Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متى تخرج مصر من دوامة الإصلاح الإداري؟

شدد متخصصون على ضرورة تعديل بعض مواد قانون الخدمة المدنية وتدريب الموظفين على تكنولوجيا المعلومات ومساواة الأجور بينهم والقضاء على الفساد

يشكو غالبية المصريين من الإجراءات الروتينية والبيروقراطية في منظومة البلاد الإدارية (رويترز)

ملخص

وعلى رغم معاناة المواطنين تعقد بعض الإجراءات الروتينية والبيروقراطية وكذلك الفساد الإداري، فإن متخصصين في مجال الإدارة تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" يرون أن مصر قطعت "شوطاً كبيراً" في مجال الإصلاح الإداري، لكنهم في الوقت ذاته شددوا على ضرورة "تعديل بعض مواد قانون الخدمة المدنية، وتفعيل بعض المواد الأخرى، وتدريب الموظفين على تكنولوجيا المعلومات ومساواة الأجور بين الموظفين".

على رغم امتلاك الدولة المصرية مقومات الإصلاح الإداري من أجهزة رقابية ومكافحة فساد ونظم تكنولوجية ورقمية، فإن بعض العراقيل لا تزال تقف حائلاً أمام هذا الملف، نظراً إلى تضخم حجم الجهاز الإداري والحكومي وكثرة تعقيداته.

وأثار تكليف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي أخيراً بتولي مهمة جديدة إضافة إلى مهمات منصبه رئيساً للحكومة الحالية بأن يكون الوزير المختص بشؤون الإصلاح الإداري تساؤلات عديدة، حول: ماذا أنجزت مصر في هذا الملف؟ وما الذي يتبقى لها؟ وما آليات الدولة لمواجهة العراقيل والتعقيدات التي تقف أمامه؟ وهل أصبح الإصلاح الإداري عصياً على المسؤولين؟ وأخيراً متى تنتهي دوامة الإصلاح الإداري؟

ومنذ أيام وعقب تكليفه عقد مدبولي مؤتمراً صحافياً أوضح خلاله أن الحكومة تسعى إلى استكمال تنفيذ المنظومة التي وضعتها الدولة في شأن الإصلاح الإداري عبر "دمج بعض الوزارات واستحداث أخرى، وإعادة هيكلة هيئات داخل كل وزارة".

وعلى رغم معاناة المواطنين تعقد بعض الإجراءات الروتينية والبيروقراطية وكذلك الفساد الإداري، فإن متخصصين في مجال الإدارة تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" يرون أن مصر قطعت "شوطاً كبيراً" في مجال الإصلاح الإداري، لكنهم في الوقت ذاته شددوا على ضرورة "تعديل بعض مواد قانون الخدمة المدنية، وتفعيل بعض المواد الأخرى، وتدريب الموظفين على تكنولوجيا المعلومات ومساواة الأجور بين الموظفين".

وزارة لـ"الإصلاح الإداري"

يرى أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية حمدي عرفة أن مصر بحاجة ماسة حالياً إلى وزارة "تختص بشؤون الإصلاح الإداري"، مرجعاً السبب في ذلك إلى "وجود نحو 4.9 مليون موظف يعملون بالجهاز الإداري للدولة و12707 قوانين خاصة به، علاوة على ملف الإدارة المحلية الذي يستحوذ على 70 في المئة من حجم الجهاز الإداري للدولة، لكنه ما زال مهملاً وملفاته عديدة، ولم يتمكن المحافظون السابقون من تلبية حاجات المواطنين منه، فضلاً عن وجود 722 جهة ومصلحة حكومية يعمل بها مليون و500 ألف موظف معاون وحرفي وفني وعمال غير معنيين بالتكنولوجيا، علاوة على مليون و100 ألف موظف في المحليات من بين مليوني و150 ألف موظف في الإدارات المحلية لا يجيدون التكنولوجيا وغير مدربين عليها".

 

وفي شأن عدد موظفي الجهاز الإداري أوضح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الدولة اتخذت نهج "تقليل التعيينات في الحكومة، بسبب أن حجم الجهاز الحكومي في الدولة كان متضخماً، ونجحنا خلال السنوات الماضية في تقليل العدد، وفي الفترة الحالية هناك بعض الكوادر المتخصصة أصبح فيها نقص، ونعمل على تعويض نقص الكوادر المتخصصة من خلال الميكنة والرقمنة".

ويشدد عرفة الذي يشغل أيضاً منصب استشاري البلديات الدولية، خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، على أن نجاح الإصلاح الإداري بمصر "يتطلب تعديل بعض مواد قانون الخدمة المدنية، وتفعيل بعض بنوده الأخرى، وتدريب الموظفين على تكنولوجيا المعلومات ومساواة الأجور بين الموظفين".

وأقرت الحكومة المصرية قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 عام 2017 ضمن خطة الإصلاح الإداري، الذي يهدف إلى مكافحة الفساد الإداري، وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل وترسيخ الحوكمة في عمليات التعيين في الجهاز الإداري للدولة.

معوقات إدارية

"الإصلاح الإداري أصعب أنواع الإصلاحات في العالم، ومن الملفات المعقدة التي يجري وضعها أمام أي مسؤول سياسي لأنه ملف يستهدف المواطن مباشرة"، هكذا يعقب المتخصص في إدارة الأعمال جمال شحاتة، موضحاً "مصر خطت خطوات جيدة في التحول الرقمي، لكن في النهاية يجب أن يلمس المواطن هذا التطور، لأنه صاحب اليد العليا، ويجب أن يكون المواطن مشمولاً بحماية الدولة في النهاية".

ويستشهد شحاتة بأمثلة لبعض المعوقات الإدارية التي تواجه المواطن، من بينها "قضاء يوم كامل لتجديد تراخيص السيارة، بينما تجدد رقمياً أو أونلاين في كثير من الدول الأخرى، وكذلك استخراج تصريح بناء قد يستغرق أشهراً على رغم أنه من الطبيعي أن يستغرق مدة أقل من ذلك، وإذا أقام شخص دعوى قضائية فقد يستغرق هذا الأمر 20 يوماً وقد تطول المدة عن ذلك".

 

ويوضح المتخصص في مجال الإدارة، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "الإصلاح الإداري له فلسفة ويجب أن نضع مفاهيم واضحة له، وهو يعتمد على تشخيص المشكلات ومسبباتها وترجمتها لأهداف محددة، إضافة إلى اختيار البرامج التي تنفذ الأهداف ثم تقييمها"، متسائلاً: "هل نحن نقوم بإسناد الأمر إلى المتخصصين وأهل الخبرة في أي قرار؟"، لافتاً النظر إلى واقعة اختيار وزير التربية والتعليم في التشكيل الحكومي الجديد واللغط الكبير الذي أثير حوله، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك "تخطيط جيد ودراسة قبل اتخاذ أي قرار".

وكانت الحكومة المصرية وضعت خطة الإصلاح الإداري عام 2014، وسعت إلى تضمين مبادئ الحوكمة في محاورها الخمسة، وهي الإصلاح التشريعي والإصلاح المؤسسي وبناء وتنمية القدرات وبناء وتكامل قواعد البيانات وتحسين الخدمات العامة.

وفي العام التالي 2005 استضافت العاصمة المصرية القاهرة المؤتمر العربي الأول "الإصلاح الإداري والتنمية"، لمناقشة خطط الإصلاح الإداري في الدول العربية، وأثر إصلاح الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة في دعم سياسات الإصلاح الإداري لتطوير نظم الرقابة المالية والإدارية، ودور استراتيجيات مكافحة الفساد في تحقيق الإصلاح الإداري.

إجراءات روتينية وبيروقراطية

ويرى أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة جمال عبدالعزيز أن مصر "قطعت شوطاً كبيراً في الإصلاح الإداري على رغم معاناة المواطن تعقد بعض الإجراءات الروتينية والبيروقراطية وكذلك الفساد الإداري، لا سيما بعد تبني الحكومة لفلسفة الحوكمة، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة".

واتخذت مصر خطوات تنفيذية لنقل وزاراتها بشكل نهائي إلى العاصمة الإدارية الجديدة، تمهيداً لجعلها مقراً سياسياً وإدارياً للدولة، وفي مارس من العام الماضي بدأت المؤسسات الحكومية في الانتقال إلى الحي الحكومي بالعاصمة الجديدة، وشملت تلك المرحلة 14 وزارة وجهة، وفي منتصف مايو (أيار) من العام الماضي انتقلت 19 وزارة وجهة أخرى.

وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يناير (كانون الثاني) الماضي أن نجاح انتقال 50 ألف موظف إلى المقار الجديدة لمؤسسات الدولة بالحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة يعتبر أحد ثمار الإصلاح الإداري، الذي نفذته الدولة المصرية بدءاً من عام 2014.

 

وفي رأي عبدالعزيز فإن تحقيق مزيد من التقدم في الإصلاح الإداري يتطلب العمل على ثلاثة محاور، الأول تبسيط وتسهيل إجراءات تقديم الخدمات إلى الجمهور من خلال معاملة المواطنين طالبي الخدمات كعملاء لا بد من إرضائهم أو كشركاء في التنمية، ومعاملة مخرجات الجهاز الإداري كمنتجات استناداً إلى مراعاة عنصر الجودة والإتقان وتقييم الأداء، ليس من وجهة نظر مقدم الخدمة (الموظف)، إنما من وجهة نظر المستهلك (العميل أو المواطن). أما المحور الثاني فيتضمن السعي المستمر إلى تقليص حجم الفساد الإداري، فالقضاء عليه أو في الأقل تقليصه إلى أقل حد ممكن هو أحد المخرجات أو النتائج التي يتمناها المواطن من الإصلاح الإداري، بحسب عبدالعزيز.

وفق عبدالعزيز أيضاً فإنه لا يمكن القضاء على الفساد إلا "برفع رواتب الموظفين إلى المستوى المعقول من ناحية، وتشديد العقوبات وإعمالها من ناحية أخرى، لكن لا بد أن يقترن ذلك بتغيير في البيئة الاقتصادية والاجتماعية نفسها، وهذا من شأنه إخراج كثير من الأنشطة من مجال الاقتصاد الموازي إلى مجال العلن والشفافية حتى تتمكن الدولة نفسها (وليس الموظف المرتشي) على سبيل المثال من استقطاع الضريبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما المحور الثالث فيتطلب إصدار قوانين أو لوائح جديدة أو تعديل بعض القوانين التي لم تصبح ملائمة لظروف العصر الحالي، وحققت الحكومة بعض التقدم مثل إصدار التشريعات التي تنظم على سبيل المثال الفاتورة الإلكترونية والإيصال الإلكتروني والتعليم عن بعد، لكن مطلوب مزيد في مجالات متعددة مثل التوقيع الإلكتروني والعمل عن بعد.

وكان المرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، نشر مقالة بحثية في يونيو (حزيران) من العام الماضي، بعنوان "الجهاز الإداري في مصر خلال 10 سنوات: تحديات متوارثة وخطوات إصلاح جادة"، أكد خلالها أن مصر في طريقها إلى رقمنة جميع الخدمات المقدمة للمواطنين في الدولة، إذ رصدت في موازنة 2020 - 2021 نحو 13 مليار جنيه لدعم جهود التحول الرقمي ومكافحة الفساد، مما يقلل من تدخل العنصر البشري في الخدمات المقدمة للمواطنين، من خلال معايير وآليات تضمن توفير أكبر قدر من النزاهة والشفافية والحيادية، ويغلق بشكل عام أوجه استغلال المواطنين عن طريق الرشوة أو الفساد في تقديم الخدمات والمرافق.

ووفق المقالة فإن حجم الجهاز الحكومي في مصر ليس متضخماً أو فريداً من نوعه مقارنة بعديد من دول العالم، فقد تراجع عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وانخفضت نسبة عدد الموظفين في الجهاز الحكومي إلى إجمالي عدد السكان إلى أن وصلت إلى أقل معدلاتها في عام 2017 بنسبة 5.5 في المئة، كذلك انخفض عدد العاملين بالقطاع الحكومي بالنسبة إلى قوة العمل ووصل أيضاً إلى أقل معدلاته بنسبة 17.2 في المئة في عام 2017، وهذا الانخفاض هو نتيجة سعي الدولة إلى تطوير الجهاز الإداري ورفع كفاءته.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات