Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ناجون من إبادة التوتسي في رواندا يستعيدون لحظات مأسوية

أيتام "قوافل الحياة" يروون تفاصيل إنقاذهم بعد 30 عاماً على المذبحة

وقفة بالشموع في رواندا إحياء للذكرى الـ30 على الإبادة الجماعية للتوتسي (أ ف ب)

ملخص

كان عديد الناجين من المذابح يضعون ضمادات والموت يتربص بهم عند كل نقطة تفتيش يسيطر عليها رجال ميليشيات الهوتو المتطرفة.

بعد 30 عاماً على الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا يروي يتامى فقدوا عائلاتهم آنذاك تفاصيل حياة كانت معلقة بحبل نجاة القوافل الإنسانية السويسرية التي نظمت في ظروف مأسوية، ويسلط عليها الضوء للمرة الأولى.

وتم تبني هؤلاء الأيتام في فرنسا. وقطعوا خلال ثلاثة عقود من الزمن بشجاعة أشواطاً كبيرة في حياتهم، وتمكنت وكالة الصحافة الفرنسية من لقاء عدد منهم.

وتروي الكاتبة الفرنسية الرواندية بياتا أوموبيي ميريسي قصة القوافل الإنسانية في مؤلفها الصادر خلال العام الحالي بعنوان "القافلة"، وكانت واحدة من الناجين من جحيم الإبادة الجماعية وأنقذتها قافلة في الـ18 من يونيو (حزيران) عام 1994، في عمر الـ15 برفقة والدتها.

استغرق التحقيق الذي أجرته الكاتبة أعواماً واستندت إلى "ذكريات مشتتة" وأعادت بناء تفاصيل وأحداث عملية إنقاذها و"أطفال القوافل" الآخرين، بهدف "استرجاع" جزء من تاريخهم ورد الجميل لأشخاص ساعدوهم ومنحوهم الحياة من جديد.

خلفت الإبادة الجماعية ضد أقلية "التوتسي" في رواندا التي نفذها نظام "الهوتو" المتطرف الذي كان يمسك بالسلطة خلال تلك الفترة، ما يقارب مليون قتيل بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) 1994.

كانت عملية إبادة منظمة ارتكبها خصوصاً الجنود وأفراد ميليشيات "إنتراهاموي" واستهدفت السكان من أقلية "التوتسي" وطاولت رجالاً ونساء وأطفالاً ورضعاً ومسنين من دون استثناء.

وبين يونيو ويوليو 1994 أُنقذ ألف طفل خلال اللحظات الأخيرة من موت محقق بفضل قوافل إنسانية نظمتها منظمة "أرض الإنسان" السويسرية غير الحكومية والتزام عديد من الأجانب والروانديين وشجاعتهم، ومن بينهم عاملون في المجال الإنساني وقنصل وصحافيون وكهنة وراهبات تمكنوا من التسلل إلى بوروندي المجاورة.

كان الأطفال في دور أيتام أو مراكز استقبال بعضهم منذ قبل وقوع المجازر وآخرون من أيتام التوتسي الذين تعرض آباؤهم للتصفية أثناء الإبادة الجماعية. ونقلوا بحافلات كبيرة أو شاحنات مكتظة جلسوا فيها على الأرض وأجسادهم الضعيفة ملتصقة ببعضها بعضاً.

كان عديد الناجين من المذابح يضعون ضمادات والموت يتربص بهم عند كل نقطة تفتيش يسيطر عليها رجال ميليشيات الهوتو المتطرفة.

وتظهر صور تمكنت بياتا من العثور عليها نظرات أطفال وقد تمكن منهم الخوف والذهول، يحدقون في المصور من داخل الشاحنات أو عند وصولهم إلى بوروندي.

وقامت بياتا ووالدتها برحلة العبور معظم الوقت "مستلقيتين على أرضية شاحنة" وتمت "تغطيتهما بالأقمشة"، لأن السلطات الرواندية كانت تعطي موافقتها على إنقاذ الأطفال دون عمر 12 سنة فحسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعند كل حاجز حين يفتح عناصر الميليشيات أبواب الشاحنة كان الأطفال يتكدسون فوق بياتا وأمها، اللتين كانتا تحبسان أنفاسهما للتخفي قدر الإمكان.

وساعد جان لوك إيمهوف الناشط السويسري في المجال الإنساني والذي عمل في منظمة "أرض الإنسان" غير الحكومية لمدة 30 عاماً الكاتبة في بحثها في أرشيف المنظمة.

وعمل إيمهوف في رواندا خلال عامي 1993 و1994 (خصوصاً أثناء الإبادة الجماعية، حتى الـ18 من أبريل) لمصلحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ثم عاد إلى هناك خلال عام 1995، في مهمة لمصلحة منظمة "أرض الإنسان".

ويتذكر أن تنظيم القوافل كان "فوضوياً حقاً" لأن الإبادة الجماعية كانت متواصلة منذ أسابيع. ويقول إنه، مع تقدم القتال "أصيبت القوات المسلحة الرواندية وقوات إنترهاموي بالجنون"، و"شعرت بالهزيمة الوشيكة وأصبح مصير هؤلاء الأطفال مهدداً أكثر".

ويتابع "وجدت منظمة أرض الإنسان نفسها في مواجهة وضع لا يصدق، مسؤولية التكفل بهؤلاء الأطفال الذين يزيد عددهم على الألف"، مضيفاً "كان معظمهم أطفالاً صغاراً تراوح أعمارهم بين خمس و10 سنوات، فضلاً عن الذين تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات... وأصيب عدد من أطفال التوتسي وتلقى عديد منهم ضربات بالمناجل".

واتخذت المنظمة غير الحكومية قرارها بالتنسيق مع منظمات ومؤسسات إنسانية دولية أخرى، بتنظيم خروجهم الذي كان محفوفاً بالأخطار.

القافلة الأولى

وصلت القافلة الأولى بداية يونيو إلى الحدود أخيراً ورُحب بالأطفال في بوروندي. لكن قافلة الـ18 من يونيو لم يكن في الإمكان تنسيقها مع الصليب الأحمر، لذا "كانت معرضة لخطر أكبر".

ويروي إيمهوف أن "القافلة كانت تتقدم بصعوبة شديدة. وكانت هناك حواجز على الطرق حيث كان الجنود يخرجون الأطفال ويقومون بحركات توحي بأنهم ينفذون عمليات إعدام وهمية. كانت تسير إلى مصير مجهول والأطفال يخاطرون بحياتهم عند كل حاجز".

ويتحدث الناشط عن "صدمة" ظلت راسخة في أذهان عديد منهم حتى عند وصولهم إلى فرنسا، مشيراً إلى أن عديداً من الأطفال والأيتام الذين تم تبنيهم لاحقاً "رأوا بأعينهم آباءهم وأفراداً من عائلاتهم يذبحون".

ويقول "كانت حياتهم اليومية تقوم على النجاة من الموت مرات عدة خلال اليوم الواحد، وكانت معلقة بخيوط هشة". ويتابع "كان الأمر الأكثر تعقيداً إقناع هؤلاء الأطفال بأنهم لم يعودوا محاطين بالقتلة".

وعلى رغم مرور 30 عاماً على تلك الأحداث المؤلمة لا تزال كلير أوموتوني وهي واحدة من "أطفال القافلة" مع شقيقاتها الأربع، تتذكر تفاصيل ما حصل.

 

وتقول "تلقينا مكالمة هاتفية بين الساعتين السابعة والثامنة ليلاً خلال أبريل من شخص تعرف والدي على صوته. وعرف أنه أحد أعيان بوتاري (جنوب) وقد قال له (دقت ساعتك)".

وطلب الأهل من بناتهم مغادرة المنزل على الفور فلجأت كلير البالغة من العمر آنذاك 17 سنة وأخواتها إلى أماكن مختلفة طردن منها خلال وقت لاحق.

وتتحدث كلير بينما يتقطع صوتها بتنهدات حين تغوص في تفاصيل صور وذكريات عبور الهاوية.

وجدت كلير نفسها وبصورة مفاجئة ربة أسرة ومسؤولة عن شقيقاتها الأربع بعد مقتل والدتها "بوحشية لا يمكن تصورها" خلال الـ26 من أبريل ثم والدها في الـ10 من مايو (أيار). ولجأت كلير إلى مدرسة كاروبانجا حتى عملية إجلائها خلال الثالث من يوليو مع أيتام آخرين.

وتقول كلير التي تعيش اليوم في كندا "سقطت القنابل قرب المدرسة التي كنا نقيم فيها خلال هذه الفترة مع عديد من الأيتام، وكان الأطفال يعانون جميع أنواع الإصابات، جسدية ونفسية، وكان الأمر مرعباً".

وتروي أنه خلال عملية الإجلاء "كان هناك كثير من مرتكبي الإبادة الجماعية على الطريق يحاولون الفرار بالمطارق والسواطير وجميع أنواع الأسلحة. كانت فوضى عارمة حقاً لأن الجبهة الوطنية الرواندية كانت بالفعل على أبواب بوتاري، لكن كان لا يزال هناك عدد من مرتكبي الإبادة الذين يريدون قتل التوتسي".

وتتذكر بوضوح "الحواجز الأربعة" التي أقامتها عناصر الميليشيات و"هراواتهم وسكاكينهم الكبيرة... وشعورنا الدائم بالخوف. وصلت إلى الحدود بمعجزة".

حياة جديدة

وفي نهاية المطاف، وصلت كلير وأخواتها عند نساء من عائلتهن الكبيرة. وتقول "قررت عائلتي أن ترسلني إلى كندا عام 1999 لبدء حياة جديدة، وشرعت في إعادة بناء حياتي".

وخلال عام 2007 عادت كلير إلى رواندا للمرة الأولى لدفن والديها اللذين أمكن التعرف عليهما، قائلة بصوت مكسور "من حسن حظنا أننا دفناهما بكرامة، في الأقل نعلم أننا عثرنا عليهما".

ومنذ ذلك الحين "اخترت المضي قدماً، اخترت عدم الوقوع في الجنون وهذا كل شيء".

وخلال التاسع من يونيو الماضي، التقى عديد من أطفال القوافل السابقين وبينهم شخص من كيغالي للمرة الأولى بعد 30 عاماً مع ناشط إنساني سويسري وصحافيين شاركوا في إنقاذهم. وكان الاجتماع مؤثراً للغاية، ونُظم في النصب التذكاري للمحرقة داخل باريس، وحضرته وكالة الصحافة الفرنسية.

وقالت كلير عن النشطاء والصحافيين "إنهم أبطالنا، قاموا بعمل لا يصدق من خلال المخاطرة بحياتهم أيضاً".

وعندما تحدثت نادين أوموتوني نديكيزي التي تعيش الآن في بلجيكا عن قافلة الثالث من يوليو التي أخرجتها من دار الأيتام حيث لجأت عندما كانت في التاسعة من عمرها، انهارت الدموع. وشكرت نادين منظمي القوافل على "شجاعتهم".

وتابعت "نحن اليوم هنا بفضلكم، لأنكم لم تستسلموا خلال تلك الفترة". وشكرت بياتا على عملها الذي سمح لها بمعرفة "أخيراً" من هم أبطال عملية الإنقاذ هذه.

 

وروت نادين أنها عندما وصلت إلى دار الأيتام رأت طفل جارتها الذي كانت تعتني به من قبل وقد نجا من هجوم، لكنه أصيب بجروح خطرة في الرأس.

وأضافت "في السابق كان الطفل يتكلم ويعرف كيف يمشي لكنه نسي كل شيء وكان عليه أن يتعلم كل شيء من جديد. فقلت لنفسي كيف باستطاعة الكبار أن يفعلوا هذا؟ أنا لا أريد أن أكبر لأصبح مثلهم".

وتابعت بصوت حزين "أعتقد أنه بفضل هؤلاء المنقذين استعدت الأمل، فقد حافظوا على قيمهم على رغم أنه كان عليهم إنقاذ حياتهم وحماية أنفسهم أولاً".

وقالت "تمت إبادة والدي هذا الطفل... أشكركم وهذا لا يكفي بعد ما قمتم به، لقد أنقذتم إنسانيتنا ورغبتنا في المضي قدماً".

وتبين لبياتا أن 30 عاماً "هي فترة خاصة جداً. إنها محطات مختلفة في القصة لكن في الوعي إنها دورة حياة، إنها جيل"، مشيرة إلى أنها لم تعثر على عديد من الأشخاص الذين كانوا جزءاً من "قوافل الحياة" حتى بعد صدور كتابها.

وتتابع "من المهم جداً أن نروي ما حدث... ونحن نتقدم في السن ومن واجبنا أن نروي".

وتقول كلير أوموتوني إنها قامت ببناء "عائلة جميلة" ومسيرة مهنية ناجحة، مضيفة أنها طوال الأعوام الـ30 الماضية "اخترت أن أعيش من أجل الذين قتلوا على رغم أنهم لم يكونوا مذنبين، من أجل العيش بكرامة والصمود في وجه مرتكبي الإبادة الجماعية".

وتخلص "اخترت المضي قدماً، لكنني لن أنسى".

المزيد من متابعات