Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائري يمشي على الذهب والفضة ولا يعي ذلك

حان الأوان لتحرير البلاد من صورتها التي صنعتها في السبعينيات مع كل الاحترام والتقدير لتلك المرحلة

الآثار الرومانية في الجزائر (مواقع التواصل)

 

ملخص

لم ننتج كتباً جميلة مصورة عن قرانا ومدننا الجزائرية، عن حماماتنا المثيرة، عن صحرائنا الاستثنائية في طبيعتها وفي حمولتها التاريخية، عن شواطئنا المدهشة الممتدة على 1400 كيلومتر، عن اللباس النسوي والرجالي الأصيل والمتنوع من القبائلي والشاوي والمزابي والوهراني والتلمساني والتارقي والقسنطيني والنايلي، عن جبالنا، عن غاباتنا وعن صناعة الحلي الفضية وعن خيولنا...

السياحة في الجزائر منجم ذهب لا يقدّر ولا ينفق، لكن الجزائري، للأسف، لا يملك ثقافة حسن التدبير والدراية العلمية والمهنية بذلك.

العينان مغمضتان، هكذا يمشي الجزائري فوق كنز تاريخي وطبيعي وإنساني، ولا يعي ما تحت قدميه.

لقد حبا التاريخ الجزائري وبكثير من السخاء بذاكرة نادرة، لكن الجزائري لا يحسن فنّ تقديم تاريخ بلده بكل ما لديه من أمجاد إنسانية استثنائية متعددة ومتنوعة.

وكما التاريخ كانت الطبيعة الإلهية سخية أيضاً بالجزائر، فقد منحتها مناظر فريدة في الجمال، من خضرة السهوب إلى ثلج الجبال، من قمة إلى سهل إلى صحراء، من شاطئ إلى غابة، لكن الجزائري، وللأسف، ليس في مستوى الوعي المطلوب المتجانس مع قيم محيطه الجمالية.

من دون شك فالجزائر لا تريد سياحة كما يفهمها ويمارسها جيرانها على الحدود الشرقية والغربية، فعقلية الجزائري تكوّنت في حلقات متواصلة من الصراعات والمقاومات من أجل الهوية ومن أجل الاستقلال، لذا فهو يربط كل ما له علاقة بالآخر بالأنفة والندية قبل أي شيء آخر، من هنا فالسياحة بالنسبة إلى الجزائري مرآة يقاس بها الشرف قبل المنفعة. وينسى الجزائري أن السياحة الإيجابية تفتح عقلية المواطن على العالم الآخر وعلى القيم الثقافية والحضارية الإنسانية من خلال هذا الحضور، حضور الآخر في فضاء الأنا.

لكي تتمكن الجزائر من أن تكون مقصداً سياحياً منافساً، يجب قبل كل شيء أن يتعلم الجزائري مبادئ فلسفة الضيافة السياحية التي تختلف عن فلسفة الضيافة العائلية أو القبلية. من دون شك، الجزائري إنسان ومواطن مضياف إلى حد كبير، لكنها الضيافة التقليدية الخالية من أية منفعة أو مردود اقتصادي، صحيح أن الجزائري مواطن وإنسان كريم لكن هذا الكرم هو من بقايا ثقافة القبيلة الغارقة في الأخلاق المثالية لا في الاقتصاد والتبادل. لم يفهم الجزائري بعد وبصورة جيدة، وللأسف، أن العلاقة مع الآخر في باب السياحة تحكمها معادلة العرض والطلب ولا العرض والأخلاق اللذان ينتميان إلى فضاء فلسفي آخر.

إن السائح ليس ذلك الشخص الذي يدقّ باب بيتك الشخصي، إنه ذلك الإنسان الذي تتقاسم وإياه، في الفضاء العام، سلسلة من القيم الرمزية والثقافية والاقتصادية.

علينا أن نعترف بأن الجزائري قد يكون آخر أهل شمال أفريقيا والعالم العربي، الذي لا يزال يحافظ وبصورة حادة، تصل مرات إلى حدّ العنف، على ثقافة "النيف"، وهي ثقافة متعارضة مع قيم السياحة.

أن يكون الإنسان في خدمة سائح لا يعني هذا الموقف والموقع أبداً بأنه محطّ إهانة أو ضياع شرف أو التفريط فيه.

علينا أن نعترف أيضاً، بأنه وأمام ما في الجزائر من جمال طبيعي نادر ومن آثار تاريخية مدهشة ومن أراضٍ عذراء، لم يتمكن الكتاب والفنانون التشكيليون والسينمائيون والموسيقيون من خدمة صورة الجزائر وتسويقها للخارج بالصورة المطلوبة والضرورية.

إننا لا نملك روايات كبيرة حول جمال الجزائر، فكثيراً ما يبدو الأدب الجزائري أدباً بكّاء حزيناً، مسكوناً بمراحل درامية في التاريخ، كثورة التحرير الوطنية الكبرى ومرحلة الاشتراكية وعشرية الإرهاب السوداء، وبذلك فإن التجربة الأدبية الجزائرية تكاد تكون خالية من أدب "السعادة" و"المتعة" الذي يمنح الآخر فضولاً في اكتشاف هذه البلاد والتذوق من عسل سعادتها المحلية.

ومع أن الجزائر لها رسامون تشكيليون كثر من أمثال محمد خدة وامحمد إيسياخم وباية وعائشة حداد والزبير هلال وكريم سركوة وشكري مسلي ورشيد قريشي... وهي توقيعات عالمية إلا أنهم لم يتمكنوا من تقديم ملامح وجه الجزائر الجميلة تلك التي سحرت كبار الرسامين التشكيليين الأوروبيين منذ بداية القرن الـ 19.

