ملخص
أعلنت مجموعة من النشطاء السياسيين والحقوقيين في تونس دعمها للفنان نصر الدين السهيلي، منتقدة في بيان مشترك ما اعتبرته "استمرار المنظومة الحالية في ضرب الحقوق والحريات والتنكر لاستحقاقات الثورة، فضلاً عن مواصلتها استعمال خطاب شعبوي يؤلب التونسيين على بعضهم ويزرع الحقد والكراهية بينهم، وقد يؤدي إلى دمار أكبر يصعب تداركه".
مع انطلاق تقديم أوراق الترشح للانتخابات الرئاسية في تونس برزت بعض الأسماء التي يرى بعضهم أنها غريبة عن عالم السياسة على غرار الفنانين، وعلى رأس هؤلاء مغني الراب كادوريم والممثل والمخرج السينمائي نصر الدين السهيلي، كما سبق أن عبر فنانون آخرون عن نيتهم الترشح، فما هي حظوظ هؤلاء في انتخابات يرى بعضهم أنها تراوح بين ثلاثة مشاريع محددة، وهي مشروع قيس سعيد والمشروع القديم، أي ما قبل الثورة، ومشروع ما قبل الـ 25 من يوليو (تموز)؟
فقد أعلن فنان الراب كريم الغربي المعروف باسم "كادوريم" في فيديو نشره عبر صفحته على موقع "فيسبوك" ترشحه للانتخابات الرئاسية المقرر انطلاقها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، واعتبر كادوريم أن الوضع في تونس دقيق وحساس ويقتضي توحيد الصفوف مهما كانت الاختلافات، وفق تعبيره.
وتابع في هذا الإطار أن "قرار الترشح لم يكن سهلاً، لكن اخترت خوض التجربة وأتمنى أن أكون في مستوى الآمال والتطلعات".
كما ورد اسم الممثل والمخرج السينمائي نصر الدين السهيلي في القائمة الأولية للمترشحين المفترضين المتحصلين على استمارات جمع التزكيات من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية، وفق الجدول المحين لهيئة الانتخابات.
أسماء من عالم الفن
وفي هذا السياق أعلنت مجموعة من النشطاء السياسيين والحقوقيين في تونس دعمها للسهيلي، منتقدة في بيان مشترك لها ما اعتبرته "استمرار المنظومة الحالية في ضرب الحقوق والحريات والتنكر لاستحقاقات الثورة، فضلاً عن مواصلتها استعمال خطاب شعبوي يؤلب التونسيين على بعضهم ويزرع الحقد والكراهية بينهم، وقد يؤدي إلى دمار أكبر يصعب تداركه"، بحسب تعبيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولمعرفة حظوظ هذه الأسماء التي عرفها التونسيون في عالم الفن، يرى القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني أنه "من حق كل مواطن تونسي يستجيب للشروط الموضوعية أن يترشح لرئاسة الجمهورية، بخاصة إذا قدم برنامجاً يمكن أن يقنع الناخبين وصوتوا له، فهذه هي الديمقراطية".
ويرى العجبوني أن ترشح فنان الراب كريم الغربي كان متوقعاً لكنه فوجئ بترشح الفنان نصر الدين السهيلي، قائلاً إن "ما يقلقني في ترشح كادوريم أنه كان يقوم منذ أعوام بأعمال خيرية، وصرح سابقاً أنه لن يدخل العمل السياسي لأنه لا يريد الكذب على التونسيين، ثم قام الآن بتوظيف أعماله الخيرية لمصلحة طموحه السياسي، تماماً مثلما فعل نبيل القروي سابقاً".
انتخابات مختلفة
وعلى رغم مقارنة بعضهم تجربة كادوريم بتجربة المرشح السابق الذي صعد للدور الثاني خلال انتخابات عام 2019 نبيل القروي، واعتبروا أن التجربتين متشابهتين وصعود كادوريم ممكن اعتماداً على أعماله الخيرية على غرار القروي، فإن بعضهم الآخر يرى أن ترشحه غير جدي ويزيد من حظوظ قيس سعيد.
وفي هذا الصدد يعتقد الناشط الحقوقي زياد بن طيب أن "ترشح مغني الراب كادوريم وغيره من غير السياسيين غير جدية، ولن يتحصلوا مجتمعين إلا على نسبة ضعيفة من الأصوات مهما درّوا من الأموال".
ويوضح بن طيب في السياق ذاته أن "الانتخابات هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، ويمكن القول إنها ستكون معركة فاصلة في تاريخ تونس بين ثلاثة توجهات أو فرق سياسية"، وهي حسب تعبيره "الخط السياسي المساند لقيس سعيد لاستكمال مشروع البناء الجديد الذي بدأه بإجراءات الـ 25 من يوليو، والذي نجد فيه مرشحاً آخر بالتوجهات نفسها تقريباً ولكن بحظوظ أضعف بكثير، وهو المغزاوي عن حركة الشعب، ثم الخط السياسي المساند لمنظومة العشرية الماضية والممثل في أكثر من شخصية على ما يبدو، وأخيراً الخط السياسي المساند للنظام القديم ما قبل الثورة، والذي أعتقد أنه ممثل في الأقل بالزنايدي ونزار الشعري".
ويعتقد بن طيب أن معظم المترشحين الذين يقال إن عددهم تجاوز الـ 90 إلى حد الآن لن يتمكنوا حتى من جمع التزكيات المطلوبة، وأن المنافسة ستكون محصورة بين هذه الفرق الثلاث.
انسداد الأفق السياسي
من جهته يعتقد الكاتب الصحافي وسام حمدي أنه "في ظل انسداد الأفق السياسي في البلاد، بعد أن صحرت السلطة الحاكمة المشهد من الأحزاب، يعد تجرؤ أي فنان على الترشح لمنافسة قيس سعيد الذي عبّد الطريق لنفسه لولاية ثانية أمراً صحياً وسيخلق نقاشاً عميقاً في الشأن العام، بنضج وطروحات فكرية خارجة عن منطق التحزب".
ويواصل حمدي أنه "في الأصل وعلى عكس ما يعتقد الناس الذين يريدون سجن الفنان في عالمه الخاص، فإن العمل السياسي يعد من صميم عمل وبحث الفنان الحقيقي، إذ لا يمكن أن نطلق صفة فنان على من لا يخوض في مشكلات العامة الاقتصادية والاجتماعية أو في حقوقه المدنية".
وبالعودة لترشح بعض الفنانين لخوض الاستحقاق الانتخابي وحظوظهم في مزاحمة الرئيس قيس سعيد، يرى الصحافي وسام حمدي أن "الحكم يُعد سابقاً لأوانه على رغم أن كل ما يحدث في الساحة السياسية التونسية يشي بأن هذا الاستحقاق قد يكون محسوماً لفائدة الرئيس الحالي الذي يوظف كل شيء في الدولة لفائدته".
ويستدرك، "لكن في كل الظروف فإن ترشح فنان حقيقي يمثل تعبيرات متنوعة في البلاد، وقد يخلق حالاً فريدة من نوعها لتكسر الجمود الجاثم في الساحة السياسية منذ خمسة أعوام".
وصاحب طرح الفنان والممثل نصر الدين السهيلي مبادرته نقاش معمق بين النخبة التونسية، بعد أن توجه إلى الشعب بخطاب مغاير أحيا من جديد نبض الثورة، ودفع بعضهم نحو التساؤل حول شكل الدولة والنظام الأسلم لخدمة البلاد في ظل تنامي خطابات الحقد، وكذلك التقهقر الاقتصادي غير المسبوق.
ويؤكد كثير من الاستنتاجات أن شقاً واسعاً من أنصار قيس سعيد غير مرحب بمبادرة السهيلي، لإدراكهم أنها حتى وإن لم تفز في الانتخابات فإنها ستشكل عاجلاً أم آجلاً ملامح تفكير سياسي جديد في البلاد سيكون قادراً في كل لحظة على الإطاحة بالحكم الفردي.
وما يزيد مشروعية فنان كنصر الدين السهيلي أنه كان ملازماً لهموم شعبه وشارك تقريباً بتكوينه اليساري في كل التحركات الثورية ضد نظام بن علي وحركة النهضة وصولاً إلى حقبة قيس سعيد، مما يجعله محل إجماع لدى الطبقة المثقفة والجيل الطامح لاستعادة الحرية، وحتى الأحزاب المقاطعة للانتخابات.