Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثمن الزفاف في الهند عبودية ويأس وانتحار

تلجأ فتيات الأسر الفقيرة إلى العمل الشاق والاقتراض لمواكبة حفلات الأثرياء الجدد وبعضهن يؤثرن الموت هرباً من الضغوط

يحلم الجميع أن يقيم زفافاً مثل نجوم المجتمع مما يكبد فئات كثيرة كلفاً عالية تفوق قدرتها ومداخيلها (أ ف ب)

ملخص

المديونية داخل المناطق الريفية في الهند مرتفعة للغاية بسبب الإنفاق على مناسبتين اجتماعيتين هما حفلات الزفاف ومراسم الدفن، مما يجعل آلاف الفقراء يقعون في عبودية الديون.

تزوج أنانت أمباني، الابن الأصغر لرئيس مجلس إدارة واحدة من أكبر الشركات الهندية وهي "ريلاينس" إندستريز موكيش أمباني، من الآنسة راديكا ميرشانت ابنة أحد أباطرة صناعة الأدوية في الهند، وخلال ستة أشهر أقيمت عروض وحفلات وأحداث فنية واحتفالية سبقت حفل الزفاف النهائي الذي انتهت مراسمه قبل أيام.

بدا هذا الزفاف كما لو أنه مهرجان أو كرنفال هندي شبيه بحفلات الزفاق الهندية في سينما بوليوود التي تبذخ في عرض هذه الحفلات التي باتت تشكل خطراً على عرائس الهنديات من الطبقات الوسطى والفقيرة، واللواتي يجهدن مع عائلاتهن طوال حياتهن لتأمين المهر للعريس وفيه كلفة العرس الباذخ الذي يجب أن تقيمه عائلة العروس، وهذا الضغط الاجتماعي على فتيات الأسر الفقيرة يدفع كثيرات إلى الانتحار بسبب محاولة مواكبة حفلات الزفاف التي يقيمها أثرياء الهند الجدد.

في حفل زفاف أمباني الابن الذي تابعه الملايين كانت جميع الملابس التي يرتديها المدعوون من أفخم دور الأزياء العالمية، أما المجوهرات فكانت كأنها في استعراض لعالم الحلي والجواهر في أعنقاق الممثلات الهنديات وأيديهن، وشاهد جمهور واسع حول العالم ديكورات الأماكن التي أجريت فيها الاحتفالات المتواصلة التي تشبه القصص الخيالية كما تصورها أفلام "ديزني"، ولم تتوقف العروض الموسيقية والحفلات لنجوم هنود وعالميين أمام جمهور من المدعوين من مشاهير العالم والهند ومن بينهم مارك زوكربيرغ صاحب شركة "ميتا" مالكة "فيسبوك" و"واتساب"، ورافقه بيل غيتس أيضاً وغيرهما من المشاهير.

استعادة مجد المهراجا

"إنه ليس أقل من حفل زفاف ملكي"، كما أجمعت الصحف الهندية وكثير من المواقع العالمية التي تابعت هذا الحدث على مدى أيامه الطويلة، وكتب معلقون وصحافيون كثيرون لا تثيرهم البهرجة الفاضحة قدر ما يبحثون في معنى هذا البذخ الذي يجعل أصحاب المليارات من الهنود وكأنهم طبقة المهراجا الجديدة، وكل مهراجا يحاول أن يبدو المهراجا الأكثر ثراء من بينهم في بلد يعيش عشرات الملايين من سكانه في فقر مدقع.

 

 

ودافع آخرون عن هذا الزفاف المكلف بأن الهنود "أحبوا دائماً الأبهة والمهرجانات، وأن حجم الزفاف يتماشى مع ثروة أمباني"، وبعضهم قال إن الملياردير الهندي لم يكن لينتشل فقراء الهند من فقرهم لو لم يقم هذا الزفاف، وأن من حقه الطبيعي أن يصرف أمواله بالطريقة التي يريدها.

أما الكاتب والمعلق الهندي الإنجليزي سانتوش ديساي فقال لـ "بي بي سي" إنه "نوع من العمى عن واقع البلاد في الطبقات المتوسطة والدنيا التي تحول حفل الزفاف عندها إلى كابوس، وصارت ولادة فتاة في العائلة بمثابة لعنة حيث سيكون على العائلة العمل طوال الحياة من أجل تأمين مهر عرسها وتزويجها".

ويضيف ديساي أن "المرحلة الماضية التي كان الأثرياء يخفون فيها ثراءهم في الهند قد ولت، ويبدو أن الأثرياء الجدد باتوا أحراراً في الكشف عن ثرواتهم، لكن لو كان الأمر كذلك فإن هذا الزفاف كان مبالغاً فيه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقدر ثروة أمباني بنحو 115 مليار دولار، ويشغل أنانت الابن (29 سنة) مناصب مختلفة في مجالس إدارة شركات والده المقرب من حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بحسب الصحافة الهندية، وتتهم أحزاب المعارضة الحكومة بتفضيل شركاته في مناقصات الأعمال الحكومية من دون مبرر.

والمهراجا الجدد في الهند متهمون بأنهم حديثو النعمة وأثروا بسبب الفساد الحكومي، بينما يقول آخرون إن طفرة في قطاعات معينة مثل الأدوية والسيارات والتكنولوجيات والتقنيات الحديثة أسهمت في بناء طبقة وسطى وطبقة صغيرة من الأثرياء الجدد يملكون معظم الثروات الشخصية الهندية، كما هي الحال في لائحة أثرياء الولايات المتحدة وكذلك في أنحاء العالم، حيث تتركز معظم الثروة في أيدي قلة قليلة من الأثرياء الذين تذاع أسماؤهم ومراتبهم سنوياً في لائحة أثرى أثرياء العالم وتنشر في الصحف، وقد تربع مارك زوكربرغ وبيل غيتس مرات على قمتها، وكانا على رأس المدعووين إلى عرس أمباني الذي تابعه مشاهدون وقراء بعشرات الملايين حول العالم، وخصوصاً حفل المغنية الأميركية ريهانا التي غنت للعائلة في مقابل 7 ملايين دولار، بينما حصل جاستن بيبر على 10 ملايين، ويقام في الهند نحو 10 ملايين حفل زفاف كل عام في سوق تبلغ قيمتها 50 مليار دولار.

حفلة العرس ككارثة

تقول مراكز البحوث الهندية إن محاولة الهنود محاكاة حفلات الأثرياء تضع ضغوطاً عالية عليهم، وتسبب شعوراً بالانقسام الطبقي بسبب الاستعراض الفاضح للثروة وبطريقة غير ضرورية، إذ تحتل الهند المرتبة الـ 94 من بين 107 دول على مؤشر الجوع العالمي لعام 2020، ووفقاً للمؤشر فإن 14 في المئة من الهنود يعانون نقص التغذية، و34.7 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة يعانون التقزم.

وفي تحقيق لـ "بي بي سي" فإن الفتيات يقمن بتأمين المهر للزوج في مجتمعات هندية كثيرة، وتقوم الفتاة بجمع المال لتأمين المهر وأثاث المنزل الزوجي بالعمل لأعوام، والعرس أو الاحتفال بالزفاف هو أحد الشروط الرئيسة لعائلة الزوج كي تظهر الأبهة أمام الآخرين، وهذا التقليد يسري حتى في المجتمعات الفقيرة التي تدفع القريبات من سن الزواج إلى العمل باكراً في مقابل أجر يعتبر من بين الأرخص لليد العاملة حول العالم.

 

 

وبسبب هذه الأجور تضطر الأسر الهندية إلى الاقتراض من المرابين غير الرسميين بسعر فائدة مرتفع، مما يثقل كاهل الأسرة الهندية المتوسطة أو الفقيرة مدى الحياة في محاولة لسداد الديون.

ويقول بعض من ينتقدون حفلات زفاف الأثرياء إن الزخارف التي تظهر الثراء الفاحش، معطوفة على التقاليد الاجتماعية القائمة على دفع المهر مالاً نقدياً، تضع ضغوطاً هائلة على الطبقة المتوسطة الدنيا والأسر الفقيرة، ويمتلك أغنى واحد في المئة أربعة أضعاف الثروة التي يمتلكها أفقر 70 في المئة من الهنود، وهؤلاء يبلغ عددهم 953 مليون شخص، كما جاء في تقرير "أوكسفام".

ومع ذلك صنفت الهند عام 2019 كثاني أكبر مستهلك للذهب في العالم، واشترى الهنود من جميع الطبقات ما يقارب 700 طن من الذهب ذلك العام، ويذهب أكثر من نصفه إلى مهور الزفاف.

والأعراس المهراجية والبوليودية لم تكن دائمات ذات صدى مقبول في المجتمع الهندي، وقد جرت معارضتها في البرلمان الهندي عبر تقديم مشروع قانون الزواج الذي يطالب بفرض ضريبة على العائلات التي تنفق أكثر من 7 آلاف دولار أميركي على حفل زفافها، وتتبرع بـ 10 في المئة من كلفة الزفاف لأسرة فقيرة.