لم تستطِع الموسيقى الجزائرية، باستثناء الموسيقى القبائلية وأغنية "الراي" اللتين تم تسويقهما أساساً من فرنسا، أن تتحرر من ثقل الاحتفالات الموسمية المناسباتية والذهاب بالعبقرية الفنية الجزائرية بعيداً كي توصل صورة أخرى عن البلد من أمثال ديلاكروا وفرومينتان ورينوار وبيكاسو...

للأسف، بلد بطوله وعرضه وتاريخه كالجزائر، لا يملك دليلاً سياحياً احترافياً، ولا يملك موقعاً إلكترونياً للسياحة قادراً على شدّ انتباه الآخر، وازناً في سوق المنافسات العالمية السياحية.

حان الأوان لتحرير الجزائر من صورتها التي صنعتها في السبعينيات، مع كل الاحترام والتقدير لتلك المرحلة ولرجالها بناة الدولة الوطنية المستقلة، إن صورة الجزائر في الخارج لا تزال تعاني كثيراً ثقل "الكليشيهات" النمطية التي تنتمي إلى عصر سياسي وحضاري وثقافي ولّى.

لم ننتج كتباً جميلة مصورة Les beaux livres عن قرانا ومدننا الجزائرية، عن حماماتنا المثيرة، عن صحرائنا الاستثنائية في طبيعتها وفي حمولتها التاريخية، عن شواطئنا المدهشة الممتدة على 1400 كيلومتر، عن اللباس النسوي والرجالي الأصيل والمتنوع من القبائلي والشاوي والمزابي والوهراني والتلمساني والتارقي والقسنطيني والنايلي، عن جبالنا، عن غاباتنا وعن صناعة الحلي الفضية وعن خيولنا...

لماذا جيراننا الإسبان حافظوا واستثمروا في الإرث العمراني الذي خلّفه البربر والعرب على أراضيهم، وجعلوا منه رأسمالاً سياحياً يجلب أكثر من 100 مليون سائح سنوياً، ونحن لم نستفِد من هذا الدرس العميق ولم نعمل على الترويج للإرث العمراني الذي تركه الرومان والفرنسيون؟.

إن المدن الجزائرية الكولونيالية التي بنيت في عهد الاستعمار الفرنسي، على سبيل المثال، وبما هي عليه من هندسة عمرانية متنوعة شبيهة بعمران أكبر المدن الفرنسية كباريس وتولوز ومرسيليا وبوردو وستراسبورغ تمثل حضيرة سياحية استثنائية لا تقدر بثمن.

تمثل حضيرة "طاسيلي ناجر" في الجنوب الجزائري متحفاً مفتوحاً على السماء بمساحة تزيد على 72000 كيلومتر مربع، تفوق مساحة كثير من الدول الأوروبية، وللأسف لم يعرف العالم بعد كثيراً ولا قليلاً عن هذا الجمال المدهش وهذا السرّ الحضاري الخارق.

يمشي الجزائري على الذهب ولا يدري ما تدهسه قدماه من خيرات وقيم وثروات متنوعة وعميقة في التاريخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن الجزائر بلد السياحة الدينية المسيحية التي بإمكانها أن تجلب ملايين البشر، فهي بلد القديس سانت أوغسطين، وهي أيضاً بلد سان دوني قديس الفقراء، بلد الكنائس التي تحوّل كثير منها إلى مساجد ولكن بعضها لا يزال قائماً وبلد "قبر الرومية" (المعبد الملكي بموريتانيا) الموجود بمدينة تيبازا، وتيبازا نفسها هي متحف عمراني روماني نادر وغيرها من المواقع.

تملك الجزائر رأسمالاً فريداً في باب السياحة الثقافية والأدبية، لكنه وللأسف غير مستثمر بل مرات ينظر إليه بعين الريبة والحذر، نذكّر هنا بمغارة "سرفانتس" في أعالي مدينة الجزائر، ومغارة ابن خلدون الموجودة بفرندة ولاية تيارت التي كتب فيها كتابه الشهير "المقدمة"، وقبر الشاعر الكبير محمد بن مسايب الموجود في تلمسان...

وللجزائر أيضاً من الأسماء العالمية الكبيرة التي ولدت فيها وارتبطت أسماؤهم بها ارتباطاً وثيقاً، فالجزائر بلد إيف سان لوران وجاك دريدا وألتوسير وألبير كامو وجاك بيرك وجان بيير الكباش وجان دانييل وراينات الوهرانية و ليلي بونيش ومسعود المديوني وأندري شوراكي، ولكن على رغم كل هذه الأسماء وغيرها التي ارتبطت بالجزائر فإننا لا نملك قاموساً أو دليلاً يعرض بصورة فنية عالية الأماكن التي ولد فيها هؤلاء المشاهير الذين لهم تأثير كبير في صناعة الرأي والذوق، في فن اللباس وفي الموسيقى وفي الأدب وفي الإعلام وفي التاريخ وفي المال وفي البحث.

نعم، الجزائري المعاصر، يمشي على الذهب والفضة والماس ولا يدري ما تحت قدميه، لكن الخطأ ليس خطأه، فهو يحتاج اليوم إلى بيداغوجيا سياسية وثقافية وتاريخية صحيحة وواضحة وفاعلة حتى يستعيد وعيه بثرواته السياحية والحضارية الأكثر مردودية من البترول والغاز بكثير، هل حانت ساعة دق جرس الصحوة الجديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء