ملخص
كان كيم سنغوبتا مشهوراً بتقاريره الجسورة من مناطق الصراع مثل العراق وغزة وأوكرانيا، رحيله يمثل خسارة كبيرة لـ"اندبندنت" وعالم الصحافة الأوسع
توفي كيم سنغوبتا، المراسل الحربي الحائز على جوائز الذي غطى كل الصراعات الكبرى في الأعوام الثلاثين الماضية، عن عمر يناهز 68 سنة.
خلال مسيرة مهنية امتدت لأكثر من أربعة عقود - بما في ذلك فترات بصفته مراسلاً في صحيفتي "ديلي ميل" و"تودي" - كان عمله في صحيفة "اندبندنت" هو الذي حدد إرثه بوصفه واحداً من أفضل المراسلين البريطانيين الميدانيين. تضمنت قائمة البلدان والصراعات التي نقل تقاريره منها، أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا والبلقان وأوكرانيا وجورجيا وكوسوفو ومالي والسودان والصومال وكشمير وإسرائيل وغزة وإيرلندا الشمالية.
إن قدرة كيم على جعل أولئك الذين يتواصل معهم يفتحون له قلوبهم ضمنت له شبكة علاقات كانت موضع حسد الآخرين. كما سمح له ذلك بشق طريقه إلى أماكن لم يتمكن آخرون من الوصول إليها، أو الخروج من أي موقف صعب وجد نفسه فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن الأمثلة على ذلك الحرب الأهلية السورية عام 2012، عندما كان كيم المراسل الدولي الوحيد في مدينة حلب حين بدأت قوات بشار الأسد هجوماً لتطهير معقل المعارضة الرئيس. وقد أوصله عمله من سوريا إلى قائمة الترشيح النهائية لجائزة أورويل للصحافة في العام التالي.
وكانت سوريا واحدة من البلدان التي عاد إليها كيم مرات عدة، مثلها مثل العراق وأفغانستان وأوكرانيا وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. واحتلت أفغانستان وأوكرانيا وغزة جزءاً كبيراً من الأعوام القليلة الماضية من تقاريره، مستفيداً من الخبرة التي اكتسبها على مدى أعوام عدة.
لقد كان في شرق أوكرانيا يرصد القوات الخاصة الروسية وهي تساعد الانفصاليين المدعومين من موسكو في الاستيلاء على الأراضي، التي انتهت بضم فلاديمير بوتين لشبه جزيرة القرم. وبعد أعوام من الصراع غير المحتدم، غزا بوتين أوكرانيا في نهاية المطاف في فبراير (شباط) 2022، وكان كيم هناك مرة أخرى لنقل المعاناة الإنسانية حيث صدت قوات كييف الهجوم الروسي. على مدار العامين الماضيين، جاب كيم البلاد لإيصال الصورة عن الأسر والحياة التي مزقتها الغزو، وسافر على طرق مليئة بآثار المعارك من ضربات المدفعية والطائرات من دون طيار والضربات الصاروخية لإعطاء صوت لأولئك الأوكرانيين الذين يقاتلون ضد بوتين وحربه.
كما شهد كيم ولادة أفغانستان الجديدة عام 2001 مع الإطاحة بطالبان وتحرر الشعب من براثنها. وبعد 20 عاماً، كان هناك أيضاً لتوثيق الفوضى العنيفة التي أعقبت سقوط كابول مع عودة طالبان، حيث لقي الناس حتفهم وهم يندفعون للصعود على متن الطائرات المغادرة للبلاد، أو يسقطون من العجلات بعد إقلاع الطائرات.
وكما قام كيم بتغطية الأحداث من إسرائيل والضفة الغربية المحتلة أثناء حرب إسرائيل داخل غزة التي اندلعت بسبب العمل الإرهابي الذي قامت به "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وبعدما غطى كل الحروب بين إسرائيل وغزة في القرن الـ21 - من داخل غزة في غالب الوقت - ردد كيم غضب الإسرائيليين والفلسطينيين وعذابهم على حد سواء مع ارتفاع عدد القتلى إلى مستويات غير مسبوقة.
لم يكن يهم بعد الحدث أو مكانه، فقد كان كيم ينطلق لمواكبته. من الحرب في العراق، إلى الربيع العربي، وسقوط القذافي في ليبيا، والتمرد الإسلاموي في مالي، وصعود "داعش" وسقوطها في العراق وسوريا. ووفاة نيلسون مانديلا، وسقوط روبرت موغابي في زيمبابوي، والانتخابات في إيران، وتهديد الصين بغزو تايوان.
لقد حصد عمله ترشيحات عدة في فئة الجائزة السنوية للمراسل الأجنبي وجائزة الصحافي السنوية ضمن جوائز الصحافة البريطانية British Journalism Awards وجوائز الصحافة Press Awards وثلاثة ترشيحات لجائزة أورويل للصحافة Orwell Prize. ومن الجوائز الأخرى نيله جائزة صحافي العام ضمن جوائز الإعلام الآسيوية Asian Media Awards.
لم تكن الخطوط الأمامية هي المكان الوحيد الذي برع فيه كيم؛ كانت شبكة علاقاته في العالم العسكري والأمني لا مثيل لها، حيث عمل مراسلاً في شؤون الدفاع ثم محرراً للشؤون الدفاعية والدبلوماسية لأعوام عدة. قادته هذه الخبرات إلى قصص حصرية مثل كشفه عن الملف الذي جمعه العميل السابق في "أم آي 6" MI6 كريستوفر ستيل عن دونالد ترمب.
الأدميرال اللورد ويست أوف سبايتهيد، اللورد الأول السابق للبحرية، أشاد بكيم قائلاً: "التقيت بكيم للمرة الأولى وقت أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) تقريباً وكان يسألني كثيراً عن أفغانستان مع تقدم العمليات هناك".
وأضاف "لقد كان مراسلاً مثيراً للإعجاب للغاية، خاطر لضمان حصوله على القصص التي شعر بأهميتها. كان يتمتع بعقل فضولي وكان سريعاً في الوصول إلى مغزى الموضوع. كان شخصاً لطيفاً وموثوقاً تماماً في الحديث معه بصورة غير رسمية ولم يخيب ظني أبداً، حتى عندما كان يعرف بعض الأشياء المذهلة".
وتابع "كان رفيقاً مسلياً وممتعاً، وكنا نلتقي أحياناً في مقهى "فيذيرز" في هايغيت. وكان تناول كأس من البيرة معه أمراً ممتعاً دائماً، وسوف نفتقده كثيراً".
من جهته، قال الجنرال السير ريتشارد بارونز، رئيس قيادة القوات البريطانية المشتركة السابق ونائب رئيس أركان الدفاع "لقد تحدثت أنا وكيم كثيراً عن قضايا الدفاع في ذلك الوقت. وكان مهتماً بصورة عميقة بالموضوع بصورة عامة، وبالأخص، كما شعرت شخصياً، بالقلق على أولئك الذين يخدمون في ظروف خطرة من أجل بلادهم. كان يتمتع بحس رفيع في السبق الصحافي ولم يتردد أبداً في ذكر الحقائق المؤلمة، ولكنه كان حريصاً أيضاً على أن يكون السياق الصحيح و’ما يجب فعله‘ واضحين".
عندما انضم كيم إلى صحيفة "اندبندنت" عام 1996، كان يقوم بعمله أينما وجد نفسه بروح من الدعابة. ومن الأمثلة على ذلك صورة التقطت له عام 2005 من فندقه في بغداد، الذي تعرض لأضرار من موجة انفجار قنبلة انتحارية. وبحسب كلمات كيم: "كنت مستلقياً على السرير، أقرأ، وفجأة طار فوقي سيل أفقي من الزجاج المسنن المتناثر عبر الغرفة".
وأضاف "لقد أنقذني خمولي، كنت لأصاب بجروح خطرة أو أسوأ لو كنت أتحرك. ولكن بدلاً من ذلك، أصبت فقط بجروح وكدمات. لاحقاً، وجدت كاثرين فيلب وهي زميلة من صحيفة التايمز شظية زجاج يبلغ طولها 10 بوصات (13 سنتيمتراً) تبرز من الفراش بجوار وسادتي ولم ألاحظها سابقاً".
وتُظهِر الصورة التي التقطها مصور "غيتي" كيم - جالساً على أريكة وبيده جهاز حاسب آلي - وهو يشير بلا مبالاة تقريباً إلى بعض الأضرار في الغرفة المدمرة.
وفي كلمة رثاء، قال رئيس تحرير "اندبندنت" جوردي غريغ "إن وفاة كيم سنغوبتا المفاجئة خسارة هائلة لـ’اندبندنت‘ وكذلك لعالم الصحافة الأوسع. كان كيم صحافياً بامتياز. عاش من أجل القصة وغطى بشجاعة صراعات لا حصر لها من العراق إلى أوكرانيا".
وتابع "لقد عرفته للمرة الأولى منذ أكثر من 40 عاماً عندما كان مراسلاً عاماً في فليت ستريت [عالم الصحافة] ومنذ تلك الأيام الأولى كنت معجباً بشدة بعزيمته المتواصلة وسعيه الدؤوب. لقد عاش وعمل بجد شديد، وغالباً ما كان على الخطوط الأمامية، يقوم بعمله بتباهٍ شبيه بهمنغواي وذلك أثناء سفره حول العالم لتغطية الأحداث لـ’اندبندنت‘".
وأضاف "لقد قلل بتواضع من أخطار الحرب حتى عندما تحدث بحماسة وروح الدعابة والإنسانية عن محن ومصاعب التغطية الإعلامية".
من جهته، قال كريس بلاكهرست، وهو رئيس التحرير السابق لـ"اندبندنت"، "في أعوام العمل مع كيم سنغوبتا، لم ألتقِ بأحد أكثر شجاعة منه".
وأضاف "بصفتك مديراً للتحرير، تتعلم كيف تميز بين الصحافيين الذين يحتاجون إلى ’نصيحة مستمرة‘ والذين يبحثون باستمرار وبإزعاج عن الاستحسان والتشجيع. كيم، على رغم من الأماكن التي ذهب إليها، لم يكن بالتأكيد واحداً من هؤلاء. إذا قال إنه ذاهب إلى مكان ما، فهو يذهب".
وختم قائلاً "كان يتمتع بمهارة غير عادية في التحدث إلى أي شخص، سواء كانوا سفراء أو جنرالات أو جنوداً أو أولئك الذين لديهم خلفية غير محددة – ربما من أجهزة الأمن - واستخلاص المعلومات منهم. كان كيم حقاً فريداً من نوعه".
© The Independent