أعلن القصر الملكي، تعرّض العاهل المغربي محمد السادس إلى وعكة صحية تستلزم الراحة بضعة أيام، نتيجة التهاب الرئتين الفيروسي الحاد، ما أدى إلى إلغاء حضوره مراسيم جنازة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، كما يُتوقّع أن يؤجل الوضع الصحي للملك، إعلان التعديل الحكومي الذي دعا إليه في وقت سابق.
اعتماد التواصل
اعتمد القصر الملكي منذ عام 2009 منهج التواصل مع الرأي العام الوطني، إذ أنشأ منصب المتحدث الرسمي باسم القصر، وأعلن للمرة الأولى خلال تلك السنة وبشفافية عن إصابة الملك بـ"روتا فيروس" مع حالة جفاف حاد، كما أعلن عام 2014 عن إصابته بأعراض زكام حاد مصحوب بحمى، إضافةً إلى التهاب الشعب الهوائية. وعام 2017، كشف المتحدث الرسمي عن خضوعه لعملية جراحية في عينه اليسرى، وعام 2018 عن خضوعه لجراحة في القلب لعدم انتظام دقاته.
يعتبر الباحث في التواصل المؤسساتي محمد بودن في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن التواصل الملكي المستمر مع الشعب، يمثل سيراً على العهد الذي يجمع الملك بالشعب، كما يشكّل عصباً حيوياً للأعمال كافة، ويؤكد ترسيخ الأهمية الاستراتيجية للتواصل ووضع حد لمسار الإشاعات والتأويلات التي يمكن أن تتغذى من الصمت التواصلي.
فعندما كان الوضع الصحي للملك قبل عام 2009 من المحظورات التي يُمنع التطرّق إليها، خضع بعض الصحافيين، الذين ناقشوا الموضوع، إلى تحقيقات أمنية ومتابعات قضائية من قبل السلطات.
تواصل مؤسسي
في المقابل، يرى الباحث بودن أنه "يمكن استنتاج بعض الأفكار الأساسية من التواصل الملكي، منها اختيار الملك قناة التواصل الرسمية من أجل إطلاع الأمة على حقيقة الأمور وعبر قناة واحدة هي الديوان الملكي الذي يُعد مصدراً للمعلومة بالنسبة إلى مختلف وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية".
تفادي الغموض
ويوضح بعض المراقبين، أن الإعلان عن الحالة الصحية للملك، تمنع الغموض والتأويلات، كما يحصل في بعض الدول الإقليمية كالجزائر. ويقول المحلل السياسي عمر الشرقاوي، إنّ بيانات الديوان الملكي، حول صحة الملك محمد سادس، "تحمل دلالات إنسانية وسياسية ودستورية عدّة، من بينها أن خبر مرض الملك لم يعد سراً من أسرار الدولة، أو تهديداً لأمنها، بل أصبح شأناً عاماً يهم جميع المغاربة الذين لهم الحق في معرفة تفاصيله".
ويشير إلى حادثة اختفاء الرئيس الجزائري المخلوع عبد العزيز بوتفليقة عن أنظار الشعب الجزائري لأكثر من 30 يوماً، بينما كان راقداً في مستشفى "فال دو غراس"، وبلغ الأمر حد إحالة مدير إحدى الصحف إلى القضاء، وذلك فقط لأنه تطرّق إلى مرض الرئيس في ملف أسبوعي من جريدته.
ويضيف أن "إعلان دخول الملك إلى العلاج يعبّر عن احترامه لشعبه، وهو ما استوجب أعمال الشفافية في التعاطي مع ملف الملك الصحي. إنّ مرض الملك ليس عيباً أو حدثاً خارجاً عن المألوف، فالملك إنسان يمرض كغيره ويحتاج إلى فترة نقاهة وشهادة طبية كمواطنيه للتوقف مرحلياً عن ممارسة مهامه".
ويرى الشرقاوي أن الإعلان عن مرض الملك ضروري لتفادي الغموض وتضارب المعلومات، ولوضع حد للشائعات عندما يغيب عن الإعلام، خصوصاً أنّ المغاربة اعتادوا على تحركاته اليومية وتدشين المشاريع الإنمائية، وأنّ العطلة الصحية التي حدّدها طبيب الملك هي من 10 إلى 15 يوماً، تسمح له بوقف نشاطاته الرسمية، سواء كانت اليومية المعتادة منها، أو المكتبية التي تدخل في إطار الفصول 41 و42 و49 من الدستور".