ملخص
لا شك أن السعودية استنزفت كثيراً من الوقت والجهد في دعم "الشرعية"، لكنها أصيبت بخيبة أمل كبرى بسبب ضعف ممثلي الشرعية الذين تفرغوا لحصد كل ما تمكنوا من الوصول إليه مالاً وعتاداً حتى المعونات الإنسانية لم تسلم من فسادهم.
بين ليلة وضحاها انقلب مؤيدو إجراءات البنك المركزي لتصحيح أوضاع القطاع المصرفي مناطق سيطرة جماعة "أنصار الله" الحوثية، والعمل على توحيد العملة وتقليل تبعات العقوبات المفروضة على المؤسسات المالية العاملة في صنعاء. واستبدل هؤلاء عبارات الإشادة بمجلس القيادة الرئاسي، بصب جام غضبهم عليه موجهين له الاتهامات بالتخاذل، إذ كانوا يرونها خطوة أولى على طريق نهاية السلطة في صنعاء بعد 10 أعوام من الفشل السياسي والعسكري في إنجاز المهمة. بينما الواقع هو أن محافظ البنك المركزي اتخذها لأسباب مالية واقتصادية صرفة، فالرجل لا يعمل بذهنية سياسية ولا تحقيقاً لرغبات الساسة اليمنيين وأهدافهم التي تتغير، في غالب الأحيان، بحسب الحاجات الذاتية.
قبل أسبوعين كتبت في هذه المساحة (يقف اليمن أمام أزمة سياسية خانقة سببها عدم وجود رؤية والإمعان في الغموض والإسراف في الوعود والاكتفاء بالصور والبيانات)، فالواقع يؤكد مرة تلو الأخرى أن الأزمة الحقيقية التي تواجهها "الشرعية" هي الإسراف في تبديد الوقت في تجاز الخلافات البينية، وفي غير البحث في القضايا المصيرية.
أخيراً تعالت الأصوات لتوجه الاتهامات إلى السعودية بأنها تقف خلف إلغاء مجلس القيادة الرئاسي الإجراءات المالية التي تحمل مسؤوليتها محافظ البنك المركزي أحمد المعبقي وحده، ولم يكلف أحد من هؤلاء نفسه الحديث عن مسؤولية المجلس نفسه، ولماذا يصمت عن شرح ما تم؟
يتعامل نفر من اليمنيين مع سياسات السعودية بكثير من السذاجة والتعالي ولا يتوقفون عن تقديم النصح لها عبر تصريحاتهم ومنشوراتهم. وتجاوز بعض ذلك إلى حد التحريض والمزايدات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا شك أن السعودية استنزفت كثيراً من الوقت والجهد في دعم "الشرعية"، لكنها أصيبت بخيبة أمل بسبب ضعف ممثلي الشرعية الذين تفرغوا لحصد كل ما تمكنوا من الوصول إليه مالاً وعتاداً حتى المعونات الإنسانية لم تسلم من فسادهم.
أن يلقي بعض أنصار الشرعية كل خيباتها وخيباتهم على الرياض، فهذا فيه تجن وتزييف للواقع، والشواهد كثيرة، لكن المضحك هو إصرارهم العلني على الحديث عن أخطار وأخطاء سياسة المملكة ووقف الحرب، وأن ذلك سيمثل خطراً عليها، كما لو كانت دولة قاصرة لا تعي ما يدور ولا تدرك نتائج مخططاتها، وكأنهم أكثر حرصاً عليها من حكامها ومسؤوليها.
منذ السابع من أبريل (نيسان) 2022 انتظر المواطنون أن يخرج عليهم "المجلس" باستراتيجية متواضعة على قدر الإمكانات المتاحة وأن يدير نقاشاً داخلياً حولها أولاً، ثم يتناولها الناس بالملاحظات واضعين في الاعتبار ألا يشطحوا بطروحاتهم وأن يكتفوا بالحديث عن الممكن بعيداً من التكرار الممل الذي صار الناس لا يعيرونه اهتماماً.
إن من أسباب ضعف الأداء هو عدم التوفيق في اختيار الدوائر التي تحيط برئيس وأعضاء المجلس، وهو أمر يبعث علـى الحيرة لأنه مؤشر إلى رغبتهم في التعامل مع أهل الثقة أولاً وأخيراً ليتفادوا تعكير صفو أيامهم. وعلى رغم وجود جهاز استشاري فضفاض مثل "هيئة التشاور والمصالحة" فإنه لا يحمل أي صفة دستورية تمنحه حق ممارسة أي نشاط خارج دائرة اجتماعاته النادرة.
لقد بذلت الرياض كثيراً في التعامل مع الملف اليمني، وعلى رغم حرصها الشديد على تقوية "الشرعية" فيبدو أن شكوكها في قدرة الأخيرة على مواجهة الأوضاع الحالية والمستقبلية يستدعي من "المجلس" الانعقاد الدائم من داخل اليمن وفتح أبواب النقاشات الحرة بعيداً من الجمود في المواقف، وبعيداً من تخوين المخالف والمختلف. وإذا ما اقتنع رئيس المجلس والأعضاء بذلك فيجب أن يكون البند الأول هو صياغة العلاقة بينهم داخل المجلس، وبينه وبين الحكومة، والعلاقتان مرتبكتان بوضوح بما يجعل من الصعوبة التفكير بالسير نحو النجاة.
لقد صار إلقاء الاتهامات والعتاب واللوم على الرياض أمراً سهلاً لبعضهم لكنهم يخفون حقيقة الكارثة التي تسببت فيها "الشرعية" ولا يزال.