Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الشريط الحدودي" جنوب لبنان يتبادل "حزب الله" وإسرائيل السيطرة عليه

إستراتيجية تل أبيب على جبهتها الشمالية فاجأت الجميع

     جندي إسرائيلي عند مدخل نفق اكتُشف أثناء عملية "درع الشمال" لتفكيك أنفاق "حزب الله" على حدود لبنان (أف ب)

ملخص

تصرّ إسرائيل على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح في جنوب لبنان مشابهة لـ "الشريط الحدودي" بعد انسحابها عام 1985، وتضغط لتحقيق انسحاب "حزب الله" إلى ما وراء نهر الليطاني كما نصّ القرار الدولي (1701).

إستراتيجية إسرائيل القتالية على جبهتها الشمالية فاجأت الجميع، إذ كانت التقديرات تشير عند نشوب الحرب في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى سيناريو هجوم جوي كبير على بنك كبير من الأهداف التابعة لـ"حزب الله" على الأراضي اللبنانية، أو توغل بري بعمق 10 كيلومترات في عمق الجنوب، إلا أنها اعتمدت حرب استنزاف طويلة حققت من خلالها منطقة عازلة تسيطر عليها جوياً وتكنولوجياً، مما يهدد بفقدان لبنان "إنجاز" الانسحاب الإسرائيلي عام 2000.

ويبدو أن إسرائيل تتمسك بمطلب إنشاء منطقة عازلة ضمن الأراضي اللبنانية شبيهة بـ"الشريط الحدودي" الذي أنشأته بعد انسحابها من لبنان عام 1985 عقب الاجتياح البري الذي وصل بيروت عام 1982، قبل أن تنسحب إلى ما وراء "الخط الأزرق" (هو الخط الفاصل الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة وإسرائيل وهضبة الجولان من جهة ثانية عام 2000)، وتحمِّل إسرائيل جميع الموفدين الدوليين إلى لبنان شرطاً أساساً لعودة الاستقرار يؤكد إصرارها على إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح وخالية من مسلحي "حزب الله".

 

وحسب معظم التسريبات الدبلوماسية التي وصلت لبنان عبر عدد كبير من الموفدين الدوليين، فإن إسرائيل عازمة على تطبيق البند المتعلق بانسحاب "حزب الله" إلى ما وراء نهر الليطاني من القرار الدولي (1701) بالدبلوماسية أو القوة، إلا أن أياً منهم لم يحمل توقيتاً أو مهلة معينين.

منطقة "حزب الله"

وبالعودة إلى ما قبل عام 2000 كانت إسرائيل تحتل مناطق واسعة في الجنوب معظمها تلك التي تقع خلف نهر الليطاني تحت ذريعة منع منظمات وفصائل مسلحة من مهاجمة أراضيها، وبعد انسحاب إسرائيل في الـ25 من مايو (أيار) 2000، ونتيجة توازنات وتوافقات إقليمية ودولية، تسلم "حزب الله" منفرداً أمن الجنوب.

واستمر "حزب الله" القوة الأمنية والعسكرية الوحيدة في مناطق "الشريط الحدودي"، حتى اندلاع حرب يوليو (تموز) 2006، التي انتهت بالقرار الدولي (رقم 1701)، الذي توصل إلى صيغة جديدة تعيد الدولة ومؤسساتها بصورة فاعلة إلى الجنوب بالتنسيق مع قوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل"، إلا أن الحزب بقي الحاضر الأقوى والأوحد جنوباً، وأُبقي دور الجيش اللبناني هامشياً.

كما تُتهم جمعية "أخضر بلا حدود" بأنها الغطاء المدني لتحركات الحزب، وهي جمعية غير حكومية تشكلت بعد عام 2000، لكن واشنطن فرضت عليها عقوبات بتهمة دعم وتغطية أنشطة الحزب جنوباً.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية، أكدت في تقرير عبر موقعها، أن الجمعية "تمتلك أكثر من 12 موقعاً يديرها عناصر الحزب، وهي تشكل غطاء لمخازن الحزب تحت الأرض وأنفاق تخزين الذخيرة.

