Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرضاعة الطبيعية... حق للصغار يتجاذبه الكبار بالمنع والمنح

في الغرب وصفت بـ"المشهد المقزز" وعند العرب ربطها كثر بإقصاء المرأة عن العمل والطموح والإبداع وشركات الحليب الصناعي المستفيد الوحيد

جزء من الرضاعة الطبيعية حالة نفسية ومشاعر وأحاسيس لا غذاء فقط (رويترز)

ملخص

أسهم جزء من الحركة النسوية المتشددة في نسويتها في ترسيخ هذه فكرة رفض الرضاعة الطبيعية، وربطها بعبودية المرأة وتشييئها، وركز آخرون الحرب على الربط بين الرضاعة الطبيعية وإقصاء المرأة عن العمل والطموح والإبداع

منتج طبيعي من الألف إلى الياء، ألفُه نمو ووقاية وغذاء متكامل، وياؤه رابطة فريدة وعلاقة وثيقة بين الأم والصغير. وما بينها، قائمة طويلة من فوائد وميزات الرضاعة الطبيعية التي هي من عمر الخلق. لكن بين الخلق من يختار أو يضطر إلى الانصراف عن المنظومة الطبيعية، واللجوء إلى المنظومة الصناعية المسماة بـ"الحليب الصناعي"، وذلك بعد مرور ستة أشهر أو أربعة أو شهر، وأحياناً عقب خروج الصغير إلى العالم.

العالم يحتفي بالرضاعة الطبيعية على مدار أسبوع كامل من الأول إلى السابع من أغسطس (آب) من كل عام. إنه "الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية". سبعة أيام كل عام تتطرق فيها المنظمات الأممية ووزارات الصحة وجمعيات وهيئات الصحة الجسدية والنفسية ورعاية الطفولة والأمومة إلى كل ما يتعلق بالرضاعة الطبيعية من أرقام وحقائق وأكاذيب ونصائح. لكن تبقى الرضاعة الطبيعية بقية أيام العام، وكل عام هدية كل أم إلى صغيرها.

"الرضاعة الطبيعية: هدية الأم، لكل طفل" هو العنوان الذي اختارته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" لورقتها التي تعيد تعريف وتأكيد أن الرضاعة الطبيعية هي أقوى وأهم وأفضل إجراءات تعزيز بقاء الطفل ورفاهه، وصحة الأم وسلامتها.

تشير الورقة إلى أن "الرضاعة الطبيعية تبدأ في الساعة الأولى بعد الولادة. ويفضل أن تكون حصرية (من دون إضافات) لمدة ستة أشهر. تستمر حتى سنتين، وربما أكثر مع إضافة مكملات محسوبة وصحية ومناسبة. هي الأفضل من دون منازع أو منافس".

منافسة الحليب الصناعي شرسة، وحرب الصناعة عاتية، والدق على أوتار الثقافة والمكانة والطبقة لا تفتر، فقط تغير دفتها. دفة الرضاعة الطبيعية ابتعدت عن الدول والمجتمعات التي كانت تعتنقها بصورة شبه كاملة وحصرية، واتجهت صوب مجتمعات ابتدعت قبل عقود فكرة استبدال حليب الأم بالحليب الصناعي لأسباب معظمها "ثقافي" و"اجتماعي".

مشهد مقزز

ثقافياً واجتماعياً، نبذت دول الغرب الرضاعة الطبيعية في أواخر القرن الـ19 وحتى سبعينيات القرن الماضي. سادت أفكار مفادها أن الرضاعة الطبيعية إجراء يتبعه غير المتعلمين والمنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا. وعدها البعض "دقة قديمة" أو عادة مرتبطة بالماضي، إضافة إلى كونه مشهداً مقززاً!

وأسهم جزء من الحركة النسوية المتشددة في نسويتها في ترسيخ هذه الفكرة، وربطها بعبودية المرأة وتشييئها، بل وتشبيهها بالبهائم، وركز آخرون الحرب على الربط بين الرضاعة الطبيعية وإقصاء المرأة عن العمل والطموح والإبداع.

أبدع الرافضون للرضاعة الطبيعية في الترويج للفكرة التي لاقت قبولاً كبيراً في الغرب، وإلى حد ما في بقية دول العالم، لكن بدرجات متفاوتة، كل بحسب عاداته وظروفه الاقتصادية وتركيبته الاجتماعية.

 

من جهتهم، لم يقصر القائمون على صناعة الحليب الصناعي في عملهم، سواء في الشرق أو الغرب. تسويق الحليب الصناعي، باعتباره "البديل الأمثل"، وربما "الأفضل" لحليب الأم ترك ينتشر ويتوسع ويتجذر في شتى أرجاء الأرض على مدار عقود، وذلك باستخدام تقنيات عاطفية مدروسة وقوية تؤثر في الأمهات بشكل بالغ الذكاء، لدرجة جعلت الحليب الطبيعي في مكانة أدنى بكثير من الصناعي.

مليارات الدولارات المنفقة سنوياً على الترويج والدعاية للحليب الصناعي آتت ولا تزال تؤتي بكثير من الثمار. بحسب موقع "ستاتيستا" (المتخصص في بحوث الإنترنت)، فإن العائد في سوق حليب الأطفال عام 2024 يقدر بـ53.57 مليار دولار أميركي. ويتوقع أن تبلغ نسبة الزيادة السنوية 5.61 في المئة حتى عام 2029.

نصيب الأسد يأتي من السوق الصينية، إذ بلغت مبيعات تركيبة حليب الأطفال بحسب أرقام العام الحالي 16.850 مليون دولار. ويتوقع أن تزيد كمية الحليب الصناعي للشخص الواحد 3.2 في المئة في 2025. أما عائد المبيعات فيتوقع أن يصل إلى أكثر من 70 مليار دولار مع قدوم عام 2029.

استهداف تسويقي

أكثر ما يزيد على نصف الآباء والأمهات في عمر الإنجاب والحوامل في ثماني دول حول العالم قالوا إن شركات الحليب الصناعي تستهدفهم بممارسات تسويق مباشرة وغير مباشرة، وهي الممارسات التي يخرق عديد منها المعايير الدولية الخاصة بتغذية الرضع، وذلك بحسب ما ورد في تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية و"يونيسيف" (2022).

يصف التقرير استهداف الآباء والأمهات والحوامل للتأثير في قراراتهم في شأنه تغذية الرضع باتباع "أسلوب منهجي وغير أخلاقي".

استهداف كاسح عبر منصات الـ"سوشيال ميديا" وشبكات المشورة وخطوط المساعدة التي ترعاها صناعة الألبان، إضافة إلى العروض الترويجية والهدايا المجانية، وكذلك الدورات التدريبية للعاملين الصحيين الذين يخضعون لمحتوى يؤثر في التوصيات التي يقدمونها للمترددين على العيادات والوحدات الصحية.

في عيادة طبيب الأطفال تقبع علبة "حليب أطفال" على سطح المكتب، وعلى الجدار خلفه لوحات ملونة تجاور شهاداته التعليمية والتكريمات التي حصل عليها في المؤتمرات والمحافل الدولية. اللوحات جذابة ولطيفة ومؤثرة. رضيع جميل يقف على رأسه وابتسامة رائعة تكسو وجهه البريء وإلى جواره جملة تقول "لست طفلاً، بل أنا مولود حديث، وشركة كذا تعرف ذلك، وتراعيه في الحليب الرائع الذي أتغذى عليه". لوحة أخرى تظهر رضيعة غارقة في نوم عميق، وذلك على ما يبدو نتيجة تناولها الحليب الصناعي المعلن عنه.

نوم الصغير بضع ساعات متتالية حلم يداعب كل أم. وتمتع الصغير بصحة وافرة ووزن مثالي غاية أمل كل أب وأم. وحبذا لو تحقق الحلم وتبلورت الغاية من دون إنهاك الرضاعة، وتذبذب ساعات النوم والحاجة إلى ضخ الحليب اليومي من الأم العاملة. كل هذا وأكثر يتوفر في هذه العلبة الصغيرة السهلة المريحة.

هذه العلبة الصغيرة السهلة المريحة وتوافرها وهيمنتها تصفها منظمة الصحة العالمية بـ"الفشل في حماية أطفالنا وأسرنا من تسويق المنتجات التي تضر بصحتهم ونمائهم". علبة الحليب الصناعي ليست عبوة شامبو أو حذاء أو براد مياه يحصل على "ريفيو" المستخدم وتقييم المتلقي، ويبحث عن أفضل سبل التسويق وأنجعها. إنها السبل التي تصفها منظمات أممية معنية بصحة الصغار والأمهات بـ"أساليب التسويق الخبيثة التي تؤدي إلى فرط الاستهلاك، وتثني عن الرضاعة الطبيعية، وتقوض ثقة الأمهات في أنفسهن، وتستغل فطرة الوالدين في البحث عن الأفضل لأطفالهم لمصلحة شركات تصنيع الألبان".

مصلحة الشركات تتحدث عن نفسها، وذلك على حساب مصلحة الرضع والأطفال والمجتمعات. صحيح أن معدل الرضاعة الطبيعية الحصرية للرضع من دون سن الستة أشهر شهد ارتفاعاً طفيفاً على مدى العقدين الماضيين، فإن مبيعات الحليب الصناعي ارتفعت الضعف.

وتظل هناك فئة من الأمهات والرضع ممن تضطرهم الظروف للجوء إلى الحليب الصناعي، وأبرزها حال الأم أو المولود الصحية التي تحول دون الرضاعة بصورة طبيعية.

حليب الأم لم يتغير

في الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية 2024 لا تزال الحقائق العلمية الخاصة بالرضاعة الطبيعية في مقابل الصناعية سارية المفعول والأثر. الأطفال الذين لا يرضعون طبيعياً أكثر عرضة لخطر الموت 14 مرة من أقرانهم الذين يرضعون من أمهاتهم. ولا يزال المصدر الأول والأهم للتغذية السليمة للمواليد الجدد هو لبن الأم.

ولا يزال نقص التغذية هو سبب 45 في المئة من وفيات الأطفال. ولا يزال 52 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون الهزال في العالم، وهو ما كان يمكن الوقاية منه حال توافرت لهم فرصة الرضاعة الطبيعية.

ولا تزال الرضاعة الطبيعية تقي الصغير أنواع العدوى المعوية، لا يزال لبن الأم أحد أهم مصادر الطاقة والغذاء للصغار دون سن الثانية. ولا يزال قادراً على توفير نصف حاجات الصغير أو أكثر من الطاقة، وذلك في الفئة العمرية من ستة إلى 24 شهراً، وثلث حاجات الرضع من الطاقة في الفئة العمرية من 12 إلى 24 شهراً.

ولا تزال نسبة البالغين ممن رضعوا رضاعة طبيعية، ويعانون السمنة أقل بكثير من أقرانهم من البدناء ممن رضعوا صناعياً. ولا يزال أولئك الذين رضعوا طبيعياً يحققون نتائج أفضل في اختبارات الذكاء. ولا يزال النص الوارد في اتفاقية حقوق الطفل حول حق كل رضيع وطفل في تغذية جيدة ساري المفعول ومطلوباً، وإن لم يكن دائماً متاحاً أو مفعلاً أو حتى مفهوماً ومقدراً.

 

تقديرات الرضاعة الطبيعية في المنطقة العربية صادمة، في المنطقة التي كان يعتقد أنها ترفع راية الرضاعة الطبيعية، وتطبق مبدأ المسار الطبيعي الفطري لتغذية الصغار، وتغلف مرحلة الرضاعة بكثير من الاحترام والاهتمام، وتورث أفكاراً وقيماً وحتى وصفات ومعتقدات، لا تزيد نسبة الرضع دون سن الستة أشهر ممن يعتمدون حصرياً على الرضاعة الطبيعية عن 35 في المئة، وهي النسبة العصية على الزيادة على مدار عقدين كاملين، وهذا يعني أن طفلين بين كل ثلاثة أطفال عرب لا تقتصر تغذيتهما على الرضاعة الطبيعية في هذه المرحلة المبكرة من الحياة.

الحياة في الدول العربية تغيرت كثيراً في العقود القليلة الماضية، صحوة العودة إلى الرضاعة الطبيعية في الغرب في سبعينيات القرن الماضي، التي ألقت بظلال وخيمة على صناعة الألبان الصناعية ومكاسبها المليارية، دفعت الدفة التسويقية صوب مناطق أخرى في العالم، بينها المنطقة العربية. المنطقة العربية ذات الطبقات الاجتماعية المختلفة والانتماءات الفكرية المختلفة تأثرت بصورة واضحة بأجواء الثورة الرقمية ومنصات الـ"سوشيال ميديا"، التي تؤثر وتتحكم في كثير من مناحي الحياة.

كثير من المجموعات والصفحات المخصصة لتلاقي وتواصل الأمهات الشابات أو الباحثات عن نصائح وتجارب مشتركة في مجال الحمل والولادة والرضاعة وتغذية الصغير مليئة، بل ومتخم بإعلانات الألبان الصناعية. بعضها إعلانات صريحة مباشرة، والبعض الآخر تنويهات ومعلومات تدس سم اللبن الصناعي في نصيحة تغذية الطفل.

ليس هذا فقط، بل إن مؤثرات ومؤثرين على الـ"سوشيال ميديا" يستعان بهم للترويج غير المباشر لفكرة الرضاعة الصناعية، وليس بالضرورة نوع بعينه من اللبن الصناعي. الفكرة تكفي.

حداثة الرضاعة

تفسير البعض لـ"الحداثة"، والربط بين المستوى الاجتماعي المتدني من جهة والرضاعة الطبيعية من جهة أخرى، والاعتقاد أن الرضاعة الطبيعية تفسد شكل الجسم، وتراكم الكيلوغرامات الزائدة فيه، وارتباط الرضاعة الطبيعية بالقيود المفروضة على تحركات الأم وقدرتها على السفر والتنقل والاستمتاع بالحياة، والربط بين قدرة الأم على العودة إلى العمل وتعويد صغيرها على الرضاعة الصناعية جميعها أمور دفعت ملايين الأمهات في المنطقة العربية إلى التخلي عن الرضاعة الطبيعية، أو الإسراع في دمجها مع "الطبيعية".

وعلى رغم أن الحليب الصناعي للرضع دون سن الستة أشهر والتبغ هما المنتجان الوحيدان اللذان جرى تخصيص مبادئ توجيهية دولية لمنع تسويقهما للمستهلكين، فإن دولاً عدة لا تلتزم. ليس هذا فقط، بل بعض الدول العربية، بينها مصر، تدعم ألبان الأطفال الصناعية للأطفال حديثي الولادة وحتى عمر سنتين.

يشار إلى أنه يجري تداول نحو 50 مليون علبة لبن أطفال في السوق المصرية، منها 25 مليون علبة تذهب إلى وزارة الصحة والسكان، وتباع للمواطنين بسعر مدعم لا يزيد على خمسة جنيهات مصرية، للرضع حتى سن ستة أشهر، على رغم أن كلفتها الحقيقية تبلغ 150 جنيهاً تتحملها الدولة.

منظمة الصحة العالمية تطالب الدول في مناسبة أسبوع الرضاعة الطبيعية أن تتحمل الدول قدراً أوفر من الدعم والمساندة والتوعية للعودة إلى الرضاعة الطبيعية والإبقاء على الصناعية في أضيق الحدود.

 

أضيق الحدود صارت سمة في عدد من دول المنطقة التي ضربتها صراعات وحروب. أن تكون المرأة أماً، لا سيما لطفل حديث الولادة، في غزة، فهذا أمر بالغ الصعوبة يفرض قيوداً وحدوداً على المفروض والمطلوب.

آلاف القصص الحقيقية الغارقة في التراجيديا تحدث على مدار الساعة في قطاع غزة منذ اندلاع حرب القطاع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. بينها قصة "أيلا" التي يفترض أن تبلغ حالياً 11 شهراً إن كانت على قيد الحياة.

في ديسمبر (كانون الأول) 2023، نقلت "يونيسيف" جانباً من معاناة ياسمين والدة أيلا التي كانت تخطط لصغيرتها قبل أن تولد وقبل اندلاع الحرب أن تحظى برضاعة طبيعية. لكن غاية الأم الوحيدة أصبحت الحفاظ على حياة ابنتها.

قالت الأم لـ"يونيسيف"، "نحن بالكاد نجد الحد الأدنى من الغذاء"، وذلك بعدما اضطرت الأسرة لتخفيض عدد الوجبات اليومية إلى وجبة واحدة فقط للجميع، وهو ما أثر سلباً في قدرتها على الرضاعة الطبيعية. قالت ياسمين، إنها تبذل قصارى جهدها لإرضاع الصغيرة، لكن نظراً للظروف، اضطرت إلى لاعتماد على الحليب الصناعي، وهو باهظ الثمن، ناهيك بعدم وجوده في كثير من الأحيان. ليس هذا فقط، بل إن خلط الحليب بالماء الصالح للشرب أصبح تحدياً حقيقياً.

يبدو الحديث عن مشكلة الرضاعة الطبيعية في حرب غزة، بينما يجري دك القطاع على رؤوس من فيه أمراً هامشياً مقارنة بعداد القتلى والمصابين والنازحين ومشاهد الخراب والدمار. لكن أن تضطر لإرضاع صغيرك حليباً صناعياً مخلوطاً بماء البحر، حال كنت محظوظاً وحصلت على الحليب، فهذا ليس أمراً هامشياً، بل هو كارثي.

الحرب العدو الأول

أرقام يوليو (تموز) الماضي تشير إلى أن نحو 96 في المئة من أهل غزة يواجهون مستويات جوع كارثية، بينهم نحو 50 ألف امرأة حامل. التقارير الطبية تشير إلى ارتفاع معدلات الولادات المبكرة، أي قبل الأسبوع الـ37 من الحمل، وكذلك ولادة الأطفال بأوزان منخفضة جداً. الخوف والقلق والتغذية السيئة والتعب وغيرها تؤدي إلى ولادات صعبة، وظروف بالغة القسوة لرعاية المواليد الجدد، وأبرزها تأمين وتوفير الحد الأدنى من الظروف التي تسمح بالرضاعة الطبيعية.

يقولون، إن الحرب هي العدو الأول للرضاعة الطبيعية، لذلك يجدر تذكر، أن يتيسر تقديم يد العون، لأولئك الذين حرمتهم الحرب من الرضاعة الطبيعية. من اليمن إلى السودان، ومنهما إلى غزة وجنوب لبنان، وقبلها ليبيا والعراق، تصبو الأنظار صوب هذه البلدان التي تتجرع مرارة الحروب والصراعات مرارتين وثلاثاً وأكثر، وبينها مرارة تعثر الرضاعة الطبيعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن الرضاعة الطبيعية في زمن الحروب فيها إنقاذ للأرواح، وتحايل على الحرب لإبقاء الرضيع على قيد الحياة، فإن الأم أيضاً تكون في حاجة ماسة إلى الدعم الغذائي، وكذلك المعنوي والنفسي، وجميعها عادة يكون غائباً.

أبرز الدراسات التي جرى إنجازها على الرضاعة الطبيعية في ظل الحروب كانت في العراق بين عامي 2006 و2011، وجرت فيها المقارنة بين نسب الرضاعة الطبيعية في الأماكن التي كانت تشهد اقتتالات عنيفة جداً، وتلك التي شهدت مواجهات عنيفة فقط.

الرضاعة الطبيعية ليست ماكينة تحويل الغذاء التي تتناوله الأم إلى مكونات تضخ حليباً. جزء منها حالة نفسية ومشاعر وأحاسيس، وجميعها يتأثر سلباً في الحروب والصراعات. لذلك حين يلتفت العالم إلى أمهات يمنيات يعانين من أجل إشباع صغارهن بالرضاعة، أو أمهات فلسطينيات حائرات بين رضاعة طبيعية متعثرة وصناعية أكثر تعثراً في زمن الحرب، أو أم سودانية ممزقة بين النزوح وإرضاع صغيرها، ربما تبدو الصورة أوضح قليلاً.

يشار إلى أن "يونيسيف" تتوقع ولادة 1.3 مليون طفل في السودان خلال العام الحالي، بينما الحرب مستمرة والنظام الصحي على حافة الانهيار.

في الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، يطالب المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية "إمرو" دول المنطقة بالنظر إلى استحقاقات الأمومة، وبينها العمل على عدم إجبار المرأة على الاختيار بين الأسرة وإرضاع الصغير من جهة والعمل من جهة أخرى.

مطلوب تهيئة بيئة تمكينية للأمهات لإرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية. ومطلوب وعلى حصول الأمهات حديثات الإنجاب على إجازة أمومة مدفوعة الأجر تراوح ما بين 18 أسبوعاً وستة أشهر في الأقل، وذلك أسباب عدة بينها دعم الرضاعة الطبيعية، مع تأكيد توفير أماكن للرضاعة الطبيعية وضخ الحليب وتخزينه بأمان. كما تتطرق "إمرو" إلى مسألة حصول الأب على إجازة أبوة مدفوعة الأجر أيضاً بعد ولادة الطفل.

كلمة أخيرة من أهل الاختصاص لأهل المنطقة: الرضاعة الطبيعية، كما يبدو من اسمها، عملية طبيعية، وليست مدعاة للحرج أو القلق، ولا تستحق نظرة دونية أو فوقية. ومن يسخر منها أو يعدها إهانة أو شأناً نسائياً لا علاقة للكوكب به، فعليه مراجعة أفكاره. والأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية فرصة طيبة لمراجعة الأفكار وتصحيحها.شعار الأسبوع هذا العام هو "سد الفجوة: دعم الرضاعة الطبيعية للجميع"، بمن فيهم أولئك الذين يحتاجون إلى تصويب الأفكار ومراجعة التابوهات وتصحيح المسار ووضع حد للخرافات وكذلك التسويق غير الأخلاقي للألبان الصناعية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات