ملخص
ضربة منطقة "مجدل شمس" في الجولان قبل ساعات فاقمت التصعيد الميداني المرتفع في الفترة الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله"، وسط تهديدات متصاعدة من المسؤولين الإسرائيليين تتحدث عن الحرب الشاملة، فيما يتابع اللبنانيون التطورات، مترقبين الدمار الذي سيلحق ببلدهم بسبب حرب مثل هذه إن وقعت.
كسر هجوم بلدة "مجدل شمس" الواقعة في منطقة الجولان التي ضمتها إسرائيل إلى أراضيها قبل أكثر من 50 عاماً، جميع الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك التي كانت قائمة بين إسرائيل و"حزب الله" منذ 10 أشهر، ووضع جبهة لبنان والمنطقة على حافة الانفجار الشامل.
إذ باتت حادثة سقوط الصاروخ على ملعب كرة القدم في "مجدل شمس" الذي أدى إلى مقتل وجرح عشرات الشبان من طائفة الموحدين الدروز، إحدى أخطر الحوادث الأمنية في الصراع الدائر منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لا سيما أن جميع الأطراف والوسطاء كانوا يتخوفون من أن أي خطأ في الحسابات الميدانية، قد يؤدي إلى انزلاق الاشتباكات إلى حرب شاملة بين الطرفين.
ولم يكد ينتشر خبر سقوط الصاروخ، حتى سارع "حزب الله" إلى نفي تورطه في الحادثة، إلا أن الجيش الإسرائيلي أعلن أن نتائج التحقيقات الجنائية تؤكد حتى الساعة تورط القيادي في الحزب علي محمد يحيى قائد مجمع الإطلاق في منطقة شبعا، كاشفاً أن الصاروخ "إيراني الصنع" من "طراز فلق-1"، ومزود برأس حربي (يحمل) 50 كيلوغراماً من المتفجرات.
ونوهت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن الحزب كان قد ذكر في بيان سابق أمس السبت أنه أطلق صاروخاً واحداً من طراز فلق باتجاه قاعدة عسكرية إسرائيلية تقع شمال مجدل شمس، إلا أنه نفى ضلوعه في ما حصل بملعب كرة القدم بالبلدة.
في المقابل عاش الداخل اللبناني ولا يزال يعيش منذ ساعات قلقاً لم يشهده سابقاً من خطر انفجار المعارك بين الطرفين بعد الحادثة الأخيرة إلى الحرب الشاملة التي لطالما تخوفوا منها، وبخاصة أن الردود الإسرائيلية أكدت أن تل أبيب ستنتقم من الحزب على هذه الضربة وبموافقة أميركية.
الحزب الذي أكد أنه غير مشارك في ما حصل، قدم رواية مغايرة للحادثة، إذ قال إن ما حدث هو بسبب خطأ تقني في نظام القبة الحديدة أدى إلى انطلاق صاروخ اعتراضي سقط من طريق الخطأ.
وهذه الرواية أدت إلى انقسام في مواقف اللبنانيين، إذ سارع مؤيدو الحزب إلى تبنيها والعمل على تعميمها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي حساباتهم الخاصة والرسمية، إلا أن جزءاً آخر من اللبنانيين رفضوا علانية هذه الرواية معتبرين أن الحزب نفى سابقاً تورطه في المواد التي انفجرت في مرفأ بيروت قبل أربعة أعوام، وكذلك قال إن مصنع بطاريات هو الذي انفجر أخيراً في بلدة عدلون الواقعة بين صيدا وصور جنوب لبنان، ليتبين بعدها أن إسرائيل استهدفت مخزن أسلحة للحزب يقع بين الأحياء المدنية.
يتوقف محللون عسكريون عند رواية الحزب لما حدث، وقالوا إن "القبة الحديدة لا تطلق صواريخ إلا بوجه صواريخ مضادة لإسقاطها، وإن صواريخ القبة الحديدية لا تنفجر على الأرض إنما انفجارها في الجو هو حتمي، إضافة إلى أنها لا تحمل أوزاناً من المواد المتفجرة"، وإن تلك المنطقة التي تتضمن بلدة مجدل شمس، ليست لديها التغطية الكافية من القبة الحديدية باعتبارها خارج الصراعات منذ أعوام طويلة".
رسائل احتواء
في المواقف الغربية، توقفت مصادر عند ما حصل واعتبرت أن الحادثة قوضت بصورة شبه تامة احتمالات وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية في حال التوصل إلى أية صفقة مع حركة "حماس" في قطاع غزة، ورأت أن ما حصل يعني حتماً ارتفاع وتيرة التصعيد في المرحلة المقبلة. وأضافت "إسرائيل ستقوم برد انتقامي كبير ضد الحزب في لبنان، وقد حصلت على ضوء أخضر من أميركا على ذلك، لكن شن حرب شاملة لا يزال مستبعداً نظراً إلى الضغوط الغربية والأميركية ومساعي التهدئة، وبخاصة أن إيران لا تزال ترسل عبر قنوات التواصل الأمنية والدبلوماسية رسائل تدعم احتواء التصعيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي جديد المواقف التي أعقبت الحادثة، حذرت إيران إسرائيل اليوم الأحد من أية "مغامرات" عسكرية جديدة في لبنان، مما قد يؤدي إلى "تداعيات غير متوقعة". فيما أفادت تقارير صحافية بشن الطيران الحربي الإسرائيلي فجر اليوم سلسلة غارات متزامنة على مناطق عدة جنوب لبنان، في سياق رده على إطلاق صاروخ نحو مجدل شمس بالجولان السوري المحتل.
من جانبه، جدد البيت الأبيض "دعمه الراسخ" لإسرائيل في أعقاب الهجوم، وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي، "دعمنا أمن إسرائيل راسخ ولا يتزعزع ضد كل الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، بما في ذلك ’حزب الله‘ اللبناني، الولايات المتحدة ستواصل دعم الجهود الرامية لوضع حد لهذه الهجمات الرهيبة".
فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي مع زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل وفقاً لبيان صادر عن مكتبه إن "حزب الله" سيدفع ثمناً باهظاً، ثمناً لم يدفع مثله حتى الآن".
التوقيت المأزوم
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الإسرائيلي المتابع للشؤون الأمنية يوآب شتيرن في حديث صحافي إن تل أبيب ستمضي في تنفيذ "رد قاسٍ"، لكنه لن يتطور إلى المبادرة نحو حرب شاملة، موضحاً أن "الحادثة قد تكون بالفعل الشرارة التي قد تمهد لمواجهة شاملة، لكني أعتقد أن الجانبين لا يريدان التصعيد إلى هذه الحرب في الأقل في الوقت الحالي".
واعتبر أن الساعات القادمة ستكون "حساسة وحاسمة"، إذ قد يكون هناك تدهور نحو جولة عنف جديدة، على رغم أن الرسائل التي خرجت من الجانبين تؤكد أنهما لا يخططان لحرب مباشرة، ومع ذلك، قال "في مثل هذه الأمور، التطورات ليست كما يُخطط لها دائماً، والدليل على ذلك وقوع هذه الحادثة في هذا التوقيت المأزوم"، مشدداً على أنه "لن تكون هناك تهدئة أو تسوية قبل ضمان عودة السكان الإسرائيليين إلى ديارهم وضمان أمنهم، والحصول على ضمانات فعلية وملزمة بأن مصير التسوية يختلف عن مصير القرار (1701)".
رد كبير على رغم النفي
المتخصص العسكري والإستراتيجي اللبناني العميد ناجي ملاعب، اعتبر من جانبه أن إسرائيل استبقت نتائج التحقيق في سقوط الصاروخ على ملعب في بلدة مجدل شمس بتوجيه أصابع الاتهام إلى "حزب الله"، على رغم نفيه وقوفه خلف الحادثة في بيانه الرسمي، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي يجهز في الوقت الحالي لـ "رد كبير"، وإذا ما جرى استهداف مدنيين أو عناصر تابعين للحزب فسيكون رد الأخير قاسياً أيضاً".
ويعتقد المتخصص العسكري اللبناني أن "إسرائيل نتيجة وضعها الداخلي المأزوم وضغوط الولايات المتحدة لعدم توسيع الجبهة، ستمضي في عملية مدروسة ومحدودة بموافقة أميركية".
تأجيج الصراعات الطائفية
الكاتب والباحث السياسي مكرم رباح، اتهم "حزب الله" بشن الهجوم الصاروخي على مدينة مجدل شمس في هضبة الجولان، واعتبر أن الحزب بات يشكل خطراً على الدماء العربية التي تراق تحت شعار "مقاومة إسرائيل" في لبنان وسوريا وفلسطين.
وأكد أنه لا يوجد أي هدف عسكري قريب من المنطقة التي تم استهدافها بالصاروخ الذي أوقع قتلى مدنيين بينهم أطفال، لافتاً إلى أن الهدف من هذه الحادثة تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية لا سيما أن سكان تلك المنطقة من طائفة الموحدين الدروز.
فصيل موالٍ
ويضع المحلل العسكري العميد يعرب صخر احتمالات عدة للجهة التي أطلقت الصاروخ إلى مجدل شمس، إذ برأيه هناك فصائل عدة تنضوي تحت جناح "حزب الله" وتعمل لحسابه وهو من يؤمن لها تنسيق العمليات ويزودها بالأسلحة والإحداثيات ومنها قوات "الفجر" التابعة للجماعة الإسلامية، التي بات واضحاً دخولها الحرب ضد إسرائيل إلى جانب الحزب.
وبرأيه فإن إصرار إسرائيل على اتهام "حزب الله" قد يكون مرتبطاً بمعلومات حول دور إحدى الفصائل التي تلقت التعليمات من الحزب أو من الصاروخ الذي لا تملكه أية جهة أو فصيلة في لبنان باستثناء الحزب.