Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خلف أبواب عائلة ترمب الموصدة

كتاب جديد بتوقيع ابن أخيه لا يخفي مطلقاً أنه "عمل انتخابي مضاد لعمه" الذي لم يصوت له قط بل لهيلاري وبايدن

تتداول الأسرة أحاديث عن "سلوك دونالد الأرعن وتصرفاته الطفولية وعدوانيته المفرطة وغضبه المستعر وسروره بالألم" (أ ف ب)

ملخص

ليس فريد ترمب الثالث أول من يكتب من العائلة سيرة كاشفة لها، فقد سبقته إلى ذلك شقيقته ماري بكتابها "الكثير للغاية وغير الكافي أبداً: هكذا صنعت أسرتي أخطر رجل في العالم"، وهو الكتاب الذي وصفه فريد بأنه "خرق للثقة وانتهاك لخصوصيتنا".

فيما يتسارع العد التنازلي نحو الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتجري أحداث بحجم تنحي الرئيس جو بايدن عن المشاركة وتقدم نائبته كامالا هاريس لتحل محله في مواجهة دونالد ترمب، ويتبادل المعسكران المتنافسان مناوشاتهما المعتادة، تقع أحداث لا يكاد يعرف بها غير الأميركيين، وقد لا يمكن لغيرهم الحكم على مدى تأثيرها في السباق الذي شئنا أم أبينا يجدر بالعالم أن يهتم به، لأن العالم كله يخضع بطريقة أو بأخرى لتأثيره، سواء في ذلك حرب كالجارية في أوكرانيا أو أخرى كالجارية في غزة، وسواء في ذلك تكتلات كبرى مثل الاتحاد الأوروبي أو الـ"ناتو" أو دول بعيدة مثل تايوان أو كوريا. ولعل من تلك الأحداث الصغيرة ذات الأثر الكبير المحتمل كتاباً صدر أخيراً في الولايات المتحدة من تأليف فريد ترمب الثالث، ابن شقيق دونالد ترمب الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للرئاسة. هذا الكتاب الحديث عبارة عن سيرة لعائلة ترمب، وقد صدر في قرابة 360 صفحة عن دار "سيمون أند شوستر" تحت عنوان "كل من في العائلة: عائلة ترمب وكيف أصبحنا هكذا".

ليس فريد ترمب الثالث أول من يكتب من العائلة سيرة كاشفة لها، فقد سبقته إلى ذلك شقيقته ماري بكتابها "الكثير للغاية وغير الكافي أبداً: هكذا صنعت أسرتي أخطر رجل في العالم"، وهو الكتاب الذي وصفه فريد بأنه "خرق للثقة وانتهاك لخصوصيتنا"، وذلك في حوار متلفز مع كيتي كوريك، مضيفاً أن "الفارق بين كتاب ماري وكتابي هو أنني عرفت دونالد منذ سنوات تكوينه، وبقيت على مدى السنين على علاقة شديدة الوثوق به وبعمله وبفريقه في البيت الأبيض، في حين لم تقترب ماري قط من هذا المستوى في العلاقة، إذاً فما في كتابي هو قصص حدثت بالفعل".

من القصص التي حدثت بالفعل ويرويها الكتاب قصة محورية عن ويليام ابن فريد الثالث مؤلف الكتاب. ولد ويليام هذا مصاباً بخلل جيني أدى إلى مضاعفات صحية جسيمة، وأهم ما في قصته أن فريد الثالث يحكي أنه "بعد اجتماع في المكتب البيضاوي عام 2020 نوقشت فيه سبل دعم مجتمع المعاقين قال دونالد ترمب [لفريد الثالث] إن "هؤلاء الناس، لكل هذه الكلف، يجب أن يموتوا وحسب".

إمبراطورية ترمب المعتمة

ولا يبدو أن موقف دونالد ترمب من المعاقين ينتهي عند هذا الحد الوحشي، ففي حوار مع كيتي كوريك يقول فريد الثالث "بعد سنوات قلائل اضطررت إلى الاتصال بدونالد لأمر يخص ويليام وتمويل علاجه، فقال دونالد (إنه لا يستطيع التعرف إليك. دعه يمت وانتقل إلى فلوريدا)". يحكي فريد أن ابنه في حقيقة الأمر يمكنه التعرف إليه، ويضيف قائلاً "لا أعرف كيف أشرح قولاً كهذا لأحد. ولا أعرف كيف لامرئ أن يقول كلمات كهذه عن إنسان آخر، ناهيكم بكونه ابناً لابن أخيه".

في تقرير لـ"نيويورك تايمز" كتبته إليزابث هاريس وألكسندرا أولتر قبل أيام من صدور الكتاب، جاء أنه "سوف يضم قصصاً لم تحك من قبل" من شأنها أن "تلقي ضوءاً على الزوايا الأكثر إعتاماً في إمبراطورية ترمب"، ونقل التقرير عن ناشر الكتاب قوله إن دافع الكاتب إلى حكي قصة عائلته هو "الانتخابات المقبلة" واعتقاده أن الكتاب قد "يصوغ قرار الشعب"، وأشار التقرير إلى أن فريد ترمب الثالث "لم يكن ناقداً بارزاً للرئيس السابق".

 

 

وأشار التقرير أيضاً إلى أن ماري وفريد طعنا قضائياً في وصية جدهما فريد ترمب الأول الذي مات عام 1999، إذ زعما أن إخوة أبيهما قد تلاعبوا بالوصية لحرمانهما ميراثهما من جدهما، "ومع احتدام النزاع القضائي، قطع دونالد وإخوته الدعم المالي عن ويليام ابن فريد ترمب الثالث".

يؤكد تقرير "نيويورك تايمز" أن فريد الثالث ظل نائياً عن الصراع الذي نشب إثر نشر أخته كتابها السيري الفضائحي حتى إنه أصدر بياناً أكد فيه متانة علاقته هو وأسرته بالعائلة، نافياً أية علاقة له بكتاب ماري الذي سعت به إلى إفساد حملة عمها الانتخابية عام 2020، إذ وصفته فيه بـ"أخطر رجل في العالم" ووصمته بـ"القاتل الجماعي". وكانت ماري أقامت كتابها ذلك على أساس تسجيلات سرية خاصة بعمتها مارايان ترمب قالت فيها عن دونالد إنه "عديم المبدأ" و"لا يمكن الوثوق به"، وهي شهادة لها وزنها بخاصة إذا جاءت من قاضية، وإن تكن تقاعدت من العمل في القضاء بعد اتهامها بسوء السلوك مما أحبط مخطط دونالد ترمب لتعيينها في المحكمة العليا.

يستهل مايكل كرانيش تقريره عن الكتاب ["واشنطن بوست"، الـ30 من يوليو (تموز) 2024] بتأكيد بعد فريد الثالث عن كل ذلك اللغط والتزامه الصمت، لكن كرانيش سرعان ما يستدرك قائلاً إن "فريد ترمب الثالث بكتابه الجديد يتحول عن صمته، ويواجه عمه سارداً قصة عائلته المختلة منذ بدايتها"، ويحدد كرانيش سر تحول فريد الثالث بالحوار الذي دار بينه وبين الرئيس السابق ترمب عن المعاقين، غير أن الأمر أقدم من ذلك، فهو يمتد إلى مرارة لدى الكاتب من موت أبيه المبكر الذي يلوم فيه أيضاً عمه دونالد، وفي كل الأحوال يكشف الكتاب ما هو أقدم من ذلك كثيراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يستهل بيتر كونراد استعراضه للكتاب ["غارديان"، الرابع من أغسطس (آب) 2024] بقوله "دعكم من قداسة العائلة الإنسانية، ودعكم من رباط الحب فيها. فلو أنكم من عائلة ترمب، فالمؤسسة هي الآلية الملائمة لضمان الإرث، سواء إرث الأصول المالية البراقة أو إرث النقائص الأخلاقية الحادة. فعائلة ترمب سلعة وعلامة تجارية، وحمضها النووي حلزون مزدوج من الجشع والابتزاز والحقد والتناحر".

في كتابه "كل من في العائلة" يقول الكاتب إن من حملوا اسم فريد ترمب يشيرون إلى جده الأكبر باسم (فريد الصفر). ويحكي أن هذا الجد هرب من ألمانيا لاجتناب التجنيد العسكري، وأنه هو الذي أسس الإمبراطورية العقارية بإنشائه سلسلة من بيوت الدعارة في كندا، ثم أعقبه ابنه فريد الأول "فكان مالك عقارات للإيجار في ضواحي نيويورك، وقد أنجب فريد الثاني الذي خرج على العائلة بأن آثر العمل طياراً، ولما تم إنزال رتبته إلى رتبة ترمب من الدرجة الثانية، أدمن الشراب حتى الموت المبكر، فصار شقيقه الأصغر دونالد هو الوريث الواضح للإمبراطورية".

قاتل بـ"ريموت كونترول"

تقوم الترمبية، بحسب ما يقول فريد الثالث، على "ترويج اسم العائلة. فقد كان ترمب الأول يعلن عن البيوت التي يبنيها من خلال يخت يرسو مزيناً باسم ترمب قبالة جزيرة كوني في العطلات الصيفية. ومنذ ذلك الحين أصبح الشعار لصيقاً بفنادق وأندية غولف وشركة طيران فاشلة وجامعة مشوهة وعديد من أندية القمار المفلسة".

تعرض اسم العائلة لتحورات على مدى الزمن، فقد ولد فريد الصفر باسم فريدريتش (درمب) فيبدو الاسم الأخير لبيتر كونراد "أشبه صوتياً بالتجشؤ أو بالعطس"، ويكتب أن الاسم بعد تحويره وتغيير داله تاء بات يستحضر في اللغة الإنجليزية تعبيرات اصطلاحية من قبيلtrump cards  أي "أوراق اللعب الرابحة"، أو trumped-up accusations أي "الاتهامات الملفقة" متسقاً بتلك المعاني الجانبية مع "جشع العائلة الشرس". كما يكتب كونراد أن الاسم الأوسط لفريد الأول كان "كرايست" Christ أي يسوع، وقد أخذه فريد عن أمه الألمانية، "لكنه تخوف من احتمال أن يثير الاسم نفور سكان شققه اليهود في نيويورك فحذف منه حرفاً ليصبح كريست"، وتلك هي الكتابة التي اختارها فريد الثالث عند تعميده ابنه كريستوفر، وقد قرر أنه لن يوجد فريد الرابع، وأن "الوقت قد حان لأن يتوقف العد".

 

 

يرى بيتر كونراد أن مآخذ فريد الثالث على عمه الرئيس السابق أو انتقاداته له أخف وطأة من انتقادات ماري من قبل. ففي حرص منه على مراعاة السلام مع عمه "يتذكر فريد الثالث بشغف زياراته للمكتب البيضاوي، ويفخر بعضويته المجانية في نادي ترمب للغولف". غير أنه يمزج ذلك بحكايات متداولة في الأسرة عن "سلوك دونالد الوقح وتصرفاته الطفولية الغبية وعدوانيته المفرطة ونوبات غضبه المستعر، وسروره بالألم الذي يرجو أن يراه في من يسرق منهم ألعابهم أو بإلقائه ممحاة على معلمه. وقد يبدو ذلك تافهاً لكن هذه الدوافع التافهة لا تزال تؤجج نفس دونالد الهرم الذي يتوق إلى استعادة السلطة، وسوف تتحول إلى سياسات استبدادية انتقامية في حال إعادة انتخابه".

على رغم تسوية الخلاف العائلي على الإرث بموجب تسوية غير معلنة الشروط، يدرك فريد الثالث أن "الدم" بالنسبة إلى عائلة ترمب "لا يمضي إلى أبعد مما يمضي الدولار". وفي معرض حديثه عن وصية الجد يدافع الكاتب عن بروتوكولات "الثروة العابرة للأجيال"، لكن هذه اللغة في ذاتها تعبر عن خلط بين الإرث المالي والإرث الجيني بحسب ما يرى بيتر كونراد، مؤكداً أن "العائلات تتوارث العيوب الخلقية مثلما تتوارث الأوراق المالية والأسهم. ولقد قال فريد الثاني يوماً لابنه إنه (ورث جيناً رديئاً) ونبهه إلى توخي الحذر من الشراب، ويعترف فريد الثالث بأنه قد خاض بالفعل صراعاً مع الكحوليات".

"يثق دونالد، شأن هتلر من قبل، في تحسين النسل. فقد قال مروجاً لنفسه في فعالية انتخابية أقيمت أخيراً في مينيسوتا إنه نتاج أصيل لمثل (تناسل خيول السباق)، ويتصور أن جيناته تجعل منه (عبقرياً شديد الاستقرار)، وهذا الغرور الجنوني يفسر تشنج دونالد حينما يخبره فريد الثالث بأن مرض ويليام ابنه يرجع إلى (نوع من الأمور الوراثية)، فيرد دونالد قائلاً إن (هذا ليس في عائلتنا. فليس في جيناتنا خطأ)".

ويتسق هذا أيضاً مع نصيحته لابن أخيه بأن يترك ابنه ويليام يموت بدلاً من أن ينفق المال على علاجه، فهذه نصيحة طبيعية كما يرى كونراد من "قاتل بالريموت كونترول. لقد حدث بعد موت الإرهابي العراقي أبي بكر البغدادي أن سمع فريد الثالث عمه دونالد وهو يقول لملك الأردن عبر الهاتف (لقد قتلته. قتلته قتل الكلب)".

الحدث الأجلب للعار

إلى جانب أكله مال اليتامى، وتوشك هذه أن تكون "الواقعة الأجلب للعار في الكتاب" بحسب ما ترى لورا ميلر في استعراضها [مجلة "سليت"، الـ31 من يوليو 2024]، وإلى جانب انعدام الإنسانية مثلما يتجسد في نصيحته لابن أخيه بأن يترك ابنه المريض للموت، وإلى جانب ركام النقائص الشخصية المخزية، ثمة فضيحة أخرى تكتسب أهمية كبيرة في أسابيع ما قبل الانتخابات الرئاسية، وبخاصة مع انسحاب جو بايدن من السباق وتقديمه بدلاً منه كامالا هاريس بالذات، وأعني فضيحة العنصرية.

في استعراض لويد غرين للكتاب ["غارديان"، الرابع من أغسطس 2024] يكتب أنه في يوم من الأيام تساءل ستيف بانون عما لو أن ترمب، الذي عمل بانون في حملته الانتخابية ثم في فريقه بالبيت الأبيض، عنصري. لم يسمعه بانون يستعمل كلمة الزاي" وكلمة الزاي [وهذه ترجمتي لـN-word] هي الطريقة التي انتهى إليها الأميركيون لتجنب استعمال كلمة "الزنجي" حرصاً على مشاعر الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، بخاصة أن الكلمة الإنجليزية تساوي الزنجي والعبد. ينقل غرين عن مايكل وولف في كتاب "الحصار" قوله إن "بانون لم يسمع دونالد ينطقها، لكن يسهل عليه تماماً أن يتخيلها على لسانه".

 

 

والآن، في ما يفصلنا عن الانتخابات أقل من 100 يوم يؤكد فريد ترمب الثالث هذه الظنون، فـ"في نوبة غضب جرت كلمة الزاي على لسان ترمب. إذ حدث في أوائل سبعينيات القرن الماضي أن تسبب شخص ما في خدشين على سقف الكاديلاك البيضاء الخاصة بترمب. يتذكر فريد أن (ترمب استاء. يا إلهي، استاء فعلاً. وأتذكره وهو يقول في اشمئزاز: يا للزنوج، انظر ماذا فعل الزنوج)".

استدعت تلك الواقعة إنكاراً تاماً من حملة ترمب الانتخابية عندما أشارت إليها صحيفة "غارديان" البريطانية، إذ وصف متحدث باسم حملة ترمب الواقعة بـ"التلفيق الكامل، وبأن كل من يعرف الرئيس ترمب يعرف أنه لا يستعمل مثل هذه اللغة".

والحق أن ترمب لا يتبرأ فقط من ماضيه هذا، ولكنه مستعد كما بدا أخيراً لأن يمضي في الاتجاه المعاكس دونما ذرة تردد أو ارتباك.

فقد شكك أخيراً في انتماء كامالا هاريس العرقي، إذ قال أمام مؤتمر الاتحاد الوطني للصحافيين السود الذي أقيم في شيكاغو في الـ31 من يوليو، إنها "كانت دائماً من أصل هندي، ولم تكن تروج إلا لأصلها الهندي، ولم أعرف أنها سوداء إلا منذ عدد من السنوات، حينما حدث أن تحولت إلى سوداء، وهي تريد الآن أن تعرف بوصفها سوداء. وإذاً أنا لا أعرف هل هي هندية أم سوداء. لكن لعلكم تعرفون هذا، أنا أحترم هذا وذاك، أحترم هذا وذاك، أما هي فمن الواضح أنها ليست كذلك، لأنها كانت طوال الوقت هندية، ثم فجأة قامت بتحول، ومضت، وأصبحت سوداء".

هذه الواقعة وحدها، وهذه النبرة، وهذا الاستعداد التام للافتراء على منافسته، هذا فقط يثبت أن دونالد ترمب يستحق ابني أخيه، سواء الطيب منهما أو الشرسة، والحق أن فريد الثالث لم يخف مطلقاً أن كتابه هذا، بتوقيت صدوره، إنما هو عمل انتخابي مضاد لعمه، إذ يقول إنه لم يصوت قط لعمه، بل صوت لهيلاري كلينتون ولجو بايدن، مخالفاً قناعاته.

عنوان الكتاب: All in the Family: The Trumps and How We Got This Way 

تأليف: Fred Trump

الناشر: Simon & Schuster

اقرأ المزيد

المزيد من كتب