Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين تقف باكستان بعد 77 عاما من الاستقلال؟

استيلاء النخبة على الدولة دفع ضريبته الشعب من الرفاهية والتنمية والازدهار

تجد باكستان نفسها في منعطف خطر بين تحديات أمنية وسياسية بعد عقود من الاستقلال (أ ف ب)

ملخص

ينعكس تجاهل النخبة الحاكمة التنمية البشرية وانفصالها عن الواقع على تخلف باكستان في معظم المؤشرات المتعلقة بالتعليم والصحة والفقر وغيرها من جوانب رفاهية الإنسان في السنوات الأخيرة. وتحتل البلاد المرتبة 164 من بين 193 دولة في مؤشر التنمية البشرية العالمي.

تحتفل باكستان خلال بضعة أيام بالذكرى الـ77 لاستقلالها وتشيد بالإنجازات التي حققتها خلال هذه الفترة في مجالات عدة، كما أنها تستغل هذه الفرصة في النظر إلى الأوجه التي تعاني فيها قصوراً. ولا تزال باكستان بعد أكثر من سبعة عقود على استقلالها بعيدة من تحقيق إمكاناتها الواعدة، وعن رؤية مؤسسيها الذين حلموا بجعلها دولة مستقرة تحكمها ديمقراطية ليبرالية وفق حاجات وتطلعات الشعب، إذ تقف البلاد في منعطف حرج وتعاني عدم الاستقرار واليأس الشعبي بمستقبل الدولة.

وتواجه باكستان اليوم عدداً من التحديات الخطرة، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالحكم والأزمات السياسية والاقتصادية، إضافة إلى انعدام الأمن وقلة التعليم والانفجار السكاني، وتعزز هذه الأزمات بعضها بعضاً لتخلق وضعاً متفاقماً بالخطورة للدولة ولحكامها وشعبها على حد سواء.

ويمكن القول إن رغبة باكستان في الاستقرار تصطدم بعوائق كبيرة على أرض الواقع كافتقارها إلى إدارة نشطة وسيادة القانون والاضطرابات السياسية على مدى التاريخ الناتجة من تناوب السلطة بين العسكر والمدنيين، إضافة إلى قيادة لا تملك رؤية واضحة وبالطبع الجوار الخصم الذي خلق مشكلات أمنية مستمرة.

وتؤثر هذه العوامل بصورة كبيرة في نمو الدولة، إذ تخلفت باكستان عن نظيراتها في الإقليم في جميع مؤشرات النمو الاقتصادية والإنسانية.

استيلاء النخبة

يرى المراقبون أن العامل الأكثر أهمية الذي يعوق تقدم البلاد هو هيمنة طبقة صغيرة من النخبة الحاكمة على سياسة الدولة وعلى اقتصادها منذ فترة طويلة، إذ أعطت هذه النخبة الحاكمة الأولوية للحفاظ على تفوقها وحماية امتيازاتها على حل مشكلات البلاد، مما أدى إلى تضاعف تحديات إدارة الدولة بصورة كبيرة وإلى خلق حالة عدم الاستقرار المستمر وانعدام الأمن.

وعلى مر السنين لم تظهر هذه النخبة القوية أي اهتمام بالإصلاحات التي تضر بمصالحهم السياسية والاقتصادية سواء كانت إصلاحات الأراضي أو إصلاحات البنية الاقتصادية أو في طريقة الحكم، بل خصصت لنفسها امتيازات تؤهلها للحصول على استغلال المناصب العامة في السيطرة على موارد الدولة. وتشترك النخبتان المدنية والعسكرية في تعزيز سيطرتهما وحماية مصالحهما ومكانتهما المميزة في الدولة من خلال شبكات العمل المكونة من عائلات سياسية مؤثرة ومجموعات القرابة وأصحاب النفوذ المحليين.

ومن الواضح أن هذا الشكل من الحكم فشل في تلبية حاجات المجتمع، إلا أن النخب لم تتأثر بالحقائق المؤلمة التي تحيط بها ولم تقتنع بالاستجابة بصورة هادفة لمطالب الشعب مع مراعاة مصلحتها الذاتية، الحقيقة أنه لم يتم إعطاء الناس أهمية أبداً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدت هذه السياسات إلى نتائج وخيمة إذ تنتقل باكستان إثر ذلك من أزمة اقتصادية إلى أخرى، وواجهت كل من الحكومات المدنية والعسكرية والهجينة المتعاقبة أزمات مالية بصورة متكررة بسبب عدم رغبتها في استنفاد الموارد وتعبئة الموارد الداخلية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتركت الاقتصاد في وضع أسوأ بالنسبة إلى خلفائها.

واتبعت الأنظمة السياسية المختلفة سياسات اقتصادية مماثلة تعتمد على الاقتراض من الداخل والخارج لتغطية العجز المزدوج في الموازنة وميزان المدفوعات، لتترك هذه السياسات الدولة تحت عبء غير مسبوق من الديون المحلية والخارجية، وينعكس مدى تدهور الاقتصاد في حقيقة أن باكستان تستعد للدخول في برنامج إنقاذ جديد من قبل صندوق النقد الدولي بعد أن استعانت به 23 مرة خلال العقود الماضية.

التعثر في التنمية البشرية

ينعكس تجاهل النخبة الحاكمة التنمية البشرية وانفصالها عن الواقع على تخلف باكستان في معظم المؤشرات المتعلقة بالتعليم والصحة والفقر وغيرها من جوانب رفاهية الإنسان في السنوات الأخيرة، وتواجه الدولة اليوم أزمة خطرة في هذه الناحية. وتحتل باكستان المرتبة 164 من بين 193 دولة في مؤشر التنمية البشرية العالمي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وتنسب في هذا السياق مقولة إلى مؤسس باكستان محمد علي جناح يقول فيها إن "التعليم هو مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى بلدنا"، ومع ذلك فإن الدراسات تشير إلى أن خلفاءه لم يأخذوا بنصيحته، إذ يبلغ عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في باكستان أكثر من 26 مليون طفل، وهو ثاني أعلى عدد في العالم.

وهذا يعني أن أكثر من 44 في المئة من الأطفال الذين تراوح أعمارهم ما بين 5 و16 سنة لا يذهبون إلى المدرسة بينما يبلغ مستوى الأمية 40 في المئة، ولا يمكن لأي بلد أن يتطور اقتصادياً بهذا المستوى من الأمية ونقص التعليم، لكن الجهود الحكومية في هذا النطاق معدومة تقريباً على رغم أن الاستثمار في التعليم هو الوسيلة الأضمن لتغيير مصير أي بلد.

ومن المؤشرات المثيرة للقلق أيضاً في الدولة مؤشر نمو الأطفال، وهو ما وصفه تقرير البنك الدولي بأنه "أزمة صحة عامة". ووفقاً لتقرير "هيومن كابيتال ريفيو" فإن ما يقارب 40 في المئة من الأطفال الباكستانيين تحت سن الخامسة يعانون التقزم وهو رقم مثير للقلق، كما أن حالة الفقر في البلاد منتشرة، إذ ارتفع معدل الفقر الآن إلى ما يقارب 40 في المئة، بحسب البنك الدولي.

إضافة إلى ذلك يشكل النمو السكاني في البلاد - الأسرع نمواً في جنوب آسيا - تحدياً آخر، وله عواقب اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى إضافة إلى تأثيرات في الأمن القومي. ويتم تأكيد ضرورة تنفيذ تدابير السيطرة على السكان على المستوى الوطني من قبل المتخصصين المحليين والعالميين، لكن النخبة الحاكمة فشلت في تنفيذ أي من هذه السياسات مما أدى إلى "دمار" ديموغرافي إلى جانب قلة فرص التعليم والوظائف.

إن تجاهل هذا الوضع المزري الآن يمكن أن يشكل خطراً كبيراً على البلاد في المستقبل القريب. لقد أصبحت الخيارات أمام البلاد الآن واضحة، فإما أن تظل عالقة في مستنقع الحكم الضعيف والسياسات المختلة والركود الاقتصادي وتهديدات الأمن الداخلي ونقص التعليم والنمو السكاني الذي لا يمكن السيطرة عليه وانعدام الثقة العامة في مؤسسات الدولة، أو اتخاذ مسار جديد من خلال التحسين في طريقة الإدارة وإدخال إصلاحات واسعة النطاق واتخاذ تدابير من أجل الصالح العام بدلاً من مصالح النخبة الصغيرة. وبين هذين الخيارين يكمن مصير البلاد التي تحتفل بالذكرى الـ77 لاستقلالها.

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

المزيد من تحلیل