. لكن ماذا عن المصارف البريطانية؟.وسعى "باركليز" و"إتش إس بي سي" و"لويدز" إلى الحصول على موافقة المساهمين لإلغاء الحد الأقصى. واعتمد "ناتويست" NatWest 200 في المئة من الراتب حداً أقصى، مقارنة بـ 100 في المئة في السابق، مما يجعله متوافقاً مع غيره. أعتقد بأن المصارف البريطانية كلها ستتبع النموذج الأميركي في نهاية المطاف. لذلك، نعم، عندما يشهد قلب لندن التجاري عاماً دسماً، علماً أن هذا العام يجب أن يكون عاماً دسماً نظراً إلى الزيادة في إبرام الصفقات، سيظهر أثر المكافآت الضخمة بصورة متزايدة.
بينما يغرف كبار المصرفيين في قلب لندن التجاري المال تمرّ عائلات كثيرة بمعاناة ويرتفع معدل اللجوء إلى مؤسسات الطعام المجاني الخيرية إلى مستوى قياسي لن يكون الأثر إلا مراً على أقل تقدير. ودعا اتحاد النقابات العمالية كبار رجال المال في قلب لندن التجاري إلى "الاعتدال"، مشيراً إلى أرقام تظهر أن المكافآت السنوية للعاملين في قطاع التمويل والتأمين بلغت 18.7 مليار جنيه استرليني (24.13 مليار دولار) حتى مع تطبيق الحد الأقصى عام 2022.
وقال الأمين العام للاتحاد بول نواك "أحض قادة المصارف اليوم على فعل الشيء الصحيح. لقد وُضِع الحد الأقصى لمكافآت المصرفيين لوقف المخاطرة الزائدة والجشع الزائد اللذين رأيناهما قبل الأزمة المالية. لا يمكننا تحمل العودة لثقافة المكافآت التي أفسدت اقتصادنا".
المشكلة هي أن مطالبة قلب لندن التجاري بالاعتدال أسهل قولاً منه فعلاً. سيجني المصرفيون دائماً المال. هذا هو السبب في أنهم يدخلون إلى هذا المجال، ولماذا يعملون بجد للوصول إلى القمة فور دخولهم إليه. صحيح أن المكافآت مذهلة، لكن ساعات العمل طويلة جداً ومؤسسات القطاع المالي أماكن يصعب للغاية العمل فيها.
في نهاية المطاف، ما لدينا هنا ليس نقاشاً حول حجم الرواتب، بل حول هيكلها. كان بنك إنجلترا يعارض الحد الأقصى لأنه فضل أن تتوافر للمصارف مرونة تمكنها من أن تدفع تعويضات أقل في الأعوام العجاف. ولا تزال بعض القواعد المصممة لردع المخاطرة الزائدة قائمة – مثل اشتراط دفع جزء كبير من المكافآت في شكل أسهم خاضعة للاسترداد من المصرفيين الذين لا يلبثون أن يسيئوا التصرف. في رأيي، هذه القاعدة أفضل من الحد الأقصى للمكافآت على الإطلاق. لا يمكن استرداد راتب مصرفي أساء التصرف بالطريقة نفسها كاسترداد أسهمه الخاضعة لقيود.
وإزاء الضوضاء والغضب، عندما يتبع مصرف بريطاني من دون شك النموذج الأميركي، لن تقلب الحكومة العمالية المقبلة التي ترغب في اعتبارها صديقة لقطاع الأعمال هذا المسار. هي تحتاج إلى أن يعمل قلب لندن التجاري محركاً للنمو. هي تحتاج إلى مزيد من النمو بصورة مطلقة. نظرياً، قد يساعد قلب لندن التجاري في ذلك.
لكن هل ينطوي ذلك على طريقة عقلانية للتقدم؟ سنعرف فقط إذا أو عندما تقع أزمة مالية جديدة. إذا أردنا أن نكون صادقين، فسيتعلق الأمر بكلمة "عندما" وليس كلمة "إذا". لا تخطئوا، فالقرار الخاص بالمكافآت سيخضع لاختبار يوماً.
© The Independent