الفتاة لعنة اجتماعية

ولا يمكن تجاهل دور بوليوود وصناعة السينما الهندية في خلق ضغوط للإنفاق على حفلات الزفاف، ففي الأفلام الهندية تُصور حفلات الزفاف كأنها أحداث خيالية، ولا تزال السينما أحد أهم مشاغل الهنود من مختلف الطبقات، إذ يحلم الجميع أن يقيم زفافاً مثل الذي يُصور في الفيلم، مما يكبد فئات اجتماعية كثيرة كلفاً عالية تفوق قدرتها ومداخيلها، ويمكن أن تشمل المهور المال النقدي والعقارات والسيارات والمجوهرات وغيرها من الممتلكات، وفي بعض الطبقات الوسطى وبين الأسر الفقيرة في الهند قد تبدأ عائلة العروس في التخطيط لزواج ابنتها منذ ولادتها.

ويقال إن بعض المجتمعات الهندية الفقيرة باتت تشعر وكأن ولادة أنثى "لعنة" نزلت على العائلة، لأن الآباء ينظرون إلى الفتيات كعبء بسبب نفقات الزفاف.

على سبيل المثال طالبت إحدى العائلات لابنها، لأنه حاصل على درجة البكالوريوس، بدراجة نارية وسلسلة ذهبية كمهر، مما اضطر العروس إلى اقتراض 1000 دولار من أقاربها لتتمكن من تأمين مهر زواجها، كما ورد في تحقيق نشرته مجلة "نيويورك تايمز" أخيراً لمناسبة عرس أمباني المبهر ومقارنته بما يحدث داخل الطبقات الدنيا في المجتمع الهندي الذي يعاني في الأساس فوارق طبقية وعائلية، عدا عن الفوارق الإثنية والعرقية التي تمنع زواج رجل أو امرأة من طبقة اجتماعية معينة من الزواج من الطبقة الأدنى.

 

 

وارتفعت نسبة الذكور في المجتمع الهندي بسبب "لعنة" الفتيات، ويقال إن حجم الإجهاض الانتقائي قد زاد كثيراً، وباتت النسبة الحالية بين الجنسين تبلغ 112 ذكراً في مقابل كل 100 أنثى، وفقاً لطبيب التوليد وأمراض النساء في دلهي سامريدهي كاكار.

وفي مقابل كون الفتاة لعنة لأنها ستكلف العائلة الأموال، فإن الابن يعتبر استثماراً مستقبلياً في العائلة الهندية، وهو الذي سيعتني بالوالدين المسنين بينما تتزوج البنات ويغادرن المنزل.

ويقع هذا الاختلال الجندري في الهند بسبب نفقات الزفاف على رغم أن هناك قانوناً يحظر المهر صدر عام 1961، وينص على أن مانح المهر وقابله يرتكبان جريمة مشتركة، وعقوبة انتهاكه هي السجن خمس سنوات في الأقل، وغرامة قدرها 200 دولار أو قيمة المهر الممنوح.

وعلى رغم هذا الحظر الواضح فإن قانون المهر الذي يقدر ثمن الرجل بحسب مكانته الاجتماعية والشهادة العلمية التي يملكها لا يزال سارياً بشدة في المجتمع الهندي، ووفقاً للمكتب الوطني لسجلات الجريمة فإن فتاة هندية تنتحر في كل ساعة بسبب عدم قدرتها على تقديم المهر.

في بنغالورو أوائل عام 2020 طالب زوج بمهره بعد أسابيع قليلة من الزواج على رغم تلقيه كيلوغراماً من الذهب كمهر، لكنه قام بإحراق زوجته حية بسبب رفضها استكمال الدفع، كما ورد في وسائل إعلام هندية، وهناك كثير من هذه الحوادث التي تقع في عدد كبير من المجتمعات الهندية الدنيا، ويقول المنسق الإعلامي سوبيدار سينغ إن قروض تغطية كلف الزفاف تُقترض بأسعار فائدة مرتفعة جداً مما يؤدي إلى وقوع عدد من العائلات في فخ العبودية لسداد ديونها، مضيفاً أن المديونية في المناطق الريفية في الهند مرتفعة للغاية بسبب الإنفاق على مناسبتين اجتماعيتين، وهما حفلات الزفاف ومراسم الدفن، اللتان قد تجعلان آلاف الفقراء يقعون في عبودية الديون.

المزيد من منوعات