 

"حرب تمهيدية"

يتوقف محللون عسكريون عند الحرب التي تقودها إسرائيل في جنوب لبنان والتي تصح برأيهم تسميتها بـ "حرب تمهيدية"، إذ عمدت على مدى الأشهر الماضية، إلى تمشيط الجنوب بكامله وإفراغ المناطق الحدودية من سكانها حيث نزح حوالى 120 ألف مواطن من نحو 50 قرية وبلدة، مما يحوّل أي تحرك بشري هناك إلى هدف عسكري ويخفف من قدرة المسلحين على الاختفاء بين المدنيين، وكذلك استهدفت إسرائيل مواقع مفترضة لـ "حزب الله" وكثيراً من مداخل الأنفاق المموهة بمنازل أو أبنية وبنى تحتية مختلفة.

وبرأيهم "الحرب التمهيدية" التي كان كانت تشنها تل أبيب بالتوازي مع استهداف قادة ميدانيين ومستودعات أسلحة، أسهمت في إضعاف قدرة التحرك في المناطق الحدودية، و"فرملت قدرة الحزب على شن هجوم بري إلى مناطق شمال إسرائيل كما حصل في معركة ’طوفان الأقصى‘ في غلاف غزة".

ويشير هؤلاء إلى أن هذه الحرب يمكن أن تستمر طويلاً على الوتيرة نفسها، طالما لم تتبلور بعد خطة رسمية لدى إسرائيل، "وفي الوقت نفسه، تمهّد لاجتياح بري غير مكلف بشرياً بعد السيطرة الجوية وتفكيك قدرات المجموعات الميدانية، وتدفع "حزب الله" إلى تسوية سريعة يخفف من خلالها الخسائر العسكرية التي يتكبدها في معركة الاستنزاف".

علماً أنه في السادس من يونيو (حزيران) عام 1982، دخلت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان واحتلت مناطق صور والنبطية وحاصبيا والشوف خلال يومين، ثم وصلت ضواحي بيروت، واحتلت قصر بعبدا (القصر الرئاسي اللبناني) في الـ13 من يونيو 1982، على رغم التسلح الكبير الذي كانت تحظى به "منظمة التحرير الفلسطينية" وقوى "الحركة الوطنية" بزعامة كمال جنبلاط.

تأييد إسرائيلي للتوغل البري

وكان الإعلام الإسرائيلي قد أعلن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تلقى رسالة من نواب في الكنيست تؤيد التوغل براً في لبنان.

لكن هيئة البث الاسرائيلية كانت نقلت عن أعضاء في الكنيست قولهم إن "خطة الجيش الحالية للتوغل البري الى لبنان مغلوطة"، في وقت وجه نواب في الكنيست رسالة إلى نتنياهو أكدوا فيها تأييدهم التوغل البري في لبنان من حيث المبدأ، لكنهم اعتبروا أن الخطة التي عرضت عليهم ستؤدي إلى البلبلة وليس إلى الحسم.

تفكيك "الجبهة"

وفي هذا السياق، استبعد المحلل الإستراتيجي العميد ناجي ملاعب شنّ إسرائيل هجوماً برياً في جنوب لبنان، ورأى أن إستراتيجية الجيش الإسرائيلي تهدف إلى القليل من قدرات "حزب الله" على جميع الصُعد، وليس فقط على الجبهة الأمامية، "عبر تجفيف مصادر الحزب من الذخائر والصواريخ وحتى القيادات البشرية، وصولاً إلى اغتيال الممولين كما حدث على طريق دمشق الدولي مع رجل الأعمال السوري محمد قاطرجي"، وبرأيه هذه الإستراتيجية تضع "حزب الله" تحت ضغط كبير من خلال استهدافات دقيقة، من دون الحاجة إلى تحضيرات كبيرة لهجوم بري، معتبراً ذلك من تكتيكات تقطيع الوقت لحين الانتهاء من الانتخابات الأميركية المقبلة، ومشدداً على أن الجيش الإسرائيلي لن يغامر بتوسيع الجبهة باتجاه حرب شاملة مع "محور الممانعة" أثناء فترة الانتخابات الأميركية، إذ لا يمكنه ضمان دعم الإدارة الأميركية الحالية أو المقبلة لأية عملية برية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"هدية" للحزب

