ملخص
يعتبر بعضهم أن "السلطة الفلسطينية تفتقد إلى القدرة السياسية والعسكرية على إنهاء ظاهرة المجموعات السلحة بسبب اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة للضفة الغربية"
بعد عام على توعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ"قطع اليد التي تعبث بوحدة الفلسطينيين وأمنهم" خلال زيارته النادرة إلى مخيم جنين، بدا لبعضهم أن هدف السلطة الفلسطينية الوصول إلى "سلطة وسلاح وقانون واحد" يبقى بعيد المنال.
وجاءت زيارة الرئيس الفلسطيني للمخيم بعد أعنف اجتياح للجيش الإسرائيلي للمخيم مطلع شهر يوليو (تموز) الماضي، بهدف القضاء "الخلايا الإرهابية".
لكن اجتياح الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين وغيره من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية ما زال مستمراً حتى هذه الأيام، بخاصة في شمال الضفة التي تشهد نمواً ملحوظاً لنشاط كتائب المقاومة المسلحة.
فرض القانون
وتشكل تلك المخيمات، لاسيما مخيمات جنين في جنين ونور شمس في طولكرم وبلاطة في نابلس، معضلة لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ظل صعوبة السيطرة عليها.
ويشكو مسؤولون فلسطينيون أن اقتحامات الجيش الإسرائيلي لمدن وقرى وبلدات ومخيمات الضفة الغربية تؤدي إلى "تقويض سعيهم إلى فرض الأمن والقانون والقضاء على الفلتان الأمني"، إذ شهدت خلال الأيام الماضية مدن فلسطينية عدة مواجهات مسلحة بين الأمن الفلسطيني وكتائب مسلحة فلسطينية بعد محاولة السلطة الفلسطينية اعتقال بعض العناصر المسلحة في طولكرم وطوباس.
وبدأت تلك الأحداث الجمعة الماضي باقتحام الأمن الفلسطيني مستشفى ثابت ثابت في طولكرم، بعد ورود معلومات بدخول قائد كتيبة طولكرم محمد جابر (أبو شجاع) للعلاج.
لكن الأمن الفلسطيني فشل في اعتقاله بسبب منع الأهالي ذلك ووصول مسلحين إلى محيط المستشفى، حيث اندلعت اشتباكات مسلحة بين الجانبين.
وتطارد إسرائيل "أبو شجاع" الذي نجا من محاولات عدة لاغتياله في الأشهر الماضية، بسبب قيادته كتيبة مسلحة تابعة لـ"سرايا القدس" الجناح العسكري لـ"حركة الجهاد".
ومع أن تلك الاشتباكات انتهت والأمن الفلسطيني فشل في اعتقال المطلوبين، إلا أن التوتر في العلاقة بين الجانبين يبقي احتمال تجددها وارداً.
ظاهرة المجموعات المسلحة
وقبل ثلاثة أشهر قتلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية أحد العناصر المسلحة في كتيبة طولكرم، قبل أن يهاجم مسلحون مقر المقاطعة الرئيس التابع للسلطة في طولكرم حيث اندلعت اشتباكات مسلحة.
ويرى مدير مركز "ثبات" للبحوث جهاد حرب أن السلطة الفلسطينية "تفتقد إلى القدرة السياسية والعسكرية على إنهاء ظاهرة المجموعات السلحة، بسبب اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة للضفة الغربية، وغياب أي أمل للتوصل إلى حل سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي".
وبحسب حرب فإن المجموعات المسلحة "تحظى بتأييد غالبية الفلسطينيين وفق استطلاعات الرأي، الذين يعتبرون أن الكفاح المسلح هو الأسلوب الأنجع للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تراجع التعويل على الحل القائم على المفاوضات واللجوء إلى المؤسسات الدولية لاستعادة الحقوق الفلسطينية الذي تتنباه السلطة الفلسطينية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأيد 63 في المئة من الفلسطينيين "العودة للمواجهات والانتفاضة المسلحة، فيما دعم 26 في المئة حل السلطة الفلسطينية"، وفق آخر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.
ويرى 54 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم أن "العمل المسلح هو الأكثر فاعلية في إنهاء الاحتلال، فيما يقول 25 في المئة إن المفاوضات هي الأكثر فاعلية".
وأضاف حرب أن "غياب الأفق السياسي بسبب تنكر إسرائيل لحقوق الفلسطينيين أدى إلى خلق إشكالات للسلطة الفلسطينية، ووضع عراقيل أمام سعيها إلى فرض الأمن والقانون والسلاح الواحد".
لكن حرب شدد على أن السلطة "تستطيع إنهاء ظاهرة المجموعات المسلحة إن هي أرادت ذلك، في حال توفر آمال حقيقية بالتوصل إلى اتفاق سلام مع الإسرائيليين".
وشدد على أن "غياب ذلك يجعل السلطة الفلسطينية تحجم عن القيام بدورها، وبالتالي ما يترتب عليه من تداعيات على السلم الأهلي وعلى شعبيتها".
احتقان داخلي
وبعد أشهر على تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 بدأت أجهزتها الأمنية حملة ضد عناصر حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، لمنعهما من القيام بأية هجمات مسلحة ضد الإسرائيليين قد تعوق عملية السلام التي كانت في أوجها.
وإثر فوز محمود عباس بالانتخابات الرئاسية عام 2005 أطلقت السلطة الفلسطينية حملة أخرى لاحتواء عناصر كتائب "شهداء الأقصى" التابعة لحركة "فتح"، وإنهاء ظاهرة الفلتان الأمني.
واعتبر الباحث السياسي سليمان بشارات أن الاحتقان الداخلي في الضفة الغربية بين الأمن الفلسطيني والمسلحين يعود لـ"حرب الإبادة الجماعية في غزة، والحرب المصغرة عنها في الضفة"، إضافة إلى "تردي الأوضاع الاقتصادية، وغياب الأفق والرؤية السياسيتين لدى السلطة الفلسطينية في كيفية التعاطي مع إسرائيل".
ووفق بشارات فإن الفلسطينيين "يشعرون بالخوف بسبب اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وتصاعد الاستيطان والطرد من المنازل، وعدم قدرة النظام السياسي الفلسطيني على حماية الفلسطينيين وممتلكاتهم".
وأضاف بشارات أن ذلك يؤدي إلى "لجوء الفلسطينيين إلى تأييد المقاومة المسلحة، والابتعاد عن السلطة الفلسطينية وخياراتها السياسية، وإلى نشوء حاضنة شعبية للمسلحين".
وأوضح أن قطاعاً عريضاً من الفلسطينيين "يؤيدون العمل المسلح ضد الاحتلال الأجنبي منذ الانتداب البربطاني"، مشيراً إلى أنه "حتى في حال توفر موقف إيجابي من السلطة الفلسطينية، فإن جزءاً من الفلسطينيين سيبقون يساندون العمل المسلح ضد إسرائيل".
وعن أسباب سعي السلطة الفلسطينية إلى ملاحقة المسلحين، أشار بشارات إلى رغبتها في "حماية نظامها السياسي لإقناع العالم بقدرتها على ضبط الأمور خشية إنهائها أو استبدالها، والتزاماً بالاتفاقات السياسية".
تعارض الرؤى
ومن تلك الأسباب أيضاً وفق بشارات أن "مشروع السلطة الفلسطينية تأسسس على إقامة مؤسسات تقود لقيام دولة فلسطينية بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي"، إضافة إلى "الانقسام بين حركتي ’فتح‘ و’حماس‘، وتعارض رؤيتهما للمشروع الوطني".
وأضاف بشارات أن "كل رؤية سياسية لها أدوات لتطبيقها على الأرض، فالسلطة تريد فرض قانونها وسلاحها الواحد، والكتائب المسلحة تريد الاحتفاظ بسلاحها لمقاومة إسرائيل".
لكن "سعي السلطة الفلسطينية إلى إنهاء ظاهرة المقاومة المسلحة يبوء بالفشل في كل مرحلة سياسية"، بحسب بشارات بسبب "بقاء المعضلة الأساسية، وهي استمرار الاحتلال الإسرائيلي".
هذا واستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيزريت إبراهيم ربايعة اندلاع صراع مسلح بين السلطة الفلسطينية والمسلحين، بسبب "رفض الجانبين خوض اقتتال داخلي وحرب أهلية".
وعن أسباب تكرار الاشتباكات المسلحة بين الجانبين، أوضح ربايعة إلى أن ذلك يعود لـ"وجود مقاربتين سياسيتين متعارضتين".
فالسلطة الفلسطينية وفق ربايعة "تريد القضاء على ما تراه فوضى مسلحة تختلط في معظم الأحيان بالمقاومة، فيما تتمسك الكتائب المسلحة بنهجها لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
وأشار إلى أن "الحاضنة الشعبية للمقاومة المسلحة تجعل من اعتقال أو تحييد عناصرها أمراً بالغ التعقيد"، وشدد الباحث الأمني والمتحدث السابق باسم الأجهزة عدنان ضميري على أن "بقاء الاحتلال الإسرائيلي وتصاعد ممارساته ضد الفلسطينيين يشكلان أكبر محفز للمجموعات المسلحة، باعتبارها رد فعل على إسرائيل".
ورفض الضميري القول بوجود احتكاك بين الأمن الفلسطينيين والمسلحين، مشيراً إلى "وجود تضخيم إعلامي يجري في شأن ذلك".
وفق الضميري فإن الأمن الفلسطيني لا يستطيع التعامل مع ظواهر المجموعات المسلحة في ظل الهجمة الاستيطانية واعتداءات المستوطنين"، مضيفاً أن "السلوك الإسرائيلي كاف لتفجير الأوضاع في الضفة الغربية".