خلت قائمة الشخصيات المئة (حتى مساء اليوم الثلاثاء) التي أبدت نية الترشح للرئاسيات المقبلة في الجزائر، من العنصر النسوي عدا أربع نساء أعلنت سلطة الانتخابات أسماءهن من دون أن يتمكن مراقبون من معرفة مسارهنّ السياسيّ، وشكّل الرقم "الهزيل" للنساء في قوائم المرشحين، منطقاً مناقضاً لروح الحراك الشعبي وأيضاً لمقاصد قانون ترقية مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
واكتفى مسؤول الإعلام في السلطة المستقلة للانتخابات علي ذراع، بذكر أسماء أربع نساء وهو يكشف عن أرقام المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة، في تصريح خص به "اندبندنت عربية".
ومن بين المرشحات الأربع، لا توجد منهنّ من ترشحت باسم حزب سياسي أو تدرجت في تشكيلة حزبية مهيكلة، في مقابل عزوف أو تحفظ من الأحزاب التي أبدت نية الترشح في تقديم قياديات باسمها.
حنون الاستثناء
شكلت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، أبرز وجه نسوي بلغ الأدوار النهائية في الانتخابات الرئاسية لثلاث مرات متتالية، فقد دشنت معترك الرئاسيات لأول مرة في الجزائر والعالم العربي عام 2004 حين كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يتحضر لولاية ثانية.
وخاضت حنون بعدها معترك رئاسيات 2009 وأيضاً رئاسيات 2014، وهما الموعدان اللذان مكنا بوتفليقة من الاستمرار لولاية ثالثة ومن ثم رابعة على التوالي، مباشرة بعد تعديله دستور البلاد برفع التقييد عن عدد الولايات الرئاسية في أكتوبر (تشرين الأول) 2008.
وفي الساحة الجزائرية بضعة أحزاب تقودها نساء، أبرزها تقوده زبيدة عسول، وهي مناضلة ترفض الانتخابات الرئاسية المقبلة بشدة، وتناصر خيارات أخرى خارج نص الدستور القائم، وثانيها حزب العدل والبيان الذي تقوده نعيمة صالحي، وهي نائب برلماني وحيد عن حزبها، وتشتهر الأخيرة بقربها من خيارات السلطة، لكنها إلى الآن لم تبدِ أي موقف من الرئاسيات المقبلة ولو بدعم مرشح دون غيره.
بوتفليقة... صفقة مع النساء
ولعل سر اهتمام بوتفليقة في وقت سابق بملف المرأة، كان ترجمة لرقم الأصوات المعبر عنها من العنصر النسوي في الاستحقاقات الرئاسية، لذلك وصفت فترة العقدين التي تولى فيها بوتفليقة رئاسة الدولة بـ"الوردية" بالنسبة إلى الناشطات في مجال حقوق النساء، حيث راجع بوتفليقة قانون الأسرة عام 2006، وأقرّ قانوناً عضوياً لمشاركة المرأة في الحياة السياسية وتعويضات للمطلقات الحاضنات.
وفي خضم ما سمي حزمة الإصلاحات السياسية "المستعجلة" التي قررها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2011 ضمن مناورة شهيرة لـ "الفرار من الربيع العربي"، تقرّر إعداد قانون عضوي لترقية مشاركة المرأة في الحياة السياسية بشكل فرض على قوائم الأحزاب والقوائم المستقلة، ألا يقل عدد النساء المرشحات عن 30 في المئة من مجموع المرشحين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المعيبون على القانون الساري إلى اليوم، أنه عامل المرأة كـ "عنصر غير كفء" بحكم منحها حصة ثلاثين في المئة من مقاعد البرلمان والمجالس المنتخبة، على عكس نص الدستور الذي يساوي في الحظوظ بين الجنسين.
وبحكم ارتباط الممارسة السياسية في غالب المحافظات الجزائرية بمنطق "العشيرة أو القبلية"، فقد كان من الصعب على أحزاب كثيرة إيجاد نساء يقبلن مبدأ الترشح والوقوف في تجمعات شعبية، ما أدى إلى ظهور نتيجة عكسية لروح القانون بتدافع نساء غير متحزبات بالكامل نحو قوائم انتخابية حتى تقبل على مستوى الإدارة شريطة توافر عنصر واحد وهو "أن تكون امرأة".
وعلى الرغم من الانتقادات، منح القانون لبوتفليقة حينها إشادة أممية واسعة، بعدما تقدمت الجزائر خطوات بارزة في سجل البلدان العربية التي تمنح عضوية البرلمان للنساء، فقد حصلنَ على 146 مقعداً من أصل 462 في انتخابات البرلمان عام 2012، فيما أقرّ القانون مساعدات مالية للأحزاب مقابل كل برلمانية بشكل يفوق حصة كل رجل، تشجيعاً لها لضخ عدد نساء أكبر في قوائمها.
المشكلة في الأحزاب
تعتقد نورية حفصي الأمينة العامة لاتحاد النساء الجزائريين، أن المشكلة في الأحزاب وليس في القانون، لافتة إلى أن "الأحزاب هي الإشكال الأولي بحكم عدم تشجيعها عنصر النساء في الممارسة الداخلية"، وتقول حفصي إن "القانون الموجود والساري المفعول يخص المجالس المنتخبة في البرلمان والبلديات والمجالس الولائية ولا يخص الرئاسيات لأنه من غير المنطقي فرض حصة نساء في هذا الموعد المصيري".
في المقابل، يقول محمد طايبي دكتور علم الاجتماع السياسي أن "عزوف المرأة الجزائرية مرده إلى تقاليد اجتماعية بالية بالأساس ترى أن المرأة نصف إنسان"، مشيراً إلى أن "التجربة السياسية للمرأة في الجزائر حديثة وليست عميقة وما حققته مرضٍ لحد الأن لكنه يحتاج لمراجعة قانونية وأخلاقية ومجتمعية".
وكانت أحزاب كثيرة قد صنفت قانون ترقية مشاركة المرأة في الحياة السياسية، بالقانون غير العادل الذي يصنف النساء كعنصر "معوّق" لا يمتاز بالكفاءة الكافية لمنافسة الرجال، ومن بين هؤلاء الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، الذي يظن أن المشكلة "اجتماعية قبل أن تكون سياسية، وتشجيع مشاركة المرأة يحتاج لخطوات مجتمعية أولاً قبل الانتقال إلى تقنين العملية قانونياً".