المحلل السياسي اللبناني داوود رمال رأى بدوره أن الحديث عن توغل إسرائيلي بري وشيك باتجاه لبنان مجرّد نوع من التهويل، وأنه سيشكل "هدية" للحزب، باعتبار أنه الأقدر في الحرب البرية، لافتاً إلى أن هذه التسريبات نوع من رفع السقف، لمحاولة دفع "حزب الله" للقبول بما هو معروض لجهة تطبيق كامل للقرار رقم (1701)، مع تغيير قواعد الاشتباك. وأوضح أن حكومة بنيامين نتنياهو، ومنذ دخول "حزب الله" عملية الإسناد والإشغال في حرب غزة، بدأت عملية تدمير ممنهجة لقرى وبلدات حافة الشريط الحدودي (جنوب)، إذ تستحيل العودة إليها من قبل المواطنين أو الحزب بعد انتهاء الحرب، وهذا التدمير يحتاج إلى عملية إعادة إعمار قد تستمر ثلاثة أعوام.

الأنفاق واحتلال الجليل

وتقول أجواء "حزب الله" رداً على احتمالية دخول إسرائيل برياً إلى بلدات الجنوب، بالتأكيد أن الحزب قادر على مهاجمة شمال إسرائيل واحتلال عدد من المستوطنات، وأن تل أبيب قد تتفاجأ بقدرة شبكة الأنفاق التي يمتلكها الحزب، والتي كشفت تقارير إسرائيلية وأجنبية عن مدى حجمها وقوتها.

ويؤكد محللون مقربون من الحزب أنه لا يريد أن يكون البادئ بأية معركة، إنما يريد استمرارها بهذه الوتيرة التي تسهم في استنزاف إسرائيل وتصاعد الخلافات والصراعات الداخلية والتي قد تؤدي إلى تفكيك حكومة نتنياهو.

علماً أن الجيش الإسرائيلي قام عام 2018 بحملة "درع الشمال" على الحدود الشمالية المتاخمة للبنان التي أدت حينها إلى اكتشاف الأنفاق الهجومية، التي قام "حزب الله" بحفرها من لبنان إلى داخل أراضي إسرائيل، وإحباطها.

وكانت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، نشرت في الـ21 من فبراير (شباط) الماضي تقريراً كشفت فيه أن "حزب الله" لديه شبكة أنفاق سرية أكثر تطوراً من تلك التي لدى "حماس" في غزة. وقالت إن الحزب "يمتلك أنفاقاً يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ولها تشعبات تصل إلى إسرائيل، وربما أبعد من ذلك، وصولاً إلى سوريا".

هزيمة ونكسة

وفي السياق، أوضح المتخصص العسكري العميد جورج نادر أن المنطقة العازلة التي نص عليها القرار (1701) هي منطقة خالية من السلاح، لافتاً إلى أن "إسرائيل تريد إقامة منطقة عازلة بالدبلوماسية أو بالقوة، وطالما أن الحزب يربط أي نقاش بانتهاء الحرب في غزة، فالمساعي الدبلوماسية فشلت، أقله حتى الساعة"، مضيفاً "أما خيار القوة فيكون من خلال تدمير منطقة جنوب الليطاني ومنع أهلها من العودة، لكن هذا التدمير يعني البقاء في حال حرب دائمة، وهذا السيناريو لا يناسب إسرائيل ولا سكان المستوطنات المتاخمة لحدودها مع لبنان"، ورجّح نادر ألا يقبل الحزب بالمنطقة العازلة لأنها ستعني انسحابه إلى شمال الليطاني وسحب عناصره أبناء القرى الموجودة جنوب الخط، مما يعدّ هزيمة له ونكسة أمام الرأي العام ومناصريه، إلا إذا تم ذلك بإطار صفقة إيرانية-أميركية أجبرته على ذلك.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير