Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تدير صناعة الأغنية العربية ظهرها للنساء؟

هيمنة ذكورية على مهن التلحين والتوزيع وهندسة الصوت والشاعرات الغنائيات والموسيقيات المعاصرات يبحثن عن موطئ قدم

يبدو كتابة الأغنيات أكثر انتعاشاً بالتوقيعات النسائية على مستوى المنطقة (رويترز)

ملخص

 هل يصنف مجال الموسيقى عربياً على أنه صناعة ذكورية، تكتفي النساء فيه بتصدر الواجهة كمؤديات يستعرضن مهاراتهن الصوتية، بينما صميم المهنة وكواليسها يهمين عليه الرجال؟"

اليوم الطبيعي لمحبي الطرب العربي يتقاسمه صوتان نسائيان هما فيروز وأم كلثوم، اللتان تتنازعان لحظات الصباح والمساء، وتتناوبان على آذان عشاقهما بحسب المزاج العاطفي، إذ تبدو المطربات أكثر حضوراً بالفعل في الثقافة الشعبية الغنائية العربية من خلال هذين الصوتين بشكل أساس، ثم يأتي بعدهما الجميع.

غير أنه في المقابل يتراجع بشكل ملاحظ الحضور النسائي في ما يتعلق بصميم صناعة الأغنية عربياً، فباستثناء الصوت لا نجد تركيزاً على إسهام المرأة العربية في عالم التلحين أو التوزيع الموسيقي أو التأليف الغنائي، فحتى لو كانت هناك تجارب في هذا المجال تخفت وتظهر على مدى حقب منوعة، فإنه يبدو أن هناك اتفاقاً جمعياً بعدم التعامل معها بجدية.

ومع ذلك فالأمر متشابك ولا يمكن إطلاق الاتهامات أو حتى تفسيرها من دون المرور على طبيعته المعقدة بعض الشيء، فمجال الغناء يستمد جزءاً كبيراً من قوته وحضوره بفعل التأثير الجماهيري على ذائقة المتلقي التي قد تتوافق تماماً مع الجودة الفنية أو قد تبتعد منها قليلاً وكثيراً، وكما هو ملاحظ فإن عدداً من هذه التجارب لم تصل إلى المدى الذي يجعلها تفرض نفسها بمقاييس السوق، وبالتالي منح صاحباتها الرغبة والحق في الاستمرارية.

وعليه تبقى التساؤلات مطروحة هل المناخ بالنسبة إلى النساء الصانعات سواء ملحنات أو موزعات أو حتى شاعرات غنائيات طارداً بالفعل؟ أي أنه حتى في مجال منفتح على التجريب ويسعى إلى الخروج من القوالب الشائعة مثل الفن تواجه النساء أيضاً تنميطاً في ما يتعلق بقدراتهن أم هو مجرد التعود؟ أم أن المواهب النسائية نفسها تبرع في جوانب بشدة، بينما تخفت في أخرى في ما يتعلق بما وراء الصناعة التي تبدو عربياً صناعة ذكورية إلى حد لا يمكن إنكاره؟

تجارب باكرة لم تكتمل

دخلت النساء العربيات مجال صناعة السينما باكراً وفي ما بعد الدراما التلفزيونية، إذ لم يكتفين بالتمثيل أمام الكاميرا فقط، وذلك منذ بدايات العصر الذهبي للفن السابع، وبالتالي حصدن نتائج استمراريتهن في هذه الصناعة، وبات وجودهن بها معتاداً، واكتسبن خبرات تراكمية أفسحت لهن المكانة.

لكن في المقابل تبدو جهودهن في محاولات دخول مجال صناعة الأغنية متعثرة ومتقطعة، على رغم أن مبادرات المرأة العربية في التأليف الموسيقي جاءت في وقت باكر للغاية منذ مطلع القرن الـ 20 على يد أسماء مثل بهيجة حافظ ونادرة أمين واللبنانية لور دكاش والسودانية أسماء حمزة وعواطف عبدالكريم ومنار أبو هيف.

كما أن لأم كلثوم أكثر من تجربة تلحينية بينها "يا عيني على الهجر" أواخر العشرينيات، و"يا ريتني كنت النسيم" منتصف الثلاثينيات، وكلتاهما من كلمات الشاعر أحمد رامي، وكما هو ملاحظ فإنهما ليستا أبداً من بين قائمة أغانيها الذائعة الصيت، بل إن المعرفة بهما تقتصر عادة على المتخصصين والباحثين.

واللافت أنه بدا وكأن الفنانات استسلمن تماماً بعد هذه الحقبة واكتفين بالغناء عنصراً يمنحهن الاستحواذ على المشهد، وتصدر الواجهة لعالم الموسيقى، بينما الكواليس كانت تمتلئ بتدخلاتهن سواء في جمل لحنية أو أفكار شعرية أو حتى إسهامات مباشرة في التوزيع والهندسة الصوتية، لكن لم تخرج هذه اللفتات عن الإطار الذي جرى تأطيره سلفاً، فلم يرغبن في خوض مغامرة احتراف أي من مجالات الصناعة الأخرى.

مواجهة النمطية

وخلال الأعوام الأخيرة قررت المطربات كسر هذا الحاجز باقتحام علم التلحين بينهن الفلسطينية كاميليا جبران وعايدة الأيوبي ورشيدة الحارس، والأخيرة قدمت في أوائل الألفية عدداً كبيراً من الأعمال ذات الجماهيرية لأسماء لامعة مثل عمر دياب وإليسا ولؤي وليلى عفران.

وما يميز تجربة الحارس أنها كانت تلحينية بحتة، ولم تأت على هامش احترافها الغناء مثلما هو معتاد، وبالتالي فكانت ألحانها تصدح بأصوات غيرها، بخلاف غالبية المطربات اللاتي امتلكن ملكة التلحين من الجيل المعاصر، منهن فيروز كراوية التي قدمت لنفسها 25 لحناً تقريباً منها "الحلو ماشي وشالك وقلة المزاج"، والأخيرة حققت نجاحاً ملاحظاً، حينما طرحت قبل نحو سبعة أعوام.

ولم تكتف المطربة فيروز كراوية، التي لديها عدد من الأبحاث والكتابات حول تاريخ هذه الصناعة وتراثها، بالغناء والتلحين، إذ كان لها تجارب في كتابة الأغنيات أيضاً مثل "وسط البرد"، لكن حتى الآن تبقى محاولاتها لنفسها ولم تستكشف موهبتها التلحينية مع أصوات آخرين، معتبرة أنه بالنسبة إلى التلحين وحتى باقي الوظائف في صناعة الموسيقى مثل هندسة الصوت وحتى كتابة الأغنيات "الرجال لهم السيطرة"، مشيرة إلى أنه يكون لدينا عدد من الشاعرات، لكنهن أقل بكثير جداً من نظرائهن الشعراء.

وتعتقد كراوية في حديثها إلى "اندبندنت عربية" أن السبب في ذلك "طريقة تدريب المطربات بشكل عام منذ بداية دخولهن الساحة وتقديم أدائهن أمام جمهور مختلط، إذ إن الاهتمام ينصب على الصوت وتقديم أنفسهن مطربات على المسرح من دون منحهن أي تعليم موسيقي"، موضحة أن "التدريب يحدث بخاصة على يد مدرس موسيقى، سواء من الأسرة مثلما حدث عائلة ليلى مراد الفنية، أو حتى الاستعانة بموسيقي محترف من خارج الأسرة".

وتضيف كراوية صاحبة كتاب "كل ده كان ليه" الذي يبحث في سيرة الأغنية المتصدرة التي يلتف حولها الناس، أن "غالبية المطربات احترفن عملهن من الأساس بدافع الحاجة المادية في هذا العصر، كما أن الالتحاق بأكاديميات الموسيقى كان يمثل نوعاً من الوصمة بالنسبة إلى النساء، لكن مع التطور الاجتماعي دخلت الطالبات تلك المعاهد إلا أن الشائع أن يتخرجن منها ويكتفين بتدريس الموسيقى، وهو ما ترجم في مجال العمل على أرض الواقع، فهناك صعوبات بالغة لاحتراف النساء التلحين لأن هناك مفهوماً معتاداً جرى الاستسلام إليه بأن السيطرة في هذه الفنون رجالية باعتبارهم الأكثر معرفة، وعلى النساء أن يكتفين بالأداء الغنائي".

ريادة رجالية

وفي محاولتها تفسير ندرة ظاهرة الملحنات العربيات، لفتت فيروز كراوية النظر إلى نقطة مهمة وهي أن هذه المهن في المنطقة كان الرجال سباقين إليها نظراً لطبيعة المجتمع في هذه العصور حين لم يكن يسمح للنساء بالخروج والاختلاط من الأساس إلا في أضيق الحدود، وبالتالي فالمطربون كانوا الأكثر خبرة وظهوراً ولديهم فرص التزود بالعلوم الموسيقية والفنون الأدائية، وبعد هذا جاء دور النساء اللاتي تعلمن الأداء وأصوله على يد رواد هذه المهنة من الرجال، ولم تتح لهن فرصة الدراسة العلمية إلا في ما بعد عبر محاولات نضالية، مثل بهيجة حافظ التي تحدت تقاليد عائلتها وذهبت إلى فرنسا للدراسة، لتعود وتعمل في مجال التأليف الموسيقي للأفلام.

وبشكل عام فالتلحين موهبة تحتاج إلى الدرس لكنه يخضع لمعايير أخرى أيضاً، ويعتقد أستاذ النقد الموسيقي في معهد النقد الفني الأكاديمي أشرف عبدالرحمن أن الموهبة مهمة في هذا المجال، لكن المنتج النهائي والاستمرارية في المجال "بحاجة إلى متطلبات كثيرة، ربما لا تتوافر عادة في حياة المرأة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وربما يذهب أستاذ النقد الموسيقي إلى سبب يبدو غير متوقع بالنسبة إلى بعضهم، مشيراً إلى أنه على رغم المحاولات النسائية في هذا المجال إلا أنها بلا شك "مهنة رجالية في المقام الأول"، لأنها في رأيه بحاجة إلى "تفرغ كامل"، والمرأة لديها "التزامات حياتية متداخلة ومتنوعة"، كما أنها بطبيعتها تركز في أكثر من شيء، والتلحين على العكس بحاجة إلى صبّ كل الاهتمام على النغمات، وهذه أمور "ترتبط بالتركيبة الفسيولوجية".

ويستشهد عبدالرحمن في حديثه إلى "اندبندنت عربية" بفرقة الثلاثي المرح الغنائية الشهيرة التي تكوّنت من ثلاث مغنيات في الستينيات، إذ يشير إلى أنهن وعلى رغم نجاحهن الساحق، فإنهن "تفرقن والفرقة انتهت لانشغالهن بأمور مجتمعية كثيرة أعاقت تركيزهن في عملهن الفني"، مضيفاً "لهذا توقفت أم كلثوم عن محاولات التجريب في التلحين واكتفت بعظمتها مطربة، وغيرها كثيرات كررن التجربة لكنها لم تدم ولم تستمر بسبب طبيعة والتزامات المرأة العربية، وحتى على المستوى العالمي فعدد المؤلفات الموسيقيات البارعات نادر للغاية، وأسماؤهن لا تضاهي أبداً نظراءهن من الرجال، مثل بيتهوفن وموتسارت وباخ وغيرهم".

لكن في الأقل فإن كثيراً من المغنيات العالميات، بخاصة في هذا العصر، يفضلن أن تكون تجربتهن الموسيقية عليها بصمتهن متكاملة، فهن يغنين ويصنعن الموسيقى، ويكتبن الكلمات أيضاً، وحتى عربياً بات هذا التوجه رائجاً، فهناك مطربات أكثر جرأة ورغبة في إثبات مواهبهن الموسيقية والشعرية، فبخلاف فيروز كراوية هناك سمر طارق ودينا الوديدي ويسرا الهواري، إضافة إلى المؤلفة الموسيقية سارة فخري.

وكذلك هناك أسماء لمع نجمها في التأليف الموسيقي مثل السورية ليال وطفة والأردنية سعاد بشناق، وكذلك عازفات بارعات على آلات شديدة التميز مثل منال محيي الدين عازفة الهارب، ونسمة عبدالعزيز عازفة الماريمبا والدكتورة إيناس عبدالدايم عازفة الفلوت، ومع ذلك فهي لا تزال أسماء قليلة للغاية مقارنة بالعدد الهائل للموسيقيين الرجال.

الشاعرات أكثر حظاً

ويبدو حال الضلع الأساس الثالث في صناعة الأغنية وهو كتابة الأغنيات أكثر انتعاشاً بالتوقيعات النسائية على مستوى المنطقة، وحتى خلال الفترة الأخيرة ظهرت تجارب عدة حققت من خلالها الشاعرات خطوات للأمام قربتهن أكثر من الجمهور، مثل الشاعرة اليمينة جومانا جمال التي تعاونت مع نوال الكويتية وعبدالله الرويشد، وأيضاً مع كاظم الساهر بأغنية "مررت بصدري" ضمن ألبومه "مع الحب"، وهو الألبوم ذاته الذي تضمن أغنيتين حققتا اهتماماً جماهيرياً وهما "رقصة عمر"، و"لا تسألي" للشاعرة الفلسطينية دارين شبير التي قطعت بهذا التعاون شوطاً ملموساً نحو دخول معترك تلك الصناعة، إذ تعتبر أن تعاونها مع كاظم الساهر كان حلماً.

ولا تنكر شبير، صاحبة دواوين "ضمير منفصل" و"عبث" و"تولى" و"تستمر القافلة"، أن اللمسة النسائية الإبداعية حاضرة في مختلف المجالات، والبصمة الأنثوية أثبتت وجودها وتميزها وقدرتها على المنافسة، خصوصاً بعدما أثنى كاظم الساهر على قصيدتها "لا تسألي"، لكن الواقع يقول إن الإسهام النسائي في صناعة الأغنية قليل جداً ولا يتناسب مع حجم المواهب.

وتقول شبير في حديثها إلى "اندبندنت عربية" إن "عدد النساء في مجال صناعة الأغنية بالفعل يظل قليلاً مقارنة بالعنصر الرجالي الطاغي، فصناعة الموسيقى هيمن عليها الرجال الذين كان لهم دور واضح في تطوير المنتج الموسيقي، وعلى رغم ذلك لا نستطيع أن ننكر حقيقة وجود كثير من المواهب النسائية في هذا المجال، إلا أنها لم تلق الدعم الكافي، ولم تتم تنميتها بسبب بعض الموروثات والعادات والتقاليد التي لا تحبذ التحاق الفتيات في المجتمعات العربية بمجال صناعة الموسيقى والأغنية لعدم تناسب أوقات هذه المهن مع حاجات الأسرة، ودفعهن نحو مجالات أكثر جدية توائم حاجات المجتمع ومتطلباته مثل التدريس مثلاً، وتتلاءم مع أوقات العائلة ودور الأم في بيتها وبين أبنائها".

ولا تنكر دارين صعوبة مشوارها حتى دخلت هذا المجال، "عملت جاهدة على تطوير أدواتي الشعرية وتثقيف نفسي في هذا المجال، وسهرت طويلاً وقرأت كثيراً لأتمكن من خلال إنتاجي من إثبات حضوري على الساحة الشعرية بشكل خاص والفنية بشكل عام".

وأخيراً حققت الشاعرة نور عبدالله حضوراً في هذا العالم بعد الصدى الذي صاحب أغنيتها "أسكت" التي غنتها الفنانة أنغام بألبوم "تيجي نسيب"، وهي أغنية تعبر عن قوة النساء في مواجهة الشريك المراوغ، وقد مثلت كعديد من أغنيات الألبوم حال القوة والمواجهة لدى المرأة حينما ترفض الاستغلال العاطفي، وتعتبر نور عبدالله من النماذج المؤثرة في عالم صناعة الأغنية العربية بأعمال لشيرين عبدالوهاب وريهام عبدالحكيم وكارمن سليمان وكايروكي ومحمد محسن وحمادة هلال.

فيما أنغام تقدم في الألبوم ذاته تعاوناً آخر مع شاعرة ثانية وهي هالة الزيات في أغنية "أنت مين"، والزيات سبق وتعاونت مع أصالة نصري وتامر حسني وغيرهما، وبشكل عام تميل أنغام لإعطاء الفرصة للشاعرات للتعبير عن حالات معينة في القصص الرومانسية، فمن بين أنجح أعمالها على سبيل المثال "شنطة سفر" من تأليف فاطمة جعفر، و"أنا بكره الموسيقى" لكاترين معوض.

وبالطبع فمجال الشعر الغنائي يبدو أكثر رحابة في ما يتعلق بالعنصر النسائي، إذ إن الشاعرات مقارنة بالملحنات لديهن تاريخ طويل في عالم صناعة الأغنية العربية، وإن كانت تجاربهن لا تزال قليلة عدداً، لكنها مؤثرة وبينهن علية الجعار ومنة القيعي وسهام الشعشاع وكوثر مصطفى، والأخيرة قدمت ثنائية شديدة الثراء مع الفنان محمد منير.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات